حرب الاحتيال و الدجل !

 


 

عدنان زاهر
6 November, 2024

 

مدخل
يداوم طرفا الحرب في السودان في صراعهما على السلطة و الموارد، على تأجيج نيران الاقتتال بكل الوسائل المتاحة، المتمثلة في الاقتصادي ، العرقي ، الجهوى والديني و من ثم الشق القانوني. و لم يتوانى الطرفان من الكذب ، التضليل و دق طبول الانتقام و إراقة دماء المدنيين الأبرياء. أحاول في هذا المقال المختصر التطرق لقضيتين مهمتين تسودان ساحة وسائل التواصل الاجتماعي و الاعلام، من قبل طرفي الحرب في الصراع الدائر بينهما.
الأولى : محاولة تفسير نصوص القانون الدولي و الاتفاقيات الدولية و محاولة تطويعها لتتماشى مع سلوكهم المخزي اليومي في الحرب، و تبريرا لتجاوزاتهم تجاه المدنيين المتمثلة في القتل، الاعتقال التعذيب ، و الاهانة.
الثانية : الاعلام المهرج و التحريض على الحرب لارتكاب المجازر و الأفعال الانتقامية، و موقف القانون الدولي و الإنساني تجاه ذلك الفعل.

1
قضية تفسير القوانين

في وسائل التواصل الاجتماعي هنالك مسودة " متحركة " هذه الأيام تحتوى على بعض القوانين الدولية و أيضا جزء من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحرب و من غير توقيع كاتبها، فحواها ان القانون الدولي الإنساني لا ينطبق على المواطنين المدنيين الذين يحملون السلاح، في توجيه مستبطن يستهدف تبرير المجازر المرتكبة في تمبول و السريحة ، الكاملين و قرى أخرى متعددة في ولاية الجزيرة من قبل قوات الجنجويد، و محاولات التنصل من تلك الجرائم.
القوانين التي أستند عليها الكاتب المجهول هي : المادة 51 (3) من البرتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 الذى ينص " المدنيين يتمتعون بالحماية من الهجمات، ما لم يشاركوا مباشرة في الأعمال القتالية "، و ثم تعريف للمقاتلين و غير المقاتلين وفقا لاتفاقيات جنيف ( المدنيون لا يعتبرون جزءا من القوات المسلحة الا اذا حملوا السلاح )، إضافة على التعليق على اتفاقية جنيف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر و القانون العرفي الإنساني المادة 6 ستة و هي شبيهة بالمادة 51 (3).

