د. غازي صلاح الدين: مشكلات الحركة الإسلامية لا يجب أن تأخذ أولوية على أولويات السودان

 


 

 





د. غازي صلاح الدين في أول حوار له بعد المؤتمر العام للحركة الإسلامية بالسودان لـ " أفريقيا اليوم":

مشكلات الحركة الإسلامية لا يجب أن تأخذ أولوية على أولويات السودان.

مصداقية الحركة الموالية للمؤتمر الوطني مرتبط بقدرتها على توجيه نفسها وتصحيح أخطائها.

أعترض على الهيئة القيادية لأنها مكونة من أشخاص غير منتخبين عبر مؤسسات الحركة.

لماذا لا نفكر في حركة متحررة من الإرث؟ فلا أرى حكمة في اقحام التجربة المرتبطة بالترابي.

لم أتوقف عن ابداء الإستعداد في التخلي عن مناصبي مقابل مواقفي وحدث ذلك أكثر من مرة.

لدي تخوف من أن يتبنى أحد قضية الإصلاح ليصادرها وسوف أبين رؤاي حول هذا الموضوع في الفترة القادمة.

حديث الصادق المهدي بأني شجعته للمشاركة في الحكومة صحيح في جوهره.

لم أعلم بكتاب عبد الغني إدريس إلا بعد أن ذهب إلى المطبعة ومن طرف ثالث ولو كنت صاحبه لكتبته بصورة مختلفة جدا.

