دعوة للتبرع بالمال لإعادة الكنيسة المحروقة
morizig@hotmail.com
كتب الشيخ العلامة الطيب السراج رحمة الله عليه قائلا : "إلتمس إلىً أحد الأصدقاء المسمى بصالح أفندى بطرس ، أحد مستخدمى المصلحة القضائية بالخرطوم ، أديب من أدباء أهل السودان ، أن أريه فكرى فى قصيدته التى أنشأها حثا على إتمام جامع أمدرمان الذى أخذت الحكومة )المستعمرة ( فى بنائه منذ إثنى عشر سنة ولم يتم بعد ، إهمالا وإغفالا ليس إلا ، فضلا عن عظم ما تبرع به المسلمون من الدراهم "
والشاعر صالح أفندى بطرس هو أحد أبناء الطائفة القبطية المسيحية التى هى جزء أصيل من النسيج الإجتماعى السودانى منذ قيام الدولة السنارية وحتى وقتنا هذا ، وللأقباط مواقف وطنية مشرفة تكشف لنا كيف كان التآزر والتآخى الوطنى بين المسلمين والمسيحيين فى السودان. وها هو شاعرنا يعتبر مسألة إتمام مسجد أمدرمان الكبير قضية وطنية تستوجب الوقوف معها ضد المستعمر اللئيم فقال شاعرنا :
يا مسجدا مطله بنوه بذمة حتى غدا وهو الحسير المعدم
بدأوك جودا بالصنيع وأحجموا ما كان أجدر أن ذاك يتمم؟
بنينا نشيد إذ وقفت كأنك الطلل المحيل عفاه هام المرهم
عريان رأس لا تزال تضج من حر ومن قر لوجهك يلطم
وعليك هامية الرباب مرنَة ومن السوانى الهوج ما هو أقدم
قد لوَحت شمس النهار بحرَها من جانبيك ففى شبابك تهرم ؟!
لا تتقى هذه ولا هذى وهل يوما يشابه حاسرا متعمم؟
لو كنت تنطق بالشكاة لهالهم منك العويل وأنَة لا تكتم
لكنَما أبديت حالك صامتا فرثى الصوامت إذ قسا المتكلم
أنرى المساجد فى القديم تشاد من أبهى الشكول فمذهب ومرخم
فيها من الطرف البديعة معجب مستملح ومن الطراز منمنم
لبست من الذهب الصقيل سقوفها وحوت من الأحجار ما هو أكرم
قد لونت بفسيفساء تزال فى كر العصور بهيجة لا تعتم
ونراك تعجزهم بأن تبنى بآجر وتسقف بالعروق وتردم
أمنارة الدين الجنيف تحية من شاعر لك قد غدا يترحم
إنها قصيدة تهز الوجدان وبالفعل قد هيجت وأبكت شيخ الشعراء وفارس العربية الطيب السراج فرد فى قصيدة طويلة منها قوله :
أخذوا دراهمنا لينوها بها فاستنكفوا من ذلكم وتأثموا
ولقد قضت تشكوا الزمان ثمانيا فيما علمت وأربعا تتجرم
ولقد بكى قبلى فهيج لى البكا حر يسوعى غيور خضرم
هو صالح بن بطرس من جرجس أولى بشكر كالعصوب تنمنم
بكى عليه بمنطق يغرى الأسى بالقلب وهو كميَت لا يألم
فليبكه بنواله ذا ثروة وليمر أخلاف الشئون المعدم
وليبكه بحسامه ذو مرة وليبكه بمداده المتعلم
فلقد قست أكبادنا حتى غدت مثل الصفا لو لا أن الصفا يتحط
ولقد رقدنا رقدة كهفية كادت لها الأرواح من تسأم
إلى قوله :
إن الكرام إذا يرام جنابهم بالهون ثاروا بالصفيح ودمدموا
لله قوم أعملوا من عزمهم نص المطى فأدركوا ما يمَموا
هكذا كان التسامح والإخاء والمحبة فى وطننا السودان فقد بكى مسيحى على مسجد وظلت الكنائس فى تاريخ السودان كله آمنة لا يصيبها أذى حتى خرج علينا خوارج القرن الواحد وعشرين ليحرقوا دور العبادة التى نهوا عنها حتى فى لحظات الحرب. لم يرد فى القرآن الكريم أمر بحرق معابد أهل الكتاب ولا غيرهم. ولم تأمر السنة بحرق معابد أهل الكتاب ولا غيرهم . ولكن من الغريب أن القرآن أمر بمقاطعة المساجد التى تولد فيها الفتن ونهى عن الصلاة فيها والإستماع لخطبائها، أما السنة فقد أمرت بحرق مسجد الضرار الذى كانت تدار فيه المؤامرات وتخرج منه الفتن و القصة مشهورة والآية معروفة محفوظة و لا داعى لذكرها .
