حِنّة ودُخّان، خُمْرة ودِلْكة وأحلى عطور.. ذوق وفهم و”كمال” استلم المجال
* أسماء لها إيقاع:
كابلي وإخوان الصفا،
علي المَك وأبو داود..
* أسماء في الأدبِ والفِكْرِ:
الطيب صالح ومعاوية محمد نور والعقاد..
* أسماء في (الأيّام):
... وعفواً لمَن لمْ أذْكُرهم..
مع الاحْباب في واتْساب:
د. عصام محجوب الماحي
تضمّني مجموعة بمنصّةِ (واتساب) مُخصّصة لعبقري الغِناء الأستاذ عبد الكريم الكابلي، ولا أقول الغِناء السوداني، فليس للغناء والموسيقي جِنْس أو عِرْق أو حدود، وكابلي تجاوز بمشاركاته وأحاديثه وألحانه وغنائه وعزفه على العود حدود التطريب والتأليف لحناً ونصوصاً وأداءً، فعن أيّ عالميّة نتحدّث إنْ لم تكُنْ تلك هي مُحدِّداتها وأبْعادها.
يجري دائماً في القروبِ تبادل رسائل مكتوبة وصوتيّة تتسلل شارحة ومُضيفة لإبداعات حبيبنا كابلي التي يتنافس أعضاء المجموعة في رفعها فيسْعد الجميع بما أنتجه كابلي وبحضور كابلي بينهم.
بعد تسجيل صوتي قصير جداً من العميد شرطة معاش كمال علي يوسف، مساء يوم الاثنين 15 فبراير الجاري، كتبت في القروب: يا سلاااام، إنّه صوت علي المك نفسه. أنت مبدع يا سعادتك. استمْتعت اليوم بتعليقاتك الرائعة وسرْدك وشرْحك وإضافاتك. تُشْكر كتير.
وصلتني منه في الخاص رسالة صوتية أطوّل، مُدّتها 4:16 دقيقة. وكتب ليّ بعدها وسألني بدون علامة استفهام: أتمنى أنْ أكون قد أجدت.
كتبت له: أجدت وأبدعت سعادة العميد، وأسعدّتني وحرّكت ذكريات عطرة مع البروفيسور علي المَك. أشكُرك كثيراً على رسالتك الصوتيّة وأتمنى أنْ أحادِثك واحكي معك عن امدرمان وأهل أمْدُر التي نحبها. هل الوقت مناسب لاتّصل عليك؟
جاء رده أسرع من بُرْهَةٍ، وكتب: أي يوم وأي وقت ولو نايم أصحى كي أحادثك فمثلكم لا يُمَل، وسيرتكم العطرة تسبقكم... ويكفي أنك امدرمانى وناس امدرمان أهل ثقافة وفن "ولو ما كانوا كدا، ما كان جاهم خليل فرح يا أخوي".
تحدثنا هاتفياً لأكثر من ساعةِ زمنٍ بخاصية الاتصال الهاتفي لتطبيق (واتساب) الذي لم يقرّب المسافات بل ألغاها، وبعد أنْ فرّقنا انقلاب، قرّبنا واتساب كما درجْت أكتب تحت تلك "الترويسة".
عُدتُ سريعاً للمجموعة وكتبت:
سعِدتُ كثيراً بمحادثة هاتفيّة انتهت قبل قليل ولا زالت هناك بواقي حكايات كثيرة وجميلة تنتظر أنْ يرويها ليّ سعادة العميد كمال.. فكل حديث يَجُرّ معه احاديث وقِصص وذِكريات في جُراب سعادته.. ما شاء الله عيني بارده عليه، فذاكِرته الشابة تختزِن كل اللطائف والقِصص والرِوايات والأحداث.. وتيقّنت أنْ سعادته هو ملِك الاجتماعيات والعلاقات المُمْتدّة في سلوكٍ وتربيةٍ قوميّةٍ هي مرآة حقيقية لابن امدرمان المُحِب لأهلها وضيوفها المقيمين والعابرين.
الرجل موسوعة ثقافيّة اجتماعيّة، يسْعِدك الاستماع إليه وإلى حِكاياته وقِصَصِه ورواياته مع أهل المغْنى والثقافة والرياضة والسياسة والخِدمة المدنيّة والعسكريّة والأوساط الأكاديميّة. ذاكِرته متّقِدة وجُرابها عميق ومليء واسْتِحضاره لحِكايات تٌغطي كل السودان، تكشِف عن تربية ونشأة أولاد امدرمان وبناتها، فهي المدينة الوطن، أو وطن في مدينة، يذهب أهلها لينسجوا تلك الحكايات في أركان الوطن الأربعة وتأتيهم الحكايات راكِبة وراجِلة عبر كُبري النيل الأبيض وكُبري شمبات وقبلهما بالمراكِب ومعديّة ابروف شمبات وبدربِ الأربعين حتّى.
