خلاص الفاشر في اعناقنا
عبدالله مكاوي
5 June, 2024
5 June, 2024
عبدالله مكاوي
بسم الله الرحمن الرحيم
ما تتعرض له مدينة الفاشر من هجمات مليشيا الدعم السريع الهمجية، ينذر بالشر المستطير، وانفتاح الاهوال علي مجتمعات محلية، لم تنل ولمدة ربع قرن سوي البلاء والشقاء، كنتاج لمسلسل الحروب الكارثية. وهي اهوال لم تتكشف فظاعتها، إلا بعد مجزرة فض الاعتصام امام القيادة العامة! ومن بعدها هذه الحرب القذرة التي مددت الانتهاكات في كافة الاتجاهات. وكأن هذه المليشيات شبيهة بما ورد في القرآن من وسائل العقاب الجماعي (كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم) التي نكبت بني اسرائيل او اشد وطأة، مع فارق بساطة وطيبة اهلنا السودانيين.
والحال كذلك، لم يكن هنالك تعاطف ومواقف صلبة مع اصحاب الوجعة في دارفور بما يكافئ تلك الفظائع. وذلك بسبب التعتيم الاعلامي من جهة، وبسبب ان ذات النظام الذي تورط في تلك الفظائع، اظهر استعداد لقمع كل صوت يرتفع لمناصرة اهل دارفور من جهة. لتتحول دارفور مع مرور الزمن لمختبر تم فيه تصنيع وتجريب وتطوير المسخ الشيطاني (مليشيا الدعم السريع)، وليصبح بعدها جاهز، للقمع بوحشية مفرطة، لأي معارض ومعارضة ضد النظام، والاصح قيادات النظام.
وما يجعل الامور تزداد قتامة، ان من يهاجم الفاشر بقصد استباحتها (المليشيا)، ومن يدافع عنها (تحالف الجيش والحركات المسلحة) لا تجمعهم ارضية مشتركة مع مجمل المواطنين! بمعني جمعيها تشكيلات مسلحة تتغيَّا السلطة والثروة وما يستتبعها من مكانة اجتماعية، ولا تكترث مطلقا لحياة وكرامة المواطنين او مصالح البلاد العليا (وينهض دليل علي ذلك خيانة الثورة واجهاض مشروع التغيير).
والحق يقال، ان ما سلف يشكل اكبر فاجعة لازمت البلاد منذ استقلالها المنكود (لم يحن اوانه)، لتتردي بها في مهاوي الفشل والتراجع المطرد، حتي بلغنا مرحلة قتل وتشريد اهلها واستهداف بقاءها، بعد ان جن جنون حملة السلاح وتجردوا من كل ما يربطهم بهذه الامة الشقية.
ومؤكد المقصود بالفاجعة تصدر نخب عسكرية وبدرجة اقل قيادات سياسية، المشهد السلطوي، لتفرض سطوتها (وصايتها) علي المجتمع والبلاد. وما يؤسف له انها وصاية ليست نابعة من النضج والرشاد او حكمة التجارب او المخافة علي الابناء التي تكتنف وصاية الآباء مثلا، ولكنها وصاية زائفة ومتعجرفة، تتوسل العنف والاكراه من جانب العسكر، والشعارات الحالمة من جانب الطائفيين والطوباوية من جانب الايديولوجيين.
وليس هنالك ادل علي غياب الحكمة والرشاد من استنزاف الجميع طاقته في صراع السلطة العبثي، او السلطة من اجل السلطة! والتي ترتد بدورها اما لعلاج مركبات نقص او عقد تفوق او حقوق تاريخية او دينية متوهمة او مجرد اشواق شخصية! ولذلك لم يرتقِ صراع السلطة ولو لمرة لمرتبة الوعي او النضوج، او تكتسي السلطة طابع المسؤولية او توظف لخدمة كافة شرائح المجتمع.
