دولة جنوب السودان : الجهود تتواصل ولا مجيب!
يبدو أن المجتمع الدولي قد ضاق ذرعاً بمماطلة أطراف الصراع في دولة جنوب السودان، في تنفيذ الاتفاق الذي وقّعوا عليه، والتزموا بمقتضاه بالوصول إلى حل سلمي للصراع، الذي دخل الآن سنته الخامسة، والذي أدى إلى ما يشبه الانهيار الكامل للدولة، وزاد من احتمالات مجاعة تلحق بأغلبية السكان، واقترب بالحكومة من مرحلة إعلان إفلاسها، ورغم ذلك كله فإن المماطلة وعرقلة جهود السلام مستمرة دون توقف.
لقد عبّر المجتمع الدولي - ممثلاً في مجلس الأمن والدول الكبرى الصديقة لدولة جنوب السودان، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية - والقوى الإقليمية - ممثلة في الاتحاد الإفريقي ومنظمة «الإيقاد»، ومجموعة دول شرق إفريقيا -، عبّروا جميعاً عن خيبة أملهم، وعن تصميمهم على اتخاذ خطوات جادة، وفرض عقوبات على جميع الأطراف، وعلى الأفراد والجماعات التي تعرقل تنفيذ اتفاق السلام، واتخذت جميع هذه الجهات قرارات تعكس استعدادها لممارسة مزيد من الضغوط، على أمل حمل المعارضة والحكومة في دولة جنوب السودان على اتخاذ مواقف إيجابية خلال جولة المفاوضات المقرر عقدها نهايات شهر أبريل المقبل، تسهم في توطيد أركان السلام، وتنفيذ بنود الاتفاقية التي وقّعوا عليها، ولم يلتزموا بها.
لقد كان الخبر الأهم الأسبوع الماضي، هو إلغاء منظمة «الإيقاد» - المكلفة من الاتحاد الإفريقي بمتابعة قضية سلام جنوب السودان - إلغاؤها القرار الصادر عام 2015م بتحديد إقامة دكتور ريك مشار في دولة جنوب إفريقيا، وقد ظل الرجل خلال العامين الماضيين قيد الإقامة الجبرية، ونص القرار الآن على إلغاء الإقامة الجبرية، والسماح له بالإقامة في أي بلد يختاره خارج منطقة شرق إفريقيا، على ألا يكون لذلك البلد حدود مع دولة جنوب السودان، وشريطة أن يعلن د. مشار ومنظمته، نبذهم لأعمال العنف والتزامهم بالعمل من أجل السلام،
وأعلنت منظمة مشار أنها تدرس قرار «الإيقاد»، وستحدد موقفها منه، على أن المراقبين رأوا أن هذه بادرة لضمان مشاركة فاعلة من المعارضة في الجولة المقبلة من محادثات السلام.
وفي الوقت نفسه، الذي ألغي فيه قرار تحديد إقامة د. مشار، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس ترمب أصدر إعلاناً، مدد بموجبه «حالة الطوارئ القومية» بالنسبة للوضع في جنوب السودان، الذي أصدره البيت الأبيض قبل 4 أعوام في الثالث من أبريل، وظل يجدد كل عام، وهذا التجديد يسري من الثالث من أبريل المقبل، وحتى أبريل عام 2019م، وقال البيان، إن ما يدور في جنوب السودان يهدد الأمن والسلام والاستقرار في جنوب السودان والمنطقة بأسرها، ويحدث أعمال عنف وفظائع وانتهاكات لحقوق الإنسان، وتجنيد للأطفال كجنود، وشنّ الهجمات على قوات حفظ السلام وعمال العون الإنساني،
ولهذا السبب فإن الوضع في جنوب السودان «يشكل خطراً غير عادي على الأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية، لذلك نجدد حالة الطوارئ القومية لمدة عام آخر»،
وفي الوقت نفسه، فرضت وزارة التجارة الأميركية قيوداً على تحركات 15 شركة تعمل في مجال النفط في جنوب السودان، وتتهمها أميركا بتمويل الحرب الأهلية، وبالتزامن مع التحرك الأميركي، تهدد منظمة «الإيقاد» بفرض عقوبات على كل من يعرقل جهود السلام في دولة جنوب السودان، وأشارت تحديداً إلى ما قامت به حكومة الجنوب من انتهاك صارخ لاتفاقية وقف إطلاق النار بالهجوم على مدينة الناصر، ووعدت بأن تحيل أمر هذه العقوبات إلى الاتحاد الإفريقي، وتحرك مجلس الأمن أيضاً، فأعلن قراره بتمديد تفويض لجنة التحقيق في الجرائم المرتكبة في جنوب السودان في إطار الحرب الأهلية لمدة عام آخر، كما جدد فترة إقامة بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، مع تكليفها برصد أية انتهاكات تحدث.
هذه الضغوط التي بدأت الآن، نتوقع لها أن تتصاعد وتتزايد حدة، وتمارس ضد كل أطراف الصراع، على أمل أن تنجح هذه الضغوط المتصاعدة في إحداث اختراق في جولة المحادثات المقبلة، المقرر أن تبدأ في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في الثالث والعشرين من أبريل، وتتواصل حتى السادس والعشرين منه،
لكن المراقبين استناداً إلى خبرة السنوات،
يشككون في إمكانية أن تستجيب أطراف الصراع لهذه الضغوط،
فهم لن يترددوا في التوقيع على الاتفاقات التي لا ينوون تنفيذها !!