حوار صحيفة الميدان مع الكاتب فتحي الضو

 


 

حسن الجزولي
22 December, 2021

 

عمل في صحيفة الوطن الكويتية في التسعينيات وكان يحرر صفحة السودان ضد النميري وطالب السفير السوداني يومذاك بطرده من الكويت، عاد بعد الانتفاضة للسودان وأجرى حوارات شملت نقد، الترابي الصادق ومنصور خالد، خرج بعد غزو صدام للكويت والتحق بالتجمع الوطني الديمقراطي، افتتح مكتباً لصحيفة الوطن بأسمرا وكان يغطي أخبار المعارضة السودانية والقرن الأفريقي، الف كتاب "حوار البندقية " حول الحرب بين أرتريا وأثيوبيا ضمن مهامه كأحد الصحفيين السودانيين القلائل الذين خدموا في جبهات القتال كمراسلين حربيين!، شهد بدايات بناء التحالف السوداني ومرحلة الكفاح المسلح ضد نظام الجبهة الاسلامية، صار مراسلاً صحفياً من أسمرا لصحيفة الفجر السودانية المعارضة والتي تأسست في لندن والتي كان يرأس تحريرها يحيي العوض ومدير تحريرها صديق محيسي، عاصر صراعات التجمع الوطني الديمقراطي وأسس علاقات وطيدة مع الراحل جون قرنق وغالبية القيادات في أحزاب المعارضة والتجمع الوطني الديمقراطي، وبهذا يُعد ضمن الكتاب الذين ثابروا بنضالهم كمثقفين عضويين ضد نظام الانقاذ المخلوع بقدرة الشعب وجبروته، وقد دفع ثمن ذلك للكثير من المضايقات أبرزها تعرضه للتشريد وقساوة الغربة والمنافي، وفي الغربة تكاثرت عليه الخطوب ففقد زوجته وداد صديق عندما رحلت عنه إلى رحمة مولاها، ورغم أن مثل حدث كهذا يضفي على نشاط المناضلين تأثيراً ربما أن أبرزه سينعكس على تعب الهمة وقلة الحيلة، إلا أنه واجه كل ذلك بجلد وصبر على المكاره ومضى في رسالته إلى آخر أشواط المنازلة مع نظام بغيض وهو يردد " لابد من المحاسبة و الديمقراطية ،، وإن طال السفر"؟. كيف استطاع هذا الكاتب أن يضمد جراحه ويكتب كل هذه الأسفار الهامة التي بها كشف عورات نظام المتأسلمين؟ هذا سؤال يجب أن يطرح ضمن هذا الحوار الاستثنائي الذي خصصه القسم الثقافي لصحيفة الميدان مع فتحي الضو محمد علي إحتفاءاً بمقدمه كصحفي وكاتب وطني وديمقراطي تقدمي، حيث آثرنا ألا يكون الحوار تقليدياً، بإشراكنا لعدد من الأصدقاء والمهتمين في محاور الأسئلة ومنحنا له فرصة الاجابة على ثلاثة أسئلة لم تطرح له قبلاً ويحبذ استصحابها في ضمن هذا اللقاء الصحفي!.
( تنويه:ـ بدأ هذا الحوار قبل الانقلاب العسكري وتمدد ليتواصل ويشهد تداعياته أيضاً)!.
حاوره: حسن الجزولي
1ـ بعد عودتك الميمونة، كيف وجدت الأهل والأقارب والجيران... كيف وجدت البلد اجتماعيا؟
* بالطبع سعادتي لا توصف، بالرغم من أنني أزعم بأنني كنت من زمرة الذين يتابعون دبيب النمل في حركة المجتمع إلا أنني فوجئت بالتغييرات الجراحية العميقة التي طرأت لا سيما في التفاوت الطبقي الذي زاد من دوائر الفقر المدقع والذي طال أعداداً مهولة في مقابل زيادة الرأسمالية الطفيلية التي تطاولت في البيان وتوسعت في الفساد، فالأنظمة الديكتاتورية وخاصة الأخيرة أنهكت الوطن والمواطنين.
2ـ تُعتبر ضمن الكتاب الذين ناضلوا ضد حكومه الإنقاذ و تعرضت للتشريد والغربه. وفي الغربه تكاثرت عليك الخطوب وتوفيت زوجتك، بأي آلية وكيف استطاع فتحي الضو أن يضمد جراحه و يكتب كل هذه الأسفار القيمه؟.