كل شُكْري وامْتِناني لسعادته الذي منحني ساعة من وقْتِه مرّت كدقائقٍ معدودات وهو يروي اللطائف من الحِكايات ويسرد أسماء لها إيقاع وبصمات في حياتنا.
حدّثني عن كاتِبنا وأديبنا الطيب صالح وأصدقاء الطيب صالح، وعن الفريق شرطة إبراهيم احمد عبد الكريم وأحبابه، وبالطبع عن حبيبنا كابلي وأغنياته، فتلقيت أعظم حِصّة في درسِ عصرٍ جلستُ له ليلاً.
بدأنا الحديث عن بروف علي المَك، والحديث عنه مع سعادة العميد كمال فيه دهشة لا توصَف لأنّك تتخيّل نفسك تتحدّث مع علي المَك نفسه.
أليس هنالك مُقدِّم برنامج إذاعي أو تليفزيوني يصِيد سعادة العميد كمال ليخرج مِنه الدُرر ويفتح سحّارة ذِكرياته ويأخُذ منها ما يجعل البرنامج ضِمْن البرامج الأوسع مشاهدة في مُتْعةٍ لا تدانيها مُتْعة؟ تحياتي ومودتي لسعادته ولكم جميعا.
وبعدها جرت مداخلات عديدة من عضوات وأعضاء القروب تخلّلتها أغاني وإبداعات كابلي المُرتبطة بالمداخلات وكان لذلك وقعٌ جميلٌ، مَوسقَ التعليقات وجعلها تتراقص على أنغام الألحان والمُفردات الغنائيّة.
مساء اليوم الثاني، أي الثلاثاء، أرسل ليّ سعادة العميد كمال في الخاص رسالة صوتيّة مُدّتها 6:50 دقيقة انفعلت بها ومعها كما لمْ انْفعل بسردٍ وسياحةٍ فِكْريّةٍ عبر مشاهد عابِرة القارات لحِكايةٍ عن بروفيسور في جامعةٍ أمريكيّة وطالبه السوداني الذي كان يحضِّر الدكتوراه تحت إشرافه.
تناولَت الحكاية الشيّقة أديبنا الطيب صالح وروايته "موسم الهجرة للشمال" عبر أمريكا ولندن وأصيلة والقاهرة، وتناولت أيضاً علاقة العقاد مع مُفكِّرُنا معاوية محمد نور، وقرأ لي سعادته من قصيدةٍ للعقاد رثى فيها، بل بكى فيها، أديبنا ومُفكِّرنا معاوية الذي أخذته يد المنون وهو في عِزِّ شبابه وعطائه (1907-1941):
بُكائي عليه من فؤاد مُفجِع
ومن مُقلة ما شوهدت قط باكية
بكائي على هذ الشباب الذي ذوى
وأغصانه تختال في الروض نامية
ويا عارفيه لا تضنّوا بذِكره
ففي الذِكر رجعى من يد الموت ناجية
وحكى ليّ العميد كمال عن زيارة معاوية لصديقه العقاد في منزله بالقاهرة وقد كان يعجّ بالضيوف، وكيف استقبله وكيف أصابت الدهشة ضيوف العقاد وهو يقّدمه لهم، وأضاف كمال: أظنّك تعرِف أنْ العقاد قال "لو عاش معاوية لكان نجْماً مُفرداً في سماءِ الفكرِ العربي".
اسمحوا ليّ أنْ أصارحكم بأنّني لمْ أتمعن في قولِ العقاد بقدر تمعُّني في طلاوة ولُطْف سرد كمال لمشهدِ دخول معاوية لمجلس العقاد الذي صوّره ليّ كمال بكلماته. ولمْ اندهِش لعبارةِ العقاد بقدر اندِهاشي لذاكرة كمال الخُرافيّة.
