حزب الأمة المأزق ما بعد الإمام

 


 

 

عندما انتقد الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة أفعال مليشيا الدعم السريع عام 2014م و طلب قائدها محمد حمدان دقلو ( حميدتي) من رئيس الجمهورية إعتقاله، و ظل الصادق في المعتقل حتى عفا عنه حميدتي. هل كان الصادق المهدي في ذالك الوقت قد قرأ المستقبل، و أدرك خطورة تكوين مليشيا تابعة لنظام شمولي. حيث لم يكن هناك قانونا يحكم المليشيا، بل كانت عبارة عن قوات من المرتزقة تابعة لرئيس الجمهورية، حتى ضغط الاتحاد الأوروبي على القيادة السياسية في البلاد أن تتحول هذه المليشيا إلي قوى نظامية محكومة بقانون، و إنصاعت القيادة لذلك تم إتباعها لجهاز الأمن و المخابرات في ذالك الوقت، ثم في 2017م صدر قانون من برلمان الإنقاذ بإتباعها للقوات المسلحة على أن تكون تابعة للقائد الأعلى للقوات المسلحة ( رئيس الجمهورية) بعد ثورة ديسمبر 2018م تأرجحت مواقف حزب الأمة حيث كانت رؤية الإمام عدم تطويل الفترة الانتقالية و الذهاب للانتخابات. و بعد ما تصدعت القوى المدنية و انقسمت على نفسها، و حدث الصراع مع المكون العسكري ثم جاء رحيل الإمام، ثم جاءت لقيادة الحزب عناصر تبنت الخطاب الريديكالي، في أعتقاد أن السياسة التي كان يتبعها الإمام غير مرغوبة في ظل الأجواء الملبدة بغيوم الثورية، و بالتالي لابد من رفع الخطاب السياسي للحزب لدرجة غليان ثوري لكي يتجاوب مع الشعارات الثورية في البلاد، خاصة أن طريق الانتخابات في ظل التغييرات التي حدثت في البلاد ( التغييرات الديمغرافية، و حركة الوعي التي انتشرت في العديد من الإقاليم إلي جانب أن الهامش الذي يطالب نخبته أن تصنع هي عملية التغيير من خلال مطلوبات الجماهير في الهامش) كل هذه التحولات خلقت تحديا ليس لحزب الأمة وحده بل لكل الاحزاب التقليدية التي تأسست قبل و مباشرة بعد الاستقلال مباشرة، الأمر الذي أربك الساحة السياسية.
من خلال عمل منظم و ضغوط مورست على القيادات التي تعتقد أنها بعيدة عن الفعل الثوري، قررت القياداة الريديكالية أن تستفيد برجماتيا من عملية الأزمة السياسية و الصراع الدائر بين القوى المدنية و المكون العسكري، و في حوارها مع المكون المدني طالب حزب الأمة في الحوار الذي كان دائرا لتشكيل عبد الله حمدوك الثانية أن يعطى الحزب 60% من الحقائب الدستورية و 65% من مقاعد المجلس التشريعي عند الشروع في تكوينه، لم يكن للقوى الأخرى ( المؤتمر السوداني – التجمع الاتحادي – حزب البعث الاشتراكي) مانعا؛ باعتبار أنها قوى تفتقد للقاعدة الاجتماعية العريضة، و أن موقف حزب الأمة معها سوف يمنح التحالف القاعدة الاجتماعية المطلوبة. إنصياع هذه الكتل السياسية لحزب الأمة جعل القيادة الريديكالية تعتقد أنها تدير الإزمة بنجاح لصالح الحزب، و أنها تسيطر على مجريات العمل السياسي لفترة طويلة تستطيع أن ترجع مكانتها الجماهيرية من خلال استغلال مؤسسات الدولة في المركز و الولايات. و نسيت أن السلطة صراع مستمر و تتغير حسب متغيرات المصالح.