* كنت أقول دائما أن الطغمة البائدة آدمنت الجلوس على سدة السلطة باستخدام بروبوجاندا ثلاثية وهي اشاعة التيئيس والتخذيل والتخويف بغية صرف الناس عن مهامهم النضالية، والحقيقة في مقابل ذلك كنت استعيض عنه بالتمسك بالأمل والتفاؤل والإرادة وأحاول بقدر الإمكان الترويج لذلك من خلال كتاباتي وحتى في دوائر العلاقات الخاصة، وقد وطنت نفسي على أن غدا أفضل وأنه لناظره قريب. أما بالنسبة لكتاباتي فهي قدري في مواجهة صلف وديكتاتورية النظام البائد كأقل ما يكون الوفاء لهذا الوطن العظيم.
3ـ أصبحت لديك علاقات متميزة مع المحكمة الجنائية التي صنفت كتبك لتصبح ضمن الوثائق المعتمدة في مضابطها ،، كيف ينظر فتحي لتسليم المتهمين في قضية دارفور لها؟.
* نعم تواصلت مع المحكمة الجائية الدولية بمبادرة مني ووجدت ترحيبا منهم. وطلبت منهم أن تكون علنية وبالرغم من ترددهم خشية على شهودهم إلا آنني نشرت ذلك وأعلنت ذلك على الملأ في المنابر التي استضافتني لتقديم ندوات ومحاضرات في القارات الأربعة، من هذا المنطلق، يمكن القول أن رأيي واضحاً بضرورة تسليم المجرمين الأربعة فوراً دون تلكؤ فذلك من شأنه أن يمتن العلاقة مع المجتمع الدولي،
4ـ لكن إلى ماذا سيفضي التقاعس الذي أصبح بائناً وواضحاً حول تسليم الجناة للمحكمة الدولية؟
* حسب علمي أن قرار التسليم قد اتخذ في مجلس الوزراء وتبقى فقط النواحي الإجرائية. من جانبي كما قلت ليس هناك مبرر ويجب أن يعلو هذا الموضوع عن ما سواه فذلك أيضا يمكن آن يضمد جراح الأهل في دارفور.
5ـ حول كتاباتك ،، أي كاتب يظل هاجسه الأساسي أثناء أو بعد الفراغ من مؤلفه هو كيفية التوفيق في اختيار العنوان المناسب للعمل الجديد ،، "الخندق، بيت العنكبوت، الطاعون" بأي كيفية استطعت أن تنجح في إجتراح أسماء لهذه المؤلفات التي أصبح لها صدى واسعاً.
* نعم يلفت الانتباه في كتبي العناوين التي صدرت بها. فمثلا كتاب الخندق تسميته اقتباس من العملية الاستخبارية التي تابع بها جهاز الأمن قضية المحكمة الجنائية، والتسمية راجعة لهم. أما كتاب العنكبوت فالتسمية موصوف بها جهاز الأمن الشعبي لأنه جهاز عنكبوتي بالفعل نظراً لانحطاط أفعاله التي تشبه أفعال العنكبوت وكتاب الطاعون موصوف به جهاز الآمن الرسمي كما يسمونه وهو جهاز الآمن والمخابرات ولعلك توافقني الرأي آنه كذلك
6ـ بهذه المناسبة هناك سؤال محوري في أوساط كل الدوائر المهتمة بكتاباتك وإصداراتك والكم الهائل من المعلومات التي عريت وفضحت بها نظام الانقاذ المخلوع ،، كيف ومن أين تحصل الضو على كل هذه المعلومات الدقيقة، دون ذكر أسماء مصادره؟.
* بالطبع الفضل يرجع لمصادري التي صحا ضميرها وتقدمت من تلقاء نفسها لنشر تلك المعلومات خدمة للشعب السوداني العظيم.
7ـ الآن أصبح الأمر ممكناً ،،ما الذى يمنع ذلك على الأقل حتى يعلم الشعب أولئك الأبطال الذين نحن فى أمس الحاجة لأمثالهم اليوم؟.
* ليس من حقي ولا نهجي بكشف مصادري ، خاصة وقد تواصينا معا على ذلك وهذا التزام أخلاقي ولعلك تعلم أن المصداقية هي العقد التي تجعل مصادري تتقاطر نحوي.
