حكاية زينب ايرا.. حتى على الموت لا أخلو من الحسد!

 


 

 

بقلم: حسن أبو زينب عمر

لا تلتفت لترى الرماة فربما .. فجع الفؤاد لرؤية الرامينا
فلربما أبصرت خلا خادعا .. قد بات يرمي في الخفاء سنينا
ولربما أبصرت قوما صنتهم .. باتوا مع الرامين والمؤذينا
كم في الحياة من الفواجع فأنطلق .. لا تلتفت وزر البلاء دفينا

أبو الطيب المتنبي
لا تختلف عنزتان أن قضية زينب ايرا المذيعة بفضائية السودان ومدير القناة ابراهيم البزعي احتلت مساحة أكبر من حجمها ومن ثم فقد كانت القناعة آنه آن الأوان لأسدال الستار عليها ولكن مع شروق شمس كل صبح يدخل الحلبة لاعبون جدد بعضهم لا يجيد حتى فنون الضرب تحت الحزام وقبل توضيح بعض الحقائق التي لازالت غائبة على أذهان الكثيرين أقول ان (الكربة) التي جائت في متن التعليقات هو الثوب الذي ترتديه المرأة البجاوية وهو نفس الثوب الذي ترتديه المرأة السودانية مع فارق بسيط هو أن زي البجاوية يربط ويشد حول الخصر فيما يترك الثوب السوداني مسدلا من أعلى الى أسفل .

(2)
الذي يستدعى التوقف هنا تعليقات فاحت بروائحها الأسافير من تناول فطير ونظرة قاصرة لحادث تهديد مدير الفضائية ابراهيم البزعي بفصل الإعلامية زينب ايرا فلو بنى المسؤول قرار التهديد بتهمة التبرج وعدم مراعاة السترة والحشمة المطلوبة لهان الأمر ولو بناه على عدم التزامها بالزي المجاز من التلفزيون لصفقنا له ولو بناه لضعف المادة المقدمة منها لشددنا على يده وأشدنا به ولكن للأسف ليس هذا ولا ذاك فالرجل اتخذ قراره بناءا على رفض مبدئي لزي يرمز لأثنية محددة تنتمي اليها الإعلامية المنكوبة. full stop .. وهنا مربط الفرس ,

(3)
اخترت ثلاثة نماذج من بين كثيرون ولجوا الساحة وهو يطلقون نيرانا عشوائية ظالمة كالنيران التي استهدفت قري ود النورة وسنار الآمنة وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وكلها تعكس الأزمة التي نعيشها والتي يمكن تلخيصها في عبارة موجزة تؤكد نهاية الفكر الذي قاد الى الهزيمة .. الكاتبة رشا عوض تركت البساط أحمديا وهي تخوض في أحداث بورتسودان فتقول (من أهم مشاهد الكوميديا السوداء في زوبعة تلفزيون بورتسودان ذلك الشاب الذي يحمل عكازه ويملي أوامره على حكومة الأمر الواقع بإقالة البزعي مدير التلفزيون. رشا تضيف في تعليقها فتحذر (أياكم سيداتي سادتي الوقوع في مصيدة ان هذه المشكلة لها علاقة بقيم كبيرة مثل احترام التنوع الثقافي) .

(4)
الذي نفهمه من حديث الكاتبة رشا عوض انها مشكلة مفتعلة ولا تخرج عن كونها نبتا شيطانيا ونزوة مزاج .. الكاتبة أيضا ترفع باستنكار حواجب الدهشة وتحذر من الخطر الماحق الماثل أمامنا وهي العكاكيز التي حملها الشباب الغاضب المستفز والتي يفهم منها ويا سبحان الله ان هذه العكاكيز انتزعت في غمضة عين و انتباهتها عنوة واقتدارا المركز الأول في خطورتها وفتكها من أسلحة الدمار الشامل weapons of mass destruction وهي براميل المتفجرات العشوائية التي تسقطها الطائرات ومدفعية آل دقلو الثقيلة العشوائية التي تهد البيوت على رؤوس العزل الأبرياء وتدمر كل مقدرات السودان التي شيدت عبر عشرات السنين من جيب (محمد أحمد) دافع الضرائب .

(5)
هذه قراءة غريبة كسيحة يا أولى الألباب فالبجا يحملون العصي دفاعا عن النفس وليس للاعتداء على الغير والبجا يقدسون المرأة ويكنون لها كل الاحترام وربما يفسر هذا سبب فورتهم وأشير هنا الى حقيقة راسخة رسوخ جبال البحر الأحمر أنه لولا الأذرع الممتدة بالترحيب والأحضان الجاهزة بقبول الآخرين من أهل الاقليم لما تقاطر أهل السودان بغربه وشماله وجنوبه الى شرق السودان ابان افتتاح ميناء بورتسودان عام 1906 . والذي لا يعجبه هذا الكلام فليشرب ما شاء له من البحر الأحمر.