توسّعت حالة الاندهاش والمتعة التي أمْسكت بيّ، بالرسالة التي كتبها سعادة العميد كمال في القروب عن حديثنا الهاتفي، فساهرت حتى الرابعة صباح الأربعاء، اكتب وأتوقف لاستمِع لكابلي، ثُمّ أعود لأواصل، وأرجع أجدِّد الاستماع. مرّة بالعودِ، ومرّة بمُصاحبةِ الأوركسترا. تارة صوت وأخرى صوت وتصوير متحرّك. استمع وانتشي وأكتب، حتّى اكْتملت الرسالة التالية:
لك شُكري يا صديقي في حُبِ العبقري كابلي.. واسمح ليّ أنْ أصحِّح معلومة شرّفتني بها كثيراً يا سعادة العميد كمال، لأقول أنّني لم أكُنْ اشترِك في إعداد الملحق الثقافي لصحيفة (الأيّام) في الفترة 86-1989، والملحق الثقافي في عدد الأيّام الأسبوعي حينها والذي كان يصدُر يوم السبت، كان يعدّه البروف علي المَك ويشرف على صفحته الأولى والتقارير السياسيّة صديقي الصحفي خلف الله حسن فضل الذي فارق دُنيانا وهو في عِزِّ شبابه ولحق به صديقه عبد الرحمن الأمين الذي كان يأتي من صحيفة (الميدان) ومقرها في الخرطوم 2 إلى مكاتب (الأيّام) بشارع البلدية ليستمتع معنا بالجلسة مع علي المَك، ثم أحياناً نشدّ الرحال لبيت العزّابة خلف الله وشمس الدين وعبد الرحمن الامين في أمْبدّة لنكْمِل سهرة العمل الصحفي بسهرةِ أصدقاء كمْ تداولنا فيها كل ما هو مُفيد ومُمْتِع بقي في الذاكرة يعطّرها.
كنت دائماً أفاجئ خلف الله وأستاذنا محجوب محمد صالح بخبرٍ للصفحة الأولى قبل تصميمها، أو أشارك في العدد بحوارٍ سياسي أو مقالٍ. والأهم، وهو ما رويته للصديق كِمْلي كما يحلو للإنسان الفخم جوهراً ومظهراً وصوتاً الفريق شرطة احمد عبد الكريم أنْ يناديه، أكرِّر إنّ الأهم والذي بقي في الذاكرة مَشاهِدَ وصوراً وحديثاً ودروساً استفدت منها كثيراً، أنّني كنت احضر إخراج العدد الاسبوعي وتصميمه في المكتب الفنّي مع صديقي الفنان المبدع المُصمّم الصحفي عصام حميدان وفريق مكتبه المكوّن من عماد عبد الله وعمار علي وشمس الدين ادم بشارة ومحاسن محمد احمد زوجة صديقي عبد المنعم الجزولي والشقيقتين العزيزتين شادية وماجدة ونور الهادي الخِضر والخطّاط محمد احمد صالح الحلفاوي. كُنت انتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر لنلتقي مع البروف علي المَك منذ الثانية ظهراً ونبقى معه إلى أنْ تذهب الصفحات الداخليّة للمطبعةِ.
تصوَّر "ماذا يكون" أنْ تكون في صُحْبة المَك ساعات طوال اسبوعيّاً؟ حتْماً يكون هنالك سردٌ لحكايات أطرافها عبد العزيز داود وكابلي وآخرين كُثر وبالأخص عرْبجيّة سوق أمدرمان وميكانيكيّة المنطِقة الصِناعيّة بحري والخرطوم وأيِّ مكان فيه الناس البُسطاء هو مكان المَك علي. أحياناً كنت أوصِّله لمنزله في بري، وتخيّل أنْ تكونَ سائِقاً وبصُحبتك علي المَك وأبو داوود يغنّي من شريط كاسيت احْضره معه المَك خِصيصاً ليمتّع ويطْرِب به المكتب الفني وفريق التصميم يقُصّ ويلصِق بالبوستيك، ويخطِّط بأقلامٍ مُرقّمةٍ ـ روترينق ـ، ويجمّل الصفحات ب "الزيبيتون" وذلك قبل أنْ يصبح التصميم كمبيوتريّاً، لا أقول سهلاً وإنّما يوفِّر لك كل التقنية ب "كليك" واحد من طرفِ أحد أصابع اليدين، وغداً سيصبح بأمرٍ صوتي وأنت جالس أمام شاشة الكومبيوتر، ومع ذلك يجب أنْ تكون فنّاناً تشكيليّاً ومُبْدِعاً، إنْ كان تحت أصابعك لوحة حروف وأرقام ومُنسِّقات، أو حامِلاً مقصّاً بيمناك وباليُسرى أنبوب بوستيك فوق ورقة ـ ماكيت A2 ـ.