وبما ان ازمة السلطة تعبر قبل كل شئ عن ازمة المتسلطين الذين جثموا علي صدرها (بعقدهم وجهلهم وغرورهم وتهورهم)، فكان لابد ان تنعكس علي ازمات البلاد، التي اصبحت تتراكم وتتعقد جيل بعد جيل. وبوصول الاسلامويين المشوهين قمة السلطة عبر الانقلاب العسكري، غرقت السلطة في النرجسية والطغيان وكافة اشكال الانحرافات، وهو ما نتج عنه خراب مهول طال كل مؤسسات الدولة، واصاب العنت كافة المواطنين غير المنظمين.
وبعد ان أُستنفدت السلطةالاسلاموية في الاستبداد والفساد والنهب والخراب، وبدل الاعتذار والخروج من المشهد، بعد ان خرجت معظم مناطق البلاد ومواطنيها، وهي تواجه الرصاص رفضا لاستمرارهم. عاودهم الحنين للمكر والتدليس والسعي لإرجاع عقارب الساعة للوراء، عبر المساعدة في انقلاب البرهان الفاشل. لتتداعي الاحداث وتأتي الفرصة لأكثر منتجاتهم همجية وبدائية ووحشية (مليشيا الدعم السريع)، ليقودون البلاد في سكة الدمار الشامل، وهم يستصحبون كل رذائلهم في الحاق الأذى والاهانة بالمواطنين العُزل. وبما ان الارتزاق جزء اساس من تكوين هذه المليشيات، فقد تم توظيفها من الخارج للسيطرة علي الداخل، كمدخل لاستنزافه.
وامام هكذا وضع، يصعب تحكيم صوت العقل، او ان تجد دعوات الانسانية آذان صاغية، او تقاليد الادارة الاهلية في عقد الصلح وتجنب القتال مكان. وهو بالطبع ما لا يمنع طرق ابوابها دون كلل، عسي ولعل يكتب لها النجاح في بلاد العجائب والصدف او العاطفة والمزاج هذه. ولكن من المهم فتح جبهات الضغط الخارجية، طالما هي الاكثر تأثير علي هذه المليشيا!
ومعلوم بالضرورة من يدعم مليشيا الدعم السريع بكل بجاحة، واستصغار لمن يتسلطون علي رقاب العباد والبلاد من الجنرالات المزيفين السابقين واللاحقين! والحال هذه، وبدل النداءات الخجولة والاستغاثات المتتالية التي تطلقها المنظمات الدولية المعنية بالشأن الانساني، فمن باب اولي اتخاذ اقصر الطرق، واجراء الاتصالات المكثفة بالولايات المتحدة، للضغط علي الامارات لكف يدها عن التدخل في الشأن السوداني، بل والطلب من الدعم السريع (خادمها المطيع) لإيقاف هجماته علي الفاشر.
وفي ذات السياق علي حمدوك ومن خلفه تقدم الاستفادة من صلاته مع الامارات، وعكس طبيعة التعقيدات الداخلية والاوضاع الانسانية والتركيبة المجتمعية للفاشر، وتاليا خطورة اجتياحها واستباحتها من قبل هذه المليشيات الهمجية. ولهم سابقة فيما تعرضت له ولاية غرب دارفور وقبيلة المساليت بصفة خاصة، من انتهاكات تقد عين الصخر الما من فظاعتها، وما حادثة اردمتا بغائبة عن الوجدان المكلوم. بل يجب ان يمتد التوضيح والتعريف بممارسة مليشيا الدعم السريع في اي بقعة طالتها، وكيف عمتها الفوضي وسادها الخراب، كنتائج منطقية لطبيعة هذه المليشيات الهمجية؟ وهو ما لا يمكن انكاره او تجمليه الا بكلفة فقدان المصداقية وحصاد الاحتقار. بل الاسوأ من ذلك ان ما ترتب علي هذه الانتهاكات هو عودة الاسلامويين لتصدر المشهد في الداخل، وبناء مشروعية جديدة، وصولا لإعادة انتاج ذات برامج تحشيدهم واساءتهم للسياسية والسياسيين كعهد الانقاذ الاول! وهذا بالطبع اذا ما صدقنا ان جزء اساس من دعم الامارات للمليشيا هو استهداف الكيزان، وليس اجهاض تطلعات الديمقراطية ونهب موارد البلاد. وعموما، يبدو ان ما الحقته هذه المليشيا بالمواطنين الابرياء من انتهاكات مروعة دون مسوغ، قد زرع مساحة من الغل والغضب والقرف في نفوس السودانيين تجاهها، بما يغطي الكرة الارضية، وتاليا قد اخرجها نهائيا من أي مستقبل سياسي في هذه البلاد، اذا ما كتب لها البقاء متماسكة. وما وجودها حينئذ إلا كقوي تخريبية همجية، يُتقي شرها، ويفرضها فقط، توازن القوي المختل عسكريا. وهو ما يجعل ما يسمي مشروعها السياسي نوع من الهُراء المُستفز، الذي يغُم النفس ويبعث علي الطمام.
