خداع المفاوضات
عادل الباز
12 June, 2012
12 June, 2012
كثيرون تفاءلوا خيراً بالجولة الأخيرة للمفاوضات، خاصة أنها تأتي بعد أن جرب السياسيُّون بالدولتين عواقب الحرب ورأوا رأى العين ألا منتصر فيها وأنهما في النهاية سيعودان إلى طاولة المفاوضات مهما طال أمد الحرب. هناك سبب آخر وهو الإنهاك الذي تعرض له كلا الطرفين جراء وقف تدفق النفط، وبالتالي توقف تدفق دولاراته لخزائن ميزانيي الدولتين. السبب الآخر هو نفاد صبر العالم من مفاوضات عبثية لا نهاية لها، وكادت في أكثر من مرة أن تدفع بالإقليم كله لهاوية الحرب الشاملة، الشيء الذي دفعه لتسليط سيف القرار 2046 على رقبة الدولتين. رغم هذه الأسباب انفضَّت الجولة بل انهارت دون التوصل لأي نتائج. ما لسبب؟
في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الدفاع الأسبوع الماضي أكد «أن نقطة الخلاف الأساسية أن الخارطة تسعى إلى فرض واقع جديد في المنطقة، وأن تقديمها من قبل الوفد الجنوبي المفاوض أعطى إحساساً بغياب الروح التي تسعى لتحقيق السلام». بالضبط أصاب عبد الرحيم، هناك إحساس بغياب الروح المطلوبة لتحقيق السلام. ولكن لماذا تغيب تلك الروح عن حكومة الجنوب؟.
حكومة الجنوب ترزح تحت أوهام كثيرة ولا تريد الإفاقة منها لتتعلم السياسة الواقعية. قبل نحو ستة أشهر أغلقت حكومة الجنوب آبار نفطها وتوهمت أن الإعانات الدولية ستكون قريبة منها، فطلبت من المجتمع الدولي تسليفها أموالا لنفط تحت الأرض فلم تجد جهة واحدة تستجيب لنداءاتها. لم تتعلم أن المجتمع الدولي نفسه يعاني من أزمة اقتصادية ، قال لهم اقتصادي بريطاني (أنا استغرب من شخص يقطع يده اليمنى ويمد يده اليسرى ليشحد بها). مرة أخرى توهموا أن بإمكانهم احتلال هجليج وضمها للجنوب، فالشمال ليس بمقدوره أن يحارب لأنه مستغرق في جبهات أخرى وسيترك لهم هجليج. ثم توهموا أن المجتمع الدولي سيقف إلى جانبهم ليدعم احتلالهم أرض دولة أخرى. استيقظوا من هذه الأوهام وهم يحملون خيبتين: الهزيمة العسكرية المرة إضافة للإدانة الدولية التي تلقوها من كل المنظمات الدولية والإقليمة وحتى من أقرب حلفائهم.
الآن يبدو أن حكومة الجنوب دخلت في نفق أوهام أخرى حول المفاوضات التي انهارات في أديس أبابا الأسبوع الماضي وشجعها على ذلك أن هذه المفاوضات تجري تحت بصر المجتمع الدولي وفي ظلال القرار 2046 الذي يحدد مواقيت محدده لنهاية المفاوضات وهو 2 أغسطس. يعتقد المفاوضون الجنوبيون أن مصلحة الجنوب ممارسة الخداع لاستهلاك الوقت حتى الوصول إلى اليوم المعلوم ليرى مجلس الأمن ما يرى وهم بلا شك يعتقدون أن رؤى المجلس ستأتي في مصلحتهم بلا شك. فالمجتمع الدولي كما يظنون في جيبهم، فعلاقاتهم مع الغرب والعناية التي تحظى بها الدولة الجديدة كفيلة بانتزاع حقوق ليس لهم. رسموا خطة التفاوض وبالأحرى خداع التفاوض على أساس كسب الزمن. شكليا استجاب الجنوب والوسطاء لموقف السودان الذي أصر على بدء المفاوضات بالملف الأمني، ولكن في حقيقة الأمر كانت الخطة هي نسف التفاوض في المرحلة الأولى ونقل ملف الأمن ومعه الحدود لطاولة مجلس الأمن أو لساحة التحكيم الدولي. الخطة كانت كالآتى: لتنتهي الجولة الأولى من هذه المفاوضات وتنهار سريعا لتبدأ جولة أخرى تتعلق بالنفط وهي الجولة التي ترغب فيها حكومة الجنوب بل مستعجلة عليها لأنها بحاجة ماسة لملايين الدولارات لأن خزائنها الآن خاوية ويتوقع مراقبون أن الاحتياطيات النقدية تناقصت بشكل مريع، الشيء الذي جعل سلفاكير يطلق نداءً عاجلا لمختلسي أموال الشعب التي بلغت أربعة مليارات من الدولارات لإعادتها فورا لخزينة الدولة. تخطط حكومة الجنوب للمضي باتجاه حسم ملف النفط ولتصل لمعادلة مقبولة تسمح لها بتصدير النفط ولو بسعر أعلى من السعر الذي لم يقبل به السودان في الجولات السابقة. خداع التفاوض هذه المرة مكشوف ولن يفوت على حكومة السودانية، ويبدو لي أنها ستتعامل مع المفاوضات المقبلة بنفس تكتيك حكومة الجنوب بمعنى أنها ستمارس خداعا ما في جولة المفاوضات المقبلة التي قبلتها الحكومة السودانية. ذلك ما ألمح إليه عبد الرحيم محمد حسين حين تساءل عن مصلحة الحكومة السودانية في مد أعدائها بأموال لمحاربتها. ستفشل الجولة القادمة إذا وضع ملف النفط في طاولتها لأن خداع التفاوض سيستمر.
عادل الباز