خواطر أمدرمانية!

 


 

 

سطر جديد

 

 

fadil awadala [fadilview@yahoo.com]

            كم كانت مفاجأة سعيدة لي وأنا أطالع الأيام يوم السبت الماضي لأجد الأمدرماني المعتق الأخ/ كمال دقيل فريد يكتب ذاك (السطر الجديد). شعرت كم أنا مقصر في حق هذه السيدة الجليلة (أمدرمان) ورحت أبحر معه في (نوستالجيا) الحنين إلى تلك الأيام الأمدرمانية المجيدة. نحن قوم بكاءؤن نستعذب الماضي ونطويه في أحشائنا ثم نجتره كلما أضنانا الحاضر بمراراته.

            تذكرت يا أخي كمال أياماً خوالٍ كانت فيها أمدرمان تنسج خيوط السياسة وتبدع الفن وتلعب الكرة وتصنع الإبتسام. تذكرت أيام الطفولة والصبا وشارع الموردة (الشاقيه) الترام وهو يتسكع عند السينما ويتمهل قرب (الظبطية) وتنزل منه الحبوبات (المبلمات) أمام الدايات. كانت صفوف السينما ساحة كر وفر يرتادها عتاة الفتوات وجماعات من أبناء الأحياء يستعينون بكثرتهم على وعثاء الصف وسؤ المنقلب.. كل هذا الجمع وتلك الصفوف المتراصة بما فيها من عتاة وحرافيش وأولاد ناس وأفاقين ومسالمين كان يوكل أمر ضبطها لرجلين فقط من أفراد الشرطة هما الصول عبد الله بون والصول سيد أحمد (السنجك) اللذين يملكان مهابة وبأس كفيل ببسط الأمن في تلك الحشود. كانا يستويا ويتسيدا تلك الساحة تماماً كما إستوى روميل ومونتيجمري على ثرى العلمين.

            تذكرت حواري السوق وأزقته وعم (بيّن) يدفع عربة الباسطة البيضاء المضاءة بلمبات النيون منذ بواكير العصر، وتذكرته وهو يعود دونها في أنصاص اليالي متأرجحاً بجسمه النحيل الطويل وهو ينشد (برد الليل يا الحبيب) حتى إذا ما إستبدت به نشوة الطرب (كسر) على (البنسلين يا تمرجي). تذكرت هدوء لياليها ونسماتها الصيفية للدرجة التي كان أهلها يتسمعون زئير الأسد في حديقة الحيوانات بالخرطوم واليوم وبفرط الضوضاء يكاد حتى الأسد نفسه لا يسمع صوت زئيره. ذلك الهدوء في ليل أمدرمان أمر عارض وإستثناء فليلها دوماً مطرز بتلك الأصوات الندية التي تجيئه كالفراشات على نار الهوى وتجعل منه صباحاً كالسُكّر.

            تذكرت عمنا حسن صالح خضر ودراجات الفيلبس الحمراء والرالي السوداء تصطف أمام دكانه كما (الليموزين) لا يطالها إلا ناجح ونابه في دراسته، وإلى جانبيه دكان (الطوخي) ديزني لاند ذاك الزمن البهي. زمن كنا نبتاع فيه الأجبان والزيتون من (ابو ستولس حاج أوغلو) ذاك البقال القبرصي اليوناني فيقدمها لك كما الروائح الباريسية وهي مغلفة في ورقتين واحدة رقيقة بيضاء والأخرى خشنة داكنة. تذكرت إصطفافنا يوم الأحد أمام أكشاك السوق ونحن ننتظر (سمير وميكي) في لهفة المشتاق، بينما الكبار ينتظرون المصور وآخر ساعة والأهرام وحتى الفاينانشيال تايمز والأيكونوميست.

            أخي كمال... ذاك كان حالنا وهكذا نحن... بكاءؤن نستعذب الماضي ونطويه في أحشائنا ثم نجتره كلما أضنانا الحاضر بمراراته!

 

آراء