خبايا ما ينتظر القارة السمراء!
الخضر هارون
16 August, 2023
16 August, 2023
maqamaat@hotmail.com
ابتدر البروفسور علي مزروعي سلسلته التعريفية التلفزيونية المميزة," الأفارقة والتراث ثلاثي الأبعاد" بحلقة تعريف عام أسماها "جنة عدن" أوضحت ثراء القارة الذي لا نظير له في أي مكان من المعمورة وسهولة العيش الذي لا يتطلب عناء ومشقة. الفاكهة المدارية التي تنبت دون بستنة (بروس في عاميتنا) والحيوانات العديدة التي تجوب البرية والحبوب والجذور الغنية بالنشويات مع ماء وفيربه أنواع من الأسماك لا يحصيها العد وتربة خصبة وصفها السكان مبالغين في وصف شدة خصوبتها بأنك لو غرست اصبعك لنبت ظفرك !
هذا اليسر يكون سبباً في الاسترخاء واللا- فعل. قال :"إن كانت الحاجة هي أم الإختراع فالوفرة هي أم الاسترخاء والتبطل." وهكذا وبينما فرضت الطبيعة الباردة القاسية علي الأوروبي لباس الملابس والأحزية وبناء المساكن ليقي نفسه شرور البرد ,منح المناخ الدافئ الإنسان الإفريقي رفاهية السير عارياً بين الناس وبإعتزاز وفخر! لذلك لم يفكر الإفريقي في مغادرة القارة وغزو الآخرين لكنه أصبح ضحية للغزو ولا يزال. بدأ الغزو بغزوات الإسترقاق القاسية باكراً بالتي جاْءت من الجوار النسبي في غرب آسيا ثم استعر أوارها في القرن السابع عشر عبر الأطلسي إلي العالم الجديد في أبشع صفحات التاريخ الإنساني. وتلت غزوات الإسترقاق غزوات الإستعمار في القرن التاسع عشر عندما تذوق الأوربي حلاوة الثورة الصناعية إذ دفعت الحاجة إلي المواد اللازمة لاستمرار الصناعة وللأسواق الضرورية لبيع منتجاتها إلي ذات القارة المعطاء : إفريقيا! وحتي لا يقتل الأوروبي أخاه الأوروبي كما ظل يفعل لعقود كثيرة , دعا داهية السياسة وقتذاك, عظيم بروسيا وألمانيا لاحقا , (إوتو بسمارك), قادة أوروبا إلي كلمة سواْ يقتسمون حبيا بموجبها خيرات تلك القارة . لم يكلفوا أنفسهم بالطبع استئذان إنسانها المغلوب دوماً علي أمره , وانقضوا عليها في ما عرف بالتكالب علي إفريقيا . كان ذلك الإجتماع هو الذي شرعن للاستعمار في عام 1884-1885 . نعم كانت تلك صافرة التدافع المحموم علي القارة الغنية بمتطلبات الصناعة. وما أن جاء العام 1914 إلا وكانت القارة باسرها في قبضة الدول الأوروبية إلا من عصمها فقرها المدقع وخلوها من الموارد كإمبرواطورية الحبشة والتي لم تكن قد تبنت اسم السودان القديم , إثيوبيا, اسماً لها وليبريا التي لم تكن سوي بقعة اختارتها أمريكا لتعيد إليها الأرقاْء السود بعد أن لم تعد بحاجة إليهم.
