د. الطيب زين العابدين: الحركة الإسلامية اتفرتقت
7 September, 2009
لهذا السبب لم يوقع علي عثمان على مذكرة العشرة
انقلاب الإنقاذ اشترك فيه حوالى ( 1000) مدني من كوادر الجبهة الاسلامية والعسكريين كانوا ذراعاً للتنفيذ فقط
أنا شخصياً لم أسمع بالبشير داخل الحركة الإسلامية إلا بعد الانقلاب
الحركة الإسلامية تنازلت عن افكارها حتى في تنفيذ التعاليم الإسلامية فالمعارضون عُذّبوا وفصلوا من أعمالهم بالشبهات فقط
الفساد الذي ظهر بسبب نظرية "أموال السلطة هي أموالك"
حاوره: خالد أحمد
ارتبط شهر رمضان بالعديد من الاحداث التاريخية المهمة، فهذا الشهر شهد أولى الغزوات ( بدر الكبرى) وشهد كبرى الأحداث (فتح مكة)، أما على الصعيد السياسي فإن ابرز تلك الاحداث كانت حرب اكتوبر 1973م التي عرفت بحرب العاشر من رمضان. وهنا في السودان ارتبط رمضان بأهم الأحداث السياسية التي جرت في أواخر القرن العشرين بتمهيده لإنقسام الحركة الإسلامية في السودان عقب قرارات رئيس الجمهورية في الرابع من رمضان بحل المجلس الوطني وما تبع ذلك من احداث وتداعيات قضت بإنقسام الحركة الإسلامية.
(السوداني) جلست إلى القيادي الإسلامي واستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم الدكتور الطيب زين العابدين للنظر والتأمل في مآل وراهن الحركة الإسلامية ورؤيته لمسببات الخلافات ونتائجها ومستقبلها. فإلي مضابط الحوار.
* د. الطيب زين العابيدن حدثنا عن المقدمات والبدايات التي أدت لوقوع المفاصلة بين الإسلاميين في السودان؟
منذ قيام الإنقاذ ووقوع انقلابها في الثلاثين من يونيو 1989م كان الأمر الواضح أن الأمر من تدبير الجبهة الإسلامية القومية والعسكريين الذين نفذوا التحرك كانوا اعضاءها. وبدأ الحديث عن التحضير للانقلاب قبل (6) اشهر من وقوعه، والعسكريون كانو جاهزين للانقلاب ولكن هذا الانقلاب كان فيه بعض الاختلاف عن الانقلابات السابقة بالسودان فالعسكريون منفذون وهم من يستولون على السلطة ويمكنهم بعدها التحالف مع الاحزاب مثلما حدث في انقلاب مايو 1969م حينما تحالف الرئيس نميري مع القوميين العرب والحزب الشيوعي ولكن في نهاية الامر كانت السلطة في ايدي اولئك العسكريين، ولكن في انقلاب الانقاذ في يونيو 1989 كان الوضع مختلفاً فالسلطة كانت عملياً لدى المدنيين الذين لم يظهروا في واجهة السلطة والمتمثلة في قيادة الجبهة الإسلامية وأمينها العام د. حسن الترابي، كما أن الانقلاب قامت به الجبهة الإسلامية من الألف إلى الياء والعسكريون كانوا ذراعاً للتنفيذ فقط، واشترك فيه مجموعة كبيرة من المدنيين يقدر عددها بحوالي الف من كوادر الجبهة الإسلامية.
وحتى عام 1997م ومن ناحية عملية كانت السلطة لدى قيادة الجبهة الإسلامية وليس عند العسكريين، إلا أن هذا الوضع تغير بعد مرور عدد من السنوات التي مارس فيها العسكريون السلطة وبعضهم احب ذلك رغماً عن ادائهم للبيعة على السمع والطاعة التي تلزمهم بإطاعة الاوامر والموجهات التي تصدر لهم من قيادة الحركة الإسلامية، ورغم ذلك حدث نوع من الممانعة في الاستجابة للقرارات الصادرة من القيادة المدنية، وربما ما ساعد على ذلك هو وجود خلاف بالقيادة المدنية نفسها نظراً لإتسام قيادة الترابي بشئ من الجرأة وحرصه على لعب السودان لدور إقليمي ودولي، فمثلاً أعلن تأييده للعراق في احتلال الكويت كان الهدف منه لعب السودان لدور كبير، وهذا الموقف كان مختلَفاً عليه داخل الحركة الإسلامية. كما ظهر ايضاً قبل صدور دستور 1998م اختلاف حول مديات الحريات وعقد اجتماع مطول حول محتويات الدستور ووضعية المؤتمر الوطني هل يستمر الحزب الواحد ووقتها كان الترابي هو الامين العام للحزب وكان من المقرر أن يستقيل من رئاسة البرلمان ويتفرغ لقيادة الحزب، لكن القضية الاساسية التي اخذت اكبر قدر من النقاش كانت حول عودة التعددية السياسية أم لا، والعسكريون كانوا اغلبهم ضد اتجاه عودة التعددية السياسية باستثناء محمد الأمين خليفة.