2

سأفند ما جاء في هذه المسودة دون التقييد بالترتيب الذى جاءت به، مع الاعتماد كليا على نصوص القانون الدولي، و لكن ابتداءا أريد أن أورد بعض الحقائق عن ما يجرى في ولاية الجزيرة حتى لا يقع القارئ فريسة لتضليل الأعلام الكاذب الذى يمارسه الطرفان.
1- ان الاعتداء الذى تم في الجزيرة على القرى الآمنة من الجنجويد، كان على المواطنين المدنيين العزل الذين لا يحملون سلاحا، و لا يشتركون في القتال. و تمثل اعتداء الجنجويد في اقتحام البيوت مع القتل العشوائي للمواطنين، حوادث الاغتصاب المتكرر ،النهب المنظم و السرقة ، الاعتقال و حبس المعتقلين في اماكن مجهولة و الإهانة. مثال لذلك الفيديو الذى بثته قناة الجزيرة و فيه تتم الإساءة لشيخ تعدى الثمانين عاما من عمره بشكل مهين ينم على عدم تأدب الذى قام بذلك، و هو سلوك يتطابق مع كل ممارسات الجنجويد . يجب أن لا نسى ان تلك الممارسات من مليشيا الجنجويد قد تمت من قبل في دارفور و كان وقتها المليشيا متحالفة مع القوات المسلحة، و راح ضحيتها خمسمائة ألف قتيل، كما تم ذلك أيضا في الحرب الدائرة الآن في الجنينة التي تمت فيها تصفية الآلاف بشكل عرقي و أدت الى هجرة أكثر من مليون شخص الى الدول المجاورة خاصة تشاد.
2- الشباب الذين تم تجنيدهم من بعض القبائل في الجزيرة في صفوف الجنجويد كانوا تابعين للقبائل التي ينتمى اليها " كيكل "، و بعد انضمامه للجيش بشكل مشبوه، استهدفت مليشيا الجنجويد كل سكان المنطقة للانتقام منه، و لم يسلم من الحملة ( الدفتردارية ) التي يقومون بها فردا، فقد شمل الانتقام الشيوخ، النساء و الأطفال كما يظهر في الفيديوهات و شهادات الضحايا المنتهكة حقوقهم.
3- الجيش كان يقوم بالقصف العشوائي بالبراميل المتفجرة كل قرى الجزيرة مما أدى الى موت كثير من المواطنين الأبرياء.
4- قام الجيش بتوزيع السلاح لبعض المواطنين و المستنفرين مما دفع الجنجويد الى استهداف القرى و قتل المواطنين الأبرياء.
5- ان استمرار هذه الحرب و الدمار و القتل الذى يتم للمواطنين الأبرياء، يسببه الدعم المتواصل لآلة الحرب من قبل دول الأمارات ، مصر ، أيران و تشاد ، يجب على المجتمع الدولي التدخل لإيقاف هذا الدعم و العمل على وقف الحرب و منع قتل المواطنين الأبرياء.
نأتي بعد ذلك لتفنيد الحجج التي أتت بها المسودة المجهولة :
أ – المادة 51 (3) لا تنطبق على مواطني الجزيرة التي انتهكت اعراضهم و سٍلبوا حياتهم و أغراضهم كما يوحى صاحب المسودة المجهولة، فهم لم ينخرطوا في القتال و لم يشتركوا في العمليات أو التحركات العسكرية و لم يقوموا بدعم الجيش ، و بناء على ذلك فهم يتمتعون بحماية القانون الدولي حماية كاملة.
ب – القانون الدولي يعطى الحق للمواطن الدفاع عن نفسه و مقاومة الاحتلال كما نصت بذلك المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تقول ( ليس في هذا الميثاق ما يضيف أو ينتقص من الحق الطبيعي للدولة فرادى و جماعات في الدفاع عن أنفسهم اذا اعتدت قوة مسلحة على احد( أعضاء الأمم المتحدة ) و ذلك الى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم و الأمن الدوليين ). فالدفاع عن النفس، مقاومة الاحتلال تعد حسب القانون الدولي حقوقا مشروعة و هي تختلف عن العدوان أو الانخراط المباشر في الحرب.
ت – القانون الدولي الإنساني يعتبر الحق في الدفاع عن النفس و رد العدوان، حقا راسخا ، خاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين و حقهم في الأمان خلال النزاعات المسلحة.
ج – كل القوانيين المحلية في كل دول العالم و السودان من ضمنها، تعطى الحق في الدفاع عن النفس شريطة أن يكون متناسبا مع العدوان.
د - المادة 6 في المسودة التي أعدها الصليب الأحمر تهدف الى تنظيم قواعد الاشتباك المسلح و هي تتعلق أساسا بالحد من آثار النزاعات المسلحة، حماية المدنيين و ضمان احترام حقوق الأنسان في ساعات الحرب ، و هي لا تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة في حق الشعوب في الدفاع عن نفسها.
ه – الأعراف الدولية هي مجموعة من القواعد القانونية غير المكتوبة المستمدة من العادات، التقاليد و القيم المجتمعية، و تستخدم لتنظيم العلاقات بين الناس، في فض النزاعات و الحفاظ على النظام و السلم، و تعمل على حماية المواطن و ليس سلب الحماية عنهم.
الاعلام و التحريض على الحرب
