جملة اعتراضية !!

 


 

منى أبو زيد
28 September, 2011

 



هل اندثرت موضة فتاوى المناسبات ؟! .. تلك التي كانت على غرار تحريم سفر الرئيس والتصويت للشيوعيين والنساء وانفصال الجنوب ومديح المرأة واستخدام صور الفتيات في الإعلان ؟! .. من يفعل بنا معروفاً فيفتينا في كراهة حديث القائد السياسي بغير ما قل ودل .. أو عدم جواز الاستطراد وحرمة الجمل الاعتراضية في الخطب السياسية التي تتناول دارفور والنيل الأزرق ودولة جنوب السودان منعاً للفتن القومية وسداً للذرائع السياسية ..؟!

الجملة الاعتراضية هي آفة السياسية السودانية، يمضي الحديث في أمن الله ثم تعترض طريقه الشعارات والهتافات والحماقات التي ندفع أثمانها دونما ذنب أو جريرة سوى استسلامنا لنهج استعداء العالم علينا إنابة عنا .. حتى كدنا أن نتظاهر في الشوارع منادين بفضائل صمت الكبار ومنددين بمصائب الثرثرة التي تتخطى رؤوس قائليها لتنهال على رؤوسنا نحن ..!

كونفوشيوس فيلسوف الصين مجَّد الصمت فقال: "كلمة قلتها رصاصة أطلقتها، فرصة أضعتها" .. والمتنبي العظيم نصَّبه سلاحاً قاتلاً فقال: "وأتعب من ناداك من لا تجيبه .. وأغيظ من عاداك من لا تشاكل" .. وقواعد القانون انتصرت لدوره في تمثيل الكلام فقالت: "السكوت في معرض الحاجة إلى بيان يعتبر بيان" .. والسنة النبوية أنذرتنا بأننا سنكب على وجوهنا في النار حصائد ألسنتنا.. أفتونا في تطبيق الشريعة على جريمة الثرثرة السياسية، وإقامة الحد "تعزيراً" على كل سياسي ثرثار .. !

مجلة الفورين بوليسي التي تصدر قائمة بالدول الفاشلة والتي احتل السودان المركز الثالث في قائمتها للعام الثالث على التوالي، أصدرت  قائمة بأغرب الخطابات التي ألقيت على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي أكثر الخطباء "جموحاً" ..!
أكبر سياسي ثرثار كان سفير الهند الذي ألقى في مجلس الأمن خطبة مدتها ثمان ساعات موضوعها أزمة كشمير المتصارع عليها مع باكستان وقتئذ .. يليه الرئيس الكوبي فيدل كاسترو الذي استغرق خطابه الذي شجب الإمبريالية الأمريكية مدة أربع ساعات متواصلة .. ثم القذافي ثرثار العرب الذي مزق ميثاق الأمم المتحدة ودعا إلى تسمية مجلس الأمن بمجلس الإرهاب .. وهذه القائمة خير دليل على أن الكلمات لا تموت ..!
ولو فكرت المجلة بإصدار قائمة بأكثر الخطب السياسية المحلية جموحاً وغرابة فلن  تجد من هو أكثر جدارة واستحقاقاً بتصدر القائمة من السياسي السوداني الذي يتفوق على غيره بأنه يعتبر الكلام في حد ذاته إنجازاً كافياً لدحر الأعداء والنهوض بالأمم ..!
ثم نسأل بعدها لماذا ابتلانا الله بتمثيل سياسي - لا يملك حق الفيتو ولا تؤثر قرارات تجارته الخارجية في اقتصاد العالم ولا تغير مواقفه المؤيدة أو المنددة في مصائر الدول، ومع ذلك - يشتكي قادته من سادة العالم الجدد الذين لا يطيقونه لله في لله ..!

منى أبو زيد
mnaabuzaid2@gmail.com

 

آراء