حُظِيْتُ بالمُشاركة في برنامج "مصر النهاردة"، للإعلامي مُحمَّد ناصر على قناة مُكمَّلين يوم 5 أبريل 2021، ومن ضمن المُشاركين معنا أحد القانونيين الإثيوبيين، وكان يتحدَّث بصلفٍ لافت. فحاول الأستاذ ناصر تلطيف الأجواء، ومعرفة وجهة نظر (الإثيوبيين العاديين) بشأن السد، ومدى تعاطفهم مع (المُتضررين) منه، فسأل الضيف الإثيوبي نصاً: أنت كـ(مواطن إثيوبي)، ما رأيك في تضمين بند لاتفاقيَّة سد النَّهضة يُوثِّق لـ(مسئولِيَّة) إثيوبيا عن أي ضرر يترتَّب على سد النهضة و(التزامها) بتعويض المُتضرِّرين منه؟! الضيف الإثيوبي راوغ ولم يُجِب عن السؤال، وأيَّدَ حكومته وأصرَّ على استكمال سد النَّهضة، دون مُراعاةٍ للسُّودان (المُتضرِّر الأكبر)، بينما يحيا السُّودانِيُّون في غفلةٍ مُميتة، عن مخاطر هذا السَد وتهديداته الكارثِيَّة لبلادنا، سواء على الصعيد السياسيِّ/السياديّ والأمنِي – الاستراتيجي، أو الاقتصادِي والاجتماعي والبيئي، وذلك بفعل (التضليل) السَّابق، للبشير وعصابته وإعلامهم المأجور وبعض كُتَّاب الغَفلة، ومن بعدهم الحُكَّام الحاليين (عَسْكَر/مدنيين)، الذين صنعوا فوائد خُرافِيَّة للسد واختزلوا إشكالِيَّاته في الملء والإدارة والتشغيل، وصرفوا الأنظار عمداً عن كوارثه الحقيقيَّة، كتهديد وجود السُّودان وأمنه المائي، وعدم (التزام) إثيوبيا بالتعويض عن الأضرار، أو وجود آلية واضحة و(مُوثَّقة) لحل المُنازعات، مع السماح لإثيوبيا بالاستمرار في البناء والتشييد والملء، وهذا كله بسبب اختلالات اتفاقِيَّة السد المُوقَّعة في 23 مارس 2015، التي يستند إليها الإثيوبيُّون في جميع تجاوُزاتهم، كإهمال الإثيوبيّين لدعوة الاتحاد الأفريقي بعَقْدِ اتفاقٍ (مُلْزِمٍ) لملءِ وتشغيلِ سَدِّ النَّهضة، ثم إعلانهم (الأحادي) بإنجاز العام الأوَّل للملء يوم 21 يوليو 2020، و(ادِّعائهم) بامتلاك النِّيل الأزرق وعزمهم بناء المزيد من السدود، وغيرها من التجاوُزات. أخطر مافي الموضوع، أنَّ حُكَّام السُّودان عموماً، وحمدوك ومُسْتَوْزِر الرَّي خصوصاً، لا يتحدَّثون أبداً عن بشأن سلامة السد ونِسَب/احتمالات انهياره، أو التدابير والإجراءات التي اتَّخذوها أو سيتَّخذونها إذا حدثت هذه الكارثة، و(هذا احتمال وارد ولو بنسبة قليلة)، ولكنهم اكتفوا بـ(الانكسار) للإثيوبيين، و(تضليل) الشعب، وصَرْف الأنظاره بتمثيلياتٍ (هايفة)، لم ولن تحمي بلادنا من مخاطر السَدِّ الكارِثِيَّة. ولنتأمَّل تصريحات مُسْتَوْزِر الطاقة في 11 يوليو 2020 (بحضور مُسْتَوْزِر الرَّي)، عن فوائد سد النَّهضة الكبيرة للسُّودان، وتأكيده على (توقيع) اتِّفاقِيَّتين إحداهما مع إثيوبيا لتوفير 3000 ميقاوات كهرباء، والثانية اتِّفاقِيَّة إقليميَّة تضم خمس دول، يحصل بمُوجبها السُّودان على 1000 ميقاواط، دون توضيح ما إذا كانت الكهرباء (مَجَّانِيَّة/إكراميَّة) مُقابل مُوافقتنا على السد، أم بأسعارٍ تفضيليَّة! ولماذا (صَمَتَ) مُسْتَوْزِر الرَّي ولم يُعلن ذلك أو على الأقل يُؤكِّده؟ كما لم يُوضِّح متى وأين تمَّ توقيع تلك الاتِّفاقِيَّات (الثُنائِيَّة/الإقليميَّة)، ولماذا وُقِّعَت (سرِّيَّاً) ومن رُعَاتها وشهودها الدوليين/الإقليميين، وأين الاتِّحاد الأفريقي وخُبرائه ومُراقبيه من تلك الاتفاقيات؟! إنَّ أي حديث عن سد النَّهضة، ينبغي أن ينطلق من محورين، أوَّلهما المحور الفني وتُمثله الدراسات خاصَّة عن (آثاره) على السُّودان في كافة الأصعدة. والمحور الثاني هو القانوني، وتُمثِّله حتَّى الآن الاتفاقيَّة الإطاريَّة المُوقَّعة عام 2015. والواقع، أنَّ جميع الآراء الواردة بشأن (فوائد) السَّد وسلامته، مُجرَّد (أقاويل) دون أي أساس علمي رصين، أو سند قانوني واضح و(مُوثَّق)، حيث اتَّسَمَت جميع بنود الاتفاقيَّة الرسميَّة الوحيدة المُعَلَنة بـ(الضبابيَّة)، وخَلَت تماماً من أي نُصوص (تُلْزِم) إثيوبيا، أو تُؤكِّد مسئوليتها، عن تأمين وسلامة السد والتعويض عن مخاطره، أو حجم الكهرباء وأسعارها وغيرها من المُتطلَّبات، ولا تُوجد آلية واضحة لحل النزاعات ولا الوساطات المُتعلِّقة بها، بما يُفسِّر (تَعنُّت) إثيوبيا الماثل! كما لم تُجْرَ دراسات (مُخصَّصة) لآثار وانعكاسات السد، خاصَّةً البيئيَّة والاجتماعيَّة والاجتماعِيَّة على (السُّودان)، ورُبَّما أُجْرِيَت وتمَّ (إخفاؤُها). والمُفاوضات السَّابقة والجارية الآن أو حتَّى المُستقبليَّة، غير مُجدية إطلاقاً بالنسبة للسُّودان، لأنَّها لا تتطرَّق لتهديدات السد الحقيقيَّة علينا، وهذا كلَّه بسبب حُكَّام السُّودان (عَسْكَر/مدنيين)! لقد تَجَرَّأ حمدوك وخاطب مجلس الأمن الدَّوْليّ وجَعله (وَصياً) على السُّودان، لكنه (تَقَاعَسِ) عمداً عن مُخاطبته لإنهاء الاحتلالين الإثيوبي والمصري لأراضينا، ويتعامل بـ(استهتارٍ/عَمَالةٍ) مع المخاطر السِياديَّة/الوَجَودِيَّة لسدِّ النَّهضة، ويتغافل (هو والعَسْكَر) عن الحل النَّاجع/الفَعَّال والآمن لحسم هذا الموضوع، والمُتمثِّل في المُطالبة بإقليم بني شنقول المُقام عليه السد، وهو إقليمٌ سُودانيٌ (آلت إدارته) لإثيوبيا بمُوجب اتفاقِيَّة 1902. وباسترجاع هذا الإقليم نُعالج الخطأ التاريخي، ونُنقذ أهلنا من الصَلَف والقمع الإثيوبي، ونحَسم تهديدات سد النهضة نهائياً، خاصَّةً عقب إقرار إثيوبيا (المُتكرِّر) بعدم الاعتراف بالاتفاقيات السَّابقة، ومن ضمنها اتفاقِيَّة 1902. ويُمكننا إشراك بريطانيا كشاهد إثبات، وفق ما حدث في مُنازعاتٍ العديد من الدول التي كانت مُسْتَعْمَرَة، ومجلس الأمن سيكون مُلزماً بالبت في هذه الشكوى لو قُدِّمت رسمياً. وعلينا نحن السُّودانِيُّون كـ(ضحايا حصريين) لهذا السد، تصعيد وتكثيف الضغط على (العَسْكَر/المدنيين) لتقديم الشكوى أعلاه، وبالتوازي مع هذا، أُجَدِّد دعوتي السابقة للقانونيين، لإعداد مُذكِّرات قانونيَّة دوليَّة/إقليميَّة رصينة، أُسوةً بالكيانات الإثيوبيَّة التي قَدَّمت مُذكِّرة لأمين الأُمم المُتَّحدة منذ سنوات، رافضين الخروج من أراضينا التي أحتلُّوها عُنوةً، وأجبروا رئيس الوُزراء السابق (ديسالين) على الالتزام/التعهُّد أمام برلمانه، بعدم اتخاذ أي خطوة بشأن الحدود إلا بالرجوع للشعب (تجدون أدناه روابط العريضة الإثيوبيَّة+تفسيرات ديسالين للبرلمان والإعلام)! إنَّنا أمام خطر (وُجودي) حقيقي، يُحتِّم علينا المُبادرة، والتعامل بالعقل والقانون بعيداً عن العواطف، ومُتابعة كافَّة التفاصيل ودراسة أي اتِّفاقِيَّة جديدة قبل توقيعها باسمنا، وعدم الوثوق في حُكَّامنا وأزلامهم الذين أغرقونا في الأكاذيب، وضَلَّلونا وما يزالون. ولنعلم بأنَّنا الضحايا الحصريُّون لهذا السد، وأنَّنا المعنيُّون بحماية أنفسنا وهذه فرصتنا الأخيرة وعلينا انتهازها، والابتعاد عن المأجورين والمُتخاذلين، وتجاوز أكذوبة العلاقات الشعبيَّة وغيرها من التُرهَات، فالسيادة الوطنيَّة ومُستقبل أولادنا وسلامتهم، تَسْبِق العلاقات الشعبيَّة التي يجب أن تستند على (الاحترام) المُتبادل و(المنافع) المُشتركة.