8ـ في هذا الخصوص لطالما قرأنا بعض التحفظات من قبل صحافيين ناهضوا النظام السابق أيضاً، وتتركز حول إيرادك معلومات لا سند لها ...أو تصوير أحداث فيها أطراف معارضة، أفراد وكيانات وبادر من عناهم الأمر بنفيها! ،، هل من تعليق؟.
* لم أقرأ أو أسمع نقداً كهذا رغم ترحيبي بالنقد البناء والمفارقة أن أزلام النظام البائد أنفسهم لم يجرؤوا على انكار ما ورد من أفعال ارتكبوها وفي ذلك دليل كاف على تبرئة مصادري من الدس والتدليس.
9- بمناسبة الانتماء ،، هل بالفعل كانت لديك صراعات مع حزب الأمة في بداية تشكل وعيك وتوجهاتك السياسية؟ ،، ما هي خلفية هذه الصراعات إن صحت المعلومة؟
* الحقيقة ذلك لم يحدث مع حزب الأمة ولا غيره من القوى السياسية، فالذي يربطني مع الجميع علي ما يناهز الأربعين عاما هو الاحترام المتبادل. لكن قد يحدث تباين في وجهات النظر حول قضايا معينة مع أفراد. مثل مبارك عبد الله الفاضل الذي تناولته في سلسلة مقالات وكذلك في كتابي (سقوط الأقنعةـ/ سنوات الأمل والخيبة) والحقيقة ذلك كان ايمانا مني بأنه شخصية تعشق صنع الكوارث
10ـ هل بالفعل تم ترشيحك لمنصب وزير الاعلام ولكنك رفضت ذلك! ،، وهل يعد الرفض إمتثالاً لمقولة الكاتب الألباني إسماعيل كادر الذي استشهدت به ضمن حوار صحفي حين اعتبر السؤال الذي يوجه له حول أن عودته للوطن ترتبط بمنصب وزاري، عبارة عن إهانة بالغة؟.
* نعم بالفعل بادر التجمع الاتحادي بترشيحك كوزير للاعلام ورفضت ذ سبق للتجمع الاتحادي ترشيحي لمنصب الاعلام وقد اعتذرت فاسحا المجال لزميلي وصديقي الاستاذ فيصل محمد صالح فليس بيننا تنافس. من جهة ثانية لا آريد من أحد أن يظن لمجرد الظن انني قدمت لهذا الأمر وامتثل فعلا بمقولة الأديب الألباني اسماعيل كادار. ذلك ذكرته لكل الذين حدثوني عن هذا الموضوع. وسيآتي اليوم الذي أقدم فيه عطائي للوطن من الموقع الذي أحب.
11ـ بمناسبة الانتماء ،، هل بالفعل كانت لديك صراعات مع حزب الأمة في بداية تشكل وعيك وتوجهاتك السياسية؟ ،، ما هي خلفية هذه الصراعات إن صحت المعلومة؟
* الحقيقة ذلك لم يحدث مع حزب الأمة ولا غيره من القوى السياسية، فالذي يربطني مع الجميع علي ما يناهز الأربعين عاماً هو الاحترام المتبادل. لكن قد يحدث تباين في وجهات النظر حول قضايا معينة مع أفراد. مثل مبارك عبد الله الفاضل الذي تناولته في سلسلة مقالات وكذلك في كتابي (سقوط الأقنعةـ/ سنوات الأمل والخيبة) والحقيقة ذلك كان ايمانا مني بأنه شخصية تعشق صنع الكوارث!.
12ـ ماهي رؤيتك حول ما يتم من تقييم للشارع السياسي لدكتور عبد الله حمدوك سلباً وإيجاباً؟
* لا آريد أن أنحو نحو منهج التطفيف في تناول سيرة الأفراد فالدكتور عبد الله حمدوك لديه سلبيات لا تخفى على أحد مثلما له. ايجابياته وعوضا عن تقيم الأشخاص أحبذ أن يكون ذلك في تقييم الحكومة الانتقالية التي يرأسها الدكتور عبد الله حمدوك.
13ـ ماذا بخصوص السلحفائية حول تحقيق فض الاعتصام والقصاص للشهداء؟.
* في تقديري ذلك يعد خيانة لدم الشهداء حتى لو حسنت النوايا. ذلك ما كان ينبغي له أن يكون لو كان هناك احساس حقيقي بهذه القضية التي تعد في طليعة أمهات القضايا.
14ـ رأيك حول اتفاقية جوبا للسلام ؟
* هذه الاتفاقية تذكرني بوصف الماء لا طعم ولا لون ولا رائحة و هي دون طموحات الثورة.