وفي ذلك العام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولي بين الدول الأوروبية لأسباب إوروبية بحتة لا علاقة لها بتفاهمات مؤتمر برلين في اقتسام كيكة إفريقيا لكن نتائجها آودت بحيازات ألمانيا وايطاليا في افريقيا فاقتسمتها فرنسا وبريطانيا كما اقتسمتا أملاك تركيا العثمانية في الشرق الأوسط وأعلنت بريطانيا مصر محمية بريطانية. فقد كانت تلك الدول الخاسرة قد منيت بالهزيمة في تلك الحرب
ورغم أن هذا الاستغلال البشع والسرقة المنظمة لموارد القارة والرق والسخرة التي تعرض لها الأفارقة في العالم الجديد والتقسيم العشوائي لشعوبها في حدود قطرية مزقت أنسجتهم الإجتماعية وشتت شملهم ولا تزال حتي اليوم سببا في حروبات القارة وتخلفها ,إلا أن إفريقيا لم تسجل كأحد أسباب التطور المادي والرفاه الذي يعيشه العالم الإول وتعيش ثمراته البشرية جمعاء في الميادين كافة, نتيجة لنجاح الثورة الصناعية ولو معنوياً علي الأقل وكان الأجدر ألا يثقل عملياً كاهلها بالديون وفوائد الديون ان لم يبلغ الإنصاف حد تعويضها بعون لا مشروط.
واليوم تبين أن القارة المنهوبة لم تنفد بلدانها بعد من المواد الخام رغم التجريف الذي استغرق قرنا ونيف .لذا يتداعي الأكلة علي قصاعها مجدداً من كل صوب وحدب لا من أوروبا وحدها ولا لمواد الصناعة وحدها كما كان الحال بل من كل مكان في المعمورة بحثا عن أراض خصبة ومياه عذبة لإنتاج الغذاء في عالم يضربه الجفاف والتصحر وتلتهمه الحرائق بفعل تدهور المناخ الذي ساهم فيه الإنسان بالأبخرة السامة التي يطلقها أغنياء العالم في الهواء بلا حساب وبالفضلات والبلاستيك الذي لوث البحار ويوشك أن يحيلها إلي بالعوات قذرة تعافها الأحياء. التكالب علي إفريقيا هذه المرة أضخم وأبعد أثراً علي سكانها لا يقتصر علي من يملكون السلاح وحدهم بل وممن يملكون الأموال إيضاً ومن حذاق يجيدون السمسرة والمكر السيئ.
نعم القارة موعودة اليوم بتدافع جديد تطورت فيه تقانات النقل والاتصال بما لم يدر علي خلد أحد ويدخل الذكاء الصناعي الذي سيكون أحد أدوات ذلك التدافع.
إن لكل شئ حقيقة فما حقيقة هذا الزعم ؟ ذلك ما أحصته أستاذة العلوم السياسة في جامعة جنوب كاليفورنيا الدكتورة سمر البلوشي عن أهمية إفريقيا التي يستعر التكالب عليها منذ الآن مروراً بالعقود القادمات .تشير الكاتبة إلي أن أمريكا أسست ( القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا) المعروفة بأفريكم عام سبعة وألفين لخدمة العسكرية الأمريكية في آفريقيا وتفاديا لتدخلات كبري مكلفة مادياً وبشرياً وربما سياسياً في الداخل الأمريكي كتدخل بوش الابن في العراق وذلك بتدريب الجيوش الإفريقية وفق اتفاقيات ومعاهدات مع دول القارة لرفع كفاءة قواتها المسلحة حتي تتمكن من التصدي للمليشيات والجماعات الآرهابية خاصة في منطقة الساحل الإفريقي أي إفريقيا جنوب الصحراء (مصر ليست ضمن تلك الدول لأنها ضمن القيادة الأمريكية الوسطي), ولتحقيق الاستقرار في القارة . لكن الكاتبة تقول إن الأفارقة قد توجسوا من الافريكم عند تأسيسها وفي ذاكرتهم حملات الاسترقاق القديمة والاستعمار لاحقاً, فضلاً عن أن الذي تحقق بتأسيسها للمفارقة هو عدم الاستقرار إذ ازدادات وتيرة الانقلابات العسكرية وعلي أيدي ضباط قامت بتدريبهم افريكم. عزز قولها جلسة استجواب من لجنة الخدمات العسكرية في مجلس النواب الأمريكي قادها رئيس اللجنة الجمهوري (مات قينز) من فلوريدا استجوب فيها قائد الافريكم ( راجع يو تيوب). تساءل فيها النائب عن جدوي الافريكم متهما اياها بزعزعة الاستقرار في القارة مشيراً إلي آن قائدي الانقلابين في غينيا وبوركينا فاسو ممن تدربوا علي يديها .وتخلص الكاتبة إلي القول إن تأسيس افريكم يأتي في
قت تضاءل فيه النفوذ الأمريكي في إفريقيا بينما تزداد أهمية إفريقيا الاستراتيجية.
