حين تقترب ساعة الخلاص!! … بقلم: مصطفى الطيب
26 May, 2010
زفرات حرى
قال أكبرُ الأعضاء سناً والذي ترأس الجلسة الأولى لمجلس تشريعي جنوب السودان قبل أن ينتخب المجلسُ جيمس واني إيقا رئيساً له.. قال وسط هتافات مدوِّية تطالب بالاستقلال إن «شعبنا ينظر لهذا كثيراً وسنمهِّد الطريق له للتصويت للاستقلال»!!
نحمد الله كثيراً أن الطريق بات سالكاً لشعبي الجنوب والشمال لينعما أخيراً بالاستقلال وبالطلاق البائن بين أتعس زوجَين في التاريخ... زوجَين أُكرِها على زواج لم يُستشارا فيه بل فُرض عليهما قسراً كما يُفرض على الفأر أن يتزوج من القط أو كما يُفرض على الشحمة أن تتزوج من النار!! زواج لم ينجب غير الدماء والدموع والخراب والموت والتخلُّف... لقد حانت ساعة الخلاص أو كادت فنسأل الله أن يفكّ سجن الأسيرَين المقيدَين بعضهما مع بعض كما يُقيَّد السجين مع السجّان، فقد كنا والله نحن في الشمال مقيدين في وحدة مع قوم يبغضوننا منذ أن أعملوا فينا أسيافهم منذ عام 5591م أي قبل أن يغادرنا المستعمِر الإنجليزي فيما عُرف بتمرد توريت وما هي بتوريت فقد انفجر التمرد في أكثر من 31 مدينة ومركزًا في مناطق مختلفة من جنوب السودان مخلِّفاً وراءه مئات القتلى من أبناء الشمال ولم يفرِّق المجرمون بين المرأة والطفل والشَّيخ المسن والشاب والفتاة في أول عملية تطهير عِرقي يشهدها السودان كان ضحيتها من ينتمون إلى الشمال ـ كل الشمال ـ أو كل من هو غير جنوبي وكان هؤلاء جميعاً ولا يزالون يسمَّون بالجلابة أو المندكورو!!
لم تتوقف رياح الكراهية أو تتضاءل وإنما تشعَّبت وامتدّت من ركن قصي في جنوب السودان إلى أن عمّت السودان جميعه منتشرة كما النار في الهشيم ولم تكن مصادفة... أي والله لم تكن مصادفة أن يشتعل تمرد توريت من جديد بعد خمسين عاماً بلا زيادة أو نقصان أي بعد نصف قرن من الزمان.. أن يشتعل في قلب الخرطوم.. ذات التطهير العرقي وبنفس الشخوص والحيثيات.. حيثيات الكراهية والبغض للجلابة فكانت توريت الثانية أو أحداث الإثنين الأسود التي لم يكن لنا ذنب جنيناه حيث لم يكن هالكُهم قرنق قد قُتل في الشمال كما لم يكن حين مصرعه راكباً طائرة سودانية يقودها طيار شمالي وإنما كانت طائرة يوغندية توجَّه بها الرجل من العاصمة اليوغندية كمبالا وليس من الخرطوم!!
كان مسرح أحداث الإثنين الأسود «أو توريت تو» قد أُعدَّ بحيث يقتنع كل من كان في قلبه مثقال ذرة من شك باستحالة الوحدة بين شعبي الشمال والجنوب فقد فعلت الأحداث فِعلتها وزلزلت الأرض زلزالها واقتنع معظم أبناء السودان الشمالي إلا بعض السياسيين الذين آمنت قلوب الكثيرين منهم ولم تؤمن ألسنتهم خوفاً وفزعاً من مواجهة الحقيقة المُرة.. حقيقة الملك العريان أو قُل الملكة العريانة المسماة بالوحدة المجردة من كل مسوِّغ أو مبرِّر سوى الغفلة والخوف من مواجهة الحقيقة.. حقيقة أنهم أضاعوا أعمارهم سدىً في سراب لطالما حسبوه ماءً!!
