حكاية الصمت والقصف!!

 


 

عادل الباز
7 April, 2011

 


مرة أخرى تجدّد القصف في ولاية البحر الأحمر، ومرة أخرى لا أحد يعرف من أين جاءت الطائرة التي عربدت في الأجواء وعادت إلى قواعدها سالمة!! ظللنا ليل أول أمس نتابع حدث قصف طائرة مجهولة مرة أخرى وليست أخيرة، لسيارة بالقرب من مطار بورتسودان. الجهات المختصة تحديداً صامتة صمت القبور لولا خبر وحيد من وكالة (اسي ام سي)، وبيان من الشرطة؛ والتي ما فهمتُ دخلها في ما جرى، وما هي علاقتها بالموضوع؟ وأخيراً تصريحات كرتي التي اتهم فيها اسرائيل بالهجوم ماذا يجري في تلك المنطقة تحديداً؟
ليس ثمة معلومات دقيقة حول العملية التي شهدتها ذات المنطقة قبل عامين. أغلب المعلومات التي تحصلنا عليها كانت من الطرف الإسرائيلي الذي ادّعى أن شحنة أسلحة كانت في طريقها إلى غزة عبر السودان. لا الجهات المسئولة في حكومة السودان أعلنت الحقائق، ولم نسمع لاحقاً أنها منتهكة الأجواء السودانية !!. فلماذا يا ترى هذا الصمت!! قد نتفهم صمت الحكومة في اللحظات الأولى للتدخل المباشر للطيران بسبب ضعف أو فقدانها للأجهزة اللازمة لمراقبة الأجواء، وكشف كل الطائرات التي تنتهك الأجواء، ولكن ما لا يمكن فهمه هو أن يمتد الصمت لسنوات ولا تعلن فيها الحكومة الحقائق التي تم التحصل عليها لكشف كُنه هذا الاختراق الأمني. هنالك احتمالان: إما أن تكون الحكومة قد عجزت عن كشف الحقيقة أو أنها عرفت وصممت؛ وبذا هي تعلن أنه لاوزن للرأي العام عندها. الآن لنرى خطورة هذين الاحتمالين.
إذا كانت الحكومة عجزت عن كشف الحقيقة تلك مأساة كبرى.. إنه لا يمكن لحكومة تدّعي السيادة على أرضها وأجوائها، وتُهاجم أكثر من مرة ولا تعرف طبيعة هذه القوى المعتدية، ومن أين أتت، ومن هم المستهدفون، ولماذا يُستهدفون على أرضنا وليس في أي مكان آخر؟ بالطبع لا يكفي ان نتهم اسرائيل بأنها المعتدي فذلك يشي ذلك بعجز حقيقي وضعف في مقدرات الحكومة عن ما يجري في المنطقة والتفاصيل الأخرى المتعلقة بالسلاح في تلك المنطقة، والأسوأ من ذلك أنه عجز بلا أفق للحل مما يجعل أجواءنا عرضة لاختراقات مستمرة. تحضرني هنا نكتة قالها نميري حين هاجمت طائرات ليبية إذاعة أمدرمان في العام 1984م؛ فجمع نميري رجاله لمعرفة ما جرى فاعتذر القوم أنهم لم يعرفوا بالهجوم لأن الوقت كان ليلا!! هنا ضحك النميري وقال: (علي الطلاق لو جات هسع ما نعرفها من وين!!)  في إشارة لأن الأجهزة المعنية تكذب؛ لأنها ببساطة لا تملك أجهزة قادرة على كشف الطائرات العابرة للأجواء. هل لازال الأمر كذلك؟.
الاحتمال الثاني أن الحكومة تعرف، أو عرفت بعد الحادثة الأولى ما جرى تحديداً، ولكنها آثرت الصمت؛ إذ أن الرأي العام لا وزن له عندها. هذا الاحتمال يجعل الشعب نهباً للإشاعات، وإذ افترست الإشاعات الناس، وفقدوا ثقتهم في قدرة الدولة على كشف الجرائم التي تُرتكب على أرضها، فإن ذلك يطعن في مشروعية حكمها؛ فالدولة التي تعجز عن توفير الأمن لشعبها ليست جديرة بالبقاء.
على الحكومة الآن أن تجهر بما عندها من معلومات خاصة بالحادثتين اللتين حدثتا بنفس الطريقة أمام ناظريها حتى يطمئن الرأي العام على قدرتها في حفظ الأمن. وعليها في ذات الوقت حماية حدودها من الاختراق، فليس مقبولاً أن تترك الحدود لتصبح أسواقاً للسلاح. العصابات التي تبيع وتشتري الأسلحة في المنطقة الساحلية والصحرواية تحتاج لمكافحة عاجلة، وجهد أمني مشترك بين الدول الثلاث التي تعبرها عربات اللاندكروزر أو تمر بالقرب أو داخل حدودها، وهي أريتريا والسودان وأثيوبيا. ترك هذه المنطقة في حالة السيولة الأمنية التي تعانيها من شأنه أن يجعل هذه المنطقة مرتعاً للتدخلات الأجنبية الإسرائيلية وغيرها، ومن شأنها أن تسيء لسمعة تلك الدولة، ودمغها بأنها فاشلة لا تستطيع السيطرة على حدودها. ستفجّر حالة السيولة هذه الصراعات الحدودية بين تلك الدول نفسها. هذه المناطق موبوءة أصلاً بنزاعات متعددة إثنية وقبيلة، إضافة إلى نزاعات حدودية كما شهدنا في صراع أثيوبيا وأريتريا في (بادمي)، أو كتلك التي بين المزارعين في (الفشقة) وغيرها. هذه المنطقة إذا لم تسعى وتسارع الدول المعنية بتحويلها لحزام آمن، ستتحول لمنطقة ناسفة لاستقرار تلك الدول، ولا تلومنّ من بعد ذلك إلا نفسها؛ فالاختراقات الأمنية لن تتوقف، ومن المؤكد بتوالي هذه الاختراقات، ستصبح المنطقة منطقة عمليات مستمرة، كما هو الحال في صحراء الجزائر وموريتانيا، وسيصبح الأمن في تلك المنطقة أثراً بعد عين. يا ترى هل الدول الثلاث قادرة على تحمل نتائج فوضى أمنية شاملة ومقيمة بتلك المنطقة الحيوية لثلاثتها؟.
 

 

آراء