حوارات متعثرة في السودان
أسماء الحسينى
2 August, 2023
2 August, 2023
في أول مقطع مصور له منذ فترة طويلة، ظهر محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع محاطا بجنوده، يطالب بتغيير قيادة الجيش السوداني كشرط للتوصل إلى حل سلمي للقتال المدمر الدامي الدائر منذ 15 أبريل الماضي، مخاطبا القوات المسلحة السودانية "إذا غيرتم هذه القيادة سنتوصل إلى اتفاق خلال 72 ساعة"، وقد درج حميدتي في رسائل صوتية عديدة على اتهام قيادات الجيش السوداني بتلقي أوامرها من العناصر الإسلامية من فلول نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير.
جاء ظهور حميدتي لينفي الشائعات التي كانت تتردد حول مقتله أو إصابته إصابة خطيرة، أو وجوده خارج السودان، وليرفع الروح المعنوية لمقاتليه، وليوجه رسائل عديدة للداخل السوداني والخارج، لكن شرطه تغيير قيادة الجيش رآه خصومه كدعوة للاستسلام، ومازالت قيادات الجيش هي من تطالبه به عبر اشتراط خروج قواته من المواقع التي تحتلها قبل الدخول معها في أي تفاوض في منبر جدة، وهو ما دعا وفد الجيش للعودة إلى الخرطوم للتشاور، مع تصريحات متشددة من قيادات الجيش لا تهاجم قوات الدعم السريع وحدها بل أيضا الحركات المسلحة والأحزاب السياسية، وهو ما فسر بأنه محاولة للضغط عليها وابتزازها لمحاولة دفعها لتكون طرفا في الحرب.
ولا يزال الوضع في منبر جدة يراوح مكانه بسبب هذه الشروط المسبقة التي يضعها الطرفان لأي للحوار والتفاوض رغم المساعي من أجل احداث اختراق في الجمود الحالي، بينما يتصاعد القتال على الأرض ويتمدد، وتتعقد الأزمة الإنسانية وأوضاع المواطنين في كافة أنحاء السودان.
والتواصل والحوار بين القوى المدنية في السودان ليس أفضل حالا من القوى العسكرية، فما زال التعثر وتباعد المواقف وفجوة الثقة هي سيدة الموقف رغم محاولات من هنا أو هناك لكسر حالة الجمود واختراق المواقف لصالح حوار وطني شامل يؤدي لوحدة القوى المدنية والدفع بها من أجل وقف الحرب وإحلال السلام وتشكيل حاضر السودان ومستقبله.
ويمكن القول إن القوى المدنية في السودان تنقسم إلى 4 كتل رئيسية، أولها قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" وحلفائه من مكونات الاتفاق الإطاري، وهي القوى الرئيسية التي كانت تشكل الحاضنة لحكومة الفترة الانتقالية عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، ومن أبرز عناصرها حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر السوداني وآخرون، أما الكتلة الثانية فهي قوى الحرية والتغيير "الكتلة الديمقراطية" وهي الكتلة التي انشقت عن الكتلة الأولى ومن مكوناتها الأساسية حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم وزير المالية، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور، وفي وقت لاحق ضمت حلفاء آخرين من القوى المدنية تنظر لهم الكتلة الأولى كحلفاء سابقين لنظام البشير حتى آخر لحظة قبل سقوطه وحلفاء حاليين للجيش، حيث انحازت هذه القوى إلى انقلاب 25 أكتوبر الذي أطاح بالشراكة بين المكونين العسكري والمدني، وكان بداية للخلاف ومن ثم الصراع لاحقا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وقد أصبحت قوات الدعم السريع اقرب إلى قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بما أعلنته من تأييد للاتفاق الإطاري والتزام به، وقد كان الاتفاق ينص على تسليم السلطة للمدنيين، وتكوين جيش وطني واحد يبتعد عن العمل السياسي وتدمج فيه قوات الدعم السريع، وقد كانت فترة الدمج وتبعية قوات الدعم السريع أحد أسباب تفجير الصراع الأخير.
