دجاجي يلقط الحب ويجري إلى إسرائيل!!
عندما كنا صغاراً في المدرسة الابتدائية في مدينة كوستي بوسط السودان تم فرض مقررات دجاجية عجيبة علينا يتحدث فيها الدجاج باللغة العربية الفصحى رغم علمنا ، كأطفال، بأن الدجاج لا يتكلم، على أي حال ، فقد تم تدريسنا في المطالعة الابتدائية قصة الدجاجة الصغيرة الحمراء التي طلبت من أحد الحيوانات أن يساعدها في زراعة الفول فرفض الحيوان، فزرعت الدجاجة الحمراء فولها لوحدها ، ثم حان وقت الحصاد ، فذهبت الدجاجة الحمراء إلى نفس الحيوان وطلبت مساعدته في حصاد الفول فرفض الحيوان مرةً أخرى، فحصدت الدجاجة الحمراء فولها لوحدها، وعندما طبخت الدجاجة الحمراء الفول اللذيذ وتصاعدت رائحته الشهية، جاء ذات الحيوان راكضاً وطلب من الدجاجة الحمراء أن تمنحه نصيباً من الفول اللذيذ لكن الدجاجة الحمراء رفضت ذلك بعناد شديد وصاحت في وجه الحيوان الاناني الكسول بلهجة حادة: (الفول فولي، زرعته وحدي، وحصدته وحدي، وسآكله وحدي) وانتهت قصة التوحيد الدجاجي الثلاثي الأبعاد!! ثم فرض علينا مقرر دجاجي آخر وألزمونا بحفظ قصيدة دجاجي يلقط الحب التي مازلنا نحفظها حتى بعد أن بلغنا من الكبر عتيا والتي تقول:
دجاجي يلقط الحب ويجـــري وهو فرحان
كأن عـيونه خــرزٌ له في الشــمس ألوان!
وهناك ملاحظات دجاجية غريبة في السودان وهو أن الكثير من السودانيين الأفارقة يحبون أكل الدجاج العربي الكويتي ويفضلونه على الدجاج الأفريقي السوداني وهذه التفرقة العنصرية الدجاجية غير مفهومة على الإطلاق بل أنها تتعارض تماماً مع المثل السوداني الذي يقول (حمارك ولا حصان جارك) و (لالوبنا ولا تمر الناس) ويبدو أن العنصرية الدجاجية متأصلة في السودان ولولا ذلك لكانت بطلة قصة الدجاجة والفول هي الدجاجة السوداء وليس الدجاجة الحمراء!!
عندما كنا طلبة بكلية القانون جامعة الخرطوم اطلعنا على سابقة قضائية جنائية خطيرة مفادها أن أحد المتهمين قد قام بقتل 4 أشخاص من أسرة واحدة بعد أن اتهمهم بسرقة وذبح وأكل دجاجته، وحكم على المتهم القاتل بالإعدام وتم تنفيذ الحكم، وليس من الواضح هل وشى شخص ما للقاتل بسرقة دجاجته من قبل الأسرة المنكوبة أم أن المتهم المفجوع في فقدان دجاجته العزيزة قد عثر على رأسها وريشها في ساحة منزل الجيران، وهكذا تسببت دجاجة واحدة في فقدان خمس أرواح بشرية!! والدرس الدجاجي المستفاد هو أنه لا يجب علينا كبشر أن نستهين بأي دجاجة بحجة أنها شيء تافه أو مخلوق حقير فقد تتسبب دجاجة مجهولة النسب في إزهاق روح أعز إنسان!! وخلال عملي بمهنة المحاماة بمدينة كسلا بشرق السودان نما إلى علمي أن أحد الشاكين قد قدم بلاغ فقدان ديك للمحكمة الجنائية فاستشاط القاضي غضباً وحكم على الشاكي بالسجن لمدة يوم واحد بتهمة إهانة المحكمة وإضاعة وقتها!! لكن في اعتقادي أن ذلك الحكم غير عادل بالنسبة لصاحب الديك العزيز المفقود فقد يكون ذلك الديك هو رأسماله الوحيد في الدنيا وكان الإجراء القانوني الأصوب هو إصدار أمر قضائي بإجراء تحقيق دولي تحت إشراف الأمم المتحدة لكشف لغز اختفاء الديك وإعادته لصاحبه المكلوم وما ضاع حق ورائه مطالب!!