وتورد الاحصاءات التالية للتدليل علي تنامي الاهتمام بالقارة:
يتوقع أن يشكل سكان إفريقيا في العام 2050 ربع سكان العالم وسيكون الاقتصاد الافريقي الآسرع نمواً ليبلغ المرتبة الثالثة عالميا متجاوزا اقتصادات ألمانيا وفرنسا والهند والمملكة المتحدة في العام2063
وحسب الأمم المتحدة سيكون ثلث احتياط العالم من المعادن في إفريقيا و12 في المائة من النفط وثمانية يالمائة من الغاز الطبيعي وخمسة وستون في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة وعشر بالمائة من احتياطي العالم من المياه العذبة.
هناك أسئلة جوهرية لم يجب عليها المقال؟ كيف ستصبح افريقيا ثالث اقتصاد في العالم؟ بأيدي أبنائها في حكومات مستقرة فعالة ؟ ذلك شرط ضروري ليتحقق ذلك لكنها إن ظلت علي مثل حالها الراهن ستعلو إلي المركز الثالث عالمياً دولة أو دول بموارد القارة المنهوبة وسيظل انسانها نهباً للأمراض والمسغبة وسيظل بعض شبابها طعاما لحيتان البحر الأبيض المتوسط وهم يحاولون الوصول آلي شواطئ أوروبا.
وبناء علي الحيثيات المتقدمة سيكون الصراع المتعدد المشارب ضارياً بالقدر الذي لا يستوعبه النظام الدولي الراهن سيما وقد اشرأبت أعناق دول تتطلع إلي منصمة القمة مما سينتهي بالعالم إلي عالم متعدد الأقطاب يستعصي علي منظمة الأمم المتحدة بشكلها الراهن ومؤسسات بريتونودز استيعاب مشكلاتها وحلها.
يقابل افريكم مليشيا فاقنر الروسية التي تأسست عند ضم روسيا لجزيرة القرم في العام 2014 ثم حاربت إلي جانب القوات الروسية في سوريا تم انتشرت في العام 2017 في أكثلر من بلد إفريقي. هل كان تأسيسها ردة فعل لتأسيس آفريكم لمنافسة الوجود الأمريكي في القارة لحماية مصالح روسية متحققة اليوم أومنتظرة غداً؟ وهل دعم بعض دول الجوار العربي لمليشيات مثل الدعم السريع صورة أخري لما يجري ومقدمة لما هو آت ومنتظر؟ وهل تحذو دول ذات حضور تجاري قوي اليوم مثل الصين والهند إلي عسكرة وجودها كذلك بمليشيات؟ سيؤدي ذلك كله إلي جعل القارة الإفريقية ساحة تربص حذر قد تصبح بعدها معتركاً لحروب مدمرة . ونستنتج مما يكتب عن ثراء القارة كتابة وأقوالاً كمرافعة وكيلة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية السفيرة فيكتوريا نالاند في استجواب لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لها في العاشر من مايو المنصرم عن ثراء السودان وامكانية مساهمته في حل مشكلة نقص الغذاء في العالم في مقبل الأيام. هذا الإهتمام المتيقن من ثراء افريقيا يستوجب بالضرورة وضع الخطط المستقبلية للإفادة من ذلك و تبدأ تلك الخطط مستبطنة المنافسة بتجهيز الأرضية اللازمة والتي تترك عادة لآجهزة الاستخبارات في الدول الفاعلة الكبري ذلك لأن الاستخبارات لا تحد عملها القيود وفق الإرث الميكافيلي الذي يبيح كل الوسائل المفضية إلي الغايات وترك لغة حقوق الإنسان والقانون الدولي والمثل الأخلاقية الرفيعة لمؤسسات الدولة الأخري للتخفي وراءها . وسيكون أول تلك الخطط صناعة نخب مؤدلجة تدير إفريقيا تحمل أسماء جذابة تتزياْ بالديمقراطية والحريات المطلقة وأخري مصوبة للشباب والشابات حتي يصبحوا مخالب قط علي بلدانهم وثرواتها وكلاب صيد وستلجأ القوي الغاشمة إلي إغراق المجتمعات في خضم ذلك بالمخدرات والهابط من الثقافة الشعبية السطحية المتوسل إليها بالرقص والطرب (وموضات )اللباس والقبعات والتقليعات فاقدة المحتوي حتي تموت الأمم ويسهل نهبها وإذلالها.
