دعوة الحزب الشيوعي لإسقاط حكومة الفترة الانتقالية

 


 

حامد بشري
10 June, 2021

 

حاولت جاهداً أن أتفهم رأي الحزب الشيوعي فيما يتعلق بموقفه الحالي من حكومة الفترة الانتقالية وفي هذا المنحي لجأت الي أدبيات الحزب الاخيرة وتحديداً دورة لجنته المركزية الصادرة في يناير 2021 والوثيقة المعنونة ( السودان الازمة وطريق أسترداد الديمقراطية – 2 يونيو2021 ) حيث جاء في الصفحة الرابعة من الدورة ما يلي :
" جذوة الثورة ما زالت متقدة وقوى الثورة تحتفظ بقدراتها في تغيير توازنات القوى، مما يستوجب على الحزب أخذ المبادرة لترتيب أصطفاف قوى التغيير الجذري والتفاعل الواسع مع قضايا الجماهير في المجالات على كافة المستويات وبث الوعي وتنظيم أوسع جبهة جماهيرية لمقاومة الهبوط الناعم، والتوجه باستقامة نحو تحقيق التغيير الجذري وإيقاف أنحراف الثورة الجاري وتصحيح المسار بتغيير توازنات القوة في إطار الحكومة الانتقالية الماثلة؛ مع الانفتاح على كافة الاحتمالات بما في ذلك تغيير للحكومة الانتقالية بالكامل والتوجه نحو إصلاح المسار لوصول الثورة لغاياتها في تنفيذ الشعارات التي رفعتها الجماهير وبمرجعية المواثيق الموقعة في صدر انتفاضة الجماهير في يناير 2019 وتلبية طموحات الشعب والثوار في ثورة ديسمبر 2018 (التخطيط كما ورد في الدورة)
وفي صفحة 17 ورد ما يلي :
"الوضع الراهن قد قفل الطريق أمام تطور الثورة وإنجازها لمهامها الواردة في شعاراتها ومواثيقها،.... وتعديل الوثيقة الدستورية واستكمال الحكم المدني بكافة هياكله بما في ذلك مجلس السيادة وإبعاد المكون العسكري وتكوين السلطة التشريعية والتنفيذية دون محاصصات بواسطة قوى الثورة.. إن مجلس الحرية والتغيير لم يعد يمثل الشعب ولا قوى الثورة، وإن مجلس الشركاء يمثل تزويراً للارادة الشعبية. فإما إحداث هذا التغيير أو إسقاط النظام بواسطة الجماهير.
يتضح مما سبق أن هذه الدورة طرحت أقتراحين الاول يتلخص في تصحيح المسار والثاني ينادي بأسقاط الحكومة في حالة فشل الأقتراح الاول الذي لم تُحدد له فتره زمنية أو برنامج واضح للشروع في تنفيذه وهذا علي ما يبدو من قرأة أوليه وأضعين في الإعتبار أن بيانات الحزب الشيوعي مشهود لها بالوضوح الكافي حيث لا لبس ولا غموض ولا تأويل في الطرح تأتي مختصرة وواضحة في تبني شعارات بعينها . عدم الوضوح فيما أتت به هذه الدورة أنعكس سلباً علي الحركة الجماهيرية وأضفي علي المشهد السياسي غموضاً وارتباكاً حين عجز عن الإجابة علي السؤال ما هو موقف الحزب الشيوعي من هذه الحكومة ؟ هل هو السعي في الإصلاح وتصحيح المسار أم الأقتناع بأن لا مجال اطلاقاً لمراجعة السياسات وتصحيح ما يمكن إصلاحه و العمل علي أسقاط النظام كلياً قبل أتمام الفترة الانتقالية . أنجلي هذا الغموض الغير مبرر بتاريخ 27 مايو في الحوار الصحفي الذي أجرته الصحفية وجدان طلحة (صحيفة السوداني) مع الزميل القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف حيث أكد بأن الحزب الشيوعي يعمل علي أسقاط النظام أما باضراب سياسي أو عصيان مدني ، مما يؤكد أنتفاء خيار تصحيح المسار . وللدقة قد يكون هنالك تصريح صدر من السكرتير السياسي قبل هذا التاريخ ينادي بأسقاط النظام الأ أني لم أطلعْ عليه .https://www.alsudaninews.com/ar/?p=125189
