جولة في حديقة المشتركات الإنسانية (أسماء وألقاب)!!

 


 

 


menfaszo1@gmail.com

لعل ذكر أسماء السودانيين والسودانيات يدعو للتأمل أحياناً ويثير بعض المفارقات في بعض الأحيان، وبصفة عامة، وكمدخل لهذا المجال، يُمكن القول إن عالم الأسماء هو عالم قائم بذاته ولكل اسم معنى وقصة قد تطول أو تقصر حسب ظروف الاسم وشهرة الشخصيات المرتبطة به وهناك مواقع عربية وإنجليزية وإسبانية وصينية وهندية على الانترنت تتخصص فقط في إيراد الأسماء القديمة والمعاصرة وشرح معانيها وتواريخ ظهورها وتقترح أحدث الأسماء لأحدث المواليد حسب موضة أسماء الأولاد والبنات التي لا تختلف بأي حال من الأحوال عن موضة الأزياء، فعلى سبيل المثال لا الحصر إذا دخلت إلى موقع معجم الأسماء العربية وأجريت بحثاً عن بعض الأسماء السودانية القديمة والحديثة فسوف تكتشف أن "خديجة" هي المولودة الناقصة وأن " زينب" هي نبات حسن المظهر طيب الرائحة، وأن "نسرين" ورد أبيض طيب الرائحة وأن سوزان لفظة أجنبية معناها السوسن وهو نبات عطري طيب الرائحة وإذا بحثت عن معنى اسم "هارون" فسوف تكتشف أنه يعني الهر الكبير!! أما إذا تجولت في معجم الأسماء النسائية اليونانية فسوف تكتشف أن اسم ساندرا يعني المحامية أو المساعدة، أو المرأة المدافعة عن الحريات والحقوق، والتي تقف إلى جانب الحق، وهو مختصر من اسم الكساندرا Alexandra!!
الملاحظ أن كل الناس لا يملكون حق تسمية أنفسهم فالآخرون هم الذين يسمونهم إذ يتم إطلاق الأسماء على المواليد من قبل الأهل أو الجيران أو حتى الأصدقاء ومن ثم تلازمهم الأسماء عبر طفولتهم وصباهم وكهولتهم وشيخوختهم ولا يستطيعون منها فكاكا سواء أكانت تعجبهم أم لا، ففي السودان كانوا يسمون الأجنة قبل ولادتهم بقولهم مثلاً : إذا جاءت بنت نسميها عوضية وإذا جاء ولد نسميه عوضين أما الآن ومع تطور أشعة أكس وإمكانية معرفة جنس الجنين قبل ولادته بفترة طويلة فقد صار الجنين يسمى داخل بطن أمه ويخرج إلى الحياة حاملاً اسمه المفروض عليه مع خرطته وجيناته الوراثية، وهناك ظاهرة جديرة بالملاحظة وهي أن بعض الناس في بعض الدول الأخرى يقومون حسب المزاج بتغيير أسمائهم في أوراقهم الثبوتية بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة أمام سلطات المواليد ونشر إعلانات صحفية برغبتهم في تغيير الاسم الأصلي ودعوة الآخرين إلى الاعتراض على الاسم الجديد إذا أثبتوا أنه ماركة تجارية مسجلة باسمهم فقط لا غير ، ويبدو أن هذه الظاهرة لا تشمل السودانيين فلم نسمع قطّ بأي سوداني غير اسمه وربما كان بعض السودانيين يغيرون أسمائهم من تحت الطاولات ولا من شاف ولا من درى!!
ولأسماء الرجال السودانيين شئون وشجون، فبعضها مفرد مثل آدم وحسن وبعضها مثنى مثل حسنين وجادين وبعضها جمع مثل حامدين وعابدين، بعض الرجال يسمون على الأيام، فهناك خميس وجمعة وسبت ولكن ليس هناك ثلاثاء أو أربعاء، بعضهم يسمون على الشهور العربية، فهناك شعبان ورجب ورمضان ولكن ليس هناك ذو الحجة ولا ذو القعدة، بعضهم يسمون على المواسم فهناك ربيع ولكن ليس هناك صيف ولا خريف ولا شتاء رغم أنه لا يُوجد ربيع في السودان!! بعضهم يسمون على جدول الجمع والقسمة مثل جماع وقسم السيد ولكن ليس هناك أسماء من جدول الطرح ولا جدول الضرب ، بعضهم يسمون على الأسرار فهناك السر وتاج السر وسر الختم وليس هناك صريح ولا مصرح، بعضهم يسمون على المهن فهناك قاضي وصايغ ولكن ليس هناك خباز ولا طباخ، بعضهم يسمون على المدن فهناك مدني والجيلي ولكن ليس هناك خرطوم ولا جوبا، بعضهم يسمون على الأسلحة فهناك سيف وحسام ولكن ليس هناك مسدس ولا رصاص ، بعضهم يسمون على الحيوانات فهناك هيثم وجاموس وليس