كانت صحيفة (الأيّام) حينها، بقيادة الثلاثي محجوب محمد صالح وبشير محمد سعيد ومحجوب عثمان، مدرسة في فنونِ صناعةِ الصحافةِ والصُحفِ. كان إدريس حسن مديراً للتحرير ورئيساً لقسم الأخبار، ومحمد لطيف سكرتيراً للتحرير. كان شيح الصحفيين الرياضيين عمر عبد التام يحرر (الأيّام) الرياضيّة، والشاعِر الياس فتح الرحمن يشرف على (الأيّام) الثقافيّة وصفحته الاسبوعيّة يوم الثلاثاء، وكان مكتب (الأيّام) الفنّي قد أحدث نقْلة برسمِ (البورتريه) للشخصيات بدلاً من الصور علي اليد الساحِرة للتشكيلي المبدع عماد عبد الله، فتتكامل الإبداعات الفنيّة برسومات وخطوط الكاريكاتيرست إسماعيل عبد الحفيظ ورفيقه نور الهادي خضر وتكتمل جماليّات الفِنون الصحافيّة بالتصوير الضوئي الذي كانت تلتقِطه عدسة عِماد الشبلي ومحمد نور الدين فتتكلم الصُور وحدها وأحياناً مع تعليق بما قلَّ ودلَّ من الكلماتِ. كان الصحفي المُخَضْرَم محمود إدريس يرتِّب ذاكرة الأرشيف، يصنِّف ويحْفظ كل ذلك الإبداع.
وبعد، بعد ذِكر كل تلك الأسماء التي عطّرت هذا السرد، يبقى السؤال: ماذا فعلت الحياة في العقود الثلاثة الماضية بالأحياء منهم؟ لا أملك أنْ أقول غير أنّني حقّاً أفْتقِد أغلبهم واشتاقُ إليهم جميعاً.
دعوني أنتهِز السانحة واطلب، بل انقُل أمراً إنسانيّاً وثقافيّاً وفنيّاً وليس عسكريّاً، لسعادة العميد كمال أنْ يكتب لنا أو يتحِفنا بتسجيلات صوتيّة من حين لآخر لكثير من حكايات المَك علي وصاحب نسايم الليل إبراهيم أحمد عبد الكريم وكل مَن يخطر له في بالِه من مُبْدِعي ذاك الزمن الجميل، فإنّ كِمْلي حكايات طويلة تمشي على قدمين، وثروة ذكريات وأحداث وشريط في "طارةٍ" كبيرةٍ لا يعمل إلّا في "مُسَجِل قروندينق"، فيه المُثير الخطِر.. يحكي عن كل ما عمّ القُرى والحضر.. فهل كان ذنبي إنْ نسيت الحذر.. وطلبت منه في ذاتِ يومٍ إنْ يوزِّع علينا ما يختزِن في سحارته من عِطر؟
كمال وهو يحدِّثك تتطيّب بكلماته، يأتيك مُكبْرِتاً حِكاياته فتشتهي ألّا يصْمُت. يدلِّك ذاكرتك لينشِّطها، فتمنحه حُبّاً وكرامة على شُكْرِه لك بأنْ فتحت له باباً واسعاً يلِج منه بسردِ قصّةِ فتكمّل نشْوتك بما حملَت من أسماء معتّقة في ذاكرتك التي بفضلِ دِلكة كلمات كمال المُعطّرة سرى فيها دماً مؤكسداً جدّد شبابها.
كمال يأتيك مُحنِناً ومُخضِباً حكاياته فتزداد جمالاً وألقاً مع كشْكَشة أسْورتها الذهبيّة وحِجْلها الفِضي بحضور أنيق لسِيَرٍ أهل امدرمان رجالاً ونساءً، فتتدلّى مَسيرتا الحكي يمين ويسار رقبة "قزازة عصير" ممتلئة بكلامٍ طيبٍ عن الكرمِ والنخوةِ ومجاملات مَن جاملهم وسيجاملهم كمال فجاملوه، وكمال يبشّر مع مَن يبشّر من أصدِقائه على كابلي وهو يطْرِب الحفل ثم ينحني ليأخُذ شبالاً من حسناوات يرقُصْن في سباتة بيت "اللعبة" والحفل لا زال مُسْتمِرّاً والليل طفلٌ يحبو.
