حزبان منقسمان لن يصنعا وطنا واحدا!!

 


 

عادل الباز
13 June, 2009

 

 اليوم نحن على أبواب واقع سياسي من المؤكد سيكون له ما بعده. بالأمس دشّن دكتور لام اكول فعاليات حزب جديد باسم “الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي”. بهذا المؤتمر وصل لام اكول إلى محطته الأخيرة في صراعه المرير مع أجنحة متعارضة داخل الحركة الشعبية. الذين تابعوا هذا الصراع داخل الحركة لن يندهشوا للنتيجة التي أعلنها لام اكول أمس. تصطراع داخل الحركة تيارات عديدة منذ أمد بعيد. ظل هذا الصراع في الظل، ولكنه أطلّ بشكل عنيف مؤخرا، حتى بدأت الحركة تتقسّم لتيارات داخل جسم حزب واحد. تيار يقوده ياسر عرمان، وآخر لباقان اموم، وثالث لمشار، ورابع لسلفاكير، وأخير لغازي ولام اكول. هذه التيارات في داخلها صراعات قبيلة وإثنية ووحدوية وانفصالية.

استطاعت الحركة المحافظة على وحدتها بعد الصراع العنيف الذي جرى قبل وبعد المؤتمر العام الأخير، وكان ذلك نجاحا لافتا للمرونة التي تمتعت بها في استيعاب تناقضاتها.

 

خطورة الخطوة التي قام بها لام اكول قد لاتنعكس على الحركة الشعبية فقط ولا على الجنوب وحده، بل إن تداعياتها قد تهدّد اتفاقية السلام نفسها إذا لم يُدار الصراع بين المنشقين بمسئولية.

 

من المؤكد أن الحركة ستعتبر أن ماجرى ماهو إلا خطة ماكرة للمؤتمر الوطني لتقسيمها، وستتمدد مساحات الصراعات بين الشريكين، وسينتقل الصراع من صحف الخرطوم إلى مدن الجنوب وقراه. الانشقاق بصورته الحالية ليس انشقاقا فوقيا يمكن تجاوزه بتكتيكات محدودة, سيضرب هذا الانشقاق في جذور الحركة وقواعدها، وقد يتطور لصراعات إثنية وقبلية. يأتي انشقاق الحركة في وقت تستعر فيه حرب بين المورلي والدينكا حصدت 2000 قتيل بحسب إحصاء لام اكول. وفي وقت أعلنت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي أن عدد القتلى في الجنوب بسبب الصراعات يفوق عدد القتلى في دارفور.

 

 حين أعلنت واشنطون نفيرها الكبير بإقامة ملتقى لتنفيذ اتفاقية السلام بدا ذلك مدهشا، ولكن ماوضح الآن أن التحركات السياسية والعسكرية التي تجري على الأرض تمثل تهديدا متعاظما لاتفاق السلام الشامل، الشيء الذي استوجب أن يتداعى المجتمع الدولي مرة أخرى ليس لإنفاذ الاتفاق إنما لإنقاذه هذه المرة.

 

سيزيد هذا الانشقاق من صعوبة إنفاذ الاتفاق، فحين كان الجنوب موحدا واجهت الاتفاقية مخاطر شتّى، فكيف إذا أصبح متشرذما يقاتل بعضه سياسيا وعسكريا؟. من سيكون الشريك لإنفاذ الاتفاق وخاصة في مرحلة مابعد الانتخابات؟.

 

كانت الوحدة قبل اليوم في خانة الأمل عند كثيرين، أما بعد هذا الانشقاق غدت فى حكم المستحيل. التنافس بين أجنحة الحركة المنقسمة سيكون وقوده المزايدة على الانفصال، وسيعلو صوت الانفصاليين، تدعمهم الأصوات اليائسة من الوحدة في الشمال وما أكثرها الآن!. أضحت وحدة الوطن في مهب الريح, لاشيء الآن يشي بإمكانية تحققها. نتائج هذا الصراع قد يدفع ثمنها الوطن كله، إذ أن مخاطر الصراعات في الجنوب لن تقود إلى الانفصال وحسب، بل يمكن أن تتداعى الأمور لحرب ممتدة وطويلة بين الشمال والجنوب، فنكون قد عدنا إلى ذات الصفحة التي ظننا أننا طويناها للأبد.

 

 الساحة الجنوبية في الشمال ستكون هي أيضا عرضة للانقسام، والذين سيستهينون بما جرى بالأمس سيدركون نتائجه الخطرة قريبا. القضايا التي أثارها لام اكول ليست كلها من صنع خياله، ولامكايدات فارغة. فهنالك قضايا حقيقية ظلت مثار تساؤلات للكثيرين من أعضاء الحركة بالشمال والجنوب.

 إضعاف الحركة لن يكسب منه أحد شيئا، فلا الحركة التي دفعت بعضويتها للخارج دفعا ستكسب، ولا المؤتمر الوطني الذي سيسعد بما جرى سيكسب، ولا المنشقون سيكسبون شيئا. وسيظل الخاسر الأكبر هو الوطن. الشريكان المنقسمان العاجزان عن توحيد حزبيهما ليس بوسعهما أن يوحدا الوطن, ليس ثمة أمل في أن يقود حزبان منقسمان وطنا موحدا،كما لايمكنهما أن يصنعا وحدته مستقبلا.

 

آراء