لعل الكثير منا انتبه للفساد الذي جعلته الحركة اللاإسلامية بشقيها حزب المؤتمر الوطني و الشعبي ثقافة عامة بين الشعب. بحيث شاعت الرشوة وسميت تسهيلات وأصبح كل مواطن من موقعه يحاول أن يستغل الآخر ماديا ويرى أن ذلك الأمر عاديا ولا علاقة له بالفساد! قبل ذلك غرست طغمة الانقاذ في نفوس المنتمين اليها لها بأن كل السودان هو بمثابة غنائم وأنفال لمنتسبيها لتقوية صفوفهم فهما معوجا للحديث "المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف- الفقير-"، فأنقلبوا جميعا أغنياء الجيوب فقراء الايمان، إلا قلة مؤمنة صابرة تمسكت بدينها وزهدها فتمّ إبعادها. عملت الحركة اللاإسلامية بشقيها المؤتمر الوطني والشعبي على تمكين دولتها العميقة فأمسكت بكل مفاصل الدولة خلال 30عاما ، بل جعلت التمكين شعار لها وجعلت التحليل حيلة شرعية مقبولة لمن كشف فساده. عندما طفح الكيل بالشعب السوداني جراء الاستبداد والفساد الذي تقوم به طغمة الانقاذ وحاضنتها الحركة اللإ إسلامية، قاوم وناضل وقدم الجرحى والشهداء حتى إستطاع في سلمية كاملة أن يخلع البشير وطغمته الفاسدة المستبدة. فوجئت الحركة اللاإسلامية بأن المواطن السوداني الذي حاولت صياغته خلال ثلاثين عاما لتجعله إما فاسدا في صفها أو خانعا بسبب العنف والإرهاب والاستبداد الذي يمارس نحوه. فوجئت بأن هناك مارد ثوري من الشباب وخاصة الذين ولدوا إبان حكمها يثوروا عليها ويطالبوا بسحقها تحت أحذيتهم البالية "أي كوز ندوسوا دوس"! رجعت الحركة اللا إسلامية إلى أساليبها القديمة ويمكن الاستشهاد بمقولة السيد/ ابوبكر عبد الرازق- مؤتمر شعبي- الذي يفتخر مجاهراً بصلاته خلف زوجته (أسقطنا ابراهيم عبود وأسقطنا نميري وحنسقط الحكومة دي ولا بنخلي مجلس عسكري يشتغل...)... فخلقت فتن قبلية في الشرق والوسط وحتى في نهر النيل، وعملت على تأزيم الاوضاع الاقتصادية وخلق الازمات في الخبز و البنزين والادوية وغيرها وحاربت الحكومة الانتقالية المدنية فتأمرت على دكتورأكرم التوم، دكتور محمد الأمين التوم، دكتور القراي، دكتور إبراهيم البدوي وغيره .وهي تسعى تارة للعودة من خلال اللجنة الأمنية العسكرية فإن لم تنجح خطتها فتطالب بالإنتخابات المبكرة لعلمها بأن دولتها العميقة التي تعودت على "خج" صناديق الإنتخابات ستمكنها من الفوز مرة أخرى، ناهيك عن القول بأن الحركة اللا أسلامية هي الوحيدة التي تملك المال والإمكانيات اللوجستية للإنقضاض وليس الدخول في الانتخابات المبكرة. يمكن إعتماد مقولة السيد/ أبويكر عبدالرازق لفهم سبب الضائقة الإقتصادية وحالة السيولة الأمنية التي يعيشها الشعب السوداني، فبعد أن تأمروا في خلق بيئة مؤبوة ، هاهم الان يلوحون بحرب عسكرية مع إثيوبيا وما بين "أندهاشة" المواطن السوداني وحيرته، يسعون اليوم بالهجوم على الحكومة المدنية بإعتبارها تحارب الدين وكيف أنها ستنشر الفساد الاخلاقي من خلال العلمانية؛ ومن شدة خبثهم يجعلون مرمى نيرانهم رئيس الوزراء حمدوك وحكومته دون المساس بالبرهان رغم أنه وقع مع عبدالعزيز الحلو على مباديء الدولة العلمانية، لما لا وقد سبق لهم بخبثهم أن غضوا الطرف عن توقيع البرهان ونتنايهو لمسار التطبيع بين السودان واسرائيل. لما كانت الحركة اللاإسلامية تعلم مدى كبر عاطفة الشعب السوداني الدينية، والتي سبق لها أن لعبت عليها خلال الثلاثين عام الماضية " من خدعنا للَّه انْخَدَعْنَا لَه". فهاهم يتجهون لمخاطبة تلك العاطفة وتجييش المشاعر وتعبئة النفوس بشعارات فضفاضة مثل السودان بلد مسلم والعلمانية هي نظير الكفر والإلحاد-فصل الدين عن الدولة. ولكنهم "يراوغون" اذا قيل لهم أن تركيا وماليزيا دول علمانية، فهل معنى ذلك انها كافرة وملحدة. مع العلم بأنها الدول التي إتخذونها غدوة في نظام الحكم وجنة "مدنية" لاينقطعوا عن زيارتها وتأمين مستقبل أبناءهم فيها دراسة وإستثماراً؟؟؟ لعلنا نختم بأن نقترح على جميع الشعب السوداني بما فيهم المنضمون للحركة اللاإسلامية، تبني نموذج بين ما تطبقه ماليزيا وهي دولة إتحادية ملكية دستورية تبلغ نسبة المسلمين فيها 60% وتركيا هي جمهورية رئاسية علمانية وتبلغ نسبة المسلمين فيها 99% وبهذا قد نخرج بوصفة سياسية أكثر تناسبا مع الواقع السوداني وعندما نصل يوما الى مستوى قريب من هاتين الدولتين من حيث وجود دولة مؤسسات، حينها يمكننا أن نتطرق مواضيع الدستور العلماني او الاسلامي ونعرضه للشعب السوداني للإستفتاء. "أن ما هو ضروري وملح اليوم استعادة شرعية التفكير في مجتمعاتنا، رد الاعتبار إلى مفهوم الحِكمة قبل التجادل حول منظومة الحكم".
أنشد الشاعر محجوب شريف " فجر الغد المأمول مستنى جياتنا و طنا عظيم الشأن عمدانه قاماتنا يا ظالما في الغيب أو حتى بيناتنا لو في الحلم والنوم احذر ملاقاتنا لو لسه ما ولدوك احذر وليداتنا نحن انكسار العين ما بيحني هاماتنا صاعين نكيل الصاع والسلم راياتنا".