كثقافة دجاجية عامة، لدينا بعض المعلومات العجيبة عن الدجاج مفادها أن عدد الدجاج في العالم يبلغ حوالي 24 مليار دجاجة أي أن عدد الدجاج يبلغ ثلاث أضعاف البشر أي مقابل كل بني آدم واحد هناك دجاجتان وديك ، وأن التجارب العلمية قد أثبتت أن الدجاجة لديها عقل طفل لم يتجاوز الثلاث أعوام فالدجاجة تعرف الحساب والعد وهي تتعرف على وجوه الأعداء والأحباب ولديها ذاكرة دجاجية جيدة تستطيع تمييز الأماكن والأشخاص، أما الديك فيعتبر ملك السلام العالمي فهو إيثاري الطبع يدعو الدجاج للأكل ولا يأكل وهو يفض المشاجرات بين الدجاجات حباً في السلام وهو يمارس حق الدفاع الشرعي الدجاجي ضد البشر والحيوانات الأخرى إذا تمت مهاجمته أو مهاجمة دجاجاته أو كتاكيته فيرد الهجوم هجومين لذلك فإن قيام إنسان بوصف إنسان آخر بأنه "ديك" أو "ديك عدة" كناية عن الغباء يشكل جريمة إشانة سمعة في حق الديك، أما الدجاجة فهي مسالمة بطبعها لكنها تتحول إلى مقاتلة شرسة إذا حاول ثعبان أو نسر أو انسان معتدي اختطاف صغارها!!
بخلاف الذكريات الدجاجية المدرسية والجامعية والتفرقة العنصرية الدجاجية، تخلو ذاكرتنا القديمة والحديثة من أي ذكريات دجاجية بخلاف قيامنا من وقت لآخر بأكل أرجل وصدور الدجاج ضاربين بعرض الحائط جميع مناشدات جمعيات الرفق بالطيور والحيوانات في كل أنحاء العالم والتي تطالبنا كبشر بعدم أكل لحوم أصدقاءنا من الطيور والحيوانات والاكتفاء، مثل الأبقار، بأكل العشب فقط لا غير!!
على أي حال، لم يكن لهذا المقال الدجاجي أن يرى النور، لولا وقوع حادثة دجاجية عجيبة، فقبل أيام قلائل اندلعت أقوى معركة سياسية في مواقع التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط ، والسبب هو هروب دجاجة لبنانية إلى داخل إسرائيل ، فقد انتشر فيديو لبناني يظهر عائلة لبنانية تعيش بالقرب من خط الحدود اللبنانية الإسرائيلية ولديها قفص دجاج بلدي بدائي مبني من الطين ويغلق بابه بعود، المهم أو غير المهم في الموضوع أن الدجاجة اللبنانية، وعلى غير عادتها بالتجول حول المنزل اللبناني، قد اندفعت بسرعة البرق واقتحمت خط الحدود وهربت إلى داخل إسرائيل وقد طاردها صاحب الدجاجة وهو طفل لبناني يدعى “حسين شرتوني” ويبلغ من العمر 9 أعوام وحاول منعها من دخول إسرائيل لكن دون جدوى فقد هربت الدجاجة العربية اللبنانية إلى داخل إسرائيل واختفت هناك وقد تعرض الطفل اللبناني بسبب الدجاجة لإطلاق نار من قبل الجنود الإسرائيليين بقصد إرهابه ومنعه من الاقتراب من خط الحدود، وذكر الطفل اللبناني بأنه لم يخف من إطلاق النار من قبل الجنود الإسرائيليين وطالب الطفل اللبناني إسرائيل بإرجاع دجاجته العزيزة قائلاً بعناد صبياني شديد: (ما خفتش، بدي دجاجتي)!!
أعداء التطبيع مع إسرائيل أشادوا بشجاعة الطفل اللبناني وعدم خوفه من الجنود الإسرائيليين ومطالبته الشجاعة بإرجاع حقه وقارنوا بين موقفه البطولي وتمسكه بحقه والموقف المتخاذل لبعض رؤساء وزعماء الحكومات العربية الذين هرولوا للتطبيع المجاني مع إسرائيل دون أن يطالبوا بإرجاع حقوقهم وأراضيهم التي تحتلها إسرائيل، أما أحباب التطبيع العربي فقد ركزوا على الحق القانوني للدجاجة العربية اللبنانية وأكدوا أنها تمتلك الحق في طلب اللجوء السياسي إلى إسرائيل حسب القانون الدولي لحماية الطيور وأنها حرة في ممارسة حق اللجوء السياسي لإسرائيل بعد أن ضاقت ذرعاً بالسجن الضيق في بيت الدجاج الطيني اللبناني الذي يفتقر إلى الطعام الكافي بسبب الأزمة الاقتصادية المحتدمة في لبنان!! وقال بعضهم مازحاً: حتى الدجاج العربي يهرول للتطبيع مع إسرائيل!! وعلق آخرون: حتى أنتِ يا دجاجة؟!! أما المحايدون فقد انتقدوا موقعة أم المعارك الدجاجية في مواقع التواصل الاجتماعي واعتبروها معركة في غير معترك وزوبعة في فنجان وتمثل قمة انعدام الشغل والمشغولية، فمن غير المعقول، في نظرهم، أن ينشغل الناس بدجاجة في ظل احتدام الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بجميع البشر في لبنان، وتساءل هؤلاء بدهشة مكونة من مائة طابق: لماذا يتجاهل بعض الناس أهم مشاكل البشر ثم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها بسبب دجاجة؟!!
menfaszo1@gmail.com