والمهم، اهمية النجاح في هكذا مسعي، انه قد يشكل مدخل جيد لكف الجيش عن التصعيد الذي يتوعد به في كافة الجبهات! ومن ثمَّ تشكيل ارضية ملاءمة للانتقال لمرحلة التفاوض الجاد، لإنهاء هذه الازمة الوجودية التي تستفحل مع مرور الايام، والتي لم يتضرر منها المواطن والبلاد فحسب، ولكن كلا القوتين المتقاتلين.
وهو تفاوض يسهل من امره، الخروج من حالة المراوحة (الاستقطاب) التي يقبع فيها السياسيون، وتمسكهم بذات مواقف ما قبل الحرب، وكأن كل هذه الاهوال لم تهز اضعف قناعاتهم، ليظلوا في ذات ضلالهم القديم، في تلبس ادوار ليست لهم، والتطلع لأهداف ليست بمستطاعهم، بعد ان حولت هذه الحرب كامل السيطرة لأيدي المسلحين، وهي في الحقيقة لم تخرج يوما عن يدهم، في بلاد قدرها العسكرة الرعناء (اما في السلطة او يتربصون بها).
وبكلام فاضح وجارح ليس هنالك من سبيل لإيقاف هذه الحرب اللعينة، إذا كانت هنالك جدية في ارادة ايقافها، إلا بمراعاة مصالح الاطراف المتقاتلة، وهي بدورها تتعلق بالسلطة والثروة، او كما ظللنا عالقين في هذه المعضلة منذ الاستقلال. وهو ما يعني بدوره تهميش السياسة والسياسيين وتجميد كل التطلعات الديمقراطية والحلم بالتغيير المنشود. وعليه، من اكثر جوانب هذه الحرب قذارة، انها تقايض ما تبقي من ارواح المواطنين والبنية التحتية للدولة، بل ووجود الدولة نفسها، بالسيطرة الكاملة للعسكر، والخضوع التام لسطوة الخارج! وهي زاوية ضيقة حُشرنا فيها وهي من البؤس بمكان، بحيث ان قبولها يمثل قمة المهانة ورفضها يجسد قمة التهور.
واخيرا
لكل ما سلف ليصبح خلاص الفاشر قضيتنا المركزية التي نلتف حولها مرحليا، ونظهر فيها درجة من النضوج يليق بعمر تجربتنا السياسية، وتماسك اعرافنا المجتمعية في التكاتف لإغاثة الملهوف، والسعي بالمعروف بكل انواعه، وتقديم كافة انواع الدعم او ما يستطيعه كل فرد، لإنقاذ اهلها من جحيم الحرب والحصار، ولو بالكلمة الطيبة والدعاء في جوف الليل. ودمتم في رعية الله واستعصام بحبل الوحدة الوطنية والالفة المجتمعية، حتي نخرج من هذا المخاض العسير، سالمين غانمين.
