جوع يعض العظم

 


 

عمر العمر
8 January, 2025

 

عوضا عن بذل جهود ناجعة بغية إنهاء معاناة السودانيين الملتهبة بنارالحرب، تلجأالرؤوس الخربة إلى إضافة حطب اختلالات يزيد اشتعال الأزمة حول الشعب .. فما قيل علىلسان وزير المالية في شأن معالجة الوضع الاقتصادي للدولة لا يتطلب تثبيتا أو نفياً. فهوشريك أساسي في الحرب وتداعياتها. كما أن اختلال موازنة الدولة إبان الحروب ظاهرةسياسية منذ الحرب العالمية الأولى . عادة ما تتبنى الحكومات المنهكة خيارات مؤلمة علىالصعيد الوطني بغية مواجهة نقص المال والائتمان اللازمين لتمويل المعارك طويلة الأمد. ثمةخيارات تبدو أكثر إغراءاً لأنها ذات عائدات عاجلة وآلام ليست آنية. أو ربما ليست مرئية منجانب العقول الخربة مديرة ماكينة الحرب المدمرة ودولاب الدلة المعطوب.لكنها غائرة فيالعمق و إن برزت إلى السطح لاحقا. من لا يعضه الجوع من الشعب حاليا يكابد حتماً وجعفجوة غذائية حادة. القضية ليست في شح المصادر بل في فقر العقليات .فما بالك بمواطن لايجد ماءاً يروي الظمأ في بلد تتعدد فيه الأنهار والروافدوتغرقه الأمطار.

*****

عندما ترتبك عمليات الاقتصاد و تتعطل دورات الإنتاج بصفة خاصة تحت الحرب تشح موارد الدولة. حينما يطول أمد العمليات العسكرية دون حسم مقابل زيادة كلفة الإنفاق يصبح البحث عن مخارج سلمية أو عسكرية ضرورة حتمية. عندما يكون خيار الدولةالإصرار على التوغل في الحرب لا يكون ثمة بديل للبحث عن مصادر للتمويل . هذا إطارحال (دولتنا )الراهن . فبينما تتدنى الموارد تترهل كلفة الإنفاق على الحرب . بالإضافة إلىالقوات العسكرية تُرهقُ الدولةُ بحمولة ميليشيات تشكل أعباءاً أكثر من مساهمتها فيتعجيل الحسم .إذ لا تكتفي بالعيش على( دولة ) منهكة ،بل تلجأ إلى التحايل و الابتزاز منأجل الفوز بأكبر حصة متاحة من الامتيازات و الغنائم.الحرب ساهمت في تغذية ماكينةالاقتصاد العشوائي المتبنى إبان عقود الإنقاذ والد ومربي الطبقة الطفيلية محتكرة المصادر والقطاف.

*****

لذلك لا يتطلب ما قيل على لسان وزير المالية تثبيتا أو نفياً. فاقتصاد الحرب المهترئتديره عقليات ليست أفضل حالًا منه إذ هي صانعته . هذا واقع لا ينتج غيْر خياراتٍبئيسة.هي عقليات تلجأ بالضرورة إلى خيارات تبدو سهلةً بقدر ماهي مغريةٌ بعائداتهاالعاجلة .هي ذاتها العقلياتُ البائسة القابضة على مفاصل (الدولة) وماكينة الحرب .فحديث(الصرف العسكري ارهقنا والدولة على وشك الإفلاس) مثل قول(تقلص الإيرادات وانخفاضالجنيه وفشلنا في التحكم بسعر الصرف مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات) كل ذلك تقريرواقع معيش سواءً جاء على لسان وزير أو رجل شارع.أما الكلام عن بيع مساحات من أراضٍزراعية لدول مجاورة فليس ببدعة مستنكرة من قبل نظام الإنقاذ وورثته .فلدينا مزارعشاسعة مملوكة زمن السلام لدول ومستثمرون من الجوار والبعاد .كذلك فإن الإنفاق على كتائب البرّاء من خزانة الدولة ليس محط جدل.فالبراء ليست استثناء بين الميليشياتالمستأنسة والمستفرخة.