بعد الاتفاق الإطاري رفضت قوى الحرية و التغيير المركزي توسيع قاعدة المشاركة، و حتى القوى التي قبلت بها ( المؤتمر الشعبي جناح كمال عمر – و الاتحادي الحسن – و انصار السنة ) هؤلاء يمثلون شرائح ضيقة جدا في أحزابهم الأصلية، هذا الرفض كان لحزب الأمة دور رئيس فيه، بل كان الواثق البرير و المجموعة التي يقودها في الأمانة العامة تتطرف في خطابها ضد الداعين لتوسيع قاعدة المشاركة، لأنه كان يريد ذات القسمة الضيزى التي تمت في حكومة حمدوك الثانية. باعتبار أن القيادة الريديكالية كانت خائفة تماما من العملية الانتخابية أن تتم دون أن يستعيد الحزب قاعدته خاصة في مناطق نفوذ الحزب التقليدية.
أيضا كانت للقيادة الريديكالية دورا كبيرا في الشرخ الذي حدث في المكون العسكري، و إقناع حميدتي أن يمثل مستقبل القوى العسكرية و في ذات الوقت يكون سند ظهر قوى الحرية و التغيير المركزي، و تم تفصيل ذلك في مسودة الوثيقة الدستورية، بأن لا تتبع مليشيا الدعم للقائد العام للقوات المسلحة، بل تتبع لرئيس الوزراء، ثم ختلف على فترة عملية الدمج المطلوبة، البعض يعتقدها عشرة سنوات و قال رئيس البعثة الدولية خمس سنوات، و هي الفترة التي تعتقد فيها القيادة الريديكالية لحزب الأمة أنها تستطيع أن ترمم فيها جدران الحزب عبر وجودها في مؤسسات الدولة، و وجود قوتان عسكريتان سوف يعطل عملية الانتخابات في البلاد. و عندما وجد ذلك رفضا من القوات المسلحة كان خيار الحرب الذي جاء على لسان العديد من قيادات الحرية المركزي. أن الحرب الدائرة هي نتيجة لانقلاب عسكري نفذته مليشيا الدعم لكنه فشل من أول يوم.
الآن تجد تأييد القيادة الريديكالية مضمن في بيانات حزب الأمة التي يصدرها، و رفضه إدانة أفعال مليشيا الدعم، هل قيادة المليشيا ممسكة أشياء عليها تجعلها لا تدين الافعال بقوة و وضوح. عندما تم اقتحام دار حزب الأمة يوم 14 مايو أصدر الحزب بيانا قال فيه " إقتحمت قوى مسلحة قوامها ثلاثة عشر فردا ( زعمت أنها تتبع للدعم السريع) دار حزب الأمة بأمدرمان" الزعم يعني النفي عن المليشيا و هل حزب الأمة الذي أغلبية قيادته من الجنرالات العسكريين لا يدرون إذا كان هؤلاء من المليشيا أم من القوات المسلحة. و في بيان أخر يؤكد فيه الحزب أيضا انتهاكات لحرمات المنازل يقول فيه الحزب "يدين الحزب بأقوي العبارات كافة أعمال السلب والنهب وكافة أشكال الإنتهاكات والتعدي على المواطنين و ممتلكاتهم وسرقة السيارت واحتلال المنازل والتعدي السافر على دور العبادة ودور الأحزاب السياسية والممتلكات العامة والخاصة، وفي هذا الصدد فقد تعرضت معظم منازل قيادات الحزب وهيئة شؤون الأنصار لاقتحامات متكررة ونهب للممتلكات شأنها في ذلك شأن منازل كل السودانيين والسودانيات التي طالتها إنتهاكات ولذلك فإن تركيز حزب الأمة القومي ينصب في العمل الدؤوب على وقف هذه الحرب اللعينة التي ازهقت الأرواح ودمرت البني التحتية والاقتصاد ولم يسلم من آثارها كل أهل السودان" الحزب يحاول أن يقول أن ممتلكاتهم تعرضت لانتهاكات من قوى لا يعرفونها إلي من تنتمي. في الوقت الذي اقتحمت مليشيا الدعم منزل عبد الله خليل، قال حفيده إبراهيم في تصريح صوتي " أن مليشيا الدعم قد اقتحمت منزل جده و خربت محتوياته و أخذت العديد من محتويات المنزل، لكن جنرالات حزب الأمة لم يستطيعوا معرفة القوات التي اقتحمت منازلهم. و هنا يتبين موقف القيادات الريديكالية التي تسيطر على قرار الحزب أنها بالفعل استطاعت أن تجر الحزب لسياسة تخالف إرث الحزب التاريخي في العمل السياسي و موقفها من قضية الديمقراطية.
