حرامية بمرتبة الشرف من الدرجة الأولى!!

 


 

 


أرسل لنا صديقنا العزيز المحامي الضليع محمد عيسى (شخص) المشهور بخفة الظل مقالاً طريفاً منقولاً من مصدر آخر فقمنا بإعادة نشره بضبانته على النحو الآتي:
(من ذاكرة العمل الشرطي)(بلاغات جنائية في الذاكرة )( حريقة النشال )
قسم مباحث شرطة كوستي 1993م بقلم الرائد شرطة معمر أحمد تبيدى
حريقة نشال أينما وُجد حلت الكارثة، يختار ضحاياه بدقة، يعمل لوحده وينفذ جرائمه لوحده، يخاف منه معظم النشالين في المدينة ويقتسم معهم غنائمهم، يحفظ اسماء النشالين عن ظهر قلب لا تتم عملية نشل وإلا له نصيب فيها ، لم يكن مفتول العضلات ولا شرس الطباع ولكن كان مراقبا خطيرا وما أن تنفذ عملية نشل في ثواني معدودة يقف أمام منفذها ببرود يمد يده (خشبتي ولا التخشيبة) ولا يرضي بما لا يقل عن الثلث ولا يتجاوز النصف من الغنيمة! ولا يستطيع ابرع نشال ولو كان صاحب عضلات الإفلات من سطوته لانه بكل بساطة سيكشفه ولايتورع من تمليك الحقائق كاملة للشرطة! وهنا يكمن مصدر خطورته وسطوته عليهم، أما هو فيمارس هوايته في النشل بعيدا عن الاسواق ومواقف المواصلات كالمناطق الطرفية للأسواق والمستشفيات والعيادات الخاصة وأماكن التجمعات الأخرى.
في صباح احد الايام وانا اراجع يومية الحوادث الموحدة لاقسام شرطة كوستي لفت انتباهي بلاغ مفتوح بالقسم الغربي سرقة بواسطة النشل لمبلغ بحوالي 50 ألف جنيه وعلي الفور تحركت للاطلاع علي محضر التحري لمعرفة تفاصيل البلاغ وكيفية سرقة هذا المبلغ. وصلت القسم وبعد اطلاعي علي المحضر علمت ان المبلغ رجل كبير في السن تجاوز السبعين من العمر وانه حضر من منطقة ام روابة لاجراء عملية في عينه (موية بيضاء) وقد اجتهد كثيرا ودعمه كثير من اهله ومعارفه لجمع هذا المبلغ وأنه يرقد الآن بحديقة القسم ليس لديه قيمة تذكرة العودة لدياره ،، ياالله ما هذه الكارثة والمأساة التي امامي؟!! اخذت الشيخ معي في سيارتنا لقسم المباحث قمت بالتحري الدقيق معه ابلغني ان احد اللصوص شق جيب جلبابه وسقط المبلغ ولا يعرف متي حدث ذلك ولايتهم احدا.امام هذه المعطيات قررت الاستعانة بحريقة النشال الخطير طلبت من سائق القسم الوكيل عريف/ محمد تية التحرك السريع للبحث عنه واحضاره لي فتحرك وعاد به في ظرف نصف ساعة تقريبا فشاهد الشيخ بجواري فداهمني بقوله (انا ياجنابو والله لي اسبوع تمام ما شفت السوق الشعبي ده بعيني) قلت له انت السألك منو من السوق الشعبي؟!! فقال لي (مش ده الجلك الجازفوه في السوق الشعبي؟ طيب قابضني ليه؟!!)
قمت بأخذه لنادي الشرطة وجلسنا تحت شجرة نيم ظليلة ، طلبت من عامل البوفيه اثنين فول وفطرنا سويا تلاها شاي وقهوة وبعدها اخرجت علبة سجائر واعطيته سيجارة ومددت يدي بالولاعة لاشعلها له فقام بدفع يدي قائلا لا والله مامكن وطلب الولاعة وأشعل السيجارة بنفسه ، حدثت نفسي أن بعض المجرمين يتمتعون بصفات أدب غريب قلما تجده في غيرهم فقال لي في لحظتها انت ضابط شرطة غريب وأنا اقتاد إليك جهزت نفسي لكم كف علي وجهي وكم ضربة علي رأسي وظهري لكن افطر يد بيد ولقمة للقمة وفي صحن واحد مع سيادتك وكمان عايز تولع لي سيجارة ياخ أنا لو حكيت الحاصل دا لأي زول مابصدقني ،، والله الناس دي بتخاف منك كدة ليه أنا ماعارف؟! ديل سموك رامبو عديل كدة ، فقلت له قصة الشيخ المنشول كأني أحكي لصديق وليس لمعتاد إجرام وأنا اعزف بشدة علي أوتار الانسانية والرحمة ، احسست انه غير مبال بقصة الشيخ ولكنه كان مستمتعا بجلسته الودية مع رئيس قسم المباحث فقال لي ماذا تريد مني أن كنت لا تتهمني بنشل الشيخ؟ فقلت له اريد مساعدتك لمساعدة هذا الشيخ لظروفه فقال لي اساعدك بشرط فقلت ماهو شرطك؟! فقال لي اساعد علي طريقتي وليس طريقتك ، فقلت له موافق ، فقال لي قم بقبض جميع النشالين الآن وأحضرهم للقسم ، تحركنا لمكتبي وجدت أفرادي يشنون هجوما عنيفا علي صحن فتة كبير فساعدتهم في الإجهاز عليه، بعدها وجهت افرادي بالتحرك السريع والقبض علي جميع النشالين بالمدينة واحضارهم فورا، ولم تمضي سوى ساعتين حتي وجدت امامي ما ?يقل عن 30 لص نشال اعمارهم ما بين السابعة عشرة والثلاثين من العمر.
كم هو مؤسف أن يكون بمدينتي ومسقط رأسي هذا الكم الهائل من الشباب في سلك الاجرام وجوه مليئة بالحيوية والنشاط بعض منهم وسيمي الملامح وبعضهم يحمل ندبات وخربشات عميقة في وجوههم نتيجة عملهم في هذه المهنة المظلمة المستقبل سألتهم فردا فردا ماذا تعمل ولدهشتي وحدة اجاباتهم وتكرارها (نشال) عندها قال لي حريقة: نفسهم وافرغ ما بجيوبهم امرت باعداد قائمة بأسمائهم وتفتيشهم وكتابة كل مبلغ يضبط باسم صاحبه فكانت الجملة 75 الف جنيه فقال لي حريقة سلمها للشيخ يا جنابو ودي طريقتي لحل المشكلة! صمت فترة وقلت للجميع من منكم يستطيع ان يقول ان المبلغ الذي اخذ منه مبلغ لم ينشله او تحصل عليه بعرق جبينه؟ لم يرد علي احد منهم سألت الثلاثين فردا فردا الكل يشيح بوجهه عني عند سؤالي لهم لم يتجرأ احد منهم ان يقول ان مبلغه من عرق جبينه او اكتسبه عن طريق الحلال فقلت لهم انتم آفة وجزء ضار في جسم مجتمعنا يجب بتره بكل حزم انظروا لهذا الشيخ الهرم الذي بالكاد يستطيع المشي مستندا علي عصاه قطع مسافات طويلة يشكو من الألم في عينيه التي ارهقتها السنين يبحث عن بصيص أمل في معالجتها من المياه البيضاء لعله يصل ببصره لما يستعصي عن بلوغه بقدمه فيأتي احدكم ليدمر حلمه بكل وقاحة ودناءة ليسرق منه حلمه ويسلبه جميع ماله في غفلة منه! من منكم يتحمل ان يكون في موقفه ومن منكم يتحمل أن يري والده في نفس هذا الموقف الذي وضع فيه هذا الشيخ؟! لست مثلكم لاسلبكم اموالكم التي قمتم بنشلها من غيركم ، وحسب اعترافكم ، ويمكنني فتح بلاغات لكم جميعا ولكن لا عذر لمن انذر ، ساتعامل معكم منذ هذه اللحظة بيد من حديد دون رأفة ورحمة لمن يقع في يدي سارقا او ناشلا لغيره والحاضر يبلغ الغائب بذلك، قمت باعادة جميع المبالغ لهم حسب الكشف المرفق بأسمائهم وبعد استلامهم للمبالغ امرتهم بالانصراف .
