جيبوتي .. هبة الجغرافيا، وموهبة التوازن!

 


 

مكي المغربي
7 December, 2014

 



................
كتبت قبل قرابة الستة أعوام مقالا بعنوان "جيبوتي قوة الجغرافيا"، وقد استلفت العنوان حينها من غلاف لمجلة العربي في الثمانينات، لقد أعجبني العنوان جدا، وكان المقال من وحي زيارتي الأولى لهذا البلد الوديع الناهض، تكررت الزيارات وأشعر حاليا بأن نظرتي لجيبوتي تطورت، فقد كنت عندما أضع نظارة السياسة لا أتمعن في الإقتصاد، وعندما أضع نظارة الإقتصاد لا ألتفت للسياسة.
حاليا وبسبب هذه الرحلة التي تنظمها سفارة جيبوتي بأديس أببا والإتحاد الأفريقي، صرت أقدر على النظر من الزاويتين في آن واحد. 
عندما أنظر لجيبوتي بمنظور السياسة يدهشني التوازن والإتكائة الهادئة الصبورة على "فوهة بركان"، فالبلاد محاصرة بإقليم قلق للغاية، وقد ازداد قلقا الآن بعد الأزمة اليمنية ونذر الصراع الجديد. ومن جانب آخر تطاولت الأزمة الصومالية، وظهرت القرصنة بعد ان اختفت من العالم سنين عددا. هذا بالإضافة للإرهاب والقوات التي قدمت للمنطقة ودخلت "المستنقع الأمني" بحجة مكافحة الإرهاب بينما وجودها أحيانا لا يقل خطورة عنه.
في ظل هذا الواقع أدارت جيبوتي سياستها بتوازن مذهل و"حياد إيجابي" لم يمنعها من اتخاذ مواقف قطعية في بعض القضايا. على سبيل المثال، جيبوتي كانت تنظم مؤتمر "عرتة" لمصالحة الفصائل الصومالية، وفي ذات الوقت تم توقيع ميثاق نداء الوطن بين حزب الأمة والحكومة السودانية. لاحقا وبعد ضربات متواصلة للقضية الصومالية "من هنا ومن هناك" تم انتخاب وتشكيل الحكومة الصومالية في جيبوتي بنجاح مذهل وغادرت لمقديشو.
موقف جيبوتي من القضية الفلسطينية، موقفها مما يسمى بالجنائية، موقفها من الأزمات العربية، آخرها الإصرار الجيبوتي على حتمية عودة مصر للإتحاد الأفريقي وبذلها جهودا رائدة في ذلك، مواقف تؤكد أن الحياد ليس على طول الخط وأحيانا هنالك "حدود فاصلة"، وثوابت اخلاقية لا تتبدل!
التوازن هو سمة الرئيس إسماعيل عمر قيلي وحكومته، الإعتدال هو سمة الشعب الجيبوتي، الوعي بالمخاطر ومعرفة الممكن والمتاح "موهبة جيبوتية"، ولكن لهذه الموهبة السياسية نسخة إقتصادية تتمثل في معرفة الفرص وحسن توظيفها وتسويقها وأكبر الفرص هي "هبة الجغرافيا"، ومن هنا جاءت القرارات المدروسة جيدا بخصخصة خدمات الموانيء في عهد الرئيس قيلي، هذا المنهج الذي جعل من جيبوتي قبلة للإستثمارات العربية والدولية وبه نجحت الحكومة في حد معدل الفقر وتحسين مستوى المعيشة للمواطن الجيبوتي.

تاريخيا الموقع الجغرافي لجيبوتي كان هو سبب الجذب للسفن في مياه المحيط الهندي والبحر الاحمر. السفن تتوقف للتزود بالوقود والخدمات والسلع، وهذا ما جعل جيبوتي في قمة أولويات القوى الكبرى وحتى المجاورة، وصارت "الهبة الجغرافية" محنة في بعض الاحيان. حاليا ذات الأسباب مستمرة ويضاف إليها أن جيبوتي هي الأهم في مكافحة القرصنة والإرهاب وفي قضايا أمن شرق إفريقيا والبحر الاحمر. نجاح جيبوتي في توظيف هذا الموقع الجغرافي مع الحفاظ على الأمن والإستقرار إنما هو إنجاز يستحق التحية والإنصاف وتجربة ينبغي أن تدرس. لقد توفرت لدول عديدة فرص واسعة في التنمية والتطور وكانت المهددات الأمنية فيها أو حولها أقل، لبعض الدول ساحل أطول، وظروف أفضل، وكادر بشري مؤهل، ولكن هل إستفادت هذه الدول مما توفر لها؟ هذا هو السؤال؟!وهنا تكمن أهمية زيارة جيبوتي والتعرف عليها من قرب.

..........................
makkimag@gmail.com
////////

 

آراء