القانون الدولي في سعيه المتواصل لوقف الانتهاكات الإنسانية التي تسببها الحروب و لردع المتسببين في ذلك، عمل على انشاء قضاء دولي له القدرة لمحاكمة مرتكبي تلك الجرائم و الانتهاكات و لا يتعارض مع القضاء المحلى ، فعل كل ذلك لعدم تكرار المآسي التي تسببها الحروب. قام بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية و ميثاق روما الموقع في 17 يوليو 1998 ، و نص القانون في متنه على جريمة الإبادة الجماعية المادة 6 من الميثاق، الجرائم ضد الإنسانية المادة 7 و جرائم الحرب المادة 8 و كل تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم.
وفي نفس الوجهة و لتأكيد جدية القضاء الدولي، فقد أنشئت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة عام 1993 لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة خاصة في البوسنة و كرواتيا، كما أنشأ المحكمة الجنائية الدولية لرواندا لمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا، و قد نجحت المحكمتان في إرساء سوابق قضائية مهمة يسترشد بهما القضاء الدولي في عمله لردع مرتكبي تلك الجرائم. نجحت محكمة يوغسلافيا الدولية في إرساء موجهات و قواعد عامة مفادها أن يشمل مفهوم النزاعات الدولية أيضا النزعات المسلحة الداخلية.
أما محكمة روندا الدولية فقد أرست سوابق مهمة أولها فيما يتعلق بالاغتصاب في الحروب ، و ما يهمنا من ايراد المعلومة، لأنها تلغى الضوء على ممارسات مليشيا الجنجويد و موقف القانون الدولى تجاهها في الحرب الدائرة اليوم خاصة الحرب في دارفور. فقد نصت المحكمة في سابقة و قضية أكايسو – وهو أحد القادة المدنيين و كان رئيس بلدية في رواندا و هو من طائفة الهوتو1988، اتهم بارتكاب جرائم تتعلق بالإبادة الجماعية و التحريض العلني على ارتكاب الإبادة الجماعية و قد ذكرت المحكمة في قرارها ( ان أفعال الاغتصاب التي ارتكبتها الهوتو ضد التوتسى تشكل جريمة إبادة الجنس البشرى طالما ارتكبت بهدف القضاء على الجماعة ).
كما أرست المحكمة سوابق مهمة جدا فيما سمى بمحكمة الأعلام والمقصود به هو الاعلام الذى ساهم في تأجيج الكراهية و حرض على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في رواندا و الأشخاص الذين قاموا بذلك هم :
1- " فرديناند ناهيمانا "، كان المؤسس و المدير التنفيذي لإذاعة و تلفزيون ( الألف تلة ) و التي لعبت دورا كبيرا في نشر خطاب الكراهية و التحريض على إبادة التوتسى.
2- " جان بوسكو باريجيوانا " كان عضوا في مجلس أدارة إذاعة ( الالف تلة ).
3- " هاسان نغيزى " و كان ناشرا في صحيفة ( كانغورا ) و هي صحيفة معروفة بنشر دعاية الكراهية ضد التوتسى و التحريض على العنف من خلال المقالات و الرسوم الكاريكاتوريه.
وقد ادين ثلاثتهم بتهم الإبادة الجماعية و التحريض على ارتكاب الإبادة بالإضافة الى جرائم ضد الإنسانية و صدرت ضدهم احكام بالسجن لمدد طويلة. ذلك يعنى ان الذين يمارسون الدعاية العنصرية و يدقون طبول الحرب في السودان ليس معصومين من المساءلة و العقاب مهما طال الزمن، فتلك جرائم لا تسقط بالتقادم . جدير بذكره هنا في السياق محاكمة حميد نورى القاضي الإيراني الذى اعتقل في العاصمة السويدية ستوكهولم في العام 2019 م ،لارتكابه جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية، و تورطه بإعدام عدد كبير من السجناء في ايران في العام 1988 و تمت تلك المحاكمة بموجب الاختصاص الجنائي العالمي ( الشامل ) . ذلك الاختصاص يعطى الحق لأى دولة لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الإبادة بغض النظر عن كون سيادتها القضائية لا تمتد لمسرح ارتكاب الجريمة او أن الجاني يحمل جنسية دولة أخرى.
أخيرا نقول لا أحد من مرتكبي الفظائع في حرب السودان اليوم و المتمثلة في القتل ، الاغتصاب ، التعذيب أن يفلت من المساءلة و العقاب، ليس الغرض من ذلك انتقاما و لكن لكى لا تتكرر الحوادث المأسوية في السودان مرة أخرى...... و قبل ذلك يجب أن تقف الحرب فورا.

عدنان زاهر
أكتوبر 2024

مراجع
ميثاق روما - 1998-
- المحكمة الجنائية الدولية و السيادة الوطنية – عادل ماجد
- اخبار الجزيرة – تحقيق عن أحداث الجزيرة قرية السريحة
بنوشيه الرئيس السابق لشيلي تم اعتقاله اثناء وجوده بإحدى المستشفيات البريطانية وفقا لمبدا الاختصاص الجنائي العالمي- كما تمت محاكمة حسين هبرى الرئيس السابق لشاد في سيراليون لارتكابه جرائم ضد الإنسانية أيضا ووفقا للولاية القضائية العالمية و هو أول رئيس أفريقي تتم محاكمته خارج وطنه

elsadati2008@gmail.com

 

آراء