هناك ثعلب ولا ضبع، بعضهم يسمون على البحار والانهار فهناك حمد النيل وبحر ولكن ليس هناك بلطي ولا قرقور، بعضهم يسمون على الكواكب والنجوم، فهناك شمس الدين ونجم الدين وقمر الدين ولكن ليس هناك نبتون ولا بلوتو ولا زحل، ولعل أغلب أسماء الرجال في شرق وشمال وغرب السودان ترتبط بمدلولات دينية إسلامية ومنها أسماء الأنبياء كمحمد، عيسى، هارون، إبراهيم، موسى وهلم جرا كما أن بعض السودانيين يقولون : خير الأسماء ما حُمد وعُبد، فهناك محمد ومحمدين وأحمد ومحمود وحمدي ومحمدية وحماد وحميد وحامد وعبد الحميد وعبد المحمود، وهناك سليمان، سليم، وسلمان هناك طائفة كبيرة من الأسماء المعبدة المقترنة بأسماء الله الحسنى مثل عبد الشكور، عبد الودود، عبد الرحيم، عبد الرحمن، عبد الكريم، عبد المتعال، عبد الإله وهلم جرا ، وهناك إسماء رجال ترتبط بأقاليم السودان المختلفة فاوهاج هو اسم من شرق السودان واسحاق من غرب السودان وعلي من شمال السودان، أما في جنوب السودان فهناك إسماء رجالية دينكاوية مثل قرنق ويعني آدم ودينق ويعني المطر حسبما هو معروف في ديانة الدينكا!!
أما أسماء النساء في السودان فهي تتسع وتتنوع بتنوع مختلف المظاهر الجمالية المادية والمعنوية، فهناك الاسم المفرد مثل حواء والمثنى مثل أم حقين والجمع مثل جواهر، وهناك اسم تسمى به حواء السودانية ويُسمى به السودان ككل وهو عازة ولا أحد يدري ما سبب ذلك، هناك أسماء ذات دلالات دينية، فهناك إيمان وتقوى ومنى ومزدلفة وصفاء ومروة ومكة ومدينة لكن ليس هناك كعبة!، هناك إسماء مأخوذة من الحيوانات مثل مها وريم ولكن ليس هناك عنزة ولا نعجة، هناك أسماء مأخوذة من صفات الطيور مثل تغريد وهديل ولكن ليس هناك وقوقوة ولا بطبطة ولا نهيق ولا صهيل، هناك إسماء مرتبطة بالمعادن الثمينة مثل عسجد ودرية ولكن ليس هناك لؤلؤة ولا ماسة، هناك أسماء مشتقة من الأزهار مثل نرجس وسوسن، ولكن ليس هناك اقحوان ولا توليب، هناك أسماء مرتبطة بالأحاسيس ودواخل النفوس فهناك عواطف ومشاعر وأفكار ورؤى ووجدان وأسرار ولكن ليس هناك مخاوف ولا احزان، هناك أسماء ذات صلة بالتوقيت اليومي فهناك سحر وشروق وصباح وضحى ولكن ليس هناك مغرب ولا عشاء، وفي شمال السودان قد نجد بعض الأسماء النسائية المركبة فهناك ست النفر وست الجيل وست الكل وست ابوها وست الريد وهناك أم الخير وأم خريف وأم أبوها!! وهناك أسماء نسائية شاذة يتم إطلاقها ويراد عكسها كسراً لعين الحسود كما يُشاع فهناك كوم الشنا التي يُقصد معكوسها أي كوم الحسن والجمال، أما في جنوب السودان فهناك أسماء نسائية دينكاوية مثل أبوك وتعني حواء وادينق ونياندينق وتعنيان المطرة حسبما هو وراد في ديانة الدينكا!!
هناك أسماء مشتركة تستعمل في السودان للرجال والنساء على حد سواء مثل قمر ونور وإحسان وجمال وهي تثير بعض الحرج أحياناً وبعض المفارقات الطريفة أحياناً أخرى!!
ذات يوم قال لي أحد أصدقائي العرب: لديكم في السودان أسماء عجيبة مثل جيب الله وخشم الموس وجبارة الله وضو البيت والبلولة وحدربي وتور شين وتية وكوكو، قلت له على الفور وأنتم لديكم أسماء أعجب فلديكم الكلبي والعنزي!!
وحينما كنا طلبة في كلية القانون بجامعة الخرطوم أشيع أن شخصاً من الأثرياء أعد وليمة ضخمة لعدد كبير من الناس إذ أنه اعتقد أن المدعوين هنود، وقد فؤجيء المضيف تماماً حينما اكتشف أن المدعو هو شخص واحد فقط لا غير هو استاذنا الجليل هنود!!
ذات يوم سألتني ابنتي ذات الستة أعوام ماذا يعني الدابي فقلت لها بدون تفكير إنها كلمة عامية سودانية تعني الثعبان وعندها ضحكت ابنتي بأعلى صوتها ثم قالت لي: يعني انت اسمك فيصل علي سليمان الثعبان!! وفي تلك اللحظة فقط اندهشت من اسمي فلم اتخيل أبداً أن هناك ثعبان ملتصق بإسمي!!