وكمال قبل كل ذلك لابد أنْ يكون قد منح حِكاياته لوناً جاذِباً مُحبّباً مُثيراً بعد إلباس صوته شمْلة دخان وهو يحدِثك عن المَك علي والكابلي عبد الكريم وإبراهيم عبد الكريم وإخوان الصفا عبد المجيد حاج الأمين وصديق مدّثر والحَسين الحسن ومَن لمْ اذكُرهم.
كمال علي يوسف، باختصار، يزُف لك حكاياته عروساً. ولك أنْ تتذكّر، تتصوّر، تتخيّل، تنتظِر، عروسةّ تأتيك مُحنّنة مُدخّنة مُكبرتة مُعطّرة بالخُمْرة ومُكْتملة الجمال تتغطى فقط بثوبِ قَرْمَصِيص.
هيّا يا صديقي كمال لنكتب سيناريو لفلم نسمِّيه "عندما تعيش كل العُمْرِ في أم در"، عن كابلي والمَك ومايسترو إخوان الصفا إبراهيم عبد الكريم وورشة "ضنين الوعد" وذكريات كابلي مع السفير عصام حسن والقِصص والنوادر واللطائف التي لا تخلص في أحياء ود البنا ودكاكين الطاهر وبيت المال والملازمين وابروف والقماير والكبجاب والهِجرة والعُمدة وود نوباوي والقلعة وود ارو ومكي ود عروسة والركابية والمسالمة وحي العرب والسوق والشهداء والاستبالية والبوستة والهاشماب وحي الضباط والموردة وأبوعنجة والأمراء والعرْضة والعبّاسيّة وبانت والفتيحاب، وباقي أحياء أمْدُر الجديدة.
دعونا نستنطق أكبر عدداً ممَن نعرفهم جميعاً ولا تخطئهم العين إنْ لم نجرُد الأسماء، عن حياة نجوم وعلامات ورموز وشخوص وزعماء وفقهاء وأدباء وشُعراء ومُطْرِبي وفقراء وأغنياء وصعاليك وفتوّات امدرمان وحَفظة السلام الاجتماعي في امدرمان وكل السودان، فنكتب معاً ثلاثية حارات امدرمان في الفنِ والثقافةِ والاجتماعِ وأيضاً السياسةِ والاقتصادِ، وبكلمةٍ جامعةٍ ثلاثية الحياة في امدرمان التي هي كل السودان مجتمِعاً في مدينة.
إنّها ثلاثية لا يمْكِن أنْ يقوم لها شخص واحد وإنّما فريق عمل لابد أنْ يكون بينهم الصديق العميد كمال ليرووا حكايات عمَن ذكرهم، سينا والهادي الضلالي وغيرهما. وتكفي الثلاثية أنْ تذهب خلف سيرة أعضاء النادي الاجتماعي الذي كان كائناً في مكي ود عروسة على مرمى حجر من ناصيةِ "مكي باي نايت"، وان تستنطق المحامي كمال الجزولي عن مربوع بل مُربّعات مُمْتدّة في وسط امدرمان من عبد الله خليل والأزهري وإلى المسالمة التي مَن ليس له فيها غزالاً عليه أنْ يبحث في كل أغاني عبد الرحمن الريح وصحبه البنا والعبادي وأبو صلاح وعبيد عبد الرحمن وسيد عبد العزيز ومحمد بشير عتيق وغيرهم من مجايليهم ومَن جاء قبلهم أو بعدهم.
لا أطيل عليكم، فيصيبكم الملل مع ضغوطات الواجبات التي تنتظر الكثير منكم، واختم وأقول إنْ ثلاثية امدرمان يمْكِن أنْ تكون سرْداً في مُجلّدات، يجب أنْ تُقام لها ورشة امدرمانية تسْتضيف الجزولي كمال المحامي، وكمال علي يوسف العميد، وكمال ابن ميرغني حمزة وغيرهم كُثر مثل مرتضى الغالي وشوقي بدري، ويتكرّم باستِضافتها منتدى ميرغني حمزة أو مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي ويختار لها بعض مُبْدِعي السرْد الروائي لكتابة الثلاثيّة بعد أنْ يُوَفِّر لهم عضمها ليبنوا حوله اللّحم وينفُخوا فيها الروح فتمشي رواية بيننا عن امدرمان السودان مُصَغّراً، وعن السودان في امدرمان مُكبّرةً.
تحياتي ومودتي للجميع.
عصام محجوب الماحي
بوخارست 17 فبراير 2021
(نقلا عن الديمقراطي)
isammahgoub@gmail.com
////////////////