15ـ الذين قضيت العمر تُعري فيهم وفِي أفعالهم، ما مصيرهم ،، أين هم وأين موقع مقولتك الآسرة "لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر"؟ ،، هل تحس الآن بالرضا حيال مواقف حكومة "الثورة" منهم؟.
* لا يمكن بناء دولة الثورة مالم تقتلع الدولة القديمة من جذورها. ولا اعتقد أن ذلك عصيا اذا توفرت الإرادة المطلوبة، لا سيما وأن الثورة وفرت للمرة الثانية منصة الانطلاق. لهذا فوجود المفسدين الذين نكدوا علينا حياتنا طلقاء دون أن نراهم في الموقع الذي ينبغي أن يكونوا فيه يعد انتهاكا لقيم الثورة واستفزازا فاحشا لمشاعر الوطن ومواطنيه. ومع ذلك أقول لابد من المحاسبة والديمقراطية وان طال السفر, ولست راضيا عن مواقف الحكومة منهم .
16ـ في نفس الوجهة ماهو تفسيرك لعدم قيام الجهات الأمريكية بكشف أو مقاضاة بعض عناصر القمع والفساد والإبادة المقيمين في أمريكا أو دول الناتو؟
* .لا علم لي بهذا الأمر وان كنت اعتقد بأنها مسألة لا تخلو من التعقيد لكنها ليست عصية.
17ـ هل ترى أن الانتخابات ستجري في مواقيتها، وإن تم ذلك لمن تكون الغلبة ولمً؟.
* لا أجد مسوغا في أن لا تجري في مواقيتها المعلومة غير اني اعتقد انها سوف تنطوي على حقائق سوف تخلق واقعا جديدا طبقا لثورة ديسمبر المجيدة. نحن أمام مشاهد سياسية مختلفة وليس مشهدا واحدا كما يتراءى للناظرين. هناك المشهد الذي الذي صنعته الثورة وثاني تقف خلفه الدولة القديمة وثالث يوجد في مخيلة البعض وهكذا يتناسل التنافر وتسود المتناقضات
18ـ أقرأ لنا تقييمك الشخصي للهجوم على لجنة التفكيك ومحاولات "شيطنته" من قبل فلول النظام المخلوع؟.
* طبيعي ان تتكالب الفلول علي لجنة التفكيك وتحاول شيطنتها ذلك لأنها للأسف اصبحت تمثل قلب الثورة الوحيد النابض بالحياة. ينبغي ان يكون ذلك دافعا لضخ مزيد من الامكانات المادية والبشرية لها حتى تؤدي واجبها الثوري.
19ـ هل يا ترى ثمة مفاجآت ستفرض نفسها بشكل أو آخر على المشهد السياسي بصورته هذه؟
* إن كان ما استبطنته من سؤالك صحيحا وصدق حدسي، سآقول لك لا. لأن ثورة ديسمبر وفق رؤيتي وضعت حدا لثلاث ظواهر عانينا منها في تاريخنا الحديث وهي أولا نهاية الانقلابات العسكرية (ولا ينقض ما حدث افتراضي هذا) وثانيا انجلاء ظاهرة الإسلام السياسي وثالثا تضعضع الطائفية السياسية. وشواهدي في ذلك كثيرة وليس رجما بالغيب.
20ـ تخوف ثوار ديسمبر من الذين تسنموا السلطة بتمديدها إلى ما لا نهاية، حفاظاً على مكاسبهم التي جنوها من خلف ظهر الثوار، أهو تخوف مشروع يا ترى ،، أم أن كل شئ "مستتب"؟.
* المخاوف الكثيرة شيء طبيعي ، يلازم فترات الانتقال دوماً في تاريخ الشعوب وخاصة تلك التي تجيء عقب نهاية أنظمة ديكتاتورية قابضة كالتي رزئنا بها من قبل عصبة الحركة الاسلاموية الفاشية. بيد أن التفكير في تمديد آو التلاعب بما تواصى الناس عليه في الوثيقة الدستورية سيجابه بحديث الشوارع التي لا تخون وقد تجلى ذلك في ما اسميه بالموجة الثالثة لثورة ديسمبر في مواكب أكتوبر الأخيرة.