* ولماذا تعتقد أن محمد الامين خليفة اختار هذا الموقف دون بقية زملائه؟
لا اعرف لماذا؟، ولكن ربما يعود الأمر لقربه من الترابي وتبني الاخير لموقف التعددية، ولكن اغلب المدنيين كانوا مع القبول مع التعددية السياسية حتى على عثمان محمد طه كان ذلك موقفه، وخلصت النقاشات لفوز الرأي المؤيد لعودة التعددية السياسية والنص على هذا الأمر في الدستور، لكن الترابي بذكائه وحرصة على الاجماع فقد ضمن قضية التعددية في الدستور تحت مسمي (التوالي السياسي) وكان غير معروف ماذا يعني التوالي السياسي هل هو التعددية السياسية ام كانت شيئاً آخر؟، واتضح ان الامر شكل من اشكال الترضية للعسكريين لأن معظمهم كانوا يرفضون التعددية وفتح الباب إلى تسجيل احزاب التوالي السياسي، والتي هي احزاب قريبة من السلطة كان اكبرها هو الحزب الاتحادي بقيادة المرحوم الشريف زين العابدين الهندي بالاضافة لانصار السنة وبعض الاحزاب التي استعملت أسماء الاحزاب الكبيرة.
وهنا بدأت الفجوة داخل الجبهة الاسلامية والتي مهدت إلى المفاصلة والتي بدأت تظهر في المناصب وحدث اختلاف وبدأ استقطاب حاد داخل الحركة الاسلامية تحسباً من أي انقسام بما يضمن لأي طرف التمتع بالأغلبية الميكانيكية بالحكومة.
بعدها جاءت المرحلة الأعنف وهي مذكرة العشرة التي قدمت في ديسمبر 1998م وتعتبر الاعنف، فصحيح أن بعض اعضاء الحركة الإسلامية كانوا ينتقدون الترابي في العديد من الأشياء ومن بينها سلطاته الواسعة وعدم الشوري، حيث فقدت مؤسسات الحركة الإسلامية بعد حل مجلس الشورى المنتخب وتكوين مجلس شوري معين أغلبه مؤيد للترابي ومعظم اعضائه من الوزراء الذين كان يتم تعيينهم بالتشاور مع الرئيس البشير ونائبه المرحوم الزبير محمد صالح.
مذكرة العشرة اوضحت القسمة بشكل واضح من خلال تبني العسكريين لها بقيادة البشير وتوقيع الفريق بكرى حسن صالح عليها، وتوقيع بكري كان أمراً مستغرباً فهو العسكري الوحيد الموقع عليها، كما أن الحركة الإسلامية لا تنظر للعسكريين باعتبارهم "حركة إسلامية" كما انهم غير معروفين بالنسبة للمدنيين، وانا شخصياً لم اسمع بالبشير إلا بعد الانقلاب.
المهم أن مذكرة العشرة كانت تحظى بموافقة البشير وهي عبارة عن تقليص لسلطات الامين العام للحزب الترابي، فوجود مكتب قيادي للحزب يصنع القرارات ويرفعها للسلطات والرئيس ليس عضواً فيه، كان وضعاً غير مقبول للعسكريين والبشير، وغير العسكريين لم تكن لديهم قابلية للمواجهة إلا أن البشير كان مستعداً للمواجهة.
* لكن هل هدف البشير لتقليص سلطات الترابي؟
الأمر الذي كان متفقاً عليه أن تكون السلطة الحقيقية بيد الحزب والترابي، إلا أن البشير حاول الخروج من هذا الاتفاق فحينما عقدت القمة العربية الطارئة لمناقشة الغزو العراقي للكويت بالقاهرة كانت مصر وعدد من الدول مؤيدة لاستقدام قوات تحالف دولي للمنطقة لتحرير الكويت، ويومها دافع البشير عن الموقف السوداني الرافض لدخول القوات الاجنبية وهو الامر الذي تسبب في خلق عداوات مع دول الخليج ومصر، وسعي البشير لممارسة قدر كبير من السلطة بشكل حقيقي ووجد دعماً من اعضاء كثيرين من الجبهة الاسلامية، وحتى مذكرة العشرة كانت تذهب في هذا الاتجاة وابقيت سرية وبعيدة من شيخ الترابي ولم يطلع عليها إلا في اجتماع مجلس الشوري للمؤتمر الوطني، وهذه الاجتماعات كان يعدها الامين العام ولكنه فوجئ بها في ظل معرفة عدد كبير من اعضاء المجلس وتبني قيادات الحركة للمذكرة الا النائب الاول –وقتها- لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه الذي لم يوقع عليها.