يا للهول ما الذي يحدث امامي الآن واراه پأم عيني تدافع النشالين نحو الشيخ كأنهم يهجمون عليه فجأة رأيت العجب العجاب فقد امتلأ طرف جلباب الشيخ بمبالغ نقدية حتي تساقطت علي الارض في موقف مهيب شهد على انسانية هولاء الخارجين عن القانون وقد رأيت دموعا في وجوه بعضهم وبعد انصرافهم قمنا بجمع المبالغ التي رماها النشالين في طرف جلباب الشيخ الهرم فتجاوزت المئة ألف جنيه ! علق حريقة ضاحكا جنابو انت ومباحثنك فتشتوا الشفوت ما طلعتوا غير 75 الف، طيب دفعوا مية الف كيف الاصليين ديل؟! فقلت لحريقة لقد طلبت مساعدتك لاسترداد مال الشيخ فاشترطت ان يكون علي طريقتك ووافقت علي شرطك ولكن مساعدة الشيخ تمت علي طريقتي وليس طريقتك ، وقلت له اخبرني الآن من قام بنشل الشيخ ، فقال لي شيخك ده بضحك للضرس الأخراني ده لو عندو ضرس اقفل الملف ده خلاص وانا مستحيل ابلغك بعدما اخذت خشبتي في شيخك دا فقلت له: بالواضح عديييل كده يا حريقة؟! فقال لي الواضح ما فاضح يا جنابو ودي آخر مرة اساعدك فيها، وانا حريقة والنشال المابديني خشبتي بطريقتي بدخله التخشيبة. وسلام عليكم. الله يوفقك يا بتاع الشيخ يا حنين!! (انتهي المقال)
تعليق من عندهم
هذه هي اخلاق الشعب السوداني مهما كانت المهنة غير شريفة تبقى داخله معاني الرجولة والشجاعة وصحوة الضمير!!!
تعليق من عندنا
إذا لم تخني الذاكرة ، اعتقد أنني التقيت شخصياً بكاتب المقال الطريف في مكان ما بمدينة كوستي لعله حي النصر أو سوق كوستى أو حتى سينما كوستي الوطنية ، واعتقد أنني كنت في ذلك الوقت طالباً بمدرسة السكة الحديد الابتدائية بكوستي (مدرسة نمرة 8) حيث كنت امرح واقرأ واتشاجر مع مصطفى ساتي ونادر حسين وصديق البعيو (التوم قرشو) وحيران (حارس مرمى فريق المدرسة) وبرهاني حلفو الحبشي !! أنا شخصياً لي في مدينة كوستى ذكريات كثيرة مع الحرامية والنشالين لعل أطرفها أن أحد الحرامية قد تسلل إلى منزلنا بمربع 27 في ليلة حالكة الظلام وكنت حينها طالباً بالسنة الاولى بمدرسة التجاني الشعبية الثانوية العامة التي كانت تقع على مرمي حجرين من منزلنا، شعر والدي على سليمان بحركة الحرامي المريبة فايقظني بسرعة ثم صاح والدي في وجهي: يا ولد جيب المسدس، عندما سمع الحرامي كلمة مسدس طار فوق الحائط وهرب على جناح السرعة إلى خارج المنزل وفي تلك اللحظة الحاسمة صحت في والدي : (يا بوي مسدس بتاع شنو؟! انحنا ما