هل ستسمح القوي الحية في القارة بذلك أم سيكذب شباب القارة نظرية "الزنجي السعيد الضحكوك" فينصرفوا لإتقان المهارات واكتساب معارف النهضة وامتلاك ناصية العلوم في كل مجال والتسلح بالوعي الذي سيحيل نقمة الهجمة القادمة إلي نعمة تجعل المعركة سانحة طيبة تفضي إلي مصالح متبادلة وفق منظور الفوز المتبادل (ون-ون) بين أهل القارة والقادمين إليها لتحقيق مصالح مشروعة لا تلحق الضرر بالأهلين وإرهاصات ذلك بدأت في غرب القارة الذي بدأ ينتفض مصصاً علي كسر الأغلال وصناعة الحياة الحرة الكريمة؟ ذلك ما نرجوه وما ينبغي العمل علي تحقيقه منذ الآن.
ابتدر البروفسور علي مزروعي سلسلته التعريفية التلفزيونية المميزة," الأفارقة والتراث ثلاثي الأبعاد" بحلقة تعريف عام أسماها "جنة عدن" أوضحت ثراء القارة الذي لا نظير له في أي مكان من المعمورة وسهولة العيش الذي لا يتطلب عناء ومشقة. الفاكهة المدارية التي تنبت دون بستنة (بروس في عاميتنا) والحيوانات العديدة التي تجوب البرية والحبوب والجذور الغنية بالنشويات مع ماء وفيربه أنواع من الأسماك لا يحصيها العد وتربة خصبة وصفها السكان مبالغين في وصف شدة خصوبتها بأنك لو غرست اصبعك لنبت ظفرك !