وقد شهدت القاهرة مؤخرا اجتماع تحالفي قوى الحرية والتغيير فيها الأسبوع الماضي كلا على حدة، دون أن يؤدي هذان الاجتماعان إلى اجتماع موحد بينهما للنظر في الأزمة التي تعصف بالسودان كله، حاضره ومستقبله ووجوده، سألت أحد أبرز قيادات "الكتلة الديمقراطية" عما يمنع من الحوار مع "المجلس المركزي" قال: نحن نرغب في ذلك بشدة ونأمل في انفتاح الطرف الآخر، وقد أكدت لي قيادات في "المجلس المركزي" رغبتها هي الأخرى في الحوار من أجل وحدة القوى المدنية ومن أجل وقف الحرب ووقف التدهور الإنساني المريع والحفاظ على أرواح السودانيين، لكن في الواقع الأمر لا يبدو كذلك تماما، فكل طرف من الطرفين يريد الوحدة بشروطه، وربما يريد فرض هيمنته أو أن تكون له اليد العليا في هذه الوحدة المرجوة، وكذلك تريد بعض أطراف هذا التحالف أو ذاك الوحدة أو الحوار مع أطراف بعينها ولا تريد الحوار أو الوحدة مع أطراف ترى أنها مجرد لافتات لا تعبر عن قوى رئيسية أو أطراف تدعم استمرار الحرب أو أطراف أقرب للإسلاميين منها إلى تطلعات وآمال عموم الشعب السوداني، ولا تزال بعض القيادات تبذل مساعيها هنا أو هناك من أجل هذه الوحدة المرجوة وتذليل الصعاب من أجل تحقيقها.
أما القوى الثالثة فهي من أطلق عليها اسم قوى التغيير الجذري وقد ضمت الحزب الشيوعي ولجان المقاومة وغيرها من القوى التي كانت ترفض الوصول لأي اتفاق مع المكون العسكري، وتريد مواصلة الثورة من أجل إقامة تحول مدني ديمقراطي خالص، وقد أصبحت قيادات لجان المقاومة الشباب مستهدفين في هذه الحرب وتحت وطأة ضغوط كبيرة تلاحقهم الاتهامات بالانحياز ونيران الحرب التي تكتوي بها بلادهم.
أما رابع القوى السياسية السودانية فهم الإسلاميون من فلول النظام السابق، وهم ليسوا كيانا واحدا فهناك تباينات داخلهم، وبعضهم عارض نظام الرئيس السوداني المعزول، وانشق عنه في أوج سطوته، ومن بينهم الدكتور غازي صلاح الدين الذي أنشأ تيار الإصلاح الآن، وكان من بينهم أيضا كتاب بارزون انتقدوا نظام البشير بقوة، منهم الطيب زين العابدين والدكتورخالد التيجاني والدكتور حسن مكي وعثمان ميرغني والمحبوب عبد السلام وحزب المؤتمر الشعبي وآخرون، كما انضم الكثير من شبابهم إلى الثورة ضد البشير، لكن لاحقا لم يصبحوا جزءا من الفترة الانتقالية، وربما جمعهم الحنق وأيضا الغضب على إجراءات لجنة إزالة التمكين التي سعت لتجريدهم من العديد من الامتيازات التي حصلت عليها قطاعات واسعة من خلال سياسة التمكين التي اتبعها نظام البشير السابق الذي استمر 30 عاما، همش فيها قطاعات واسعة من الشعب السوداني لصالح أتباعه وأنصاره من الإسلاميين، والآن يواجه هؤلاء الإسلاميين اتهامات واسعة بتأجيج الحرب الحالية، وأنهم يريدون عبرها العودة مجددا إلى الواجهة بعد أن تم الإطاحة بهم وحظر حزبهم الحاكم سابقا "المؤتمر الوطني" وواجهاتهم الأخرى، ولم تعد هذه الاتهامات مجرد توقعات أو تخمينات أو ظنون، بل ظهر للعلن الكثير من قيادات الإسلاميين يعلنون أنهم موجودون في هذه الحرب وبقوة، وكذلك ظهر الإعلاميون المقربون منهم بذات القوة يدافعون عن الحرب واستمرارها، فيما طالب خصومهم من قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" دول المنطقة بإعلان المؤتمر الوطني تنظيما إرهابيا لدوره في تأجيج الحرب، وقد يصبح هذا الوجود القوي للإسلاميين خصما على حلفائهم في المعركة نظرا لتحفظات كبيرة على وجودهم في أي معادلة قادمة في السودان من قبل الإقليم والعالم... فهل تشهد الأيام القادمة إرادات أقوى ومقاربات جديدة ومسارات أكثر جدوى وفرصا من أجل تحفيز حوارات منتجة لصالح الشعب السوداني ومستقبله.