لم تكن «أحداث» توريت والإثنين الأسود حادثتين منعزلتين وإنما كانتا تعبِّران عن السمة الغالبة في علاقة الشمال بالجنوب... تمردات متواصلة ما إن توقِّع فئة أو مجموعة متمرِّدة اتفاقية حتى تتمرد عليها أخرى وما إن يُطفأ لهيب المعركة في مكان حتى ينفجر في آخر وليت قبيلة النعام تقرأ ما خطّه يراع المؤرخ اللواء صديق البنا قائد القيادة العسكرية في جنوب السودان الذي أرّخ لفِرية أن اتفاقية أديس أبابا عام 2791م قد أوقفت الحرب فقد أبان الرجل وبتوثيق دقيق أن الحرب لم تتوقف في يوم من الأيام بل كانت تمردات مختلفة تنفجر كل يوم في مكان وتنتقل إلى آخر إلى أن حدث الانفجار الأكبر بتمرد قرنق عام 3891م.
وهل توقفت الحرب وحلّ السلام بعد نيفاشا كما يقول الموهومون أم أن «الحرب الباردة» التي كان ولا يزال يشعلها باقان وعرمان وغيرهما هي السائدة في مسرح السياسة السودانية حتى يوم الناس هذا؟!
حرب في الداخل تقودها الحركة الشعبية التي مُنحت في نيفاشا ما لم تكن تحلم بمِعشاره حيث تولت دور الشريك الأكبر في الحكومة المركزية في الشمال لكنها كانت ولا تزال تمارس دور المعارض الأكبر في ذات الحكومة وتكيد لها وللشمال آناء الليل وأطراف النهار وكان وزير خارجية حكومة السودان دينق ألور يوظِّف ولا يزال موقعه للكيد للسودان الشمالي وعندما فُصل لام أكول وطُرد من وزارة الخارجية من قِبل الحركة الشعبية كانت تهمته أنه كان «لا يكيد» لحكومة الجلابة في السودان الشمالي.. وكانت مكاتب الحركة الشعبية في الخارج تمارس دور سفارات جنوب السودان رغم أنف اتفاقية نيفاشا وكان رئيس حكومة الجنوب النائب الأول لرئيس جمهورية السودان يرفض كما يرفض وزراء الحركة الشعبية حضور سفارات السودان اجتماعاتهم في الخارج حتى لا يسجِّلوا وقائع التآمر الذي يتم مع تلك الجهات على السودان الشمالي بل إنه حتى في الداخل لا يسمح دينق ألور لموظفي وزارة الخارجية بحضور اجتماعاته مع غرايشون وغيره من المبعوثين والدبلوماسيين!!
أما في الخارج فقد ظلت الحركة تؤلِّب أمريكا والغرب بل والعالم أجمع ضد الشمال.. وهل أحتاج إلى التذكير بزيارة باقان ومالك عقار لأمريكا والتي اعترف باقان بعدها بأنه خاطب الكونغرس الأمريكي لمواصلة الضغط والحصار على السودان الشمالي؟! هل أحتاج إلى التذكير برسالة سلفا كير إلى الرئيس الأمريكي أوباما التي يحرِّض فيها على السودان الشمالي؟! هل يعلم القراء الكرام أن السودان مدين للخارج بمبلغ 53 مليار دولار كان أصلها قبل الفوائد الربوية 51 مليار دولار وهل يعلمون أن الذي يحُول دون إعفاء تلك الديون والذي تمتعت به معظم دول العالم هو الحركة الشعبية وهل يعلمون أن الحصار الاقتصادي والحرب على السودان سببها هو الحركة الشعبية؟!
والآن هل يستطيع عاقل أن يقول إن الحرب قد انتهت بينما القوم يهتفون بملء أفواههم في مجلس تشريعي جنوب السودان مطالبين بالاستقلال من الجلابة المستعمِرين «بكسر الميم الثانية»؟! هل يقول عاقل إن الحرب قد انتهت والحركة الشعبية تعيد ذكرى تمرد توريت وتعتبره عيداً وطنياً تحتفل به كل عام وتسمِّي المجرمين الذين قتلوا أبناء الشمال بالأبطال؟!
هذا قليلٌ من كثير فمن تُراه يُقنع قبيلة النعام؟!
زفرات حرى
مصطفى الطيب
صندوق دعم الوحدة مع تشاد..!!