هذا اليسر يكون سبباً في الاسترخاء واللا- فعل. قال :"إن كانت الحاجة هي أم الإختراع فالوفرة هي أم الاسترخاء والتبطل." وهكذا وبينما فرضت الطبيعة الباردة القاسية علي الأوروبي لباس الملابس والأحزية وبناء المساكن ليقي نفسه شرور البرد ,منح المناخ الدافئ الإنسان الإفريقي رفاهية السير عارياً بين الناس وبإعتزاز وفخر! لذلك لم يفكر الإفريقي في مغادرة القارة وغزو الآخرين لكنه أصبح ضحية للغزو ولا يزال. بدأ الغزو بغزوات الإسترقاق القاسية باكراً بالتي جاْءت من الجوار النسبي في غرب آسيا ثم استعر أوارها في القرن السابع عشر عبر الأطلسي إلي العالم الجديد في أبشع صفحات التاريخ الإنساني. وتلت غزوات الإسترقاق غزوات الإستعمار في القرن التاسع عشر عندما تذوق الأوربي حلاوة الثورة الصناعية إذ دفعت الحاجة إلي المواد اللازمة لاستمرار الصناعة وللأسواق الضرورية لبيع منتجاتها إلي ذات القارة المعطاء : إفريقيا! وحتي لا يقتل الأوروبي أخاه الأوروبي كما ظل يفعل لعقود كثيرة , دعا داهية السياسة وقتذاك, عظيم بروسيا وألمانيا لاحقا , (إوتو بسمارك), قادة أوروبا إلي كلمة سواْ يقتسمون حبيا بموجبها خيرات تلك القارة . لم يكلفوا أنفسهم بالطبع استئذان إنسانها المغلوب دوماً علي أمره , وانقضوا عليها في ما عرف بالتكالب علي إفريقيا . كان ذلك الإجتماع هو الذي شرعن للاستعمار في عام 1884-1885 . نعم كانت تلك صافرة التدافع المحموم علي القارة الغنية بمتطلبات الصناعة. وما أن جاء العام 1914 إلا وكانت القارة باسرها في قبضة الدول الأوروبية إلا من عصمها فقرها المدقع وخلوها من الموارد كإمبرواطورية الحبشة والتي لم تكن قد تبنت اسم السودان القديم , إثيوبيا, اسماً لها وليبريا التي لم تكن سوي بقعة اختارتها أمريكا لتعيد إليها الأرقاْء السود بعد أن لم تعد بحاجة إليهم.
وفي ذلك العام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولي بين الدول الأوروبية لأسباب إوروبية بحتة لا علاقة لها بتفاهمات مؤتمر برلين في اقتسام كيكة إفريقيا لكن نتائجها آودت بحيازات ألمانيا وايطاليا في افريقيا فاقتسمتها فرنسا وبريطانيا كما اقتسمتا أملاك تركيا العثمانية في الشرق الأوسط وأعلنت بريطانيا مصر محمية بريطانية. فقد كانت تلك الدول الخاسرة قد منيت بالهزيمة في تلك الحرب
ورغم أن هذا الاستغلال البشع والسرقة المنظمة لموارد القارة والرق والسخرة التي تعرض لها الأفارقة في العالم الجديد والتقسيم العشوائي لشعوبها في حدود قطرية مزقت أنسجتهم الإجتماعية وشتت شملهم ولا تزال حتي اليوم سببا في حروبات القارة وتخلفها ,إلا أن إفريقيا لم تسجل كأحد أسباب التطور المادي والرفاه الذي يعيشه العالم الإول وتعيش ثمراته البشرية جمعاء في الميادين كافة, نتيجة لنجاح الثورة الصناعية ولو معنوياً علي الأقل وكان الأجدر ألا يثقل عملياً كاهلها بالديون وفوائد الديون ان لم يبلغ الإنصاف حد تعويضها بعون لا مشروط.
واليوم تبين أن القارة المنهوبة لم تنفد بلدانها بعد من المواد الخام رغم التجريف الذي استغرق قرنا ونيف .لذا يتداعي الأكلة علي قصاعها مجدداً من كل صوب وحدب لا من أوروبا وحدها ولا لمواد الصناعة وحدها كما كان الحال بل من كل مكان في المعمورة بحثا عن أراض خصبة ومياه عذبة لإنتاج الغذاء في عالم يضربه الجفاف والتصحر وتلتهمه الحرائق بفعل تدهور المناخ الذي ساهم فيه الإنسان بالأبخرة السامة التي يطلقها أغنياء العالم في الهواء بلا حساب وبالفضلات والبلاستيك الذي لوث البحار ويوشك أن يحيلها إلي بالعوات قذرة تعافها الأحياء. التكالب علي إفريقيا هذه المرة أضخم وأبعد أثراً علي سكانها لا يقتصر علي من يملكون السلاح وحدهم بل وممن يملكون الأموال إيضاً ومن حذاق يجيدون السمسرة والمكر السيئ.
