*لست من الذين ينكفئون على الماضي ويتغنون بأمجاده ومحاسنه، لكننا نحتاج كثيراً للإستزادة من تجاربه الإيجابية في الواقع الاني ونحن نسعى للإنتقال إلى المستقبل نحو وضع أفضل للأجيال القادمة.
*كتبت هذا بمناسبة النقد الذي وجهه الأمين العام للمجلس القومي للصحافة والطبوعات الصحفية - في عهد الإنقاذ - السفير العبيد مروح للمؤسسات الصحفية التي لاتلتزم بتوفير مكتبة خاصة بها، وهو يؤكد أهمية المكتبة لتغذية المادة التحريرية ومدها بالمعلومات المفيدة. *تذكرت كيف كانت المؤسسات الصحفية قبل "الإنبهال" الصحفي - في عهد الإنقاذ أيضاً - تهتم بالمكتبة الخاصة بها، وأذكر كيف كانت مكتبة "الصحافة" زمان عامرة بالكتب الثقافية والمتخصصة والمراجع القانونية، قبل أن "تعدم" أيضاً في عهد الإنقاذ وتختفي معها بعض الأقسام المهمة لتغذية التحرير الصحفي. *كان هناك قسم للأرشيف "الورقي" وللصور الفوتوغرافية، وكان الأرشيف الورقي مصنفاً حسب الموضوعات المتخصصة والأحداث والمناسبات، وأرشيف الصور الفوتوغرافية منظماً حسب الحقب السياسية واالأحداث والمناسبات والشخصيات والرموز العامة. *كان قسم التصوير الفوتوغرافي بوزارة الإعلام والثقافة - طيب الله ثراه - مرجعاً مهماً للصحفيين والإعلاميين بما يوفره لهم من صورلكل الحقب التأريخية، وكان يمد الصحف يومياً بأهم الصور الإخبارية، ولا أنسى كيف سبقت وكالة السودان للأنباءعلى عهد مديرها الصحفي المهني المقتدر مصطفي امين بإدخال نظام إرسال الصور بالراديو من مواقع الأحداث مباشرة، وكان وقتها - قبل ثورة التقنية الحديثة - يعتبرفتحاً كبيراً في مجال التغطية الصحفية والإعلامية. *أعلم أن التقنية الحديثة وفرت الكثير من هذه المعينات المهمة لتغذية التحرير الصحفي، لكنها في بعض الأحيان كانت على حساب العمل التحريري الميداني الأهم لتنمية مهارات وقدرات وخبرات الصحفي، وأنها في رأيي الشخصي لاتغني عن المكتبة الخاصة ولا أقسام البحوث والمعلومات والأرشيف الخاص بالصحيفة. *أذكر أنني كنت في دورة تدريبية على عمل سكرتير التحرير في لبنان وزرت ضمن هذه الدورة صحيفة " النهار"، وكانت الأوضاع الأمنية في بيروت غير مستقرة، كنا نسمع أصوات الرصاص ليل نهار، كان ذلك عقب إغتيال رئيس تحير مجلة " الحوادث" البيروتية سليم اللوزي، وعند وقوفي في قسم الأرشيف طلب مني مسؤول الأرشيف أن أطلب أية صور، طلبت منه - في محاولة لتعجيزه - صور حركة هاشم العطا (19 يوليو1971م) في السودان، فإذا به يخرج دون عناء تفتيش ملفاً كاملاً بصور قادة حركة 19 يوليو وقصاصات من الصحف تحوي معلومات عن ماكانت تسمى وقتها ب"الحركة التصحيحية" لمايو.. *نقول هذا كي نؤكد أهمية المكتبة الخاصة وهذه الأقسام المعينة للصحف، ليس فقط لتغذية العمل التحريري وإنما لأنها تمثل "ذاكرة" الصحافة الحية.