قبل أيام قليلة كتبت مشيداً بتصريحات أطلقها الزعيم الليبي معمر القذافي، قال فيها إن من حق دول المواجهة مع إسرائيل أن تمتلك الأسلحة النووية طالما أن إسرائيل تمتلك ترسانة هائلة من تلك الأسلحة. وقلت إنني أشيد بتصريحات الرجل بالرغم من أن سفارته في الخرطوم كانت قد رفعت دعوى ضدي و «الإنتباهة» بسبب مقالات سابقة منتقدة للتدخل الليبي في السودان، بما في ذلك محاولة غزو أم درمان من قبل قوات خليل ابراهيم، تلك الدعوى التي استطعنا إبطالها بدفوع قوية وبيِّنات داحضة للاتهام.
لكن من تراه يأمن القذافي المتقلب كما الليل والنهار، فالرجل لا يستقر على حال.. من تراه يأمن الأفعى السامة التي تلدغك ولا تبالي حتى وإن صببت العسل في فيها.
لقد نجحت الحملة الصحفية التي شُنَّت على الحكومة المصرية جراء استضافتها لخليل ابراهيم في وقت كانت فيه قواته المتمردة «تبرطع» سلباً ونهباً وتخريباً في مناطق مختلفة من دارفور.. نجحت مع ضغوط مارسها د. نافع علي نافع على القاهرة إبَّان زيارته الأخيرة لها في إبعاد خليل ابراهيم الذي وجد ضالته - ربما بتنسيق مع القاهرة دفعاً للحرج عنها- وجد ضالته في ليبيا.. جار السوء الذي لم يذق السودان طعماً للراحة منذ أن سطا على الحكم فيها زعيمها معمر القذافي صاحب الحق الإلهي في الحكم، والذي لا يُسأل عمَّا يفعل.. ومكث خليل حوالي يومين في طرابلس دون أن يعلن عن ذلك، ثم انكشف أمره وأمر استضافة طرابلس له عندما رفضت تشاد استقبال خليل، فعاد الرجل أدراجه إلى طرابلس التي لا تملك أن تنكر هذه المرة أنه مقيم في أراضيها. وهل يكترث القذافي لنداءات السودان أو رضائه وغضبه؟! هل يكترث وهو الذي يتصرف في أموال الشعب الليبي كما يحلو له ويهدرها كما يشاء..؟!
أترك (فعائل) القذافي الذي لا أُطيق الكتابة عنه هذه الأيام لأعود إلى تشاد، فبالرغم من أن السياسة بألاعيبها الكثيرة ومؤامراتها القذرة علمتنا ألا نثق في العالم الخارجي بما في ذلك تشاد التي (يُقال) إنها أبعدت خليل، إلا أني أريد أن أمضي في تصديق الرواية معللاً الحدث بأمرين، أولهما أن الرئيس إدريس ديبي شعر بأنه لن ينعم بالهدوء وراحة البال طالما أنه ظل جزءاً من التآمر على السودان من خلال مشكلة دارفور، فما أسهل أن تُحرك المعارضة التشادية التي أوشكت ذات مرة أن تقتلع الرجل بعد أن حاصرت قصره الرئاسي، ثم أن ديبي شعر هذه المرة بأن السودان صادق في تعامله معه، وهل من رجل مثل د. غازي صلاح الدين وصدقه يستطيع أن يقنع كل من يتعامل معه أنه يتحلى بتلك الصفة النادرة في عالم ساس يسوس؟! لقد حمل غازي معه ما أقنع به ديبي أن السلام يعود على تشاد بمثلما يعود على السودان بالأمن والاستقرار والتنمية، فبدلاً من الدبابات أو الأسلحة التي تدمر وتخرب المدن والقرى التي تمر بها في الطريق إلى العاصمة، حمل غازي معه التنمية، فها هي معاول الهدم تتحول الى آليات ترصف الطرق وتنير القرى والمدن الحدودية في تشاد، وانعم به من صرف في محله، فبقدرما أشعر بالحزن أن يتحدث الناس عن صندوق دعم الوحدة مع جنوب السودان الذي قال قائله (مارتن ياك) سكرتير الحملة الانتخابية لرئيس حكومة الجنوب سلفا كير مخاطباً الحالمين بالوحدة (حلم الجيعان عيش)، وقال لن نسمح لكم (بجالون بنزين بعد الانفصال)، وقال لقد (فات الأوان للوحدة).. أقول أشعر بالحزن أن تتحدث الحكومة عن صندوق دعم الوحدة الذي تحشوه بالمال بالرغم من حاجة الشمال إلى التعليم والصحة. وأقدم بين يدي هذا المقال سؤالاً أرجو أن يطرق آذان بعض عقلاء المؤتمر الوطني.. أيهما أجدى صرف أموال هذا الصندوق في تأمين الحدود مع تشاد وإغلاق ذلك الباب الذي تأتينا منه ريح التمردات بإقامة بعض مشاريع البني التحتية في مدن وقرى الحدود التشادية، أم إهداره في الجنوب الذي ظللنا نغدقه عليه منذ الاستقلال بدون أن يلين قلوب القوم الذين ما فتئوا يقولون (هل من مزيد)..؟!