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
ما تتعرض له مدينة الفاشر من هجمات مليشيا الدعم السريع الهمجية، ينذر بالشر المستطير، وانفتاح الاهوال علي مجتمعات محلية، لم تنل ولمدة ربع قرن سوي البلاء والشقاء، كنتاج لمسلسل الحروب الكارثية. وهي اهوال لم تتكشف فظاعتها، إلا بعد مجزرة فض الاعتصام امام القيادة العامة! ومن بعدها هذه الحرب القذرة التي مددت الانتهاكات في كافة الاتجاهات. وكأن هذه المليشيات شبيهة بما ورد في القرآن من وسائل العقاب الجماعي (كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم) التي نكبت بني اسرائيل او اشد وطأة، مع فارق بساطة وطيبة اهلنا السودانيين.
والحال كذلك، لم يكن هنالك تعاطف ومواقف صلبة مع اصحاب الوجعة في دارفور بما يكافئ تلك الفظائع. وذلك بسبب التعتيم الاعلامي من جهة، وبسبب ان ذات النظام الذي تورط في تلك الفظائع، اظهر استعداد لقمع كل صوت يرتفع لمناصرة اهل دارفور من جهة. لتتحول دارفور مع مرور الزمن لمختبر تم فيه تصنيع وتجريب وتطوير المسخ الشيطاني (مليشيا الدعم السريع)، وليصبح بعدها جاهز، للقمع بوحشية مفرطة، لأي معارض ومعارضة ضد النظام، والاصح قيادات النظام.
وما يجعل الامور تزداد قتامة، ان من يهاجم الفاشر بقصد استباحتها (المليشيا)، ومن يدافع عنها (تحالف الجيش والحركات المسلحة) لا تجمعهم ارضية مشتركة مع مجمل المواطنين! بمعني جمعيها تشكيلات مسلحة تتغيَّا السلطة والثروة وما يستتبعها من مكانة اجتماعية، ولا تكترث مطلقا لحياة وكرامة المواطنين او مصالح البلاد العليا (وينهض دليل علي ذلك خيانة الثورة واجهاض مشروع التغيير).
والحق يقال، ان ما سلف يشكل اكبر فاجعة لازمت البلاد منذ استقلالها المنكود (لم يحن اوانه)، لتتردي بها في مهاوي الفشل والتراجع المطرد، حتي بلغنا مرحلة قتل وتشريد اهلها واستهداف بقاءها، بعد ان جن جنون حملة السلاح وتجردوا من كل ما يربطهم بهذه الامة الشقية.
ومؤكد المقصود بالفاجعة تصدر نخب عسكرية وبدرجة اقل قيادات سياسية، المشهد السلطوي، لتفرض سطوتها (وصايتها) علي المجتمع والبلاد. وما يؤسف له انها وصاية ليست نابعة من النضج والرشاد او حكمة التجارب او المخافة علي الابناء التي تكتنف وصاية الآباء مثلا، ولكنها وصاية زائفة ومتعجرفة، تتوسل العنف والاكراه من جانب العسكر، والشعارات الحالمة من جانب الطائفيين والطوباوية من جانب الايديولوجيين.
وليس هنالك ادل علي غياب الحكمة والرشاد من استنزاف الجميع طاقته في صراع السلطة العبثي، او السلطة من اجل السلطة! والتي ترتد بدورها اما لعلاج مركبات نقص او عقد تفوق او حقوق تاريخية او دينية متوهمة او مجرد اشواق شخصية! ولذلك لم يرتقِ صراع السلطة ولو لمرة لمرتبة الوعي او النضوج، او تكتسي السلطة طابع المسؤولية او توظف لخدمة كافة شرائح المجتمع.
