خيال… البشير كاتباً بالأحداث … بقلم: عادل الباز
20 June, 2010
في كل الدنيا يكتبُ الرؤساء عن الشؤون العامة والقضايا الكبرى في الصحف اليومية فيخاطبون الرأي العام مباشرة. بدأ عالم الكتابة الرئاسي في أمريكا في القرن الثامن عشر بالرئيس الأمريكي الثالث «توماس جيفرسون», الذي كاwwwwن يعتبر: «الصحافة هي خير أداة لتنوير العقل, ولتقدمه ككائن عاقل وأخلاقي واجتماعي».. يقول الصحافي المتميز «كريستوفر هيتشنز» إن الرئيس «جيمي كارتر» كان يقرأ أسبوعياً كتابين, ويكتبُ المقالات وهو يعتبر من أكثر الرؤساء الأمريكيين الذين كتبوا في الصحف الأمريكية.
بالعالم العربي لا أذكر سوى ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى والمرحوم الملك حسين والرئيس المصري الراحل السادات رئيساً كتب بالصحف اليوميَّة. أما في السودان فلم يشهد تاريخنا الحديث رئيساً كاتباً بالصحافة. فالأزهري لم يكتب شيئاً للصحافة وهو رئيس وزراء، وكذلك عبد الله خليل، أما محمد أحمد المحجوب والسيد الصادق المهدي كتبوا للصحافة حين كانوا معارضين ولكن ما أن وصلوا سدّة رئاسة الوزراء حتى جفّت أقلامهم. النميري لم يكتب للصحافة إطلاقا، أما كتابيْه النهج الإسلامي لماذا وكيف، اللذين نُشرا بصحيفة الأيام كانا تأليفاً خالصاً للسيد محمد محجوب سليمان المستشار الصحافي لنميري آنذاك وهي كتب فكريَّة ضحلة وليست مقالات صحفية حول الشؤون العامة.
تميَّزت صحيفة (الواشنطن بوست) الأمريكية بأنها من أهم الصحف التي يكتب فيها الرؤساء الأمريكيين، وكذلك الأحداث السودانيَّة (شفتو كيف). استطاعت «الأحداث» وفي وقت وجيز أن تصبح منبراً للمرشحين الرئاسيين أو الرؤساء المحتملين. فأول مرشح رئاسي في الانتخابات الأخيرة كاتبنا الكبير د. عبد الله علي إبراهيم يكتب يومياً على أخيرة «الأحداث» على يمينك في الركن (دائماً بحب يموت ركن). ثم السيِّد الصادق المهدي الذي يتحفنا شهرياً بمقال، ثم الأستاذ ياسر عرمان الذي أتحفنا بقصائده، وها هو الأستاذ حاتم السر ينضم لركب مرشحي الرئاسة الكتاب بالأحداث بمقاله الأخير الموسوم (الوصايا العشر لمن يريد ان يصبح وزيراً). هكذا ازدانت «الأحداث» بكتابات مرشحي الرئاسة أو رؤساء المستقبل المحتملين.
لكتابات الرؤساء والزعماء السياسيين في الشؤون السياسيَّة والاقتصادية اليومية أهمية خاصة لأنها تكشف عن الطريقة التي يفكر بها الرؤساء وتبني جسوراً مع القراء، الذين هم الشعب، وتلقى كتاباتهم اهتماماً بالغاً من المراقبين كونها تشرحُ بطريقة مفصَّلة ومنطقيَّة كثيراً من حيثيات القرارات التي يتّخذها الرئيس. صحيفة (مايو) التي أسسها السادات أواخر سبعينيات القرن الماضي بعد ثورته التصحيحية كانت منبراً هامّاً للتعبير عن الأجندة السياسيَّة التي يتبناها النظام وأولوياته، ذلك بسبب المقال الأسبوعي الذي يكتبه السادات حول شؤون الدولة. صحيح أن المقال كان يُكتب بمساعدة يوسف السباعي وأنيس منصور، ولكن في النهاية المقولات الرئيسة والأفكار الواردة بالمقال تعبِّر عن سياسات الرئيس السادات. كانوا يسمونها جريدة الجرايد.
رؤية السيد الرئيس للقضايا التي يعيشها السودان وكيفيَّة المخارجة منها والتعليق على التطورات الجارية على المستوى العالمي من الأهمية بمكان أن يفرد لها الرئيس جانباً من وقته ليُطْلِع الشعب والمراقبين مباشرة على رؤيته عبر الكتابة بالصحافة، وهي الأداة الأكثر تأثيراً الآن في الرأي العام.
بناءً على ما تقدم يسُرني دعوة الرئيس البشير للانضمام لكوكبة كتّاب «الأحداث» المميزين وبالأخص قائمة الكتّاب الرئاسيين بكتابة مقال شهري حتى تزيّن «الأحداث» جيدها برئيس فعلي وليس مرشحاً سابقاً ولا رئيساً محتملاً ولا سابقا.. وبذلك تكون «الأحداث» أول صحيفة سودانيَّة نالت هذا الشرف، ويكون بذلك البشير أول رئيس في تاريخ السودان الحديث يطل على القرّاء من خلال صحيفة محترمة تحترمها النخبة وكل المثقفين، وهي مؤثرة في الرأي العام بأكثر من صحف أقرباء الرئيس (الرأي العام والأخبار). إضافة لذلك سيدي الرئيس نحن أفضل صحيفة تسدد مستحقات كتابها (يا جماعة خلُّوها مستورة) في وقتها ونترك تفاصيل العقد للسيد عماد سيد أحمد السكرتير الصحفي لسيادتكم. ما رأيك يا عماد؟ على العموم أرجو أن يرى الرئيس هذا المقال باكراً قبل أن يدخل عليه الفريق بكري فيُعكّر مزاجه. يا عماد ستدخل التاريخ إذا أقنعت الرئيس بالفكرة. ليكن المقال الأول في الثلاثين من يونيو.. سيدي الرئيس دع الخيال يتحقق.