21ـ عبرت عن تخوفك من أن ينجر الثوار إلى مطالب ليست بأفق ومستوى الثورة، وتخشى من أن السودانيين سيكتشفون أنهم موجوعون بالقضايا الكبرى التي لم يستطيعوا ملامستها حتى الآن، هل من تعقيب أوضح وأدق حول ذلك؟.
* الحقيقة ليس الثوار، فهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون كما ذكرت. ولكنني قصدت عامة الناس الذين يحاولون أن يحشروا الثورة في خانة ما اسميه (الحاجات البطينية) وهي التي يقال عنها معاش الناس. نعم هي ضرورية ولكنها ليست غاية وإنما وسيلة لغاية أكثر سمواً وعظمة، وهي ايجاد الحلول الجذرية للقضايا التي تضع السودان في مصاف الدول المتقدمة والحضارية والتي تتسق مع الثورة الباسلة، خاصة واننا لا ينقصنا شيء سواء من ناحية الموارد المتعددة أو القوة البشرية أو غيرهما.
22ـ أشرت لغياب معادل موضوعي وهام في ميكانيزم الثورة وهو العدالة، "فالذي يسئ الأدب لا يمكن أن تتعامل معه باحترام، لأنه أساء إلى نفسه وللأمة العظيمة" ومضيت تقول " وذلك لن يتم إلا بتفعيل العدالة "..."، " المعلوم والطبيعي في التاريخ الإنساني أن الثورات أساسا تندلع لتقصي، تقصي الفاسدين والمجرمين وكل الفئات في المجتمع التي ليست لها علاقة بالثورة" ،، ألا ترى أن "الإعوجاج" الذي أصبح بائناً الآن هو نتاج لغياب مفهوم "الشرعية الثورية"
* نعم كل ما ذكرته جاء علي لساني في مواقف كثيرة وأامن عليه. والحقيقة هناك تخليط في كثير من القضايا. مثلا يقولون لك الوطن يسع الجميع وهي كلمة حق أريد بها باطل لأنه لابد لتكملة الآية بتحديد من هم الجميع، هل يندرج تحت هذا البند القتلة والمفسدين وتجار الدين. فالوطن يسع الشرفاء والأوفياء والمواطنين الكرام البررة الذين يقدرون قيمة الوطن. أيضا يقولون لك التسامح السياسي السوداني. وهي عبارة مضللة لأن البشرية عرفت التسامح الديني والاجتماعي ولم تقل هناك تسامح في السياسة والتي تستند أصلاً علي الحقوق والواجبات، ثم أين كان هذا التسامح عندما أهدر النظام البائد القيم الانسانية وجرت الدماء مدراراً. كذلك تظهر بعض الأصوات من حين لآخر تدعوا لاشراك ما تسميهم المواطنين الذين يؤمنون بمباديء الثورة، وليت هؤلاء يحدثوننا عن من هؤلاء المتسترين من وراء حجاب. فليعلم الجميع أن الثورات عبر التاريخ تأتي لإقصاء المفسدين. وعليه لا أرى مسوغاً للقول بأن الشرعية الثورية انتهت.
23ـ كيف تقرأ إعتصام القصر وما يقابله من مليونيات للثوار والكنداكات ؟!.
* أولا تبدو المقارنة جائرة بين ما سمي اعتصام القصر ومواكب ومليونيات الثوار. ذلك أشبه بعليل العينين الذي يقارن بين حجم الفيل والفأر. مواكب أكتوبر تجسيد للشرعية الثورية في حين أن اعتصام تلك الفئة انتهاكاً لها.
24ـ لننتقل إلى محور آخر مهم ،، لقد عاصرت ككاتب وصحفي تجربة تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي بمصر ،، وكانت الجماهير قد تفائلت بتجربة العمل المسلح للتجمع الوطني الديمقراطي بأريتريا ولم تنجح التجربة في اسقاط النظام،، ما العوامل التي أجهضت التجربة.
* تجربة التجمع الوطني الديمقراطي والتى عايشتها من المهد إلى اللحد وكتبت عنها كتابا هو (سقوط الأقنعة) تعد في تقديري من أعظم التجارب في الحياة السياسية السودانية نظراً لأنها انطوت على معان كثيرة، حيث شهدت للمرة الأولى في تجاربنا السياسية التقاء الإرادتين الشمالية والجنوبية في حلف واحد حتى وإن لم تمض لنهاياتها المرجوة. علاوة على كونها ضمت حينها كل القوى السياسية والعسكرية، كما أنها دعمت من قبل المجتمعين الإقليمي والدولي. وفي واقع الأمر أن الذي أدى لفشلها في اسقاط النظام أنها حوربت من داخلها أكثر من حرب النظام عليها وذلك حديث يطول سرده.
