ذكًر ،، ولست عليهم بمسيطر!. بقلم: حسن الجزولي
{ تستهويني جداً عادة العودة للرسائل والمقالات التي أوجهها لبعض الأصدقاء وزملاء الكتابة، الذين أصطفيهم في إطار المثقافات الحميمة، فصادفتني وأنا أقلب أوراق العام الماضي، مقالة خصصتها للصديق والزميل الأستاذ ضياء الدين بلال والتي وجهتها له في 28 فبراير من العام الماضي، رداً على مقال كتبه حول " ما إن كان الريس السابق سيستجيب لمطالب الشارع السوداني"، أنبهه فيها لنفس "خيط" الرئيس الأسبق حسني مبارك، ودلفت لاعادة المقال بمناسبة رحيل الرئيس مبارك بالأمس الأول عليه رحمة الله، عندما "سارع مشيرنا" إلى لتبن نفس الخطاب السياسي للراحل حسني مبارك الذي حاول الالتفاف على مطالب جماهيره المصرية، ثم يكررها البشير حذو الحافر على الحافر، في غياب تام لوعي "الضرورة" ،، وإليكم المقال كاملاً ولضياء الاحترام والتقدير}.
ملاحظات على مقال ضياء بلال حول قرارات الرئيس! (1)
رئيس مصر السابق تلى نفس الخطاب أيضاً قبل أن يحمل بقجته ويرحل!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسن الجزولي
كتب الأستاذ ضياء الدين بلال مقالاً مطولاً تناول فيه قرارات رئيس الجمهورية التي أعلن فيها فرض حالة الطوارئ لمدة عام إلى جانب موضوعات أخرى، وركن نحو التبيرات غير الموفقة في كثير من النقاط.
ومن منطلقات الزمالة والصداقة مع الأستاذ ضياء نرجو التوفيق في تلمس ما تناوله، علنا جميعاً نساهم بما يرفع عن كاهل أمتنا ما ظل يقعد بها وتوضيح معالم طريقها في هذا المنعطف.
ندلف مباشرة لنقول أن ضياء قد أشار إلى ما قاله للرئيس البشير قبل نحو ثلاث سنوات حينما التقاه في مناسبة ربما تنويرية إعلامية:ـ " كُن قائداً للتغيير بدلاً من أن تصبح هدفاً له"؛ مشيراً إلى أن القصد هو أن يُسهِمَ في " ترتيبِ وضعٍ انتقاليٍّ يَسمَح بتداولٍ سلميٍّ للسلطة عبر انتخابات حُرَّة، نزيهة، تُرضي الجميع".
حسناً ،، قلت له ذلك قبل نحو3 سنوات وهو رأي سديد، فما الذي حدث يا ترى؟، علماً بأنك هدفت إلى التركيز كما ذكرت إلى أن أي "قراراتٌ لا تَفُكُّ حالة الاحتقان السياسيّ وتفتح مساراتٍ لدعمٍ اقتصاديٍّ خارجيّ، لن تكونَ ذات معنىً وجدوى" حسب ما أشرت له عبر صفحتك بالفيس بووك، وهو أمر سليم ونتفق فيه معك، ولكن، هل تعتقد أن هذه القرارات التي صدرت أو ما يشابهها يمكن أن تفك أي حالة لاحتقان سياسي أوتفتح مسارات؟، في الواقع إن كان مثلها ينفع لا نتفع بها السيد حسني مبارك رئيس مصر الأسبق!.