وبغض النظر عن سلامة هذا الرأي (أسقاط النظام) أو عدمه مع الإتفاق التام فيما ورد ذكره في الدورة آنفة الذكر عن السلبيات واوجه القصور الذي تعاني منها حكومة الفترة الانتقالية الا أن الثابت هو أن الحزب الشيوعي علي الدوام يبني مواقفه علي التحالفات العريضة بل هو عمودها الفقري وركازه أساسيه لها ولا يجنح للمعارضة منفرداً ـوالتاريخ القريب يشهد بذلك حيث كان الحزب أما داعياً أو مشاركاً أو منفذاً للتحالفات ، بدأ من جبهة الهيئات لمقاومة ديكتاتورية الفريق عبود وأثناء ديكاتورية نميري بطرحه لشعار ( جبهة للديمقراطية وأنقاذ الوطن ) و أسهامه في بناء التحالفات واضحاً في منازلة حكم الانقاذ عندما شرع في تكوين التجمع الوطني الديمقراطي وحشد القوي المعارضة حوله التي جمعت كل الوان الطيف بأستثناء الاسلام السياسي وأشتراكه في تحالف قوي الاجماع الوطني وتحالف قوي الحرية والتغيير الذي ضم عدة أجسام سياسية ومنظمات مجتمع مدني . يتسق طرح التحالفات مع ما ورد في صدر دورة اللجنة المركزية الصادرة في يناير 2021 في الصفحة الرابعة حيث أكد الحزب علي تنظيم أوسع جبهة جماهيرية (وتنظيم أوسع جبهة جماهيرية لمقاومة الهبوط الناعم) .
فقط وبعد مرور أربعة أشهر او أقل علي هذه الدورة يتخذ الحزب مساراً آخر حيث نقض غزله فيما يخص تصحيح المسار . وبغض النظر عن صحة طرح شعار أسقاط الحكومه أو عدمه نجد أن ما ورد في صدر دورة يناير لم يستنفذ أغراضه فيما يخص العمل الجاد وإيقاف انحراف الثورة الجاري وتصحيح المسار بتغيير توازنات القوة . أو علي الاقل لم يتضح للمراقب أسهامه في ذلك ولم يتم أخذ المبادرة لاصطفاف قوي التغيير الجذري بل علي النقيض من ذلك تبني الحزب موقفاً مخالفاً حيث أتجه للابتعاد عن المبادرات التي تدعو لجمع الشمل حتي قبل التفاوض والتفاكر مع مقدميها للنظر في دعم أيجابياتها سعياً لتحسينها وتجويدها ، مثال ( مبادرة العودة الي منصة التأسيس التي صدرت من مجموعة من الحادبين والمهتمين بالشأن العام تحت رعاية الاستاذ محجوب محمد صالح ، مبادرة حزب الامة التي دعت الي العمل الي وحدة جميع قوي الثورة الحية لتطوير أعلان الحرية والتغيير ، وأخيراً مبادرة اللجنة العليا لملتقي جامعة الخرطوم للبناء الوطني والإنتقال الديمقراطي التي لم يصدر بعد رأي من الحزب حولها) أضافة الي أبتعاده الغير مبرر عن مفاوضات جوبا للسلام حتي قبل أعلان موقفه من أسقاط الحكومة التي رعت وأشرفت علي هذه المفاوضات حيث أفضت الي أتفاقية مشوهة وأعزي جزء من هذا العيب الي غياب الحزب عن هذه المفاوضات مقارنة بالدور الايجابي الذي لعبه في كل مفاوضات السلام السابقة بدأ بكوكادام وانتهاءً بنيفاشا وأخيراً تم تتويج كل هذا بالانسحاب الكلي من مكونات قوي الحرية والتغيير التي أنجزت الثورة .
هذه الابتعاد السلبي الذي يصب في قالب ( الحردان السياسي) لا يضعف فقط من أمكانية وأسهامات الحزب التي يحتاج لها الشارع السياسي وأنما عملياً يساهم بصوره غير مباشرة في تأجيل التغيير المنشود ويدفع بالمسيرة خطوتين الي الوراء كما رأينا لاحقاً في عدد من القرارات الهامة التي تم أتخاذها من قبل حكومة الفترة الانتقاليه من دون مشاركة الحزب في مناقشتها .