وبما ان ازمة السلطة تعبر قبل كل شئ عن ازمة المتسلطين الذين جثموا علي صدرها (بعقدهم وجهلهم وغرورهم وتهورهم)، فكان لابد ان تنعكس علي ازمات البلاد، التي اصبحت تتراكم وتتعقد جيل بعد جيل. وبوصول الاسلامويين المشوهين قمة السلطة عبر الانقلاب العسكري، غرقت السلطة في النرجسية والطغيان وكافة اشكال الانحرافات، وهو ما نتج عنه خراب مهول طال كل مؤسسات الدولة، واصاب العنت كافة المواطنين غير المنظمين.
وبعد ان أُستنفدت السلطةالاسلاموية في الاستبداد والفساد والنهب والخراب، وبدل الاعتذار والخروج من المشهد، بعد ان خرجت معظم مناطق البلاد ومواطنيها، وهي تواجه الرصاص رفضا لاستمرارهم. عاودهم الحنين للمكر والتدليس والسعي لإرجاع عقارب الساعة للوراء، عبر المساعدة في انقلاب البرهان الفاشل. لتتداعي الاحداث وتأتي الفرصة لأكثر منتجاتهم همجية وبدائية ووحشية (مليشيا الدعم السريع)، ليقودون البلاد في سكة الدمار الشامل، وهم يستصحبون كل رذائلهم في الحاق الأذى والاهانة بالمواطنين العُزل. وبما ان الارتزاق جزء اساس من تكوين هذه المليشيات، فقد تم توظيفها من الخارج للسيطرة علي الداخل، كمدخل لاستنزافه.
وامام هكذا وضع، يصعب تحكيم صوت العقل، او ان تجد دعوات الانسانية آذان صاغية، او تقاليد الادارة الاهلية في عقد الصلح وتجنب القتال مكان. وهو بالطبع ما لا يمنع طرق ابوابها دون كلل، عسي ولعل يكتب لها النجاح في بلاد العجائب والصدف او العاطفة والمزاج هذه. ولكن من المهم فتح جبهات الضغط الخارجية، طالما هي الاكثر تأثير علي هذه المليشيا!
ومعلوم بالضرورة من يدعم مليشيا الدعم السريع بكل بجاحة، واستصغار لمن يتسلطون علي رقاب العباد والبلاد من الجنرالات المزيفين السابقين واللاحقين! والحال هذه، وبدل النداءات الخجولة والاستغاثات المتتالية التي تطلقها المنظمات الدولية المعنية بالشأن الانساني، فمن باب اولي اتخاذ اقصر الطرق، واجراء الاتصالات المكثفة بالولايات المتحدة، للضغط علي الامارات لكف يدها عن التدخل في الشأن السوداني، بل والطلب من الدعم السريع (خادمها المطيع) لإيقاف هجماته علي الفاشر.
وفي ذات السياق علي حمدوك ومن خلفه تقدم الاستفادة من صلاته مع الامارات، وعكس طبيعة التعقيدات الداخلية والاوضاع الانسانية والتركيبة المجتمعية للفاشر، وتاليا خطورة اجتياحها واستباحتها من قبل هذه المليشيات الهمجية. ولهم سابقة فيما تعرضت له ولاية غرب دارفور وقبيلة المساليت بصفة خاصة، من انتهاكات تقد عين الصخر الما من فظاعتها، وما حادثة اردمتا بغائبة عن الوجدان المكلوم. بل يجب ان يمتد التوضيح والتعريف بممارسة مليشيا الدعم السريع في اي بقعة طالتها، وكيف عمتها الفوضي وسادها الخراب، كنتائج منطقية لطبيعة هذه المليشيات الهمجية؟ وهو ما لا يمكن انكاره او تجمليه الا بكلفة فقدان المصداقية وحصاد الاحتقار. بل الاسوأ من ذلك ان ما ترتب علي هذه الانتهاكات هو عودة الاسلامويين لتصدر المشهد في الداخل، وبناء مشروعية جديدة، وصولا لإعادة انتاج ذات برامج تحشيدهم واساءتهم للسياسية والسياسيين كعهد الانقاذ الاول! وهذا بالطبع اذا ما صدقنا ان جزء اساس من دعم الامارات للمليشيا هو استهداف الكيزان، وليس اجهاض تطلعات الديمقراطية ونهب موارد البلاد. وعموما، يبدو ان ما الحقته هذه المليشيا بالمواطنين الابرياء من انتهاكات مروعة دون مسوغ، قد زرع مساحة من الغل والغضب والقرف في نفوس السودانيين تجاهها، بما يغطي الكرة الارضية، وتاليا قد اخرجها نهائيا من أي مستقبل سياسي في هذه البلاد، اذا ما كتب لها البقاء متماسكة. وما وجودها حينئذ إلا كقوي تخريبية همجية، يُتقي شرها، ويفرضها فقط، توازن القوي المختل عسكريا. وهو ما يجعل ما يسمي مشروعها السياسي نوع من الهُراء المُستفز، الذي يغُم النفس ويبعث علي الطمام.