وإذا غادرنا بلادنا وذهبنا إلى بلاد الآخرين فسوف نلاحظ أن الأوربيين المسيحيين تغلب عليهم الأسماء الدينية، فمايكل هو ميكائيل وجوزيف هو يوسف وجون هو يوحنا وكريستيانو هو كرايست أي المسيح!! وتتكرر نفس الظاهرة لدى اليهود فنتنياهو معناه عطا الله، كوهين معناه القس أو الكاهن، ياهو ومعناها إلهُنا، ارئيل معناه أسد الله، شارون معناه الهضبة، بل أن اسم إسرائيل المركب من إسرا وئيل يعني عبد الله، أما إذا دخلت إلى معجم الأسماء النسائية اليهودية فسوف تكتشف معاني عدة أسماء نسائية فمثلا اسم ليلى يعني الليل، واسم تمار يعني شجرة التمر، واسم مايا: يعني الماء وأن اسم سارا يعني النبيلة أو الأميرة!!
وهناك طائفة من الأسماء العالمية الشهيرة الجديرة بمعرفة معانيها مثل كاسترو وتعني بالإسبانية "القلعة أو الحصن"، تشرشل وتعني بالإنجليزية "كنيسة على تلة"، هتلر وتعني بالألمانية "الراعي" ماو وتعني باليابانية "المركز الصحيح"، شافيز وتعني بالبرتغالية "مفاتيح"، فلاديمير بوتين وتعني بالسلافية "الأمير بوتين"، ترامب ويعني صانع أو عازف البوق ، بايدن ومعناه سباح أو مستحم أو مغتسل، أتاتورك وتعني بالتركية "أبو الأتراك" أما أردوغان فتعني "المولود الشجاع"، أوباما وتعني بالكينية "الملتوي أو الأعوج" ولعله سمى هكذا كسراً للعيون الحارة فالمقصود من التسمية معكوسها أي المستقيم ولعل أغرب أسماء الزعماء على الإطلاق هو موبوتو سي سي سيكو والذي يقال أنه يعني بالكونغولية الديك الذي يترك أثراً على كل دجاجة!!
ولعل أحد أخواني الأعزاء قد زودها حبتين حينما أكد لي أن الجد الصيني يقوم باختيار أسماء أحفاده عبر جلوسه أمام بركة ماء ثم قيامه بقذف ثلاث حصايات متفاوتة الأحجام في البركة ومن ثم يختار الأسماء حسب صوت الحصايات في الماء أي يختار الأسماء هكذا: شي، شاي، شوو أو في، فاي، فوو حسب ظروف الصوت!!
ملك التواضع العالمي والأب الشرعي للمقاومة المدنية السلمية الذي سألوه ذات يوم: لماذا تلبس رث الثياب وفى امكانك أن تلبس افخر الثياب؟! فأجاب أخشى أن تكون ثيابي أغلى منى!! إنه غاندي والذي يعني اسمه بائع العطور في اللغة السنسكريتية وقد لقب بالمهاتما والتي تعني الروح العظيمة، يعني اسمه زائد لقبه هو الروح العظيمة بائع العطور!!
بيليه، الذي يعتبر أكثر من سجل أهدافاً في تاريخ كرة القدم وفقاً لإحصائيات الفيفا، اسمه الأصلي اديسون ويعني ولد آدم في اللغة الإنجليزية القديمة، وقد حصل على لقب بيليه في أيام الدراسة، وأطلق عليه لقب بيليه لأنه لم يكن يعرف كيف يتهجى اسم لاعبه المفضل حارس مرمى نادي فاسكو دي غاما واسمه بيلي ومعناه مبعوث أو مراسلة في اللغة اللاتينية، ولم يكن بيليه يحب هذا اللقب، وقد طرد من المدرسة لأنه لكم زميله الذي أطلق عليه هذا اللقب، ولكن هذا اللقب التصق باديسون إلى الأبد وصار يعرف ببيليه في كل أنحاء العالم، ومن المرجح أنه بيليه نفسه لم يكن يعرف أن إسم بيليه يعني كرة القدم في اللغة الإيرلندية، كما يعني المعجزة في لغة الهيبيين!!
أما أغرب حكايات الأسماء العالمية فهي بلا شك حكاية الياباني الذي أصر على تسمية ابنه بكلمة "أوم" والتي تعني "الشيطان" باليابانية وعندما رفضت سلطات المواليد طلبه قاتل قتالاً قانونياً مستميتاً واستعان بجيش من المحامين وطعن في قرار الرفض الصادر من محكمة الموضوع ومحكمة الاستئناف أمام المحكمة العليا اليابانية التي أصدرت حكماً نهائياً جاء فيه "أن الأب يملك حرية شخصية مطلقة في اختيار اسم ولده" وهكذا نجح الياباني الملعون في نهاية المطاف في إطلاق اسم الشيطان على ابنه الرجيم!!
فيصل الدابي/المحامي

 

آراء