في الدوحة غادر السيد السيسي الدوحة إلى أدس أبابا، تاركا وراءه طاولة المفاوضات فارغة إلا من وفد الحكومة، الذي يحزم حقائبة الآن في انتظار يوم الواحد والثلاثين الذي يقول الأستاذ أمين حسن عمر إنه يوم نهائي لمفاوضات الدوحة. هكذا قد نحصد صفراً كبيراً بعد محادثات استمرت قرابة العام، بذل فيها الإخوة القطريون من الجهد والمال ما لا قبل لدولة به. لكن للأسف انتهت المفاوضات إلى لا شيء. الإقليم ونائب الرئيس هما العقبتان الكؤودتان اللتان أدتا لتوقف المفاوضات.
الحوار بين الشمال والجنوب، بين الحركة والمؤتمر الوطني، يكاد يتحول إلى حوار طرشان. لا زالت معظم القضايا عالقة لم تتقدم خطوة واحدة منذ أشهر. جاب الطرفان العواصم المختلفة، فلم تجد القضايا المختلفة طبيباً ولا وسيطا يحل عقدتها. أُنهك الوسطاء الإفريقيون وتعب أمبيكي من اجتماعات الوساطة بين الشريكين التي تدور في حلقة مفرغة. لا زال الحوار يدور حول قضايا المواطنة والجنسية وأبيي، ولا شيء ينتج عنه. الضوء الوحيد أن الاستفتاء يمضي باتجاه غايته بهدوء، حتى تكتمل حلقاتة يوم التاسع من يناير.
في كادقلي انهار مؤتمر الحوار بين المسيرية ودينكا نقوك قبل أن يقدم المحدثون أوراقهم، فطويت صفحته ببيانات نارية للطرفين. أدى المؤتمر لاستقطاب حاد بدلاً من أن يعمل على تهدئة الأجواء والنفوس المعبأة أصلا بالإحن.
في الجنوب، الحوار بين أطور والجيش الشعبي تحول لمواجهات مسلحة، قتلت سبعين نفساً بريئة. بدلا من استتباب الأمن والاستقرار، يحصد الجنوب الآن مزيداً من الدماء، ومزيدا من الفوضى.
القوى السياسية بالشمال الآن تعبئ هذه اللحظات الحرجة من تاريخ البلاد للمواجهات السياسية، عوضاً عن الاتجاه لحوار بناء ومثمر يحفظ للوطن سلامته وما تبقى من أرضية.!!.
في دافور يجري حوار بالرصاص بين الجميع, ملشيات ومتمردين ضد الحكومة، وضد بعضها بعضاً. قبائل تتقاتل ضد بعضها، وتتصالح، ثم لا تلبث أن تعود مرة أخرى للقتال. والحرق!!.الحكومة تطارد العدل والمساوة على الأرض، والعدل والمساواة تطارد اتفاقاً جديدا لوقف العدائيات بالدوحة، ولا يعرف أيها سيسبق الآخر. رفضت الحركات الحوار للوحدة على مائدة الدوحة، وها هي الآن تتحد في الميدان لقتال الحكومة، كأنه لم يكفها أنهار من الدماء في دافور التي أغرقت الملايين في البؤس و التشرد.
الرؤساء الذين زاروا السودان لساعات انتهى حوارهم مع قادة البلاد إلى لا شيء، أو بالأصح لم يتسرب شيء من داخل الغرف المغلقة الذي استمر لأربع ساعات، سوى إفادة وحيدة سربها الأستاذ إسحاق أحمد فضل الله مفادها أن الرئيس رفض الحوار في موضوع الجنسية المزدوجة. حوار الرؤساء لم ينتج جديدا في الساحة، ولا قلل من الاستقطاب الحاد في السياسية السودانية.
أوباما يشجع سلفا على الحوار، والأروبون يشجعون الطرفين للعمل معاً، والاعتماد المتبادل والسلام المستدام في أدس أبابا. الاتحاد الإفريقي الذي يجوب وسطاؤة البلاد تعجز مقترحاته عن حلحلة أيٍّ من القضايا المطروحة في الحوار بين الشمال والجنوب. تكاثر الأطباء على المريض دون وصفة علاج صحيحة فيها مقتله!!.
الآن يتوقف الحوار شمالا وجنوبا وغربا وتزداد حدة الاستقطاب والأوضاع في البلاد تزداد ارتباكا، وليست ثمة أفكار كبيرة أو تنازلات مهمة للخروج من المازق. يبدو أن الجميع في انتظار النتيجة المعلومة سلفا في التاسع من يناير، ليروا على ضوئها الأوضاع الخطرة أشد وضوحاً. هل سيبدأ الحوار في الوطن بعد التاسع من يناير أم ستبدأ الحرب؟. لماذا يتوفق الحوار حتى الانفصال، أليس من الأجدى أن يتواصل قبل وبعد التاسع من يناير؟
قالوا إن الحوار بين الشريكين رفع إلى أن تنتهي أعياد الميلاد!! هل ستلهم هذه المناسبة (عيد ميلاد سيدنا المسيح) الطرفين فكرة جديدة وتمدهم بطاقة جديدة، والأهم من ذلك هل ستعبئ هذه المناسبة روحهم وإرادتهم للحوار البناء والتسامح؟.
كل عام وأنتم بخير، وتهنئة خالصة للإخوة المسيحيين بأعيادهم.