وبالرجوع الي ما تم طرحه في دورة ديسمبر وبغض النظر عن سلامة هذا الطرح أو عدمه هنالك بعض الإستفسارات التي يتوجب علي الحزب الاجابة عليها قبل الخوض في هذه الأطروحة التي يحاول الحشد لها بإسقاط الحكومة بأضراب سياسي أو عصيان مدني . الحزب يعلم قبل غيره أن نجاح هذه الأطروحات يتوقف في المقام الاول علي التنظيم والقناعة الجماهيرية بسلامة الطرح وتوفر الظروف الذاتية والموضوعية . طرح شعار الاضراب السياسي او العصيان المدني يتوقف علي تنظيم القوي التي تشكل النقابات عضم ظهرها . فهل تم تطهير النقابات من عناصر النظام البائد وهل تمت أجازة قانون ديمقراطي للنقابات يستبدل نقابة المنشأة ؟ هل الحركة النقابية والعمالية علي قلب رجل واحد ؟ ما هي الادوات التي سيستخدمها الحزب لاسقاط حكومة الفترة الانتقالية ؟ هذه الادوات يجب مناقشتها بجديه مع القوي التي تدعم هذا التوجه ولنا أن نتسآل ما هي التحالفات التي يسعي لتكوينها لتحقيق هذا الهدف علماً بأن الوضع السياسي الذي كان عليه الحال في 2018 قد تبدل كثيراً . ثورة ديسمبر تم أنجازها ومهرها بدم شهداء من شباب وشابات السودان الذين تقدموا الصفوف وقدموا التضحيات والضحايا وأستشهدوا ولم يكن من بين شهدائهم أي من قادة الاحزاب السياسيه ، صحيح أن هؤلاء الشباب ومن خلفهم شعب السودان لم يرضوا بما آلت اليه ثورتهم ووضح لهم القصور في تحقيق مآلاتها ووجهوا أصابع أتهامهم للمجلس العسكري واللجنة الامنية للنظام السابق الذي يشارك المدنيين السلطة وطالبوا بأبعادهم وتشكيل حكومة مدنية كاملة ولم ينادوا بعد بإسقاط النظام لانهم تقدموا علي الحركة السياسية ويروا أن أمكانية الاصلاح أهون ويمكن أن تتحقق بزوال المجلس العسكري الذي فرض نفسه في ظرف تقاعسي من قوي الثورة أبان سقوط النظام البائد . والظرف الموضوعي لن يساعد في طرح شعار أسقاط النظام لان هنالك أحزاب سياسيه كانت تقف خلف شعار أسقاط النظام البائد وحالياً هي جزء من حكومة الفترة الإنتقالية ، الحركات المسلحة التي كانت في المعارضة وكانت تشكل تهديداً للنظام السابق أصبحت ممثلة في المجلس السيادي ومجلس الوزراء ، أتفاقية جوبا أتت بمحاصصات ومكاسب سياسيه لافراد وجماعات من الصعوبة بمكان ضمهم الي القوي التي تنادي بإسقاط الحكومة أو علي ألاقل تحييدها . حالياً تُجري محادثات لإستكمال عملية السلام مع القائد عبدالعزيز الحلو هل الموقف المطلوب هو نفض اليد منها أم دعمها ؟ ما هو الموقف من المبادرة التي ينوي طرحها قائد حركة تحرير جيش السودان عبدالواحد نور والضغوط الخارجية المواجهة بها الحركتين لاستكمال عملية السلام ؟ أما علي مستوي الجانب العسكري فالمأساة أفظع ، أمتلات العاصمة بآليات عسكرية تحت إمرة أكثر من جهة . الحركات المسلحة التي بصمت علي أتفاقية جوبا ، جيوشها تجوب عاصمة البلاد ، القوات المسلحة مازال جزء منها يدين للمؤسسة الامنية ولقائدها وهي رهن أشارته ، قوات الدعم السريع شوكة حوت تتصيد الفرصة للفوضي وتكرار مذبحة فض الإعتصام حتي تُنصب قائدها حاكماً عاماً او يلجأ للسيناريو المر (علي وعلي أعدائي).
