دونالد ترامب … ثقافة التسلية إذ تتوحش
aloomar@gmail.com
مع كل تقدم يحرزه دونالد ترامب المرشح الجمهوري في الإنتخابات الأميركية التمهيدية يراهن كثيرون على نهاية حتمية للرجل في المرحلة التالية . غير أن هذا التوقع المرتجى لما يأت بعد.علىى نقيض ذلك ظل المليونير المكابر يحقق في كل جولة نتائج خارج التقدير والمأمول. هنا تغلب الرغائب على الوقائع. حصاد ترامب لا يضعه في صدارة المتنافسين الجمهوريين فقط بل ربما يقربه الى البيت الأبيض إذا ما حافظ على إيقاعه في المرحلة التمهيدية . هذا الإيقاع أسبغ على المعركة الإنتخابية إثارة مشوبة بالقلق على نحو غير معهود في التاريخ الأميركي المعاصر.
دونالد ترامب رجل مثير للجدل. هو يأتي الى مضمار السباق الرئاسي من خارج الميدان السياسي التقليدي.هو يخوض المعركة من خارج مسارالحزب الجمهوري وماكينته. المليونير العجوز جاء متأبطاً ملفا بغيضاً ممعناً في الإنعزالية والكراهية ما ساهم في تصعيد عاصفة الإثارة والجدل حول الرجل وسط الجمهوريين وخارجهم.كذلك أخذ القلق يتصاعدعلى الصعيد الأميركي والعالمي فيما إذا نجح ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض.
طروحات المليونير تصادم مبادئ الديمقراطية البسيطة وتنتهك قيم المجتمع الحديث وتشوه صورة أميركا القائدة. هكذا يبدو دونالد ترامب أكثر قبحاً من أي صورة متخيلة للأميركي القبيح . المرشح الجمهوري المتفوق يؤكد في كل خطاباته على إغلاق بوابات أميركا في وجوه المسلمين كافة من منطلق تصنيفهم إرهابيين. هويشدد كذلك في كل بياناته على بناء جدار فاصل على إمتداد الحدود المشتركة مع المكسيك إذ يدمغ جميع بناتها وأبنائها بالإجرام والإغتصاب.
دونالد ترامب لم يأت من المجهول. الرجل مليونير ذائع الصيت. هوإسم لامع في قطاع العقار والفندقة وكرنفالات مسابقات الفتيات الرشيقات وبرامج الواقع التلفزيونية.هو قادم من بيئة جمهورية .هو إحدى تجليات التطرف داخل الحزب الجمهوري. إبان عقد التسعينيات إنفلت عقال المحافظين الجمهوريين على نحو أحدث ضرراً بليغاً في توجهات التسامح وحقوق الأقليات والمرأة .التيار المحافظ المتطرف مضى بعيداً كذلك في سياساته الخارجية غبر آبه بالعلاقات الأميركية والتوازنات التقليدية مع الخارج . المسألة العنصرية وهي قضية أميركية حاضرة أبداًغير أنها ظلت خارج إهتمام اليمين الحجمهوري أو لنقل إنه لم يولها ماهي جديرة به من العناية .لهذا ظلت إثنيات الأقليات الأميركية تشكل مستودعاً أقرب للديمقراطيين
الى هذا العمق السياسي ينتمي دونالد ترامب فجنوحه ليس إستثناءً. الحزب الجمهوري تفسه تغرض إلى هزات فلم يعد مؤسسة متماسكة بل أصبح كتلاً متناحرة أشبه الى حال الصومال وفق رؤية روبرت ريتشي وهو وزير سابق للعمل. هو يقول مامن قاسم يجمع بين هذه المجموعات المتجزئة سوى العداء المشترك للديمقراطيين ؛ اوباما وكلينتون.ريتشي يعزو تشرزم الجمهوريين الى غياب القائد المحوري . الوزير يذهب في بكائيته على الحزب حد التحذير من موته الوشيك.
من أتون هذا الوهن جاء ترامب غير أن السؤال الأكثر إلحاحاً يتمحور حول القاعدة الشعبية التي تدفع المليونير المتطرف إلى واجهة المتنافسين الرئاسيين. هوسؤال يقلق رجال السياسة أكثر مما يشغل بال مراكز البحث .لذلك نهض اوباما محذراً من حمل دونالد ترامب الى البيت الأبيض .الرئيس الديمقراطي المتأهب للرحيل يحرِض الناخبين من مغبة فوز ترامب مرتكزاً على أن مؤهلات المليونير أدنى من شروط الرئيس.
مالا يدركه رجال السياسة أن ترامب يخوض المعركة متسلحاً بثقافة النجومية المتفشية في معظم أنحاء العالم بما في ذلك ألولايات المتحدة بصفة خاصة.هناك تتفشى الأمية المعرفية إذ يستقي أبناء الطبقات الدنيا وقطاع واسع من الطبقة الوسطى المعلومات من الحوارات على الشاشات البلورية وعبر الأتير . هؤلاء لايحركهم وعيهم المكتسب من المنظومة التعليمية فهي أخفقت في تثقيفهم.هم يعتمدون الى حد بعيد على الحوارات والبرامج التلفزيونية والإذاعية في تحديد خياراتهم الحياتية. هذه المصادر الثقافية الحديثة أفرزت نجوما باتوا يتمتعون بخصائص إفتراس الآخرين وليس فقط استمالتهم أوتحريضهم أو تجييشهم بدون إمتلاكهم هم أنفسهم الثقافة المؤهلة لذلك الدور.
إنتشار هذه الثقافة الأمية جعلت فرانك شايفر – وهو ناشط يمينى محافظ بالميلاد والتنشئة – ضمن آخرين يحذرون من مغبة استشراء تلك الثقافة وخطرها على المجتمع.نيل بوستمان ذهب على الطريق نفسه في كتابه الموسوم - اميوزينغ أور سلفس تو دث- كلا الرجلين يتحدثان عن أخطار تفشي ثقافة الأمية الإعلامية المبنية على التسطيح والمفرطة في الإبتذال والديموغاغية حد التوحش. هذه التقافة افرزت نجوميتها المضخمة مثلما صنعت قاعدتها الواسعة المنفلتة ؛ تقافة التسلية الخوية من المضامين الفكرية المشبعة بالإبهار . دونالد ترامب لايمثل فقط هذه الثقافة أويشكل أحد رموزها بل هو وقاعدته الناخبة يجسدانها في أكثر تجلياتها حين تتوحش .