أعلم أن بعض القراء سيغضبون من هذا الحديث، ويتساءلون ولماذا نصرف على تشاد أو جنوب السودان؟! وأجيب بأن معهم حق والله.. فالأولى هو السودان الشمالي بعد أن (فرز الجنوب عيشته) ومُنح تسعة مليارات من الدولارات أودع جزءاً كبيراً منها في بنوك الغرب وجيوب ساسة الجنوب، لكن إذا كان القوم يصرون على رفد هذا الصندوق بمبلغ من المال كبير، وإذا كانوا سيصرفون في حملة إعلامية لن تجر عليهم غير الحسرة والخسران المبين (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون) فأيهما أولى إهدار المال في بئر الجنوب رجاء الوحدة المستحيلة أو قل وحدة الدماء والدموع والانتحار، أم صرفها لإطفاء لهيب أزمة دارفور من خلال تطمين ديبي بأننا جادون، وأن من يصرف لتنمية تشاد لن يصرف في تدمير ما بناه وأقامه من منشآت..؟!
باقان (من خلَّ عادتو قلت سعادتو)..!!
صدقوني أنه إذا أُصيب باقان بالزكام أو الملاريا أو حتى الصداع، أو لو أن أمطاراً غزيرة أحدثت تخريباً في أية من مدن الجنوب وقراه.. لما تردد باقان في تحميل المؤتمر الوطني أو الحكومة المسؤولية عن ذلك..!!
أقول ذلك بين يدي الخبر الذي نشرته صحيفة (الخرطوم مونتر) بتاريخ 81/5/0102م في مانشيت بجوار صورة الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم، يقول المانشيت «الحركة: المؤتمر الوطني وراء تمرد الجنرال أتور)!! ويقول متن الخبر المنسوب إلى باقان أموم إن (تمرد الجنرال المنشق أتور دينق ضد حكومة جنوب السودان لا ينبغي أن يُنظر إليه باعتباره قضية نائشة عن الانتخابات، لكنه مخطط من نظام الخرطوم لإعاقة استعدادات جنوب السودان لإجراء الاستفتاء القادم)..!! وأضاف باقان إن الحركة الشعبية قد تحصلت على معلومات ذات مصداقية عالية بأن المؤتمر الوطني يدعم بقوة الجنرال أتور والقوات المؤيدة له)!! وقال إن استخبارات الحركة تربط بين تمرد أتور وممارسات حكومة الخرطوم المستمرة في تزويد أعداء جنوب السودان بالدعم اللوجستي والمالي)..!!
يقول باقان ذلك بدون أن يسأل نفسه إذا كانت يد حكومة الخرطوم أو المؤتمر الوطني بهذا الطول، لماذا سمحت بالهزيمة المُذلة التي منحت الرئيس البشير أقل من «01%» من أصوات الجنوبيين؟ ولماذا سمحت لسلفا كير بالحصول على «39%» من أصوات الجنوبيين؟ بل لماذا أتاحت لديك المسلمية بالحصول على أكثر من «07%» من أصوات الجنوبيين..؟!
باقان الذي يتهم الخرطوم مجرد اتهامات، لو كان عنده الدليل لقدمه للعالم، لكنه ينسى أنه اعترف (بعظمة لسانه) أنه خاطب الإدارة الأمريكية لمواصلة الحصار على الشمال وشعبه المغلوب على أمره