نعم القارة موعودة اليوم بتدافع جديد تطورت فيه تقانات النقل والاتصال بما لم يدر علي خلد أحد ويدخل الذكاء الصناعي الذي سيكون أحد أدوات ذلك التدافع.
إن لكل شئ حقيقة فما حقيقة هذا الزعم ؟ ذلك ما أحصته أستاذة العلوم السياسة في جامعة جنوب كاليفورنيا الدكتورة سمر البلوشي عن أهمية إفريقيا التي يستعر التكالب عليها منذ الآن مروراً بالعقود القادمات .تشير الكاتبة إلي أن أمريكا أسست ( القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا) المعروفة بأفريكم عام سبعة وألفين لخدمة العسكرية الأمريكية في آفريقيا وتفاديا لتدخلات كبري مكلفة مادياً وبشرياً وربما سياسياً في الداخل الأمريكي كتدخل بوش الابن في العراق وذلك بتدريب الجيوش الإفريقية وفق اتفاقيات ومعاهدات مع دول القارة لرفع كفاءة قواتها المسلحة حتي تتمكن من التصدي للمليشيات والجماعات الآرهابية خاصة في منطقة الساحل الإفريقي أي إفريقيا جنوب الصحراء (مصر ليست ضمن تلك الدول لأنها ضمن القيادة الأمريكية الوسطي), ولتحقيق الاستقرار في القارة . لكن الكاتبة تقول إن الأفارقة قد توجسوا من الافريكم عند تأسيسها وفي ذاكرتهم حملات الاسترقاق القديمة والاستعمار لاحقاً, فضلاً عن أن الذي تحقق بتأسيسها للمفارقة هو عدم الاستقرار إذ ازدادات وتيرة الانقلابات العسكرية وعلي أيدي ضباط قامت بتدريبهم افريكم. عزز قولها جلسة استجواب من لجنة الخدمات العسكرية في مجلس النواب الأمريكي قادها رئيس اللجنة الجمهوري (مات قينز) من فلوريدا استجوب فيها قائد الافريكم ( راجع يو تيوب). تساءل فيها النائب عن جدوي الافريكم متهما اياها بزعزعة الاستقرار في القارة مشيراً إلي آن قائدي الانقلابين في غينيا وبوركينا فاسو ممن تدربوا علي يديها .وتخلص الكاتبة إلي القول إن تأسيس افريكم يأتي في
قت تضاءل فيه النفوذ الأمريكي في إفريقيا بينما تزداد أهمية إفريقيا الاستراتيجية.
وتورد الاحصاءات التالية للتدليل علي تنامي الاهتمام بالقارة:
يتوقع أن يشكل سكان إفريقيا في العام 2050 ربع سكان العالم وسيكون الاقتصاد الافريقي الآسرع نمواً ليبلغ المرتبة الثالثة عالميا متجاوزا اقتصادات ألمانيا وفرنسا والهند والمملكة المتحدة في العام2063
وحسب الأمم المتحدة سيكون ثلث احتياط العالم من المعادن في إفريقيا و12 في المائة من النفط وثمانية يالمائة من الغاز الطبيعي وخمسة وستون في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة وعشر بالمائة من احتياطي العالم من المياه العذبة.
هناك أسئلة جوهرية لم يجب عليها المقال؟ كيف ستصبح افريقيا ثالث اقتصاد في العالم؟ بأيدي أبنائها في حكومات مستقرة فعالة ؟ ذلك شرط ضروري ليتحقق ذلك لكنها إن ظلت علي مثل حالها الراهن ستعلو إلي المركز الثالث عالمياً دولة أو دول بموارد القارة المنهوبة وسيظل انسانها نهباً للأمراض والمسغبة وسيظل بعض شبابها طعاما لحيتان البحر الأبيض المتوسط وهم يحاولون الوصول آلي شواطئ أوروبا.