asmaalhusainy@hotmail.com
جاء ظهور حميدتي لينفي الشائعات التي كانت تتردد حول مقتله أو إصابته إصابة خطيرة، أو وجوده خارج السودان، وليرفع الروح المعنوية لمقاتليه، وليوجه رسائل عديدة للداخل السوداني والخارج، لكن شرطه تغيير قيادة الجيش رآه خصومه كدعوة للاستسلام، ومازالت قيادات الجيش هي من تطالبه به عبر اشتراط خروج قواته من المواقع التي تحتلها قبل الدخول معها في أي تفاوض في منبر جدة، وهو ما دعا وفد الجيش للعودة إلى الخرطوم للتشاور، مع تصريحات متشددة من قيادات الجيش لا تهاجم قوات الدعم السريع وحدها بل أيضا الحركات المسلحة والأحزاب السياسية، وهو ما فسر بأنه محاولة للضغط عليها وابتزازها لمحاولة دفعها لتكون طرفا في الحرب.
ولا يزال الوضع في منبر جدة يراوح مكانه بسبب هذه الشروط المسبقة التي يضعها الطرفان لأي للحوار والتفاوض رغم المساعي من أجل احداث اختراق في الجمود الحالي، بينما يتصاعد القتال على الأرض ويتمدد، وتتعقد الأزمة الإنسانية وأوضاع المواطنين في كافة أنحاء السودان.
والتواصل والحوار بين القوى المدنية في السودان ليس أفضل حالا من القوى العسكرية، فما زال التعثر وتباعد المواقف وفجوة الثقة هي سيدة الموقف رغم محاولات من هنا أو هناك لكسر حالة الجمود واختراق المواقف لصالح حوار وطني شامل يؤدي لوحدة القوى المدنية والدفع بها من أجل وقف الحرب وإحلال السلام وتشكيل حاضر السودان ومستقبله.
ويمكن القول إن القوى المدنية في السودان تنقسم إلى 4 كتل رئيسية، أولها قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" وحلفائه من مكونات الاتفاق الإطاري، وهي القوى الرئيسية التي كانت تشكل الحاضنة لحكومة الفترة الانتقالية عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، ومن أبرز عناصرها حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر السوداني وآخرون، أما الكتلة الثانية فهي قوى الحرية والتغيير "الكتلة الديمقراطية" وهي الكتلة التي انشقت عن الكتلة الأولى ومن مكوناتها الأساسية حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم وزير المالية، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور، وفي وقت لاحق ضمت حلفاء آخرين من القوى المدنية تنظر لهم الكتلة الأولى كحلفاء سابقين لنظام البشير حتى آخر لحظة قبل سقوطه وحلفاء حاليين للجيش، حيث انحازت هذه القوى إلى انقلاب 25 أكتوبر الذي أطاح بالشراكة بين المكونين العسكري والمدني، وكان بداية للخلاف ومن ثم الصراع لاحقا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وقد أصبحت قوات الدعم السريع اقرب إلى قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بما أعلنته من تأييد للاتفاق الإطاري والتزام به، وقد كان الاتفاق ينص على تسليم السلطة للمدنيين، وتكوين جيش وطني واحد يبتعد عن العمل السياسي وتدمج فيه قوات الدعم السريع، وقد كانت فترة الدمج وتبعية قوات الدعم السريع أحد أسباب تفجير الصراع الأخير.
