حراك سياسي… لكن بأي أُفق؟
22 October, 2009
عادل الباز
أمس الأول بعث غرايشن برسالة للأمم المتحدة محددا أولوياته بوضع دارفور كقضية مُلحة، بينما أكد أن تطبيق اتفاقية السلام هو الأولوية..
فى بتسبرغ تجمعت حشود غاضبة من المنظمات العاملة في استثمار قضية دارفور للتأثير على أجندة الدول الثماني التي ستجتمع هناك، ويبدو أنّ سحْب دارفور من واجهة الأجندة العالمية قد سبّب إزعاجا للمعتاشين من أزمتها.
هذا الحراك في قضية دارفور يتصاعد بالتحركات المكثفة، والحوارات التي يجريها دكتور غازي صلاح الدين بنيويورك مع أطراف دولية مختلفة معنية بملف دارفور والجنوب. وسط هذا الزخم السياسي في الولايات المتحدة تنشط الدبلوماسية الروسية لحشد دعم دولي للمؤتمر تزمع عقده أوائل الشهر القادم بموسكو حول قضايا السودان. وفي ناحية أخرى تنشط جهات عدة لتوحيد حركات دارفور عبر أكثر من دولة ومحطة بهدف دفعها موحدة الى طاولة المفاوضات بالدوحة في اكتوبر القادم.
يتزامن هذا الحراك الخارجي مع زخم سياسي داخلي للمعارضة هو الأول من نوعه داخل السودان حيث تجتمع قوى سياسية معتبرة ذات وزن، الى جانب أخرى هامشية في ضيافة الحركة الشعبية في ماعُرف بمؤتمر جوبا.
هذه التحركات السياسية والدبلوماسية لايعرف أحد حتى الآن اتجاهات ريحها ولا ما ستسفر عنه من نتائج وإلى أين ستمضي. عندها قد يظن المراقب لهذه التحركات أن نتائج قريبة سيتم حصادها، وأن العالم مستعد الآن لمساعدة السودانيين لتجاوز أزماتهم وطي صفحة مقيتة من الاقتتال والصراع بينهم. ولكن التجارب مع كثافة هذه التحركات لن تقود الى هذه النتيجة، فالوعود التي بُذلت منذ اتفاقية السلام وحتى أبوجا تبخّرت، وبدا المجمتع الدولي سخيا فى إطلاق الوعود وتثاقلت خطاه عند التنفيذ، هو قادر دائما على رفع العصا وحبس الجزرة، ولذا فإن الخطر هو التعاطي مع وعوده والبناء عليها.
المجتمع الدولي في خضم حراكه الكثيف الآن، يعلن أن مشكلة دارفور ستُطوى نهاية العام، ولم تتضح حتى الآن الآليات التي ستحقق هذا الوعد، إذ لاتلوح في الأفق أي إمكانية للوفاء بهذا الوعد. فحركة العدل والمساواة ترفض حتى الآن الجلوس على طاولة المفاوضات في الدوحة، وبالأمس كان قائدها خليل إبراهيم يعلن عدم موافقته على الذهاب الى الدوحة إلا بشروطه المستحيلة. لايزال مسعى توحيد الحركات في محطة المناورات الإقليمية بين القاهرة وطرابلس والدوحة وأديس أبابا.
الجهود الأمريكية الخاصة بتنفيذ اتفاق السلام الشامل وصلت حتى الآن الى طريق مسدود، وليس في الأفق حل لمسألتي الإحصاء والاستفتاء اللتين انصبّت عليهما الجهود الأمريكية. ليس للمجتمع الدولي الذي يستنجد به غرايشن أي أدوات ضغط جدية الآن، لا على الحكومة ولا على الحركة الشعبية أوراق ضغط المجتمع الدولي بغبائه المشهود أفلس و(بوش) بفقدانه (الأتو). لقد كانت ورقة المحكمة الجنائية تمثل ورقة ضغط ومساومة قوية مع الحكومة، ولكنه لعب هذه الورقة بطريقة غبية وساذجة أفقدته كرتا مهما، فلم يعد لديه ما يضغط أو يخيف به الحكومة، كما أنه خذل الجنوبيين عندما نكص بوعود أوسلو فلم يعد يحظى باحترامهم ولايثقون بوعوده.
لست متفائلا بأن تفضي التحركات الخارجية لنتائج مهمة ولكنها قد تساعد دفع الجهود الداخلية المتمثلة في دفع الشريكين بمواصلة تنفيذ نيفاشا حتى موعد الاستفتاء. في
الحراك الداخلي سواء أكان بين الشريكين أو بين المعارضة والحكومة قد يفضي لنتائج ذات أهمية وفائدة سياسية أكبر بكثير من الجهود الخارجية. ولذا سنراقب نتائج مؤتمر جوبا والذي ابتعد عن مكايدة المؤتمر الوطني أو التآمر عليه يمكن أن يفضي لنتائج مهمة تصلح لأن تكون ارضية لتوافق وطني أشمل يجعلنا أقل توترا وأكثر استقرارا وخاصة أننا على أبواب انتخابات إذا ما قُدر لها أن تجرى فى ميقاتها فلابد من خلق واقع سياسي أكثر استقرارا وتسامحا وبغير ذلك قد نكرر النموذج الكيني، ولاقدر الله إذا ما أفلتت الأمور يمكننا أن نصل للحالة الصومالية بامتياز.