* مقاطعة: ولماذا تعتقد أن علي عثمان محمد طه لم يوقع على هذه المذكرة؟
علي عثمان رجل يحسب الامور جيداً حتى يتخذ قراراته، وصحيح أنه كان مؤيداً للمذكرة، ولكن يمكن أن يكون الأمر قد صعب عليه بالتوقيع على مذكرة تطيح بالترابي الذي كان له الفضل في تصعيده للقيادة على حساب قيادات من الجبهة الاسلامية وجعله زعيماً للمعارضة في الجمعية التأسيسية عقب انتخابات 1986م في ظل وجود زعامات من الجبهة الاسلامية منهم إبراهيم أحمد عمر وعثمان خالد مضوي وأحمد عبدالرحمن... طه من الذين يحسبون خطواتهم وكان متحسباً لإمكانية فشل هذا التحرك.
الترابي من جانبه غضب غضباً شديداً من المذكرة رغم أنها لا تستحق حيث أخذت منه سلطات محدودة وجعلت البشير رئيساً للمكتب القيادي حيث لم يكن عضواً فيه، كما قلصت المذكرة بعضاً من صلاحيات الامانة العامة التي يرأسها الترابي ومنحت تلك الصلاحيات للمكتب القيادي، وهنا وضح هدف المذكرة في اضعاف الامين العام، وتقوية رئيس الدولة والحزب رغم انه لم تكن لديه سلطات، وكانت علامة فاصلة وبدأ التقسيم على مؤيدي المذكرة وضدها، والمذكرة نفسها وجدت تأييداً جيداً من اعضاء مجلس الشوري.
وإلى ماذا تعزو التأييد الذي حظيت به مذكرة العشرة؟
الحركة الاسلامية بدأت تعتبر منذ مقدم ثورة الانقاذ ان اكبر انجازتها هو الاستيلاء علي السلطة، لكني اعتقد أن هذا الأمر غير صحيح فإستيلاء الاسلاميين على السلطة كان أسوأ شئ، وكان اغلبية اعضاء الحركة جزءً من السلطة وبالتالي اصبحت السلطة مكسباً لهم وللحركة واعتبروا ان السلطة هي اكبر انجاز للحركة الاسلامية ومن هنا جاء مصطلح "التمكين" وصدرت مجلة تحمل هذا الاسم وأثّرت السلطة على المسار السياسي، وبالتالي انقلبنا على الكثير من ثوابتنا وتقالدينا وتعاليم الدين نفسها بسبب السلطة، ونحن قبل الانقلاب كنا نتحدث عن الديمقراطية والحرية وبعد الانقلاب العسكريون اصبحوا معادين لنا وغابت الديمقرطية داخل اجهزة الحركة الإسلامية واصبحوا يتعاملون معنا بـ(التنوير) وهذا المصطلح نفسه عسكري وليس لك الحق في ان تناقش أو تعترض، وهذا أمر غريب في الحركة الاسلامية، وتنازلت الحركة عن افكارها وحتي في تنفيذ التعاليم الاسلامية فالمعارضون عذبوا وفصلوا من اعمالهم بالشبهات فقط، وهذا كان تنازلاً من التعاليم لأجل السلطة، حتى الفساد الذي ظهر كان بسبب نظرية "اموال السلطة هي اموالك"، وصار هنالك حرص كبير على السلطة والتمسك بها بأي ثمن.
* مقاطعة: حتى لو كان ثمن التمسك بالسلطة هو الحركة الإسلامية؟؟
نعم، والحركة الاسلامية (اتفرتقت)، هل شاهدت يوماً داراً للحركة الاسلامية أو نشاطاً لها، فالحركة الإسلامية غير المؤتمر الوطني، لأن الثاني يضم في عضويته علمانيين ومسيحيين، وحتى الحركة الإسلامية غير مسجلة كحزب سياسي، والذين يتعاملون باسمها يمكن أن يكونوا عرضة للمساءلة القانونية لأنها حركة غير قانونية، وقيادات الحركة الإسلامية الموجودة هم بالحكومة فأمينها العام هو علي عثمان محمد طه وهو غير متفرغ ومنشغل بتصريف الأعباء الحكومية وامينها العام بولاية الخرطوم هو عثمان الهادي، جميع تلك المعطيات توضح أن الحركة الإسلامية مرتبطة بالسلطة ولا تخرج من كونها جسماً جديداً وهذا تقييد لها لضمان السيطرة عليها.