هناك قوى تدفع بمصر في اتجاه الفوضى من أجل تبرير الانقلاب العسكري

الخرطوم- أفريقيا اليوم: صباح موسى
دكتور غازي صلاح الدين المستشار السابق للرئيس السوداني والقيادي البارز بحزب المؤتمر الوطني شخصية تتسم بالدقه الشديدة في أرائه وأفكاره وكافة تفاصيل حياته اليومية، القريبون منه يدركون تماما حساسية التعامل معه، فيمكنك أن تكون قريبا منه أو أبعد مايكون، ويفصلك عن الاثنين فهمك لمدلول ما يخرج منه من كلمات، والتعامل مع هذا المدلول بحذر شديد، ومن هنا كان الخلاف بين الدكتور غازي وكثير من الصحفيين، فهو في كثير من الأحيان يقصد معان مختلفة عمن يتلقاها، ويرجع ذلك لأنه يملك أسلوب يصعب على البعض فهمه، لإتقانه الشديد للغة العربية، وادراكه الكبير لما تحويه من معان، مما يعطي انطباع لدى بعض الناس بأنه متردد في آرائه، وهذا مايغضبه ويجعله مقل في أحاديثه. دكتور غازي دخل عالم السياسة متحديا بأن يمارسها بأخلاق ومبادئ، ونسى أن التعريف المباشر للسياسة أنها لعبة قذرة، وأنه لن يستطيع مجابهة هذا العالم دون أن يتسخ جلبابه الأبيض، ويبدو أنه بات مقتنعا أن لكل منهما طريق مواز للآخر، وأنهما لن يلتقيا أبدا.
المؤتمر العام للحركة الإسلامية الذي عقد قبل أسابيع بالخرطوم وما أفرزه من تداعيات مهمة على الساحة بالبلاد، كان دكتور غازي طرفا مهما فيها، فالمؤتمر انتهى وخلف تصورا بأن الحركة منقسمة على نفسها في توقيت دقيق يمر به السودان، كما ترك المؤتمر تساؤلات عدة حول اعتذار دكتور غازي عن الترشيح لمنصب الأمين العام للحركة، رغم التأييد الواضح الذي حظي به داخل أروقة المؤتمر، وهذا ما فسر على أنه خرج غاضبا وربما لن يعود إلى التنظيم مرة أخرى رغم إلتفاف مجموعة لا يستهان بها من شباب الحركة حوله، انتهى المؤتمر وإنتظر الجميع رد فعل الدكتور، فهل هي مفاصلة جديدة في الحركة الإسلامية السودانية؟ أم أنها مجرد خلاف داخل البيت الواحد؟ وبعد أيام يبدو أن دكتور غازي رتب فيها أفكاره، فهو ليس من أصحاب التعامل برد الفعل، وخرج على الرأي العام بورقة تمثل وثيقة تاريخية شرح فيها بوضوح ماحدث بالمؤتمر، وفسر اعتراضاته حتى لا يترك مجالا لأي لغط، كان صريحا فيها تناول رأيه بطريقة مباشرة وإنتهى فيها إلى ضرورة الإصلاح الذي يسعى إليه في مرحلة لا تحتمل سوى تصحيح أخطاء، ربما يصعب تصحيحها فيما بعد. ذهبنا إلى الدكتور للوقوف معه على المؤتمر وتداعياته والورقة التي خرج بها على الناس لمزيد من التوضيح، ورغم صعوبة الأمر، وبعد محاولات فشلت في كثير منها، فهو يرى أنه وضع كل ما يريد في الورقة، ولكن مع الاصرار وافق شريطة أن يكون التركيز أكبر على مستقبل السودان ككل بعيدا عن أي اثارة أومهاترة تزيد البلد احتقانا. وفيما يلي افاداته لـ " أفريقيا اليوم"
بعد هذه الورقة التي خرجت بها على الناس هل نعتبرها خروجا عن التنظيم بأكمله أم نعتبرها نوع من الشفافية وأنها مجرد إصلاح دون خروج؟
الانتماء إلى الحركة الإسلامية هو انتماء لتراثها وفكرها وأخلاقها وليس محصوراً في الانتماء إلى جماعة منها بعينها. ما قلته هو أن البعض قد تسبب في أخطاء فنية وأخلاقية جسيمة في المؤتمر العام وفي اعتقادي أن مصداقية الحركة الإسلامية الموالية للمؤتمر الوطني مرتبط بقدرتها على توجيه نفسها وتصحيح تلك الأخطاء.
هل توقعت ردود فعل عنيفة على الورقة؟
لو أنها أحدثت الهزة المرجوة فهذا شيء حسن
تطرقت لدستور الحركة وانتقدت عدم تسجيلها والبعض يرى أن هناك كيانات مماثلة بالمجتمع كأنصار السنة غير مسجلة وأن الدستور السوداني لا يوجد به نص لاستيعاب كيان كالحركة الاسلامية؟