ونحن قد تألمنا أشد الألم من هذا التصرف الأرعن الذى لا يسئ لأهل السودان وحسب بل للإمة المحمدية كلها وهى أمة رحمة وتسامح وكرم وإخاء وها هو الإمام على بن أبى طالب يؤكد هذا الفهم منذ قديم الزمان بقوله : "إن الإنسان إما أخوك فى الدين أو الإنسانية" ونحن نضيف لقول الإمام " أو الوطن". ومن هذا المنطلق إن أخوة الوطن والإنسانية تستوجب علينا إعادة تأهيل الكنيسة المحروقة التى يتعبد فيها الإخوة الجنبيون إحقاقا للحق وتبرئة لديننا من هذا الهوس والتصرف الأرعن وحتى تعلم النصارى جميعا أن ديننا يأمر بالعدل والإحسان والسلام والمحبة والحرية المبنية على مبدأ "لكم دينكم ولى دين". ولهذا أدعوا كل الإخوة والأخوات لجمع تبرعات سخية لإعادة هذه الكنيسة لوضعها الذى كانت عليه سابقا ، وهذا هو الحق الذى أراه ولى عليه أدلة بينة وحجج واضحة أكبرها وأقواها قوله تعالى : { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ويقول الإمام الزمخشرى فى تفسيرها : " والمعنى: لا يحملنكم بغضكم للمشركين على أن تتركوا العدل فتعتدوا عليهم بأن تنتصروا منهم وتتشفوا بما في قلوبكم من الضغائن بارتكاب ما لا يحل لكم من مثلة أو قذف أو قتل أولاد أو نساء أو نقض عهد أو ما أشبه ذلك." وقال الإمام القرطبى : "ودلّت الآية أيضاً على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه". وقال إبن كثير فى تفسيرها : "أي: لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل في كل أحد، صديقاً كان أو عدواً. " ويعلق سيَد قطب على الآية قائلا : "وهو تكليف ضخم؛ ولكنه - في صورته هذه - لا يعنت النفس البشرية، ولا يحملها فوق طاقتها. فهو يعترف لها بأن من حقها أن تغضب، ومن حقها أن تكره. ولكن ليس من حقها أن تعتدي في فورة الغضب ودفعة الشنآن.. ثم يجعل تعاون الأمة المؤمنة في البر والتقوى؛ لا في الإثم والعدوان؛ ويخوفها عقاب الله، ويأمرها بتقواه، لتستعين بهذه المشاعر على الكبت والضبط، وعلى التسامي والتسامح، تقوى لله، وطلباً لرضاه."
وعلى هذا وغيره مما لم نورد لضيق المجال نفتح باب التسامح والتسامى والتكاتف الوطنى واسعا علنا نخمد هذه الفتنة الرعناء التى لا محالة ستحرق الأخضر واليابس عاجلا أم آجلا ولا أحد مكلف بإخمادها غيرنا فهل أنتم فاعلون؟