رئيس حكومتنا عبدالله حمدوك واتاه الحظ حينما مشى في جنازة جاك شيراك. ذلك مفصل على قوس تحول في التاريخ الفرنسي. تلك جنازة آخر العمالقة الديغوليين. إيمانويل ماكرون وجه جيل شاب جديد في قصر الإليزيه. كلاهما ؛ شيراك وماكرون في عداد ثلة من الرؤساء الفرنسيين المنفتحين على شعوب الشرق الأوسط . من سوء طالع حمدوك، بل السودان كله أنه لم يكن تحت مظلة المستعمرات الفرنسية . العلاقة بين فرنسا والأقطار الواقعة تحت هيمنتها لم تصل حد القطيعة بعد تحررها . باريس ظلت حريصة على إبقاء العلاقات التاريخية بين الهيمنة، الاستتباع والرعاية. ذلك ليس حال بريطانيا مع مستعمراتها القديمة ، بما في ذلك المستظلة بـ" الكمونولث".
*** *** *** شيراك حمل لقب" صديق العرب" تقديرا لمواقفه المتشددة تجاه قضايا عربية . هو أشرس المناهضين في الغرب قاطبة لحرب بوش في العراق. هو أكثرهم دعما للحقوق الفلسطينية. الرئيس الراحل أفرد من جهده وزمنه حيزين وافرين من أجل لبنان. هو صاحب الباع الأطول في إنقاذ لبنان من جحيم القصف الإسرائيلي فكلل جهوده بـ"اتفاق نيسان " المفضي إلى الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني. فرنسا شيراك نظمت أربعة مؤتمرات دولية لدعم إقتصاد لبنان. في ظل ذلك نسج شيراك ورفيق الحريري علاقة صداقة حميمة على منوال شخصي.
*** *** *** على خطى الراحل جاك شيراك هبط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت. كما فعل شيراك في القدس حرص ماكرون على المشي في الشارع وسط الناس قبل تسليم نفسه لبروتوكول اللقاءات الرسمية .حينما زار الرئيس الراحل بيروت إصطحب في معيته أمين معلوف . الرئيس الحالي استهل زيارته الثانية إلى بيروت من بيت فيروز.كلاهما ؛ معلوف وفيروز نجمان لبنانيان استثنائيان . لكليهما إشعاعهما الثقافي داخل لبنان وخارج مساحته الجغرافية الضيقة. الرئيسان تعمدا إرسال إيماءتين من داخل المتن الفرانكفوني .هي رسالة ليست قاصرة على الشعب اللبناني وحده ، بل إلى العالم قاطبة. ماكرون يترسم مسار شيراك على يابسة لبنان فيتعهد بنظم مؤتمر دولي بغية إخراجه من تحت ركام أزماته الإقتصادية.
*** *** *** عندما زار شيراك القدس في العام 1996 ابتكر دبلوماسية المشي في الشارع بين الناس. الرئيس الراحل استهدف الإلتحام المباشر مع الفلسطينين والإستماع اليهم تعبيرا جديدا عن وقوفه الصلب إلى جانب حقوقهم. حينما استوعب الإسرائيليون غاياته ضربوا حوله طوقا أمنيا خشنا لعزله عن الجماهير المتدافعة نحوه. لمًا أدرك الرجل مقاصد الإسرائيليين من خلال العنف الممارس حوله صرخ في وجه الضباط الإسرائيليين مهددا بقطع رحلته في التو والإقلاع عائدا إلى باريس. حينها أدرك الإسرائليون مغبة التمادي في عنفهم فاسترخ الطوق الشرس من حوله. لكن مشهد التدافع حول شيراك وصرخة احتجاجه الغاضبة لا تزال عالقة في ذاكرة العالم السياسية.
*** *** *** حينما هبط شيراك بيروت لاحقا اصطحب في معيته أمين معلوف. الأديب اللبناني المرموق. هو صاحب رصيد ثر من الإبداع في اللغة الفرنسية. هو عضو الأكاديمية الفرنسية المسماة "مجمع الخالدين" وحامل جائزة غونكور، الوسام الأكثر بريقا في حقل الرواية الناطقة في الفرنسية. معلوف بين كوكبة عربية أثرت الأدب والفكر في اللغة الفرنسية . بين أولئك جورج شحادة، كاتب ياسين، الطاهر بن جلون ورشيد بوجدرة. هؤلاء بين أكثر من منح الفرانكفونية بعدها الإنساني منذ حمل لواء ذلك البعد ليوبولد سيدار سنغور ،شاعر السينغال ورئسها الأكثر وهجا.
** *** *** شيراك لم يرد باصطحاب معلوف فقط تأكيد اعتراف رسمي بمساهمات مبدع لبناني في إثراء الأدب والفكر الفرانكفوني . أكثر من ذلك قصد الرئيس الراحل منح الفراكفونية بعدا يتجاوز إنسانيتها إلى إفق أيديولوجي. تلك رسالة موجهة إلى كل أنحاء الرقعة الفرانكفونية عبر الكرة الأرضية .تلك مظلة تحتها نحوا من ثمانين قطرا.
*** *** *** كما تتبع ماكرون نهج شيراك بالمشي وسط الناس في زيارته الأولى إلى بيروت عاد الرئيس الفرنسي إلى مرجعيته االشيراكية مرة أخرى . استهلال ماكرون زيارته الثانية إلى بيروت من بيت فيروز تنطوي على بعدي منهج شيراك. في ذلك اعتراف فرنسي يدغدغ مشاعر البنانيين كما يثري الإرث الفرانكفوني. فيروز ايقونة لبنانية بلا مثيل. هي ليست فنانة إستثنائية فقط بل رمز لباني فريد يستقطب دون غيره محبة كل الشعب. فيروز وبيروت وجهان لفاتنة واحدة .على إيقاع أغانيها تتوحد قلوب جميع الطوائف.صوتها الوحيد عابر كل خطوط التماس والمتاريس منذ اشتعال الحرب الأهلية القذرة في الوطن الجميل.
*** *** *** زيارة ماكرون إلى بيت فيروز لا يعلي مكانة الفنانة المرموقة في قلوب اللبنانيين بقدرما يعزز من تقدير اللبنانيين للرئيس الفرنسي .من شأن تلك الخطوة المزدوجة البعدين إملاء نفوذ ماكرون على النخب اللبنانية السياسية بغية التجاوب مع مشروعه السياسي الهادف بدوره إلى تكثيف الأضواء على البعد الأييووجي على الفرانكفونية الجديدة.
*** *** *** بما أننا خارج فلك الفرانكفوية ، ربما يجدر تذكير رئيس وزراء حكومتنا عبدالله حمدوك بقول أمين معلوف" لأ ا أطلب من اللهأن يجنبني المصائب يل أساله أن يجنبني القنوط" كما لعل من المناسب تذكير الحاضنه السياسية لحكومة حمدوكقول ملوف" كم هو مؤسفأن يمجد شعب ماضيه أكثر من تمجيد مستقبله."
ربما افضل تذكير الاثنين؛ حمدوك وحاضنته ان ماكرون يستهدف مساعدة اللبنانيين على الخروج من نفق المحاصصة المظلم المعمق ازماتهم مثلنا ثلاثة عقود بينما يحاول رئيس الوزراء والحاضنة دفعنا للتوغل في ظلمات ذلك النفق