وقد شهدت القاهرة مؤخرا اجتماع تحالفي قوى الحرية والتغيير فيها الأسبوع الماضي كلا على حدة، دون أن يؤدي هذان الاجتماعان إلى اجتماع موحد بينهما للنظر في الأزمة التي تعصف بالسودان كله، حاضره ومستقبله ووجوده، سألت أحد أبرز قيادات "الكتلة الديمقراطية" عما يمنع من الحوار مع "المجلس المركزي" قال: نحن نرغب في ذلك بشدة ونأمل في انفتاح الطرف الآخر، وقد أكدت لي قيادات في "المجلس المركزي" رغبتها هي الأخرى في الحوار من أجل وحدة القوى المدنية ومن أجل وقف الحرب ووقف التدهور الإنساني المريع والحفاظ على أرواح السودانيين، لكن في الواقع الأمر لا يبدو كذلك تماما، فكل طرف من الطرفين يريد الوحدة بشروطه، وربما يريد فرض هيمنته أو أن تكون له اليد العليا في هذه الوحدة المرجوة، وكذلك تريد بعض أطراف هذا التحالف أو ذاك الوحدة أو الحوار مع أطراف بعينها ولا تريد الحوار أو الوحدة مع أطراف ترى أنها مجرد لافتات لا تعبر عن قوى رئيسية أو أطراف تدعم استمرار الحرب أو أطراف أقرب للإسلاميين منها إلى تطلعات وآمال عموم الشعب السوداني، ولا تزال بعض القيادات تبذل مساعيها هنا أو هناك من أجل هذه الوحدة المرجوة وتذليل الصعاب من أجل تحقيقها.
أما القوى الثالثة فهي من أطلق عليها اسم قوى التغيير الجذري وقد ضمت الحزب الشيوعي ولجان المقاومة وغيرها من القوى التي كانت ترفض الوصول لأي اتفاق مع المكون العسكري، وتريد مواصلة الثورة من أجل إقامة تحول مدني ديمقراطي خالص، وقد أصبحت قيادات لجان المقاومة الشباب مستهدفين في هذه الحرب وتحت وطأة ضغوط كبيرة تلاحقهم الاتهامات بالانحياز ونيران الحرب التي تكتوي بها بلادهم.
أما رابع القوى السياسية السودانية فهم الإسلاميون من فلول النظام السابق، وهم ليسوا كيانا واحدا فهناك تباينات داخلهم، وبعضهم عارض نظام الرئيس السوداني المعزول، وانشق عنه في أوج سطوته، ومن بينهم الدكتور غازي صلاح الدين الذي أنشأ تيار الإصلاح الآن، وكان من بينهم أيضا كتاب بارزون انتقدوا نظام البشير بقوة، منهم الطيب زين العابدين والدكتورخالد التيجاني والدكتور حسن مكي وعثمان ميرغني والمحبوب عبد السلام وحزب المؤتمر الشعبي وآخرون، كما انضم الكثير من شبابهم إلى الثورة ضد البشير، لكن لاحقا لم يصبحوا جزءا من الفترة الانتقالية، وربما جمعهم الحنق وأيضا الغضب على إجراءات لجنة إزالة التمكين التي سعت لتجريدهم من العديد من الامتيازات التي حصلت عليها قطاعات واسعة من خلال سياسة التمكين التي اتبعها نظام البشير السابق الذي استمر 30 عاما، همش فيها قطاعات واسعة من الشعب السوداني لصالح أتباعه وأنصاره من الإسلاميين، والآن يواجه هؤلاء الإسلاميين اتهامات واسعة بتأجيج الحرب الحالية، وأنهم يريدون عبرها العودة مجددا إلى الواجهة بعد أن تم الإطاحة بهم وحظر حزبهم الحاكم سابقا "المؤتمر الوطني" وواجهاتهم الأخرى، ولم تعد هذه الاتهامات مجرد توقعات أو تخمينات أو ظنون، بل ظهر للعلن الكثير من قيادات الإسلاميين يعلنون أنهم موجودون في هذه الحرب وبقوة، وكذلك ظهر الإعلاميون المقربون منهم بذات القوة يدافعون عن الحرب واستمرارها، فيما طالب خصومهم من قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي" دول المنطقة بإعلان المؤتمر الوطني تنظيما إرهابيا لدوره في تأجيج الحرب، وقد يصبح هذا الوجود القوي للإسلاميين خصما على حلفائهم في المعركة نظرا لتحفظات كبيرة على وجودهم في أي معادلة قادمة في السودان من قبل الإقليم والعالم... فهل تشهد الأيام القادمة إرادات أقوى ومقاربات جديدة ومسارات أكثر جدوى وفرصا من أجل تحفيز حوارات منتجة لصالح الشعب السوداني ومستقبله.
asmaalhusainy@hotmail.com