25ـ ما هو تقييمك لتلك الفترة وخاصة انك كنت لصيق بالتجربة؟
* هذه التجربة بهذا التوصيف تشبه عندي تيم الكورة الذي يؤدي أداء جيداً طيلة عمر المباراة وعندما تلوح أمامه فرصة ذهبية للفوز بهدف في الثانية الأخيرة يرسل الكرة خارج الشباك. ما حدث في الآونة الأخيرة من عمر التجمع في الغرف المغلقة هو بيع في سوق نخاسة السياسية إن جاز التعبير .
26ـ كيف ترى آداء التجمع الوطنى الديمقراطى خاصة في مؤتمر القضايا المصيرية وعلمانية الدولة الذى أفضى إلى نيفاشا ثم اتفاق القاهرة وكافة الاتفاقات اللاحقة؟
* لا الحقيقة لم يتم اقرار علمانية الدولة في المؤتمر٫ فالذي تم اقراره بمعالجة حكيمة هو فصل الدين عن السياسة بتجريم تأسيس أحزاب على أسس دينية، وكان ذلك النص مقنعا لكل القوى السياسية حتى تلك التي تستند على طوائف دينية. الحقيقة التي ينبغي أن تقال هي أن مصطلح العلمانية تم تعهيره من قبل كل القوى اليمنينة.
27ـ أولم يتم الاقرار بعلمانية الدولة في مؤتمر القرارات المصيرية؟.
* لا لم يحدث.
28ـ حسناً ،، أكان سراباً يا ترى، وما الذي جعله سراباً وبلقعاً؟.
* ربما كان سرابا ظنه الظمآن ماء ولكن بتلك المعالجة التي أقدم عليها التجمع صار واقعاً فتح الباب للإرتواء دون جدوى.
29ـ في ذات المنحى ،، كيف تقيم تجربة قوات التحالف خاصة وكنت قريباً منها وصديقاً لقياداتها؟
* نعم كنت قريباً منها كصديق لقياداتها وبعض كوادرها، مثلها مثل غيرها من القوى السياسية، قدمت لها كل دعم ممكن لأنني أتوق للوصول للخرطوم. ولكنني لم أكن عضواً منظماً في قوات التحالف، هي بالفعل تجربة ينبغي أن تسلط نحوها الأضواء باعتبارها أول حركة حملت السلاح الذي كان يستنكفه الشماليون وجعلوه حكراً على الجنوبيين في النضال ضد الديكتاتوريات التي تكالبت علينا.
30ـ تعد من الصحفيين السودانيين القلائل الذين تابعوا الحرب الأثيوبية ـ الأرترية تسعينيات القرن الماضي، واصدرت كتاباً عنها، ربما أن ما قيل حولها ليس كل شئ، وأن ثمة ما يمكن أن يقال الآن بخصوص ما لم ينشر وقتها ولا يعلمه الكثيرون! ،، ليتك تحدثنا حول ذلك؟
* اعتقد أن تجاربي في منطقة القرن الأفريقي والتي امتدت لأكثر من عشر سنوات كانت ثرية نظراً لأن هذه المنطقة تعد بكراً في كل شيء. وقد أضافت لتجاربي المهنية الكثير. من ضمن ذلك تغطية الحرب الأهلية الصومالية والحرب الأثيوبية الإريترية الثانية. نعم ما قيل وكتب عن الثانية ليس كل شئ بدليل آن ذيولها ما زالت تترى بين أثيوبيا وأريتريا، الجدير بالذكر أن كتابي عن تلك الحرب والموسوم (حوار البندقية|/ الأجندة الخفية في الحرب الإثيوبية الأريترية) يعد المرجع الوحيد الذي صدر باللغة العربية.
