دولة جنوب السودان والضغوط الأميركية
عندما أُعلن هذا الأسبوع عن زيارة مرتقبة يقوم بها رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير للخرطوم، كانت هذه هي المرة الخامسة التي يُعلن فيها عن هذه الزيارة، ثم في كل الحالات السابقة يُعلن عن إلغائها أو تأجيلها بحجة انشغاله في قضايا أخرى.
لكن الوضع هذه المرة مختلف تماماً، إذ إن الرئيس سلفاكير يواجه تحديات حقيقية وخطيرة؛ فلأول مرة نادت منابر إعلامية مؤثرة مثل الـ «واشنطن بوست» و»فوكس نيوز» بإبعاده وإبعاد كل القادة الجنوبيين الذين تسببوا في الأزمة، ودعم قيادات جديدة تقود هذه الدولة الوليدة إلى بر السلام.
وتأتي هذه الحملة في وقت بدأ الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب أولى خطواته في القارة الإفريقية، حينما طلب من سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة السيدة نيكي هيلي أن تزور كلاً من جوبا وكنشاسا، وتجري تقييماً للأوضاع في كلا البلدين، وأن تدير حواراً معهما حول ما يمكن عمله لإيقاف الحرب وتوصيل المعونات الإنسانية. وعند إعلانها عن المهمة التي كُلّفت بها، رسمت السفيرة الأميركية صورة قاتمة عن الأوضاع في هذين البلدين، وتحدثت عن تصميم الولايات المتحدة على تحقيق الاستقرار فيهما.
لكن كل من الـ «واشنطن بوست» و«فوكس نيوز» كان رأيهما أن الحرب التي تدور في البلدين هي من صنع حكام البلدين، وأن ثمة عصابات إجرامية تفرض نفوذها، وتضع يدها على موارد تلك البلاد المادية، وتهرّبها خارج إفريقيا إلى حسابات سرية في ملاذات آمنة، وأن الذين تسببوا في الحرب ليسوا هم الذين يصنعون السلام، وأن كلا البلدين في حاجة إلى قيادات جديدة قادرة على أن تحدث بدايات جديدة تتجاوز الصراعات الحالية.
الصورة التي رسمتها «فوكس نيوز» كانت بالغة القتامة، وكان الغرض منها إحداث صدمة للسفيرة الأميركية التي كان من المقرر وصولها جوبا يوم الأربعاء لإجراء محادثات مهمة مع المسؤولين الأميركيين. وإذا ما وقّت الرئيس سلفاكير زيارته للخرطوم في الموعد المتوقع نفسه لوصول السفيرة الأميركية، فربما كان ذلك دليلاً على أنه يريد أن يرسل رسالة سالبة للولايات المتحدة، وعلى الهجوم السافر الذي يشنه الإعلام الأميركي عليه.
أميركا - من جانبها - تعتبر نفسها هي عرّاب دولة جنوب السودان، وهي القوة العظمى التي دعمت انفصال الجنوب عن الشمال، وحرصت عليه، وضغطت على السودان لإنجاز الاستفتاء في موعده، وقيام دولة الجنوب الوليدة، وبشّرت العالم بأن تلك الدولة ستكون واجهة للديمقراطية في القارة الإفريقية. لكن دولة الجنوب خيّبت أملها، وقدّمت نموذجاً للدولة الفاشلة التي يتم فيها القتل على الهوية، ويتصاعد فيها الصراع القبلي إلى حد غير مسبوق، وتفشل كل المحاولات للخروج من مستنقع الحرب وتحقيق شيء من الاستقرار.
وإذا لم تتدارك القيادات الجنوبية الموقف، وتنحو نحو السلام، وتعطي فرصة حقيقية لتنفيذ اتفاق السلام الأخير، فإن الأسابيع القليلة القادمة مرشحة لأن تشهد المزيد من حملات الهجوم على القيادات الحالية، وتحميلها المسؤولية كافة عن الأوضاع في دولة جنوب السودان - وربما كان مشروع تنشيط عملية السلام الذي تطرحه منظمة الايقاد حالياً هو الفرصة الأخيرة لإنقاذ الوضع في الجنوب -
فهل تتجاوب القيادات الجنوبية مع هذا المشروع؟