وبناء علي الحيثيات المتقدمة سيكون الصراع المتعدد المشارب ضارياً بالقدر الذي لا يستوعبه النظام الدولي الراهن سيما وقد اشرأبت أعناق دول تتطلع إلي منصمة القمة مما سينتهي بالعالم إلي عالم متعدد الأقطاب يستعصي علي منظمة الأمم المتحدة بشكلها الراهن ومؤسسات بريتونودز استيعاب مشكلاتها وحلها.
يقابل افريكم مليشيا فاقنر الروسية التي تأسست عند ضم روسيا لجزيرة القرم في العام 2014 ثم حاربت إلي جانب القوات الروسية في سوريا تم انتشرت في العام 2017 في أكثلر من بلد إفريقي. هل كان تأسيسها ردة فعل لتأسيس آفريكم لمنافسة الوجود الأمريكي في القارة لحماية مصالح روسية متحققة اليوم أومنتظرة غداً؟ وهل دعم بعض دول الجوار العربي لمليشيات مثل الدعم السريع صورة أخري لما يجري ومقدمة لما هو آت ومنتظر؟ وهل تحذو دول ذات حضور تجاري قوي اليوم مثل الصين والهند إلي عسكرة وجودها كذلك بمليشيات؟ سيؤدي ذلك كله إلي جعل القارة الإفريقية ساحة تربص حذر قد تصبح بعدها معتركاً لحروب مدمرة . ونستنتج مما يكتب عن ثراء القارة كتابة وأقوالاً كمرافعة وكيلة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية السفيرة فيكتوريا نالاند في استجواب لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لها في العاشر من مايو المنصرم عن ثراء السودان وامكانية مساهمته في حل مشكلة نقص الغذاء في العالم في مقبل الأيام. هذا الإهتمام المتيقن من ثراء افريقيا يستوجب بالضرورة وضع الخطط المستقبلية للإفادة من ذلك و تبدأ تلك الخطط مستبطنة المنافسة بتجهيز الأرضية اللازمة والتي تترك عادة لآجهزة الاستخبارات في الدول الفاعلة الكبري ذلك لأن الاستخبارات لا تحد عملها القيود وفق الإرث الميكافيلي الذي يبيح كل الوسائل المفضية إلي الغايات وترك لغة حقوق الإنسان والقانون الدولي والمثل الأخلاقية الرفيعة لمؤسسات الدولة الأخري للتخفي وراءها . وسيكون أول تلك الخطط صناعة نخب مؤدلجة تدير إفريقيا تحمل أسماء جذابة تتزياْ بالديمقراطية والحريات المطلقة وأخري مصوبة للشباب والشابات حتي يصبحوا مخالب قط علي بلدانهم وثرواتها وكلاب صيد وستلجأ القوي الغاشمة إلي إغراق المجتمعات في خضم ذلك بالمخدرات والهابط من الثقافة الشعبية السطحية المتوسل إليها بالرقص والطرب (وموضات )اللباس والقبعات والتقليعات فاقدة المحتوي حتي تموت الأمم ويسهل نهبها وإذلالها.
هل ستسمح القوي الحية في القارة بذلك أم سيكذب شباب القارة نظرية "الزنجي السعيد الضحكوك" فينصرفوا لإتقان المهارات واكتساب معارف النهضة وامتلاك ناصية العلوم في كل مجال والتسلح بالوعي الذي سيحيل نقمة الهجمة القادمة إلي نعمة تجعل المعركة سانحة طيبة تفضي إلي مصالح متبادلة وفق منظور الفوز المتبادل (ون-ون) بين أهل القارة والقادمين إليها لتحقيق مصالح مشروعة لا تلحق الضرر بالأهلين وإرهاصات ذلك بدأت في غرب القارة الذي بدأ ينتفض مصصاً علي كسر الأغلال وصناعة الحياة الحرة الكريمة؟ ذلك ما نرجوه وما ينبغي العمل علي تحقيقه منذ الآن.