قبل نحو شهر من الآن كنت قد التقيت بالأستاذ باقان أموم في منزل الصديق ياسر عرمان برفقة ثلة من السياسين والمفكرين والإعلاميين للتداول حول كيفية صنع سلام مستدام بين البلدين، وكان باقان في تلك الليلة المتحدث الأساسي، وكان حديثه رائعا بحق حتى أننى تطلعت مرتين لوجه باقان لأتاكد من أن مصدر هذا الحديث هو باقان نفسه لا شخص آخر. لا يمكنني بالطبع نشر ما أفاد به باقان، فالمجالس أمانات. في ذاك اللقاء طالب أكثر من متحدث بإصحاح الجو السياسي وعدم التصعيد والكف عن إثارة التوترات السياسية، فالأوضاع الآن مختلفة ومحتقنة، ووجهت المطالبة لباقان شخصيا!!.
أمس الأول قرر باقان أن يعيد أجواء التوتر بين الشمال والجنوب للواجهة في أعقاب هجوم مسلح على ملكال قامت به ملشيات أطور. باقان كالعادة وجه أصابع الاتهام للمؤتمر الوطني، وليس ذلك ما يهمنا الآن، الذي يهمنا هو أن يحترم السيد باقان عقولنا. فالذين يسمعون للسيد باقان ليسوا سذجا حتى يصدقوا إفادات باقان واتهاماته مهما بلغ بهم العداء للمؤتمر الوطني.
قال باقان (إن الحركة تمتلك معلومات مفصلة عن خطة وضعها المؤتمر الوطني لتغيير الحكومة قبل يوليو القادم). قبل أن نسأل عن المستندات والحقائق التي استند عليها باقان نسأل سؤالا بسيطا جدا، وهو: لماذا يفعل المؤتمر االوطني ما اتهمة به السيد باقان، ولأي هدف؟. المؤتمر االوطني ليس حزبا مهلوسا حتى يعبث بأمنه، فلا بد أن يكون هنالك هدف وراء التحركات الخطرة التي يمكن أن يقدم عليها. أظن أن هذا تقييم باقان نفسه، إذن لماذا يسعى المؤتمر الوطني لتغيير حكومة الحركة، وفي مثل هذه الظروف؟. لا أجد إجابة مقعنة عن هذه التساؤلات، ولذا دعنا نفترض بعض الافتراضات. مثلا لنقل إنه يحاول تغيير الحكومة في الجنوب ليعيد سيطرتة على الجنوب حتى لا تقوم دولة للحركة هناك!!. هل المؤتمر الوطي غبي لهذه الدرجة؟ لا أظن. كان متاحا للمؤتمر الوطني أن يفعل ذلك قبل وأثناء الاستفتاء، كان بإمكانة عرقلة الاستفتاء بشتى السبل، وممارسة تخريب واسع اثناءه بما يحول دون إجراء الاستفتاء أصلا. ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث. الآن يستحيل على المؤتمر الوطني أو غيره تغيير الوقائع على الأرض، بمعنى أن الحقائق الآن أن الجنوب انفصل بشهادة العالم كله ولن يستطيع المؤتمر أن يعيد التاريخ للوراء، ولو حاول ذلك فإنه سينتحر بلا شك. إذا كان المقصود هو فقط إزاحة الحركة من الحكم فمن هو بديل المؤتمر الوطني في الجنوب، هل أطور مثلا ؟ هل لام أكول؟. هل هؤلاء أو غيرهم لهم المقدرة السياسية والعسكرية للسيطرة على الجنوب؟. المؤتمر الوطني لا بد أنه يدرك استحالة الإطاحة بالحركة الشعبية عن سدة الحكم في الجنوب دون ثمن باهظ، أقله هو عودة حرب مدمرة. هل من مصلحة المؤتمر الوطني إشعال حرب بالجنوب؟، و إذا فعل هل سينجو هو نفسه من عقابيل الفوضى التي ستندلع في أرجاء الجنوب؟. كل الشواهد تدل أن الفوضى إذا اندلعت في الجنوب سيكون المؤتمر الوطني هو أول ضحاياها، وليس ثمة ما يدعوه لارتكاب هذه الحماقات.
يقول السيد باقان: إن بطرفة معلومات مفصلة ومستندات تدين المؤتمر الوطني!!. لو اسعفنا باقان بهذه المستندات لأكفانا اتهامه بالابتزاز السياسي وإلقاء القول على عواهنه، ولكن للأسف (دس) السيد باقان مستنداته وأرسل اتهاماته، وطلب منا أن نصدقه ونبصم على حقيقة ما صرح به. لم أردك حتى الآن الحكمة وراء إخفاء باقان مستندات اتهامه للوطني، كان بإمكانه نشرها مباشرة للرأي العام حتى يثبت صحة دعواه. أما إن كان السيد باقان لا يملك هذه المستندات فيصبح حديثه مجرد اتهامات لا معنى لها.