31ـ ربما أن قراءك يتلهفون لكتاب لك من نوع آخر من وحي الحرب الأهلية الصومالية، فهو سيختلف جملة وتفصيلاً عندما تروي الجوانب الاجتماعية والسياسية المتداخلة في تركيبة الصوماليين النفسية وكيفية تعاملهم مع بعضهم خلال تلك الحرب من الظواهر التي رصدتها وأشرت إليها في حوارات سابقة، ودعني أقرأ لك أجزاء منها: ( الصلاة الجماعية للفرقاء الذين يضعون بنادقهم ويذهبون للصلاة كجماعة في فترة هدنة مؤقتة ونادرة، المقاتل الذي يستولى على سلم الطائرة في مطار مقديشو كغنيمة حرب ويؤجره للطائرات التي تهبط أرض المطار، صوت محمد وردي الذي ما أن يسمعه الصوماليون حتى يتأكدوا بأن الحرب قد توقفت، كلمة سوداني التي لها وقع السحر عندهم وتنقذ السودانيين من موت محقق كما حدث لك، طائرة "القات" التي لا يعترض طريقها أحد أثناء تواصل الحرب لأن حمولتها تعتبر ذات قيمة عالية لكل الأطراف)!. هل فكرت في كتاب كهذا؟!٠
* اصدقك القول فيما ذكرت، فالصومال آيضا عالم آخر في تركيبته السياسية والديمغرافية. أتمنى أن تمنحني الظروف فرصة لعكس كل ذلك في سفر جديد.
32ـ فيما يخص السودان هل لديك عمل جديد؟
* نعم استطيع من خلال صحيفتكم الغراء أن أزف للقراء قرب الانتهاء من كتاب جديد اخترت له عنوان (الطوطم) وهو معني بصعود الحركة الإسلاموية لسدة السلطة وهبوطها بعد ثلاثة عقود عجاف. وذلك وفق رؤية تحليلية أأمل أن تقدم شيئاً جديد ومفيد.
33ـ وبعد ،، لا بد وأن نختم بالراهن السياسي، من المؤكد أنه قد جرت المياه على غير ما تشتهي السفن، فقد صادف وجودك في البلاد (الانقلاب المسرحي)، ما هو رد فعلك وانطباعك؟.
* في الحقيقة وكما وصفته هو انقلاب هزلي ومسرحي، الغريب أن قادته يريدون استعباط الشعب السوداني، والذي خبر الديكتاتوريات والانقلابات العسكرية وتصدى لها. أعتقد أن ما حدث يعد أسوأ سيناريو لشئ وهمي في الواقع السوداني. لم أكن أظن أن الغباء يبلغ درجة ألا يضع الانقلابيون اعتباراً لكامل الزمن حيث سبقت الانقلاب ثورة عظيمة وكذلك مسيرات هادرة وذلك كان مصدري دهشتي، غير إنني كنت على يقين وما زلت بأنه آيل إلى زوال!. وأنه فقط عمل على تعطيل التطور الطبيعي للشعب السوداني في مضمار الممارسة السياسية، هذا عمل طفولي لن يطول!.
***
(وبعد ،، يسرنا في خاتمة هذه الحوارية مع الصديق فتحي الضو أن نرفق رسالة شخصية قديمة كنا قد تلقيناها منه وتتعلق برأي طرحه لنا حول كتابنا "عنف البادية" عند صدوره وقتها):ـ
***
* أخي العزيز أبوعلي
أعلم أن ذلك سيسرك وأتمنى أن أكون عند حسن الظن ويشرفني أن ذلك يوطد القيم التي رعيناها معاً ويعلي من المثل التي عملنا بها من أجل هذا الشعب العظيم.
بالأمس كان يحدثني صديق يسكن شيكاغو وهو من الكيزان الذين انتحوا جانباً عندما رأى أخوة يوسف يتآمرون على بعضهم البعض.
المهم في الأمر قال لي أنه يقرأ هذه الأيام في كتاب عنف البادية، وقال لي أنه أكثر من مرة وضع الكتاب جانباً ليغرق في دموعه، وفي هذه أعلم صدقه لأنني لمست فيه رقه في مواقف كثيرة.
قال لي :ـ( ولكن ما زلزل كياني بعد أن تنهدت وكفكفت دموعي، أن قلت لنفسي كم من رجل عظيم أضعنا وكم من مفكر تسرب من بين ايدينا بسبب خلافاتنا السياسية)؟.
وقال لي "بودي أن اعتذر لهم عن خطيئه ارتكبها العسكريون؟".
هذا ما قاله بالنص رغم اختلاف المشربين
ولذلك قلت لنفسي كما قال أحد حواريي السيد المسيح
كلمتي لا ترد إليّ فارغة
تحياتي لك يا صديقي ولزوجك الكريم
مودتي
فتحي الضو
(إنتهى)

hassanelgizuli3@gmail.com
//////////////////////

 

آراء