د. أحمد العربي، ملون ونحّات سوداني مميّز

https://www.facebook.com/shppal/
بالأعلي عنوان صفحته في الفيسبوك . احمد العربي مقيم في ليفربول بالمملكة المتحدة
في هذه الإضاءة سأتكلم عن سلسة من أعمال التلوين أسماها أحمد العربي و للماء شئون.
عدد الأعمال تحت هذا العنوان ثمانية. سأتكلم عنها إجمالا لأنني علي حسب ما ازعم وجدت روابط بينها.
ألوان الماءعلي الورق من أصعب المواد من حيث المعالجة، لا يقدر عليها إلا أهل القدرات العالية في ضبط إيقاعات الألوان و سرد حكايات تجاورها و معالجتها علي الورق لتكون في النهاية عملاً فنيا جاذبا للمشاهد، عمل محتشد بالإيحاءات المختلفة.
الرابط الأول بين الأعمال الثمانية أنها جميعاً تقع في أنواع أعمال التلوين التجريدي و التعبيري و الإنطباعي و الواقعي
الأعمال الإنطباعية يتم رسمها آنياً دون الإعتماد علي مخططات أو صور فتوغرافية يتم تجهيزها في الأستوديو. أما الأعمال التجريدية تعتمد علي الأشكال و الأجسام او حتي المناظر الطبيعة حيث يتم تبسيطها و الإكتفاء بما يشير إليها من النظرة الأولي . أما الأعمال الواقعية فهي معالجات لما نراه في حياتنا العادية من أشكال و أجسام يتم رسمها بطريقة طبيعية. و الرسم التعبيري يستكشف علاقات الأنساق و الأشكال و الألوان بطريقة تجريدية.
لقد إستخدم أحمد العربي جميع هذه الطرائق التي تشكّل أي واحدة منها مدرسة كاملة في الفنون البصرية.
الرابط الثاني في الدرجات اللونية المستخدمة. عند النظر لهذه الأعمال تكتشف مباشرة أن الألوان المستخدمة في التعبير متقاربة من حيث الطبيعة أو درجة اللون.
سأركز علي العناصر الرابطة بين الأعمال من حيث طرق التعبير البصري و الظلال اللونية، مستخدما النماذج المرفقة.
إلتقيت احمد العربي في سلطنة عُمان. كان لي شرف التجهيز معه لمعرضه في دار الجالية السودانية. و نظمنا معارض شبيهة للفانين أصدقائي الراحلين سيف لعوتة و الباقر موسي عليهما رحمة الله. بدار الجالية في مسقط الجميلة. و فتحنا حوارات خلال أيام منتذي الأربعاء عن التذوق الفني و الفنون البصرية في السودان. كان ذلك في بداية الألفية الثانية ربما أيام كان الأستاذ الزاكي عبد الحميد سكرتيرا ثقافيا لمكتب الجالية التنفيذي. زرت احمد العربي في مكان عمله في وزارة الثقافة و التراث القومي بمدينة دبي. عمل أحمد هناك كنحّات و كان من أهم إسهاماته العلمية توظيف البعد الرابع علي النحت و المقصود إضافة الأصوات و الروائح و الأجواء للعمل التشكيلي عند عرض المنحوتات مما يعمق فكرة مشاهدتها و يربطها بحواس نشطة كالشم و السمع. أظن أن احمد العربي هو أول فنّان سوداني يستخدم موضوع البعد الرابع في النحت. أنجز احمد العربي علي الصعيد الأكاديمي درجة الماجستير و الدكتوراة في النحت و كانت إبحاثه عن توظيف القوالب في النحت و ذلك لتوسيع دائرة الإنتاج في المنحوتات. هذا أيضا يشبه احمد العربي الذي يبحث باستمرار عن زيادة عدد المتابعين و المهتمين بالنحت.
فلنعد لشؤون الماء. من ناحية الظلال اللونية المستخدمة في النماذج أدناه فهي البُنّي الفاتح بإشارته العميقة للصخر و الرمل و لون البشرة السودانية في نواحي ضفاف النهر و غيرها. بالإضافة إلي الأزرق غير البرّاق و الهاديء و ما يحمله من دلالات تتعلق بالماء و السماء. و درجات من الأخضر المنطفيء الذي يشبه خضرة الأشجار المظلية في السافنا الفقيرة. هنالك أيضا أخضر عميق يشبه خضرة الأشجار قريبا من النهر و في الأودية حيث الرواء. الألوان سودانية بالكامل و مرتبطة بالبيئة. هذه الدرجة من محبة الوطن في ترابه و شجره و سمائه و مائه ليست غريبة علي فنان مرهف و رقيق كأحمد العربي.
أما الرباط المتعلق بالأسلوب التعبيري في التلوين فيتضح في تغييب ملامح الشجر و النهر و الرمل و الحجارة في التلة او غيرها و تموهيها من أجل إيصال رسالة اللون البصرية و مجموع المشاعر المستهدفة. هذا الأسلوب تعبيري بإمتيازو تجريدي في نفس الوقت. هذه الطرائق فيما يبدو مرتبطة بالنحّات المعتاد علي الحزم في التعبير الفراغي عن الأجسام عندما يلون. الوقعية في هذه الرسومات تظهر بجلاء في اللوحة التي أظهرت إثنان من الخيول في حالة حركة. و ظهرت أيضا في رسم و تلوين الأشجار. هذه الأعمال تم رسمها بالفرشاة علي الورق دون تخطيط بتجهيزت مخططات او درسات بالرصاص قبل التلوين و لم يتم رسمها بالإستعانة بالصور الفتوغرافية و هذا ما يجعلها أعمال إنطاعية أيضا.
بالنظر إلي هذه الإعمال تجد أحساسًا بأن احمد العربي أراد أن يجعل في العمل الواحد حزمة من طرائق الرسم و هذا من الأمور المهمة لأنها علي الأقل يمكن أن توفر لمهتمٍ ما فرصة للتذوق فيها قدر عالٍ جدا من الحرية و فرصة لتناول موضوع جمالي عام مرتبط بتصنيف الأعمال أو ما يصفه الرسامون و النقاد بمدارس التلوين.
في واحدة من الأعمال طائرات ورقية. عُرِف عن احمد العربي بمحبته للطيور كمنحوتات يجتهد احمد العربي في تسجيل حركاتها في منحوتات فيها تجريد خفي و واقعية باذخة. الطائرة الورقة في الأعمال تم توظيفها في رسمين و هي إشارة لفكرة التحليق و ما يرتبط بها من تسامي و مشروع الطيران نفسه و ما يشمله من بحث عن الحرية و نوع من الإستمتاع بها.
أعمال احمد العربي في مجموعة شؤون أعمال مهمة جدا من النواحي الجمالية و الأكاديمية. أدعوكم جميعا للإستمتاع بها

طه جعفر الخليفة
اونتاريو- كندا
23 مارس 2024م

taha.e.taha@gmail.com