حميدتي والروليت الروسية

 


 

عمر العمر
11 March, 2020

 

 

كما يسهل الاتفاق على رفع طاقم الإدارة الحكومية فوق مستوى شبهات الإستقامة الوطنية، لن يتشعب بنا الجدل بغية الإتفاق على توصيف مستوى أدائهم تحت مستوى طموحات صانعي الثورة. ثمة إلمام فائض بمداراتهم القديمة المبطنة بأسباب الراحة ومواقعهم الوزارية الحالية الملتبسة بأكناف التعب. بهذا الوعي لا يكلف الشعب الوزراء باستبدال الوجع اليومي بالهناءة الفورية. ذلك حلم لا يراود الثوار إذ لا طاقة للوزراء به. حلم الساعة الوطنية؛ قناعة في سلطة مشمّرة عن سواعد البناء لجهة غدٍ أجمل.
هذا حلم لم يستطع مجلس الوزراء الموقر جعله ماثلاً في بؤرة عين الجماهير .
لذلك لا يستقيم رجم كل ناقد حادب على المصلحة الوطنية العليا بالتخوين والتخذيل. النقد البناء فضيلة سياسية وطنية لا ينبغي هجرها أو النهي عنها. بل هو فريضة تسمو بالجهد الشخصي والجماعي حين تصدر في سياق النقد الذاتي. أيما نظرة شاملة للأداء الحكومي في الشهور القليلة المترتبة على تشكيلها لا تبعث على الثقة في سلطة خارجة من رحم ذلك الفوران الشعبي المائج بالتحدي والكبرياء والإصرار على مناطحة المستحيل.
إذا كان لكل مجتمع روح فإن مسؤولية السياسي الوطني لا تقل البتة عن واجب المفكر الحقيقي؛ هو تحويل تلك الروح إلى وعي كما قال فيلسوف ألماني. في الوقت نفسه فإن مهمة تطوير الوعي بحيث يصبح طاقة باعثة حركة ثورية إنما يقع على كاهل المعارضة. من هنا لا ينبغي على شاغلي مناصب السلطة التبرم أو الضيق بما يصدر من نقد. ثمة نقد يستهدف تطوير الأداء مثلما يستقصد جعل الوعي وقوداً للفعل الثوري.
مثلما لا يجوز للمثقف الوطني التخلي عن دوره التنويري، لا ينبغي لرجال السلطة تهميش أو تجاهل مساهمات المثقفين حتى لو انطوت على نقد لا يخلو من قسوة. فيض من تلك المساهمات ظلت تقرع أجراس اليقظة. أصحابها غير قانعين بإيقاع السلطة على درب التغيير دع عنك الإندفاع من أجل تحقيق احلام الثورة. كل الإجراءات المتخذة تحت شعار تفكيك التمكين لم تنفذ إلى جذور ما يسمى بالدولة العميقة. زمام عصب الحياة لا يزال بأيدي تحالف جنرالات العسكر، زبانية السوق ومنظمات رجال الدين. هم أنفسهم من كان يرفع مظلة ما يسمى – زوراً – بالمؤتمر الوطني.
محاولة الإعتداء على حياة رئيس الوزراء ليست غير منعطف في الصدام الخفي بين ذلك التحالف وسلطة الثورة الوليدة. هو صدام حتمي يتمظهر في أشكال متباينة من المعارك. بما أن اللجوء الى التصفية الجسدية ممارسة ليست مألوفة في عنف الصراع السياسي السوداني فما من بد غير إعادة رص الصفوف، شحذ الهمم والتسلح بإرادة الإنجاز الثوري. ليس بالشعارات الفاتنة يمكن الإحتفاظ بالثورة. أبرز دروس المحاولة الآثمة يتمثل القناعة بوهن أي دولة لا تملك أسنانا. أسنان الدولة تتجسد في الهيمنة المطلقة على أفرع المنظومة العسكرية الثلاثة.
الأزمة الإقتصادية الخانقة تشكل أحد ميادين الصدام الحتمي. ثالوث الخراب المبني على المصالح الذاتية الضيقة المشتركة لعب دوراً محورياً في تضيق الخناق على بطانة عمر البشير في سياق تضارب المصالح بين مراكز القوى داخل النظام. هو الخناق نفسه الضاغط على رقاب السلطة الجديدة. لعل إحالة ملف الأزمة الإقتصادية إلى لجنة برئاسة زعيم الميلشيا العسكرية النظامية يمثل إخفاقاً فاضح من قبل الحكومة. هي مغامرة أشبة بلعبة الروليت الروسية.
أقصى نجاح من قبل اللجنة المكلفة لن يتجاوز جرعات تسكين محدودة الفعالية.
أول العلاج الناجع وآخره بلورة استراتيجية وطنية تنهض بالدخل القومي عبر الإستثمار الذكي في موارد الوطن وطاقات أبنائه.
قوام اللجنة هم من داخل كابينة السلطة العاجزة عن إبتكار سياسية إقتصادية تبشر بالمعافاة من أمراض الأزمة طوال نصف العام الفائت من زمن السطة الثورية. من الواضح رهان ممارسي لعبة الروليت الروسية "روسكايا روليتكا"
على خزانة الفريق حميدتي كما جسوره العابرة في المحيط الإقليمي. ذلك رهان يتوافق مع طموحات الرجل مما يدفعه لجهة خوض المغامرة. هو بات يتطلع لبناء جسور طائرة تعبر كل القوى السياسية الداخلية المتمترسة أمام طموحاته. ذلك ليس أكثر من مغامرة إضافية في مسلسل لعبة الروليت إذ يبدو تحالفه مع الحظ بلا نهاية وشيكة.
لا شيء يثير الدهشة في سياسة زمن الكورونا. ها هي أميركا تقفز فوق ركام برجي نيويورك مستنقعات الدم والإستنزاف فتتصالح مع طالبن؛ رأس أفعى الإرهاب. ها هو ترمب يتجاوز كل جبال المرارات الممتدة من تورابورا إلى أبراج مانهاتن. الرئيس الأميركي لا يفعل ذلك من منطلقات التسامح والقيم النبيلة كما أنه لا يختبئء وراءها بحيث تحجب مصالح وطنه كما بات يراها.
ترمب ليس مقيماً أبدياً في البيت الأبيض وما حميدتي وحمدوك إلا رجلين عابرين حملتهما الصدف إلى كابينة السلطة عند هذا المنحنى التاريخي الملتبس بالتناقضات.
هو إلتباس غاب في كنفه رأس المال الحقيقي للثورة الباسلة حتى أمسى الحديث عن الأخلاق ضرباَ من الترف أو الهرج. لذلك لا يستحي المرجفون في المدينة عن إغراقنا في إثبات أن محاولة الإعتداء على حياة رئيس الوزراء ليست غير مسرحية سيئة الإخراج .كل يمارس لعبة الوليت الروسية على طريقته.


aloomar@gmail.com

 

آراء