ثم تقول:" فوجِئتُ مثل آخرين أن بعض الجهات المُعارضة أعلَنَت رَفضَها لقرارات الرئيس البشير قبل سَماعها منه، بخِفَّةٍ وعجلةٍ غير مُحتملة". ونعقب قائلين أن الذين رفضوها - بغض النظر عن كثرتهم أم قلتهم – إنما فعلوا ذلك لأنهم وقفوا على ملخص ما قاله السيد قوش ،، وما أكد صحيح رفضهم لها، أنها جائت ناقصة حتى من صدر التنوير الذي زودكم به سعادة الفريق قوش إعلامياً، فأصبح هو نفسه في حرج بالغ مما أعلن! وجاء رفضها بسبب أنها جائت مذيلة بكل العيوب التي خبرتها الجماهير من نظام يلتف على كل اتفاق وقرار. فكيف تنتظر الجماهير خطاباً علمت سلفاً ملخصه، حتى تخضعه لدراسة أو نقاش طالبتها به؟ ،، دراسة ونقاش مع من؟، وهي قد علمت سلفاً ومن ما خبرته مع نظام ظل يهرب دوماً للأمام في كل منعطف،
ولا يعالج جذوراً لمشكلة وأنه يمارس تسويفاً ومماطلة اعتادت عليها الجماهير طيلة 30 عاماً عجافاً، فأي دراسة وأي قرار وقوش قد لخص مضمون القرار، وحسناً فعلت قيادة الشارع وحسناً فعل الشارع أن أسرع باتخاذ الموقف السليم للوقوف سداً منيعاً أمام أي محاولات لامتصاص غضب الشارع والتقليل من مطلبة الواحد الأحد برحيل النظام جملة وتفصيلاً وتفكيك مفاصل دولة القمع.
وتقول أنه كان الأمثل أن تَقبَل ما تراه إيجابياً وتتحفَّظ على ما يستحقّ التحفظ، وترفض ما تجده جديراً بالرفض!.
ماذا الذي طرحه " الريس" في الأساس؟، حتى تتعاطى المعارضة مع معطيات طرحه؟!، المعارضة تقول بتنحي الرئيس وكامل كادر نظامه وتفكيك فوري خلال فترة انتقالية مدتها 4 سنوات ووضع دستور جديد للبلاد وقانون عادل وديمقراطي للانتخابات وتهيئة البلاد للدخول في مرحلة للتحول الديمقراطي القويم والمستقر بعقد المؤتمر الدستوري الذي يجاوب كيف يحكم السودان وليس من يحكمه!، فماذا طرح البشير؟ لم يجاوب على مطالب الشارع بالرحيل الفوري، بل طرح نفسه أنه هو الحل وطفق يرتب لنفس الطريق الذي سبق وأن رفضه الشارع، ومن منطلق "شرعية متوهمة" رتب لكي تصل البلاد بحماية قانون للطوارئ إلى نهاية السنة الحالية، عسى أن يكون خلالها الشارع قد "برد" لكي يرتب لانتخابات 2020 التي ما يزال يصر عليها حتى يعود مرة أخرى رئيساً بنفس أساليب "الخج والصد" فأي إيجابيات ومتغيرات جديدة في الساحة حتى تدعو المعارضة للجلوس والتفكير فيها؟. لماذ الدعوة للتحديق نحو "سراب متوهم"؟!.
وفي واقع الأمر فإن الايجابي الوحيد في خطوة المشير هو في كونه تنازل إنابة عن الانقاذ من صلفها وغرورها واستهانتها بقدرة الجماهير الغلابة وتفضل بالرد على خطاب الشارع الذي عنوانه (تسقط بس)، أما بقية الخطاب فلا قيمة له بعد أن تأكدت أنه يعيد إنتاج أزمة التحايل والالتفاف وتدوير تنصيب قيادات ومسؤلي الانقاذ منذ انقلاب 89، حيث الوجوه نفس الوجوه، وروشتة الخروج من النفق المظلم هي نفس الروشتة وتبديل حكومة عسكرية بأخرى أكثر عسكرة هي نفس نظام وأيدولوجية الانقاذ، وأما الانقاذ فهي المعبرة عن الحركة الاسلامية وأفكار الجبهة القومية وانفرادها بالسلطة بإقصاء كامل لكافة القوى السياسية الأخرى، فأي إيجابيات في هذا الذي طرح في الخطاب؟!.