(6)
أقولها بمليء الفم ان البجا وبحقائق التاريخ أكثر اثنيات السودان في التعايش السلمي وقبول الآخر حتى أصبحت بورتسودان عاصمة قومية ((metropolitan بعد أن طاب المقام بالقادمين فاستقروا وتملكوا وتصاهروا حتى استقرت جثاميهم مقابر السكة حديد (بورتسودان) ومقابر تهاميام وسنكات و طوكر وسواكن فهل يستكثرون علي نسائنا المحتشمات لبس الفوطة ؟.

(7)
لكن الذي يقوله المدعو على أحمد يفوق كل تصور فهو يعلق قائلا ( البجا لم يكونوا سوى مواد خام للسخرية والاحتقار والتنكيت البذيء على شاشات التلفزيون تقوم بها فرق هزلية من شاكلة تيراب وهمبريب وعطسة ودعاش وفضيل وسخيل ويتساءل منذ متى وجد البجا التقدير الثقافي بل السياسي والإنساني لكي يغضبوا لفقدانه الآن؟ ). لم يبق للكاتب العنصري البغيض الذي يصب مزيدا من الزيت على النيران المشتعلة من حيث لم يحتسب سوى أن يقول بأن لا خيار ولا مستقبل لأحفاد الأمير عثمان دقنة سوي القبول بمصير الهنود الحمر في أمريكا والأفارقة في جنوب أفريقيا والاكتفاء بأحناء الرؤوس للأهانة والذل الذي خلقوا له ..هكذا يحلل الكاتب تعيس العقل بائس الطرح الإشكالية . فهل هذه أرضية صلبة تبنى لوطن يتسع للجميع ويتيح العيش تحت سمائه أخوة متساوون في الحقوق والواجبات؟

(8)
الكاتبة نسرين النمر تتهم الضحية زينب ايرا التي ثارت لجرح كرامة هويتها الثقافية فتتهمها بممارسة الاستعلاء الثقافي بتمييزها لهويتها الثقافية على حساب ثقافات أخرى منتجة. تفسير هذا الطرح يفيد بأن هناك ثقافات منتجة وثقافات غير منتجة والأخيرة هي التي ترتدي نسائها (الكربة) ورجالها الصديري والسربادوب فتأمل .. لكن وحده يظل الأديب القامة والشاعر الرمز فضيلي جماع شامخا كعادته محقا للحق واسعا للصدر نصيرا لأهل الهامش اذ يقول (كلما أسمع فنا أو أشاهد رقصة من شرق السودان أشعر بالحسرة أن كنزا من ثقافات بلادنا مازال بعيدا عن متناول اليد ..على الذين يزدرون ملمحا من المكون الثقافي لشعب من الشعوب في عصرنا أن يعيدوا النظر في وعيهم بإيقاع التاريخ حولهم .ان ازدرائك لمظهر من ثقافة الشعوب التي تشاركك تراب وسماء الوطن يعني أنك تفترض في عقلك الباطن بأنك أعلى مرتبة .

(9)
ان تفكير نخبة المركز في المشكل السوداني لم يتعد أرنبة أنف سلطات المركز التي تعاقبت على السودان مدنية وعسكرية منذ رفع علم الاستقلال عام 1956) .. انتهى كلامه وهو صادق فيما ذهب اليه فهاهي الجارة اريتريا التي تأكل من خيرات بلادنا رصدت مساحة للجهويات المختلفة للتعبير عن ثقافاتها وتراثها في عروضها التلفزيونية وهو نفس الحال في دولة كندا التي تنظم كل عام مهرجانا ثقافيا وفنيا تشارك فيه كل المكونات المهاجرة اليها رغم انصهارها في النسيج الاجتماعي وقد سبق أن خاطبني أحد الزملاء من العاصمة (أوتاوا) يقول انهم طلبوا منه تقديم عرض مرتديا الزي البجاوي . نفس هذا ينسحب على الفنان أبو آمنة الذي يترنم بأغاني البجا على ايقاع عزف فرقة من الخواجات وهو يرتدي ملابس راعي الضأن في الفلوات البعيدة.

(10)
صدقوني لا مستقبل لدولة قائمة على التنوع العرقي مثل السودان لا يجد المواطن فوق ترابها و تحت سمائها فرصة للتعبير عن ثقافته وارثه فوالله لو تخلى فريق أول خلا محمد حمدان حميدتي عن منهج فرعون (سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِۦ نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ ) لوجد قبعات ترفع له وحناجر تهتف له .

oabuzinap@gmail.com

 

آراء