*****

بؤس الوضع الاقتصادي كما اتساع شح الأمن الغذائي مع انتشار رقاع الجوع على نحويؤشر إلى شبح المجاعة حقائق لا تتطلب شهادات منظمات داخلية أو خارجية. فانتشارالعمليات القتالية أدى إلى تعطيل أو تدني عمليات الإنتاج الزراعي في مناطق عريضة فيدارفور ،كردفان، الجزيرة،سنار و النيل الأبيض.كلها موطن الحبوب درر المحاصيل .حتى فيالجهات الآمنة نسبيا في مواقع الإنتاج تعثّرت عمليات الحصاد بفعل عدم الأمن أوالاستقرار وظاهرة النزوح تحت ظلال الحرب.قطعان الماشية لم تنج من العمليات القتالية أوتداعياتها.فكما تعرضت المحاصيل للنهب والتدمير المتعمد نالت الماشية نصيبها .ما نجا منالزرع والضرع لم يسلم من عمليات التهريب.هذا مرتع فتحته الحرب أمام الطبقة الطفيلية إذراكمت منه أرصدتها في الخارج عبر سوق سوداء ضاعفت من أنيميا المصارف المحلية.

*****

مصائب الطبقة الطفيلية لا تنحصر في احتكارها السلع، الخدمات والكتلة النقدية .كلعملياتها تؤثر على القوة الشرائية في زمن السلم و الحرب خاصة حيث ضمرت فعاليةأجهزة الدولة و بنى مؤسساتها .كما أفرزت شبكات مافيا قادرة على اختراق العديد منالحواجز الرسمية عبر وسائل تحايل متباينة .إن لم تسفر تلك كل تلك الأمراض والأعراض عنإنهاك المجتمع فهي تزيد لامحالة أعداد الفقراء. المكابرون وحدهم ينكرون جحيم المعاناةحيث يحترق مئات الألوف إن لم يكن الملايين من السودانيين في محنة حياتية يومية تحتأدخنة الحرب وغبارها. هذه حقيقة مؤلمة شاخصة في معسكرات اللجوء وجيوب تكدسالنزوح داخل المدن المحزونة،دعك عن مدارات الغربة وراء الحدود .هي حقيقة تعفينا منالانزلاق إلى سفح جدل دبغ عن الفقر ومنطلقات المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة

*****

فوفق معايير الاقتصاد السياسي ربما يسهل الاتفاق على تعريف الفقر (فقدان القدرةعلى توفير أساسيات الحياة)لعلنا نتفق كذلك على (المأوى، الغذاء والكساء) هيالأساسيات.في هذه الحالة نتنازل عن تعريف عصري للفقر (فقدان القدرة على المشاركة داخلالمجتمع)فهذا تعريف يتطلب قدرة الأفراد على اقتناء ثلاجة، جوال وربما عربة. لذلك تتباينالرؤى في شأن تحديد خط الفقر. حتى بالنسبة للبنك الدولي توجد خطوط فقر عدة. هناكمثلا خط (دولار واحد يوميا لكل واحد).لكن حتى القوة الشرائية للدولار تتباين من بلد إلىآخر.لذلك يؤمن اقتصاديون بأن وضع الإنسان الاقتصادي (ليس بما يكسبه بل بما ينفقه). فالنقد ليس فقط وحدة حسابية ،أو وسيلة للتبادل-أوراق أو قطع معدنية- بل هو حجر أساسفي العملية الاقتصادية برمتها.

*****

بغض النظر عن مدى صدقية التقارير الدولية فالثابت تردي الوضع المعيش للمواطنالسوداني.هذا المأزق الحياتي الضاغط حتى العظم لا يتطلب فتح حرب بيانات تكذيب فيسياق حرب بيانات الانتصارات الوهمية .فالواقع السوداني يصدر بيانات حقائق يومياً فيلغة عملية فصيحة تدحض كل الأكاذيب. مندوب السودان في الأمم المتحدة اعترف بوجودمجاعة لكنه وصفها ب(تجويع مصطنع) هو استغرق في عدم منهجية التقريرالانساني دونبذل جهد لنفي حصيلة التقرير.حلقة إضافية في مغالطات الواقع!(أقصر الطرق لإنهاءالعمليات القتالية المتمددة عبر المكان والزمان السودانيين يتم رسمه على طاولة تفاوض .تُرىما هو رد فعل قادة( حرب الكرامة) وأنصارها فيما إذا أنتج نداء المنظمة الأممية دعما مادياللمساعدة في لتخفيف معاناة السودانيين مبلغا مليونيا !؟

 

aloomar@gmail.com

 

 

آراء