وتشير إلى أن السياسة فن للممكن، وأن أهمّ مهاراتها هي إدارة لعبة المساومات، والتعاطي بالأخذ والردّ، وتركُ الأبواب والمسارات مفتوحةً مِن وإلى، قُبول البعض والمطالبة بالبقية. نعم هذه وجهة نظر سليمة، ولكن مع معطيات الواقع الماثل، فإن ما توصلت له جماهير شعبنا وقواه السياسية، أنه لا يمكن فعل ذلك بعد أن خبرت إجادة الانقاذ وحزبها القائد للدولة، على مهارة فن المماطلات والتسويف و"تشليع" كل اتفاق يسمح بقبول ولو ضئيل للآخر في المشاركة في السلطة!، حتى لقد ظلت المسارات مفتوحة في جميع الاتفاقيات والبنود التي تم التوقيع عليها، فهل جنت الجماهير من كل ذلك سوى الحصرم؟ فأي قبول للبعض وأي مطالبة مع الصوت الواحد الذي لا يستمع للآخر، بينما الآخر بح صوته وهو يشتكي لطوب الأرض من تجاهل النظام الحاكم له، بل وبفظاظته في التعامل معه، حتى أضح هذا الآخر لا يسمع سوى صدى صوته ولا من مجيب أو معقب، درجة أن أطلق الناس على ديمقراطية ما بعد نيفاشا، باعتبارها "ديمقراطية رجع الصدى"!.
أما التَمَترُس خلف المواقف النهائية والأبواب المُغلقة، وفرضُ صِيَغٍ وتصوراتٍ للحلول، ولذي لا يؤدي إلا إلى المواجهات الكارثية. فيبدو أنك تخاطب النظام وأهله في هذه الجزئية يا عزيزنا ضياء، من الذي استخدم لغة الأبواب المغلقة والتمترس خلف المواقف النهائية يا ترى؟. فالذي مارس " العناد وفتحِ سقفِ المزايدات على المَجهول". هو سيادة المشير وأركان حزبه الحاكم!.
تقول أنه "رغم قناعتي أن بعض نقاط الخطاب جاءت غامضة ومُبهَمة، مع وجودِ اختلافٍ نسبيٍّ بين ما قَالَهُ لنا الفريق قوش بصريحِ العبارة، وما جاء في خطاب الرئيس على وجه التضمين، والارتباك المصاحب لذلك؛ إلا أن المسار العام للقرارات إيجابيٌّ وجريءٌ وشُجاع".
إيجابي وجرئ وشجاع؟ فيماذا؟ لو كانت هناك ثمة شجاعة وإقدام لما خفض البشير من سقف قراراته الأولى في الخطاب، ولكان تمسك بما نوه له حامي حماه بأنه سيستقيل من رئاسة المؤتمر الوطني حتى تصدقه الجماهير حينما يقول أنه سيقف على مساحة واحدة من الجميع!، هذا (الريس) يا ضياء ما زال يخاطب بنفس لغة الخطاب المعتاد عليها، والتمترس خلف أطروحته التي يحاول أن يفرضها فرضاً على الشارع، فكيف نصدقه وهذه أثر فأسه في رؤوس الشعب؟ طوارئ لمدة عام ليهئ "اللعب" ويصل لانتخابات 2020 بنفس الالتفاف الانقاذي الذي سيتوارى به هذه المرة خلف حكومة عسكرية محسوبة على عضويتها للمؤتمر الوطني ومنتقاة تنقية، وجلً طاقمها يسبح بحمد تكتيكات الحركة الاسلامية وسياساتها التي رأتها الجماهير في الانتخابات السابقة من خج وصد ،، فما الايجابي هنا؟!.
وكأنك يا زيد ما غزيت، لماذا يعتقدون أنهم بهروبهم للأمام يمكن أن يكسبهم هذا مزيداً من الوقت، لكي يفعلوا به ماذا والجماهير وقفت أمامهم (دود) وهي تسمعهم أيقونة "ترحل بس"؟،، أولا يسمعون ،، هل يسمعون ؟
"صخب الرعود
صخب الملايين الجياع يشق أسماع الوجود ؟
لا يسمعون !
في اللاشعور حياتهم فكأنهم صم الصخور" !.
ـــــــــــــــــــ
نشرت بصحيفة الميدان.
hassanelgizuli@yahoo.com
/////////////////