جيبوتي .. رمانة الميزان في الشرق الأفريقي (1)
.....................
التزمت قيادة هذا البلد الصغير بسياسة حكيمة ومتوازنة في محيط مأزوم، ونجحت في توظيف الموقع الجغرافي الفريد فإذا بالموانيء الحديثة تولد وتنهض، وإذا بالصخر القاحل يتفجر بالإستثمارات الكبرى وإذا بالمستقبل الزاهر يتشكل بثقة ويلوح في أفق قريب.
الرمانة في "الميزان الروماني القديم" ذي الكفة الواحدة والعمود المعدني الطويل هي منشأ المثل العربي الذي يقال للتعبير عن الشيء عندما يكون صغيرا في حجمه ووزنه بينما لا تتزن الأمور بغيره.
كنا في اليوم الأخير في "رحلة الأيام الخمسة" إلى رمانة الشرق الأفريقي وشرعت في الكتابة، ولكن مهلا! لماذا اخترت الشرق الأفريقي؟ ولم اختر القرن الأفريقي؟ يمتد الساحل الأفريقي من أقصاه إلى أقصاه، وجيبوتي في خاصرته ولكنها الأهم بسبب وقوعها في الممر المزدحم من شرق الدنيا كلها إلى غربها كلها، وخلفها عشر دول حبيسة، لا ساحل لها.
كنت قد خططت أن تكون سلسلة مقالاتي بعنوان "جيبوتي هبة الجغرافيا، وموهبة التوزان"، وكتبت فعلا المقال الأول فيها، ولكن في ذلك اليوم وبعد مقابلة السيد وزير المالية الياس موسى دوالي، ونحن نزحف بالموكب الرسمي نحو القصر الجمهوري لمقابلة رئيس الجمهورية السيد إسماعيل عمر جيلة، كانت أرقام ومشاهد وصور الأيام الخمسة تتقافز في ذهني وتنحت في ذاكرتي وتكتب هذه السلسلة بالإنابة عني، وبعدها صارت يداي تجريان على "الكي بورد" في حاسوبي المحمول دون أن أقوى على إيقافهما بعد أن سيطر عليهما سحر الرمانة تماما فاخترت هذه السلسلة بهذا العنوان.
وزير المالية بدأ حديثه بمقارنة ضرورية وكأنه يعلم أننا نحتاجها بعد "عالم الدهشة" الذي كنا فيه، يقول الياس "عندما خرج الإستعمار في العام 1977 ترك لنا عشرة خريجين ثانوي وكان في البلد مدرسة واحدة وطبيبين فقط لا غير، لم يهتم الإستعمار بتعليم الجيبوتيين ولا تطوير بلادهم"، ويستمر الوزير في عرض الفذلكة التاريخية وقصة نجاح جيبوتي خطوة بخطوة، إلى عهد "الميجا بروجكتس" الذي وقفنا عليه في زيارتنا.
الجزء الذي اعرفه من زيارات سابقة أن ميناء جيبوتي الوحيد كانت فيه رافعتان أو ثلاث قبل قدوم جيلة للسلطة، ولكن بعده تم تطوير الميناء التاريخي القديم ليرقى للمواصفات الدولية، وتم افتتاح ميناء دورالي للحاويات، وهورايزن للبترول، وافتتحت المنطقة الحرة الكبرى في جيبوتي، وشرعت هيئة الموانيء والمناطق الحرة في حكومة جيبوتي، في أربعة موانيء جديدة، سنأتي على ذكرها تباعا، منها ميناء ومنطقة حرة لتصدير الماشية واللحوم فقط، نعم للحوم فقط، في داميرجوج، وهذا يعني أن إقليم الشرق الأفريقي الثري جدا بالماشية واللحوم سيخدمه ميناء ومنطقة حرة متكاملة تشمل الحجر الصحي والمواصفات ... وهذا يعني أن داميرجوج سيصبح "الضامن الأوحد" للصادر الشرق أفريقي.
وتستمر الرحلة، ونستمر في الكتابة عن رمانة الميزان وسيدة الموانيء.
............................
makkimag@gmail.com