هذا سوء فهم على أحسن الفروض، فهيئة شئون الأنصار، وهيئة الختمية، وأنصار السنة كلها جمعيات دينية دعوية مسجلة وفق القانون. وما دمنا بصدد المقارنة فليتنا كنا بتواضع هؤلاء الذين لم يزجوا برأس الدولة في قيادة جماعاتهم رغم أنها تعمل وفق القانون. فخلافاً لما أورد بعضهم، لا المغفور له السيد أحمد الميرغني كان رئيساً للطائفة الختمية، ولا السيد الصادق المهدي كان إماماً للأنصار عندما توليا منصبي رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء. أما القول بأنه لا يوجد نص قانوني يسند قيام جماعة شبيهة تحكم البلاد فهو اعتراف صريح بأنها قائمة خارج أسوار القانون. لا بأس إن كان هذا مسموحاً به للجميع لكنني لا أتصور أن يسمح للحزب الشيوعي أن ينشئ جماعة شبيهة مقرها السودان بذات الاختصاصات والأهداف والسلطات. عندما تكون جماعة ما في موقع الحكم فهذا يفرض عليها التزاماً أشد بنصوص القانون.
ماهو إعتراضك بالتحديد على وجود هيئة قيادية رغم أنهم قالوا أن ترتيبها في الهيكل سيكون بعد مجلس الشورى وأنها ستكون مجرد جسم تنسيقي بين الكيانات الثلاث الحكومة والحزب والحركة؟
الهيئة القيادية مكونة من أشخاص غير منتخبين من مؤسسات الحركة ويكفي هذا وحده في الاعتراض عليها، لكن الاعتراض الأهم هو أنها تقضي على استقلالية الحركة وأمينها العام، وهو ما لا أفهم الحكمة منه إذا كنا نريد حركة قوية مستقلة ومؤازرة للدولة لكنها تعمل في مجالاتها الطبيعية بعيدة عن أي تحكم أو توجيه.
تحدث دكتور عبد الرحيم عن عن أهمية وجود أمين عام معارض للحكومة ولكن ليس صداميا حتى لا تتكرر تجربة الترابي مرة أخرى ماتعليقك على ذلك؟
أشك في أن يكون الأخ عبد الرحيم دعا إلى وجود أمين عام معارض للحكومة. أشدد على ضرورة مراجعة نص حديثه. أنا لا أرى الحكمة من إقحام التجربة المرتبطة بشيخ الترابي هنا وافتراض أن يكون الأمين والحركة معارضين أو مصادمين للدولة بالضرورة. لماذا لا نفكر في حركة متحررة من كل هذا الإرث؟ لماذا لا تعرّف الحركة بذاتها وأهدافها وليس منسوبة إلى موقعها من الحكومة، أو بتاريخ صراعاتها، أو بما يتصوره البعض عنها. هذا النمط من التفكير مقتضاه ألا تقوم حركة إلا وهي في قبضة الحكومة، تقوم مع الحكومة إذا قامت وتقع إذا وقعت.
هناك أقاويل عن أن المؤتمر العام الأول للحركة تم التوجيه فيه لصالحك على حساب الشفيع محمد أحمد وأيضا تم التوجيه لصالح علي عثمان ضدك في مؤتمر آخر فلماذا لم تتحدث وقتها؟
هذا الكلام قيل ولم يثبته أحد ولم يطلب أحد التحقيق فيه، وإذا ثبت فإنه خطأ لا يبنى عليه. الحل هو أنه إذا قام ادعاء كهذا أن يحقق فيه كما طلبت في ورقتي. الأجهزة التنظيمية يجب أن تكون محايدة لا تميز بين أعضائها وإلا انهارت الثقة وتحكم الغبن في أفعال الأفراد
هناك من يأخذ على دكتور غازي أنه دائم الإنتقاد وهو بعيد عن المناصب وأنه عندما يكون مسئولا يكون حديثه مختلفا بماذ ترد على مثل هذا الحديث؟
هذا كلام غريب لا يقوله إلا من لم يتابع سيرتي. لحسن الحظ أنني أدون آرائي من خلال مقالات ومقابلات مقروءة ومنشورة. مقالاتي الآن موجودة على الإنترنت فليراجعها من شاء أن يتتبع مواقفي وطريقة تفكيري خلال البضع وعشرين عاماً الماضية. كذلك أنا لم أتوقف أبدا من إبداء الاستعداد للتخلي عن مناصبي مقابل مواقفي، كما حدث فعلا أكثر من مرة
ماهي رؤيتك لكيان الحركة هل تريدها حاكمة أم محكومة في الدولة؟
أنا أعترض على هذا السؤال لأنه سؤال يعبر عن طبيعة التفكير الذي قاد إلى  الأزمة، كأن صدام الحركة والدولة لازمة منطقية. لكن إذا أصريتي فيمكنني أن إجيبك بأننا نريدها حركة حاكمة على عضويتها وفق عهد التأسيس الذي قامت عليه، وفي ذات الوقت حركة محكومة بدستور البلاد وقوانينها
إلى أين نذهب الآن؟ ما هي الأولويات، هل هي الحركة أم البلد كله؟