* هل يمكن أن نقول إن الحركة الاسلامية انتهت؟
عمليا انتهت، إلا أنها شكلياً توجد حركة اسلامية لديها أجهزة ومؤتمر عام وامين عام لكن للسيطرة عليها يكون والي الولاية رئيس الحركة الاسلامية فيها، وفي مايو 2000م حصلت دعوة للمؤتمر الوطني وأعلنها الرئيس البشير ولم تشمل شيخ حسن الترابي، وبرز في اجتماع عام للمصالحة، والترابي قاطع هذا الاجتماع وهو اعتبر اجتماعاً فوق العادة، وهو نفس الاجتماع الذي جمد فية نشاط الترابي وكان وقتها أميناً عاماً للحزب، تلك التحركات جاءت بعد لقاءات عقدها الترابي مع عدد من الاحزاب السياسية من بينها لقائه مع رئيس حزب الامة الصادق المهدي وكان الأمر الواضح أن تلك اللقاءات هدفت لتحقيق مصالحة مع الاحزاب وعرض فيها اجراء تعديلات دستورية بأن يتم انتخاب الولاة، والبشير كان قد طلب من الترابي تأجيل هذا الأمر، لكن الاول رفض ذلك وهو ما دفع بالبشير لاصدار قرار بحل المجلس الوطني، وهذا الأمر كان مقدمة للمفاصلة حينما بدأ الترابي يشعر بأن البشير استولى على قيادات المؤتمر الوطني، ولذلك اتجه للخروج منه وتكوين حزب المؤتمر الشعبي.
* وهذه الخلافات ألم يكن من الممكن احتواؤها بين الطرفين؟
نظرياً كان أمراً ممكناً، لكن العلاقة بدأت تسوء بين البشير والترابي والخلافات كانت صراعاً على السلطة، ورغم أن الترابي كان مع التعددية لكن بعضاً من انصاره ومؤيديه كانوا ضدها مثل (يس عمر الامام وابراهيم السنوسي)، وحتي التعامل بين الفرقاء بات أمراً صعباً، ووصل الأمر مرحلة تجميد مؤسس الحزب وأمينه العام الترابي والذي لم يقف بدوره مكتوف الايدي، فبدأ بنشر كل الاشياء غير الصحيحة التي كانت تحدث خلال فترة حكم الانقاذ، لكن ما أضعف موقفه انه كان مشاركاً في تلك الأفعال، بل كان الرجل الاول في السلطة لمدة عشر سنوات، فلو كان الترابي مع الديمقراطية لقام بتنفيذ ذلك.
* توقع البعض أن يحدث صراع مسلح بين الطرفين عقب الانقسام سيما في ظل وجود أعضاء للحركة الإسلامية منتسبين للقوات النظامية، إلا أن تلك التقديرات لم تصدق فإلام تعزو عدم حدوث صراع مسلح بين الطرفين؟
صحيح هذا الأمر، وقيادات القوات النظامية يدينون بالولاء للحركة الاسلامية وكان ولاؤهم للترابي، إلا أن البشير كان القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو ما منحه سلطة عليهم، أما السبب الثاني فكما ذكرت لك سابقاً فإن عقيدة الحركة الإسلامية تحولت للتمسك بالسلطة وهذا الامر ينطبق على الجميع بمن فيهم اعضاؤها بالقوات النظامية، ويوجد أمر مهم وهو تفادي الجيش السوداني للمواجهات الدموية ونجد أنه في فترة حكم نميري واثناء انتفاضة ابريل ورغم أن قيادته كانت تدين بالولاء للنميري لكنهم رفضوا أن يعرضوا حياة المدنيين للخطر والتدخل لصالح نميري، ولو رفض الجيش التدخل لما استطاعت أي قوة اخرى أن تتدخل.
* مقاطعة: لكن هل حاول الترابي ان يستقطب العسكريين للوقوف معه؟
نعم حاول ذلك ولكن الترابي ليس لديه موقع رسمي ليخاطب القوات المسلحة.
* لكن يمتلك موقعاً روحياً؟
صحيح، إلا أن الانقسام افسد ذلك فحواريوه ومخلصوه هم من قاموا بإعتقاله بعد الانقسام.