عندنا أي مسدس؟!) ولو سمع الحرامي جملتي تلك فربما غير رأيه وعاد إلى منزلنا فوراً وتضارب معنا حتى صباح اليوم التالي!! ولا شك أن حيلة المسدس التي اخترعها والدي والتي انطلت على الحرامي الكوستاوي تؤكد تمتع والدي بقدر كبير من الذكاء الميداني أما ردي على والدي فلا بد أن اعترف أنه كان يمثل قمة الغباء الميداني!!! في كلية القانون بجامعة الخرطوم درسنا في قانون الاراضي أن العماري يظل عماري!! والعماري المقصود ليس هو العماري الممتاز (بتاع التمباك) وإنما هو الشخص الذي يزرع مزروعات موسمية خفيفة (كالبرسيم مثلا) في أرض مملوكة لشخص آخر فالعماري أي زارع البرسيم مثلاً يظل عماري ساكت ولا يتحول إلى مالك للارض بعكس زارع أشجار النخيل الذي يتحول في نهاية المطاف إلى مالك للارض التي زرعها نخلاً كما ورد في إحدى السوابق القضائية السودانية لأن مالك أشجار النخيل يعتبر مالكاً على الشيوع للارض التي زرعها نخلاً وهناك سبب قانوني آخروهو أن تعريف العقار في القانون السوداني يشمل الأرض والأشياء الثابتة المتصلة بالارض كالمباني والأشجار فشجرة النخيل نفسهاً تعتبر أرضاً منتصبة القامة!! وإذا سمحت لنفسي بلخبطة القوانين وقلب قانون العماري واستخدامه في قانون الحرامي فيمكنني القول إن الحرامي يظل حرامي ولا يمكن وصفه بالرجولة والشرف وصحوة الضمير إطلاقاً حتى لو أصبح ارسين لوبين سوداني يسرق من الأغنياء ويتكرم بحر أموالهم على الفقراء ، وعلى أي حال فحرامية كوستي هؤلاء قد قاموا بحل مشكلة صنعتها يد أحدهم ولا يستحقون عليها أي شكر فالتبرع بالمال المسروق هو سرقة جديدة والحرامي يظل حرامي سواء أكان نشالاً يشق الجيوب بالأمواس أو مسؤولاً حكومياً فاسداً يأكل مال الشعب أو مواطناً عادياً يتهرب من عمله ويسرق الراتب الشهري أو تلميذاً يسرق النجاح عبر الغش في الامتحانات أو شاباً اباحياً يسرق أعراض العائلات الغافلة، ولن يتغير وصف الحرامي إلا إذا تاب إلى الله توبة نصوحة وأقلع نهائياً عن سرقة الآخرين ولعلنا إذا توغلنا في مفهوم الشرف والشرفاء سوف نكتشف العجب العجاب فهناك مقولة مفادها (كثيرون من البشر يعتقدون أنهم شرفاء لمجرد أنهم لم يُبتلوا ويُختبروا بضغط الحاجة الملحة ولم تسنح لهم فرصة ذهبية لسرقة الآخرين) معنى الكلام ده انو أي زول عادي ممكن يكون حرامي مع وقف التنفيذ يعني أي زول عادي ممكن يكون لص لكن ما حاسي بي لصوصيتو وهو إذا لم يسرق حتى الآن فالسبب أنه لم يُختبر بضغط الحاجة الملجئة التي تدفعه دفعاً لسرقة الآخرين إذا سنحت له الفرصة!! والله دي مشكلة دي يعني الكلام ده طلعنا نحنا ذاتنا حرامية في صمة خشمنا!! في الختام لا نملك إلا أن ندعو الله بقولنا: (اللهم افرغ علينا شرفاً واجعلنا أشرف الشرفاء، آمين يا رب العالمين) .

menfaszo1@gmail.com

 

آراء