أضافة الي أن العامل الخارجي لن يسمح لأي محاولة لزعزعة الديمقراطية وقد يتدخل بصورة عسكرية لحمايتها كما هو تسرب من أجتماعات الكونقرس الأمريكي . هذا النموذج ( الديمقراطي) سيجد الحماية من المجتمع الدولي بغض النظر من سلامة أطروحة إسقاطه .
الدعوة لإسقاط النظام وجدت آذاناً صاغية من عضوية المؤتمر الوطني والشعبي والأصلاح والتجديد وشبابهم وفلول النظام البائد وبدلاً من أن يتم ْفرزهم وأبعادهم من الحياة السياسية الي حين الوصول الي مرحلة الأنتخابات العامة نجد أن هذه الدعوة وفرة لهم أرضية خصبة لممارسة عداءهم المستحكم للثورة والديمقراطية بالدخول العشوائي أو المنظم تحت لواء الدعوة لإسقاط النظام الذي يكنون له العداء السافر ويتمنون لحظة سقوطه .
سقوط النظام الذي يطرحه الحزب الشيوعي سار في متلازمة عداء مع المؤسسات المالية العالمية ( الصناديق ونادي باريس والمؤسسات والدول التي الغت ديونها علي السودان ) مما يعطي أنطباعاً وكأنها هي التي ترجت الحكومة السودانية أن تستدين منها ، هذا الوضع الإقتصادي المتعثر ترجع أسبابه لقصور ذاتي والآخر لفساد صاحب بنية الدولة السودانية . الإستثمار في هذا العداء للبنك الدولي وصندوق النقد لن يساعد في أن يأتي بحكومة تنقذ البلاد من المحنة التي تواجهها . ولجان المقاومة التي مازالت تضمضم جراحها وتأبن ضحاياها وتخرج في المليونيات لم ترفع شعار عدم التعاون مع المؤسسات المالية الغربية ، ولم نري شعاراً مرفوعاً ينادي بسقوط نادي باريس أو بنك التنمية الإفريقي او الإسلامي أو حتي (دوان دوان آي أم أف) . ومن وجهة نظر أقتصاديه بعد سقوط أتحاد الجمهوريات السوفيتيه ودول المعسكر الأشتراكي أتضح أن هذه الدول أقبلت علي نظام رأسمالي أشرس من النظام الرأسمالي الغربي وبكل أسف تمت أزالة معظم مكتسبات الطبقة العاملة من علاج وسكن وتعليم مجاني ومواد تمونية مدعومة . أما دولة الصين فحدث ولا حرج رأينا كيف تدار الرأسمالية حيث تستنذف المواد الخام وتستثمر الاراضي الزراعية في أفريقيا بعقود عمل تمتد الي مائة عام . الصين بفهمها المتطور للرأسمالية أدهشوا حتي مصدرها في الغرب ..
وبالرجوع الي وثيقة ( السودان الازمة وطريق أسترداد الديمقراطية ) والتي هي ليست موضوع بحثنا اليوم الي أني أري أنها أستوفت معظم القضايا علي الرغم من أنها أتت متأخرة لعامين كما أن الفترة المتبقية من عمر الحكومة الانتقالية عامان يصعب معها إنجاز هذه المهام الجسام ، خاصة أنه لم يرد في الوثيقة ذكر فترة زمنية محددة لتنفيذ بنود هذا البرنامج .
وبالتطرق الي دورة اللجنة المركزية أري أنه من المفيد في هذا الظرف الديمقراطي أن يتم نشر الدورات للجماهير لكي يتم تداول الرأي فيها حول سياسة الحزب ومستجداته متي ما سمحت الظروف بذلك وفي هذا فائدة كبيرة للحزب الذي من ضمن شعاراته وأهدافه التعلم من الجماهير واليها .
رسالة التنوير التي يعمل عليها الحزب لا تقف عند توضيح الخلل وأنما الإسهام في علاجه . أري أنه لازالت هنالك مساحة لتصحيح المسار، تبدأ بتحقيق العدالة وتسليم المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية وتمليك الشعب نتائج التحقيقات في فض الإعتصام وتعديل أتفاقية سلام جوبا بأشتراك عبدالواحد وعبدالعزيز والبدء في خطوات عملية للتخفيف المعاناة المعيشية للمواطن السوداني.
9 يونيو2021
حامد بشري

hamedbushra6@gmail.com

 

آراء