والمهم، اهمية النجاح في هكذا مسعي، انه قد يشكل مدخل جيد لكف الجيش عن التصعيد الذي يتوعد به في كافة الجبهات! ومن ثمَّ تشكيل ارضية ملاءمة للانتقال لمرحلة التفاوض الجاد، لإنهاء هذه الازمة الوجودية التي تستفحل مع مرور الايام، والتي لم يتضرر منها المواطن والبلاد فحسب، ولكن كلا القوتين المتقاتلين.
وهو تفاوض يسهل من امره، الخروج من حالة المراوحة (الاستقطاب) التي يقبع فيها السياسيون، وتمسكهم بذات مواقف ما قبل الحرب، وكأن كل هذه الاهوال لم تهز اضعف قناعاتهم، ليظلوا في ذات ضلالهم القديم، في تلبس ادوار ليست لهم، والتطلع لأهداف ليست بمستطاعهم، بعد ان حولت هذه الحرب كامل السيطرة لأيدي المسلحين، وهي في الحقيقة لم تخرج يوما عن يدهم، في بلاد قدرها العسكرة الرعناء (اما في السلطة او يتربصون بها).
وبكلام فاضح وجارح ليس هنالك من سبيل لإيقاف هذه الحرب اللعينة، إذا كانت هنالك جدية في ارادة ايقافها، إلا بمراعاة مصالح الاطراف المتقاتلة، وهي بدورها تتعلق بالسلطة والثروة، او كما ظللنا عالقين في هذه المعضلة منذ الاستقلال. وهو ما يعني بدوره تهميش السياسة والسياسيين وتجميد كل التطلعات الديمقراطية والحلم بالتغيير المنشود. وعليه، من اكثر جوانب هذه الحرب قذارة، انها تقايض ما تبقي من ارواح المواطنين والبنية التحتية للدولة، بل ووجود الدولة نفسها، بالسيطرة الكاملة للعسكر، والخضوع التام لسطوة الخارج! وهي زاوية ضيقة حُشرنا فيها وهي من البؤس بمكان، بحيث ان قبولها يمثل قمة المهانة ورفضها يجسد قمة التهور.
واخيرا
لكل ما سلف ليصبح خلاص الفاشر قضيتنا المركزية التي نلتف حولها مرحليا، ونظهر فيها درجة من النضوج يليق بعمر تجربتنا السياسية، وتماسك اعرافنا المجتمعية في التكاتف لإغاثة الملهوف، والسعي بالمعروف بكل انواعه، وتقديم كافة انواع الدعم او ما يستطيعه كل فرد، لإنقاذ اهلها من جحيم الحرب والحصار، ولو بالكلمة الطيبة والدعاء في جوف الليل. ودمتم في رعية الله واستعصام بحبل الوحدة الوطنية والالفة المجتمعية، حتي نخرج من هذا المخاض العسير، سالمين غانمين.
abdullahaliabdullah1424@gmail.com