خلف الأبواب المغلقة … بقلم: عادل الباز
ماذا تفعل الحركة الشعبية خلف الأبواب المغلقة؟ ماذا يفعل المؤتمر الوطني خلف تلك الأبواب؟ ما هي الأجندة التي بحوزة المجتمع الدولي ولم يكشف عنها؟ يا علام الغيوب... لا أحد يعرف شيئاً عما يدور خلف تلك الأبواب المغلقة.
الحركة الشعبية ظلت منذ بداية الفترة الانتقالية تتحدث خلف أبوابها المغلقة عن الانفصال، ولكنها لم تشأ التصريح علناً بأجنداتها الحقيقية، بل ظلت تتخفى حول مقولات الوحدة الجاذبة لتعظم مكاسبها قبل أن تكشف عن أجندتها الحقيقية. كانت الصحافة تتساءل عن ماهية تلك الوحدة الجاذبة، وكيف السبيل لتحقيقها؟ كانت الإجابة المخادعة هي أن الوحدة الجاذبة تتحقق إذا ما طبّقت الاتفاقية بالكامل، وبعد أن مضت الاتفاقية وتصاعدت وتائر تنفيذها حتى طفقت الحركة الشعبية تتحدث عن حكاية المواطنة ومواطنين من الدرجة الثانية، وما إلى ذلك، ثم كشفت الحركة عن ورقة قديمة أُخفيت وتوارت طيلة الفترة الانتقالية، واستخرجت فجأة، وذلك حين أعلن السيد دينق ألور أن القوانين الإسلامية عائق للوحدة!! هكذا اكتشفت الحركة السياسية الشمالية وفي الهزيع الأخير من الفترة الانتقالية أن ذلك الشعار الذي صكّته عقلية ذكية لم يكن إلا قناعاً مموّهاً ما لبث أن نزعته الحركة وهي تتقدم باتجاه بناء دولتها الجديدة.
ماذا يجري خلف الأبواب المغلقة للمؤتمر الوطني؟ رغم الجدل المتصاعد حول موضوع الاستفتاء يبدو أن المؤتمر الوطني يركز الآن وبشكل خاص على موضوع دارفور. فغازي صلاح الدين سارع بإخراج إستراتيجية جديدة، ومضى يطلب من المجتمع الدولي والمحلي مباركتها، وقد لاقت الإستراتيجية قبولاً لافتاً من أطراف عدّة فاعلة في المجتمع الدولي. في الخارج تجري الاستعدادات في منبر الدوحة لإبرام الصفقة النهائية، وتشير المصادر المقربة من المفاوضات إلى أن الوثيقة النهائية جاهزة الآن للتوقيع الذي سيتم في نهاية شهر أكتوبر. هذا التحوّل من موضوع الاستفتاء إلى دارفور ليس عبثاً وإنما وراءه خطة ما، صُنعت خلف الأبواب المغلقة لم يعلن عنها المؤتمر الوطني ولا يمكن أن يعلنها في مؤتمر صحفي!! هل تلاحظون أن اللجان التي كوّنها المؤتمر الوطني لا حسّ لها ولا خبر؟ ليس لها وجود لا شمالاً ولا جنوباً يا ترى لماذا؟ لماذا صمتت الهيئات التي صُنعت خصيصاً لقيادة حملات الوحدة؟ هل قنع المؤتمر الوطني من الوحدة ظاهراً وباطناً بعد أن رأى رأي العين التيار الكاسح للانفصاليين؟ المؤتمر الوطني لا يعمل الآن بنفس الحماس السابق لقضية الوحدة. بعض المؤشرات تدل على أن الوطني يحاول الآن تعظيم مكاسبه في التفاوض على قضية الانفصال، ولذا يمارس المؤتمر الوطني ضغطاً رهيباً على الحركة الشعبية لحسم كافة القضايا العالقة قبل الاستفتاء، وهو بهذا يرد على ضغوطات الحركة الشعبية ودلالها الذي ظلت تمارسه طيلة الفترة الانتقالية. الآن المؤتمر الوطني ليس هناك ما يدعوه إلى العجلة في أمره، والحركة الشعبية في غاية العجلة ولا ترغب في أن «تشوشر» أي قضية على يوم التاسع من يناير 2011 «يوم الاستقلال» أو كما يقولون.
المجتمع الدولي يردد الآن أنه مع استفتاء حُر ونزيه في الجنوب، وأنه سيقبل بنتائج الاستفتاء، ولكن لا يفعل إلا القليل لكي يصبح الاستفتاء حرّاً ونزيهاً. أمريكا مثلاً بدأت إشاراتها متناقضة ومواقفها متأرجحة؛ فتارة هي تشير في اتجاه الوحدة، وأخرى باتجاه الانفصال. أما التصريحات الأخيرة لهيلاري كلينتون وسوزان رايس فلا تختلف كثيراً عن تصريحات باقان أموم. هناك أجندة لم يكشف عنها المجتمع الدولي تصريحاً، ولكن الممارسات على أرض الواقع تشي بأن وراء الأكمة ما وراءها. خُذ مثلاً لقاء البنك الدولي مع ممثلين للجنوب، وقبول الدول التعامل مع مكاتب الحركة بالخارج كسفارات معتمدة حتى إنها تطلب منها تأشيرات لمسؤوليها. الأسلحة التي يستوردها الجنوب الآن لا تستوردها دول قائمة. خلف الأبواب المغلقة يتعامل المجتمع الدولي مع الجنوب كدولة قائمة بالفعل. ما هو واضح أن السياسة والأفعال الحقيقية لا تصنعها تصريحات السياسيين في الصحف إنما دوماً تُصنع هناك خلف الأبواب المغلقة، وقد تسمع بها الصحافة بعد حين، وقد يغيب أثرها إلى الأبد!!