الأولوية هي البلد كله بلا منازع. مشكلات الحركة يجب ألا تأخذ أولوية على أولويات السودان، ولولا أنك أثرت معي هذه الموضوعات لما تطرقت أنا إليها من نفسي. في ضوء مجمل التطورات التي شهدناها في الأسابيع الماضية لم تكن قضية الإصلاح السياسي أشد إلحاحاً، مما هي الآن
وكيف ترى الإصلاح؟
سأبين رؤاي حول الإصلاح في الفترة القادمة. لدي تخوف من أن يتبنى أحد قضية الإصلاح ليصادرها أو لأن يختزلها في إجراءات تزيح شخصاً أو تثبت آخراً
ننتقل إلى ملف الجنوب هل أنت مع أنه لابد من تنفيذ الملف الأمني أولا قبل ضخ البترول رغم أن البلاد تعيش أزمة إقتصادية صعبة؟
كلا الخيارين صعب وهذه هي العبرة التي ينبغي أن نستقيها من "نيفاشا": ليست كل اتفاقية سلام هي اتفاقية سلام حقيقة وهذا هو الموضع الصعب الذي وضعتنا فيه تلك الاتفاقية.
أبيي والحلول المطروحة حولها ورؤيتك في كيفية الخروج لحل يرضي الجميع؟
أنا بعيد من ملف التفاوض ولا أستطيع أن أعلق إلا تعليقات عامة. ربما تمثل حل مشكلة أبيي في صورته النهائية في خيار ذكي يطرح لاستفتاء مرحلي يجيزه المسيرية قبل أن تتبناه الحكومة
هل توافق على أن المحاولة الإنقلابية التي حدثت كجزء من الإصلاح داخل المنظومة أم أن أنك ترفض الإخراج بهذا الشكل؟
لا توجد علاقة سببية مباشرة، لكن أفراد القوات المسلحة هم جزء من المجتمع ويتأثرون بما يحدث فيه. أنا أرجو أن تحل هذه المشكلة بالحكمة، فالانقلابات تحارب بإشاعة العدل والشورى لا بلغة الوعيد والتنكيل
قال الصادق المهدي في تصريح صحفي أمس بالخرطوم أنه التقى الدكتور «غازي صلاح الدين» في «لويزانا» بالولايات المتحدة الأمريكية في العام 1998 وطلب منه المشاركة في السلطة بغرض توسيع قاعدة الحكومة
لو حبيت تعلق على هذا الحديث؟
كلامه صحيح في جوهره، هو فقط اشتبه عليه مكان اللقاء لأنني لم أسافر إلى لويزيانا أبدا. التقينا مرة في بروكسل في مؤتمر عالمي، ومرة في سويسرا، كما التقينا في منزله عدة مرات. وهو لديه عادة حسنة في استشارة بعض من يثق فيهم من الإسلاميين عندما يعزم على اتخاذ قرار متعلق بالحكومة. وفي أكثر من مرة دعاني إلى منزله بجانب الأخوة عبد الرحيم علي، وعثمان خالد، وأحمد عبد الرحمن، والطيب زين العابدين، والفاتح عابدون ليستشيرنا في دعوة المؤتمر الوطني للحوار معه. وفي كل تلك اللقاءات شجعته على المشاركة لأن ذلك هو رأيي وهو الموقف المعتمد من قبل المؤتمر الوطني في ذات الوقت.
ما رأيك في كتاب عبد الغني إدريس الإسلاميون في السودان... أزمة الرؤيا والقيادة وبماذا ترد على من يقول بأنك أنت وراء هذا العمل باعتبار أن مؤلفه عبد الغني هو زوج ابنتك؟
أنا لا أعمل بهذه الطريقة وإن كنت متأكداً من أن البعض يرجو من صميم قلبه أن أكون وراء الكتاب حتى يتعكر المزاج العام. أنا لم أعلم بالكتاب إلا من طرف ثالث أخبرني الخبر بعد أن ذهب الكتاب إلى المطبعة. لن أعلق على الكتاب إلا بقولي لو كنت صاحبه لكتبته بصورة مختلفة جداً. عبد الغني شخص مستقل لا يعمل وفق توجيهاتي، لكنني عندما أتأمل في الأمر أحزن عندما أتذكر أنه لأول ذهابه إلى إنجلترا ساهم بناشطيته المعروفة في إخراج أكبر تظاهرة سودانية في لندن تناصر البشير وتندد بأوكامبو، والآن هو شخص ناقد. ما فعله هو وما يفعله قطاع من المجاهدين يستدعي الدراسة والمراجعات الجدية أكثر مما يستدعي النقد  والإدانة
سؤال أخير رؤيتك لما يحدث في مصر من استقطاب حاد ونفور بعض التيارات من الإسلاميين والانقسام الملفت حول الدستور وقرارات مرسي الأخيرة؟ وهل لديك نصائح معينة لمن يتولون الأمور في مصر الآن؟
أكاد أرى رأي العين بأن هناك قوى تدفع بمصر في اتجاه الفوضى من أجل تبرير الانقلاب العسكري، ولو حدث هذا فستكون نهاية حلم الربيع العربي – يا حسرة -

 

آراء