* بعد هذه المفاصلة بين الاسلاميين طرح سؤال هل الحركة الاسلامية جاءت أصلا وهي تحمل بذور انقسامها ام أن السلطة افسدتها؟
نعم السلطة افسدتها افساداً شديداً، فالحرية صودرت والصحف اغلقت والاحزاب حلت وحتى اتحادات الطلاب جمدت، وبات لا يوجد احد يحاسب حتى البرلمان تم تعيينه، والحركة الاسلامية باتت أكثر سوءً من عهد نميري لانه كان فرداً معه مجموعة عساكر، أما الحركة الإسلامية فجعلت كل منسوبي الخدمة المدنية من كوادر الحركة الاسلامية، وبذلك اصبحت كل الدولة في قبضة الحركة الإسلامية.
* هل توجد ثمة مقارنة بين انقلاب مايو الذي قام به الرئيس جعفر نميري بدعم من الحزب الشيوعي وانقلاب نميري على الشيوعيين وانقسام الحزب الشيوعي نفسه وانقلاب الحركة الاسلامية وانقسامها؟
يوجد فرق كبير، فنميري أتى بالحزب الشيوعي للكسب السياسي ولكن لو نجح انقلاب هاشم العطا لكان يمكننا القول إن الحزب الشيوعي قاد الانقلاب، لكن الجبهة الإسلامية هي التي قادت انقلاب يونيو 1989م وهذا فرق جوهري. ونجد أن نميري كان موجوداً في تحالف يضم القوميين العرب والضباط الاحرار والشيوعيين أي انهم كانوا جزءً من هذا التحالف، ولذلك عندما اختلف مع الحزب الشيوعي كانت المواجهة سريعة ونميري استطاع ان ينتهي من الحزب الشيوعي سريعا ووجد مساندة في ذلك، والشيوعي كان طرفاً في السلطة وأراد ان يكون جزءً اساسياً من السلطة، والعسكريون أرادوا ان ينضم الحزب الشيوعي للاتحاد الاشتراكي وهو ما أدى لإنقسام اعضاء الحزب الشيوعي، اما الحركة الإسلامية كانت هي السلطة وليست طرفا فيها.
* هل قيادات الصف الثاني في الحركة الاسلامية استغلت هذا الانقسام وعمقتة حتي تصبح قيادات من الصف الاول بعد خروج المفكرين وانضمامهم للترابي؟
القول بأن القيادات المفكرة انضمت إلى حسن الترابي غير صحيح، والذي تبقوا مع الترابي كان لوفائهم له او لغضبهم من الفرقاء، لكن المؤتمر الوطني به كودار فكرية اكثر من المؤتمر الشعبي، وصحيح ان الانقسام اعطى فرصة لظهور قيادات من الصف الثاني تسلموا مقاليد الأمور.
* هل يمكن ان نشهد في المستقبل القريب وحدة بين المؤتمر الوطني والشعبي؟
المؤتمر الوطني يتحدث عن عودة للترابي من غير شروط، والرئيس البشير لا يقبل عودة الترابي لموقع تنفيذي في السلطة ولا رئيساً للحزب، لكن اذا اتى اعضاء المؤتمر الشعبي من غير الترابي سيرحب بهم. وإذا حدثت وحدة يمكن أن يجدوا معادلة لاستيعابه بأن يجعلوا له مركزاً ثقافياً وأن يكون دوره فكرياً، وهذا الأمر قد يصطدم بطموح الترابي للعودة لقيادة الحزب لانه هو المؤسس له. لكن في تقديري أن مواقف الترابي منذ المفاصلة قد تمنع تلك الوحدة ويتيح التعايش مجدداً، لكن إذا تنازل الترابي عن طموحه في قيادة الحزب فيمكن استيعاب اتباعه كأفراد. وتوجد نقطة ثانية وهي أن المؤتمر الوطني ينظر للمؤتمر الشعبي باعتباره قيادات فقط بدون شعبية، ولذلك إذا قررت قيادته الانضمام فردياً فسيرحب بهم، واختلافهم الاساسي حول عودة الترابي.
* توجد تيارات داخل المؤتمر الوطني والشعبي ترفضان العودة واعادة التوحد من جديد، فهل صراع هذة التيارات سيصعب الوحدة من جديد بين فرقاء الحركة الاسلامية؟
في تقديري إذا حدثت وحدة فستكون استيعاباً على أساس الافراد باعتبار أنهم اشخاص خرجوا من الحزب وعادوا إليه، ولن تتم هذه الوحدة على اساس حزبين يريدان الاندماج والوحدة.