و في جانب أخر من ذات الفعل؛ عندما هاجمت قوى من مليشيا الدعم دار الحزب الشيوعي لم يتردد الحزب من الإشارة بوضوح للقوى التي فعلت ذلك في بيان أصدرته سكرتارية اللجنة المركزية قالت فيه " قامت عصر 25 مايو 2023م مجموعات عسكرية مسلحة بكامل عتادها تتبع لقوات الدعم السريع باقتحام و احتلال مقر المركز العام للحزب الشيوعي السوداني بمنطقة الخرطوم 2" و هذه مواقف تسجل للتاريخ، رغم موقف الحزب الشيوعي المعلن من الحرب، إلا أن البيان لكي تتعرف الأجيال القادمة على مواقف الأحزاب و القيادات التي كانت على قمتها، و عندما أقتحمت مليشيا الدعم دار الخريجين في أم درمان و منزل الزعيم أسماعيل الأزهرى أصدر الحزب الاتحادي الموحد بيانا قال فيه " أن مليشيا الدعم احتلت منزل الزعيم أسماعيل الأزهرى و اتخذته مقرا لعملياتها العسكرية. لآن قيادة الحزب تعرف أن البيان رغم أنه يشكل لها حرجا أمنيا في حرب مع مليشيا ليس لها أي وازعا أخلاقيا هو بيان يسجل للتاريخ. و أيضا بيانات حزب الأمة تسجل للتاريخ لتعرف الأجيال القادمة ( الأمة بالأمس و اليوم).
أن مشوار الحرية و الديمقراطية الذي يريد شعبنا السير فيه يجب أن يتأكد أنه مشوار فيه العديد من العقبات و التحديات كما جاء في مذكرات نيلسون مانديلا. فالديمقراطية ليست شعارات تطلق في الهواء و انغام موسيقى يرقص عليها الحالمون، بل هي معرفة و وعية بالمجتمع و مشاكله و نزاعاته، و أيضا هو إدراك بالتناقضات و الرغائب. و أن أهم أدوات الديمقراطية الوعي بعيدا عن العواطف و محاولات الاستقطاب الحادة الجارية، هو أيضا نقد و ليس تبريرا كما تمارسه القيادات السياسية. الحوار المفتوح حول القضايا المطروحة وحده هو الذي يخفف درجات العنف في المجتمع و يقلل حدة الاستقطاب. لكن للأسف أن النخب السياسية و التابعين من المثقفين لا ينظرون للمشهد إلا من خلال الرغائب الخاصة أو الحزبية الضيقة، هؤلاء يريدون للناس أن لا تخرج من عباءات الهتاف الذي وطنته النخب ذات الثقافة العروبية و لم تستطيع أن تنجز منه غير أنظمة ديكتاتورية خربت بلادها، نريده حوارا سودانيا كامل الدسم بعيدا عن التدخلات الأجنبية، هل العقل السوداني عاجز أن يحل مشاكل بلده و شعبه لوحده دون تدخل الاجانب؟ سئمنا من صراع الأيديولوجيات القاتل الذي أوصل البلاد للدمار و الهلاك. نسأل الله لنا و لهم حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء