رجل الألف سنة ,مؤسس الصليب الاحمر ( 3)
الجزء السابق كان يتناول كتاب ذكرى من سولفرينو , احداث معركه سولفرينو . قصه السويسرى دونالد صاحب البنك والثرى الذى هجر كل شئ , وخلق منظمه الصليب الاحمر لمساعدة البشر . والمنظمه هى ام كل المنظمات التطوعيه فى العالم . والآن تطرد الانقاذ المنظمات الطوعيه . وقديما طردت الصليب او الهلال الاحمر . وبعد 18 شهرا ارجعت الصليب الاحمر لدارفور .
ويتسلق الجنود الفرنسيون المرتفعات لكي يهاجموا النمساويين وسط سيل من الرصاص وما ان يصلوا إلى القمة مغطيين بالعرق ويمذقهم التعب حتى يندفعوا مرة اخرى إلى مرتفع آخر. وتستمر المعارك في قاع الأخاديد.
مواقع النمساويين كانت مثالية فلقد تحصنوا خلف المباني والكنائس في مدولي,سولفرينو وكافريانا ولكن ليس هنالك شيء يوقف القصف وحمامات الدم.
فالرجال يقتلون ويقتلون. وكل منخفض يتعرض إلى هجوم عاصف بالحراب المشرعة ويقتتل الرجال من اجل كل قدم من الارض وتنتزع القرى بيتا بيتا مزرعة ومزرعة وعلى عتبة كل بيت ومن خلف كل نافذة يستمر القتال الوحشي.
الرشاشات الفرنسية بعيدة المدى تسبب اضطرابا مخيفا وسط القوات النمساوية. وتتغطى المنحدرات بالجثث وحتى وسط الجيش الإحتياطي الألماني يصل الدمار. ويفقد النمساويين مواقع اقدامهم ولكن شبرا شبرا ثم يهاجمون ويحصدون ثم يجبرون على التراجع.
وهنالك في السهل تنتزع الريح التراب والغبار وتصنع منهم سحبا كثيفة تثقل الهواء وتصيب المحاريبن بالعمى.
تندفع القوات الإحتياطية النمساوية لملء الفراغ ويندفعون بشجاعة ومن كل الجنبات يرتفع صوت الطبول والأبواق داعية إلى الهجوم الكاسح. ويبدي الحرس شجاعة منقطعة النظير. والقناصة الذين يعملون خلف خطوط العدو ينافسون جنود المقدمة في الشجاعة والبسالة ويندفع الزواف (سكان الجبال من الجزائر) يندفعون إلى الامام وحراب بنادقهم مشرعة ويقفزون كالحيوانات المتوحشة ويسببون اضرارا فادحة. ويندفع الخيالة الفرنسيون لملاقاة الأولانيين والهوسار لكي يخزقوا ويقطعوا اجسام بعضهم البعض وتنفعل الخيول بسبب القتال ويصطدمون بخيول العدو بقوة ويعضون الخيول الأخرى بينما فرسانهم يجزرون بعضهم بالسيوف.
ومن شدة التعطش للدماء يستمرالقتال حتى بعد ان نفذت الذخيرة وتحطمت البنادق. يقتل الرجال بعضهم بعضا بالحجارةوحتى بايديهم المجردة.
ويقتل الكروات اي شيء في طريقهم ويجهذون على جرحى الحلفاء بتهشيم جماجمهم باعقاب بنادق وبنفس الطريقة يعامل الجزائريون جرحى النمساويين ولا يفرقون بين الجنود اوالقواد بالرغم من محاولة ضباطهم لكبح جماحهم إلا انهم يندفعون كالحيوانات المتوحشة نحو العدو.
ويستمر دونانت في وصف الحرب إلى ان ترجح كفة الفرنسيين وحلفائهم ولكن لا ينسى ان يذكرنا بشجاعة النمساويين ويعطي عدة امثلة ويحكي عن الملازم قيسول الي كان يحمل العلم الذي تحاصرت فرقته بقوة تساوي عشرة اضعاف قوته فتصيبه طلقة ويسقط على الارض ولكنه لا يطلق العلم فيقبض جاويش على العلم قبل ان تخترق جمجمته طلقة لكي يبقي في يد الكابتن الذي خضبت دماؤه العلم بدون ان يطلقه وكل من يقبض على ذلك العلم من ظباط وصف ظباط وجنود يصرعه رصاص العدو حتى كان العلم يقف على كوم من البشر.
ويحاول الجنرال كارفون وندشقريتر ان يستعيد بلدة كازنوفا بالرغم من تأكده بأن نصيبه سيكون الموت وحتى بعد ان جرح جرحا مميتا كن جنوده يسندونه وهو يعطي اوامره وسط مطر من الرصاص ثم حموه باجسادهم عندما سقط وبالرغم من انهم كانوا متأكدين من انهم سيموتوا إلا انهم لم يهجروا قائدهم في لحظاته الاخيرة حتى اسلم الروح.
عند الهجوم على جبل فونتانا قتل القائد لاوري والقائد هيرمنت وكثير من الظباط وسط القوات الجزائرية الذين عاهدوا انفسهم على الإنتقام واندفعوا بوحشية الأفارقة وتعصب المسلمين وذبحوا كل شخص امامهم. الكروات يرقدون على الارض ويختفون في الاخاديد ويتركون العدو يتقدم نحوهم ثم ينهضون فجأة ويطلقون بنادقهم عن قرب.
في سان مارتينو جرح الكابتن باليفيسينى فحمله جنوده إلى كنيسة لكي يقوموا بإسعافه وتصادف ان النمساويين قد قاموا بهجوم معاكس مما اجبر الجنود عن ترك الكابتن فحمل الجنود الكروات حجرا ضخما كان امام الكنيسة وهشموا به رأس الكابتن حتى تطاير نافوخه على ملابسهم.
وفي هذه المعارك كانت تسمع اللعنات والشتائم بكل اللغات وعلى كل شفاه واجبر شباب لم يبلغوا العشرون من عمرهم ان يصيروا قتلة.
احد قواد خط المواجهة قطعت يده بواسطة احد جنود البيسكاي واندفعت الدماء من جرحه فصوب احد المجريين بندقيته نحوه عنما كان يجلس تحت شجرة إلا ان احد الظباط منعه وطلب تحويل الظابط الفرنسي إلى منطقة اقل خطورة.
نساء الإسعافات كن يسرن وسط المعركة كبقية الجنود ويساعدن الجرحى المساكين وكما كان يحدث ان يصبن بالرصاص بينما يحاولن مساعدة الجرحى.
وبالقرب يحاول احد الظباط من فرسان الهوسار النمساويين ان يخلص نفسه من تحت حصانهالذي اصيب بقنبلة الظابط نفسه, كان يعاني من الإعياء بسبب فقدان الدم وبالقرب يمر حصان آخر يجر جثة فارسه الملطخة بالدم وفي بعض الأحيان كانت الحصين اكثر رحمة من البشر.
احد الظباط من الفرقة الاجنبية تقذف به قذيفة في الهواء لكي يموت موته مباشرة. وكلبه الذي صحبه من الجزائر كان قد صار صديقا لكل الفيلق كان يشارك في الهجوم وعندما اصابت الكلب رصاصة جر جسمه بعناء لكي يموت فوق جثة سيده.
كانت هنالك عنزة تبناها القناصة الذين يعملون خلف خطوط العدو, صارت محبوبة وشاركت في الهجوم على سولفرينو وجرت وسط مطر من الرصاص لكي تصل بسلام لقد وصف احد الجنود البسطاء هذه الحرب قائلا بعد نهاية الحرب( كنا نحس وكأنها الريح تحملنا إلى الأمام ). فالإنسان في تلك الحالة لا يحس بالحوادث إلا بعد نهايتها ويبدو ان رائحة البارود وزلزلة المدافع وصوت الطبول والأبواق تثير الرجال لقد حارب كل رجل وكأنما سمعته الشخصية معرضة للخطر, وكأنما النصر يعتمد عليه فقط.
فتيات التمريض كن يمشين على خط النار مثل الجنود العاديين ويساعدن الجرحى التعساء الذين كانوا يستجدون شربه من الماء وبينما هؤلاء النسوة يقمن بهذا العمل الانساني كن يسقطن صرعى برصاص العدو.
في نهاية المعركة لم يتقبل كثير من الظباط النمساويين الهزيمة وضحوا بحياتهم في معارك يائسة بعد ان كلفوا العدو خسائر كبيرة كما قام البعض الآخر بالإنتحار حتى يتجنبوا الهزيمة.
وفي نهاية اليوم ومع حلول الظلام ذهب الظباط والجنود الفرنسيين بحثا عن صديق او زميل وعندما عثروا عليه انحنوا فوقه وحاولوا بث الروح فيه او ضغطوا على يده مسحوا دمائه او عصبوا يدا او ساقا مكسورة ولكن لم يكن هنالك ماء من اجل الزميل او الصديق التعس فقط الدموع الصامتة في ذلك المساء الحزين.
في اثناء المعركة كانت المستشفيات الميدانية قد نصبت في بعض المزارع, الاديرة والكنائس , تحت شجرة و في العراء لكي تستقبل كبار الظباط , صغار الظباط و الجنود وعمل الأطباء الفرنسيون بدون كلل وكثير منهم عملوا لمدة عشرين ساعة بدون ان يتوقفوا واثنين من الأطباء الذين عملوا تحت رئيس المستشفى الدكتور( هيري قارتت) اصيباء بالإغماء من الاجهاد بسبب عمليات البتر الكثيرة اللتي اجرياها كما واصل احد زملائهم العمل مسنودا بإثنين من الجنود بعد ان فشلت قدماه في حمله.
من العادة ان يرفع علما اسودا على المستشفيات كنوع من العرف ولكن كان يحدث ان القنابل تسقط على هذه المستشفيات ولا ينجو منها العاملون , الظباط او المرضى.
الجرحى الذين يستطيعون المشي كانوا يجبرون على الذهاب إلي المستشفيات بالرغم من أنهم يعانون من الإعياء و فقدان الدم وعدم توفر العناية كما لم تتوفرالنقالات اللتي تجرها الخيل. او النقالات اليدوية والجبهة كانت تمتد لمسافة عشرين كيلومترا.
وكانت هنالك فيالق كاملة لم يتوفر لها اي طعام. وهنالك فرق قد تلقت اوامر بان تلقي عتادها قبل الاشتراك في المعركة وفقدوا كل شيء. في اماكن اخرى انعدمت المياه وكان العطش قاتلا وكان الظباط والجنود يبحثون عن الماء في البرك الصغيرة المليئة بالقاذورات والدماء المتجلطة.
بعض فرسان الهوسار النمساويين رجعوا إلي معسكرهم في الساعة الحادية عشر مساء واجبروا على المشي لمسافة طويلة لإحضار الماء وفي الطريق مروا على كثير من الجرحى والمحتضرين الذين كانوا يستجدون نقطة من الماء. وعندما رجع الهوسار لم يكن قد تبقى الكثير من الماء.
وحتى قبل ان يغلي الماء لصنع القهوة كان يسمع صوت الرصاص مما يدفع الهوسار إلي القفز على خيولهم. وقد كان يحدث ان الفرنسيين كانوا يطلقون النار على جنود فرنسيين بالخطأ بينما هم يبحثون على الحطب والماء.
احد الجنود التيروليين الجرحى بالقرب من المعسكر يستجدي ماء ولكن بالرغم من قربه من المعسكر لم يكن هنالك ماء وفي الصباح يجدونه ميتا وزبد حول شفائفه وفمه ملئ بالتراب. وجهه المنتفخ كان يغطيه اللون الاسود والأخضر بعد ان تعرض جسمه لتشنجات مخيفة طيلة الليل وانغرزت اظافره في راحتي يديه.
وفي تلك الليلة الصامتة سمعت تنهدات ونحيب مخنوق وحشرجة الموت وصياح يقطع نياط القلوب. كيف يمكن ان نصف تلك الليلة ونضال الموت؟
ويواصل دونانت وصفه ويعكس لنا وجه آخر لما بعد المعركة بدون ان يدين.فالمزارعون في اقليم لومباري كانوا يسرقون كل شيء والجنود الجزائريون يأخذون كل ما يقع تحت ايديهم. فالجنود الذين تركوا متاعهم حتى ينطلقوا إلى القتال بخفة رجعوا ليجدوا ان ممتلكاتهم البسيطة قد ضاعت وهذا قد يعني كل مدخراتهم او الأشياء اللتي ذات قيمة عاطفية كهدايا الاسرة او ايقونة من الأم او ذكرى من أخت او خطيبة.
في بعض الاماكن كان اللصوص ينهبون الجثث بل كانوا ينهبون الذين لا يزالوا على قيد الحياة وكان الفلاحون اللمبارديون ينزعون الأحزية بكل جشع من اقدام الجثث المتورمة.
ويعطينا دونانت وصفا دقيق للنبلاء والجنرالات الذين كانوا يبحثون وسط الجثث عن ابن وصديق, فالموت لا يفرق.
وبين الجرحى يقدم لنا الظابط واحد النبلاء ( سيلفي دي ساران) الي تخرج قبل شهر من اكاديمية (سينت-ساير) والآن تتدلى يده اليمنى مهشمة في انتظار البتر. الجنرال(تشاسيرس دي فينسينس) كان مصابا في رجليه الاثنين ويقابله دونانت مرة اخرى في المستشفى ثم في القطار من ميلانو إلى تورينو إلا انه يموت متأثرا بجراحه. الملازم (دي قيسيول) الذي اعتبر ميتا بعد ان سقط في اخدود وسط مجموعة من جثث النمساويين والقناصة وبعض الأتراك والزواف (رجال الجبال من الجزائر) وبالقرب منه كان احد الظباط المسلمين في زيه الشرقي الجميل واسمه العربي بن الأدغر من القوات الجزائرية ووجهه الذي لوحته الشمس يرقد على صدر كابتن اليري ميت يرتدي سترة ناصعة البياض وبالقرب منهم جثة البارون الصغير السن (سينت-بير) الذي صار رئيسا لفرقته قبل اسبوع .
بعض الموتى كان يبدو عليهم السلم والراحة وهؤلاء الذين نعموا بموت مباشر ولكن الآخرين كان الرعب والألم يرتسم على وجوههم والاطراف المتيبسة كانت مليئة بالبقع الداكنة كما انغرزت الاصابع في جوف الأرض. وظهرت الأعين كبيرة بشكل غير طبيعي وارتفعت الشوارب بطريقة فظيعة بسبب التقلصات لكي تعري الاسنان المنطبقة بشدة. وظهروا وكأنهم يبتسمون إبتسامة بشعة.
وفي ثلاثة ايام استمرت عملية الدفن. فالمساحة كبيرة وكثير من الجثث كانت مختفية في الاخاديد وبين الشجيرات ولم يعثر عليهم إلا بعد ان فاحت رائحتهم مختلطة برائحة الخيول الميتة.
من المؤكد ان كثير من الأحياء قد دفنوا مع الموتى وهذا بسبب عدم اهتمام وخشونة الفلاحين. والميداليات والساعات والنقود والخطابات اللتي وجدت في جيوب الظباط جمعت حتى ترسل الى الأسر ولكن نسبة لاعداد القتلى الكبيرة فلم يكن من الممكن اداء هذا العمل بصورة تامة.
فالابن الذي احبه والديه لسنين طويلة واعتنوا به واحسنوا تربيته ووجد عناية وحنان من ام عطوف, الأم اللتي تجزع لكل عطسة او وعكة , هذا الظابط الباهر الذي احاطته اسرته بالحب يذهب لكي لا يرجع. وجندي صغير السن يجبر لان يفارق خطيبته وامه وشقيقاته ووالده العجوز , يرقد الآن في الوحل ميتا سابحا في دمائه ووجهه الرجولي الوسيم متحجر بعد ان تعرض لضربات السيوف وشظايا القنابل وجسمه الذي كان موضع عناية وتغزية واهتمام والدته ممزق وقد حال الى السواد وبعد ان تورم وصار مخيفا وسيقذف الآن في حفرة حفرت على عجل وكل الذي سيتحصل عليه هو قليل من التراب الذي سيهال عليه بضربات قليلة من جاروف مستعجل.
الموتى النمساويين رقدوا متناثرين في الغابات وعلى السهول في معاطفهم الممزقة وبذاتهم البيضاء الملطخة بالدم التاني واسراب من الزباب تحط عليهم والجوارح تحوم فوقهم لكي تنقض عليهم واخيرا دفنوا بالمئات في القبور الجماعية.
كثير من الشباب البوهيمي اليافع والمجر والرومانيين و آخرين والذين جندوا قبل اسابيع معدودة انهاروا ساقطين على الأرض بسبب الجوع والتعب وبجروح طفيفة لكي لا ينهضوا مرة اخرى.
كثير من الأسرى النمساويين كانوا في حالة رعب تام بسبب سؤ الفهم وكانوا متأكدين من ان الفرنسيون حيوانات متوحشة وكانوا يسألون بجدية عما اذا كانوا سيشنقون على الأشجار اللتي تتوسط الشوارع . كما ادى سؤ الفهم إلى ان احد الجرحى الفرنسيين زحف نحو احد الجرحى النمساويين والذي كان في حالة سيئة وعندما حاول الفرنسي ان يعطي الجريح النمساوي شربة ماء رفع النمساوي بندقيته وبكل ما توفر عنده من قوة اهوى بها على الفرنسي. كما حاول احد الفرنسيين ان يحمل نمساويا قطعت رجله إلا ان النمساوي اخرج مسدسه واطلق رصاصة على الفرنسي من قرب.
ويقول احد الظباط النمساويين لدونانت ( لا تستغرب لهذه الاشياء فإن بيننا بعض المتوحشين . ان بيننا متوحشون من الاطراف البعيدة من الإمبراطورية النمساوية انهم قساة, برابرة حقيقيون).
وينجح دونانت في إنقاذ مجموعة من الاسرى المجريين عندما اراد الفرنسيون ان يفتكوا بهم فقد حسبوهم من الكروات نسبة للشرطان اللتي تزين سراويلهم والكروات عادة كانوا يجهزون على الجرحى. ولكن دونانت يشرح لهم الفرق.
يجب ان نلاحظ هنا ان السويسريون يتكلمون ثلاثة لغات وهي الفرنسية والألمانية والايطالية وهذه احدى العوامل اللتي ساعدت دونانت في مهمته.
قسوة الكروات في الحرب قد لمسها العالم في الحرب البوسنية. كما لا ننسى ان الحرب العالمية الاولى قد بدأت في سراييفو عندما اقتيل الارشيدوق النمساوي في سنة 1914. كما مارس الكروات فظائع رهيبة في البلكان عندما انضموا لهتلر.
الالمان كذلك كانوا يقتلون الاسرى القوقاز في حربهم مع روسيا لان القوقاز كانوا يرتكبون فظائع بشعة ضد اعدائهم, كما كان القيصر يستخدمهم في قمع المظاهرات و الثورات وهم الذين تعقبوا جيش نابليون المنسحب ونكلوا بالجرحى والمتخلفين. واستخدمتهم الإمبراطوره كاثرين في حربها ضد تركيا كما ارتكبوا كثيرا من الفظائع في حرب القرم ولهذا كانوا يحاربون لآخر لحظة حتى لا يسقطوا في الأسر لان السقوط في الأسر يعرضهم للإنتقام .
سؤ الفهم كان يؤدي الى كوارث كثيرة فمثلا بعد المعركة جمع الأسرى النمساوين وبدأوا السير نحو بلدة برسكيا وعندما رأى الايطاليون الهوسار النمساويين يتقدمون بزييهم المميز حتى شاعت الأخبار بأن الجيش النمساوي قد رجع. فبدأوا في الجري والاختباء وهرب البعض بأطفالهم وما خف حمله وغلا ثمنه والذين بقوا اتجهوا إلى اقرب نمساوي جريح وبدأوا في العناية به ووسط الصراخ والرعب قلبت العربات اللتي كانت محملة بالخبذ والنبيز والأكل واقتتل البشر لركوب اقرب جواد والهروب به وانطلق سائقي العربات وخيولهم تحطم اي شيء في الطريق دائسين حتى على الجرحى الذين كانوا يطالبون بالرحمة بدون ان يستجيب لهم اي انسان.
يوم 25 و26 و27 يونيو كانت ايام شديدة الحر بجانب القاذورات , كان هنالك نقص في المياه والتهبت الجروح وصرخ الجرحى من الالم وعلى الارض الحجرية في المستشفيات , الكنائس والاديرة استلقى الجرحى من كل الجنسيات فرنسيون عرب, المان , اسلافو .....الخ, استلقوا بطريقة عفوية. ولم يستطيعوا حتى ان يتحركوا اذا ارادوا نسبة لضيق المكان ويقول احد الجرحى( ماهذه الآلام القاسية ؟ نحن نموت مهملين بالرغم من اننا حاربنا كرجال) .
لم يكن في امكانهم ان ينوموا بالرغم من تعبهم بسبب آلامهم وبالرغم من ليال من عدم النوم كانوا يتلوون من الالم ويستجدون المساعدة من الاطباء وينتهي الامر باصابتهم بالتتنس والموت المؤلم. بعض الجنود كانوا يظنون ان جروحهم الملتهبة ستمتليء بالديدان اذا وضع عليها بعض الماء ولهذا كانوا يرفضون غسلها بالماء . والذين ضمدت جروحهم في ارض المعركة شدت ضماداتهم بقوة حتى يساعدهم ذلك في عملية الترحيل ولم يكن هنالك من يرخي ضماداتهم بعد حضورهم للمستشفى مما عرضهم الى عذاب شديد , وبعض الذين اصيبوا بجروح في وجههم امتلأ وجههم بالذباب الذي لم يستطيعوا ان ينشوه. وفي بعض الاحيان اختلطت المعاطف والقمصان باللحم والدم ليكونوا عجينة يصعب وصفها ومن تلك العجينة زحفت الديدان ثم اتت اسراب من الذباب الجائع. احد الجنود كان يرقد منزويا ولسانه يتدلى بطريقة غير طبيعية من خلال فكه المهشم ويحاول النهوض ولا يستطيع فيسكب دونانت بعض الماء على شفائفه المتيبسة ولسانه الناشف ثم يعصر قليلا من الماء في الفتحة المشوهة اللتي كانت فمه في يوم من الأيام. وبالقرب منه كان هنالك جندي اخططف جزء من وجهه سيف حاد فأنفصل انفه وشفائفه وفكه عن بقية وجهه. وهو الآن نصف اعمى وغير قادر على الكلام يشير الى دونانت ويطلب المساعدة بقرقرة من حلقه فيعطيه دونانت قليلا ليشرب ويسكب قليلا من الماء النظيف على وجهه لكي يخفف آلامه وثالث بثقب كبير في جمجمته يصدر حشرجة ويبدأ الجرحى الآخرين في دفعه بارجلهم ويحميه دونانت في لحظاته الأخيرة فيلفظ انفاسه الاخيرة وتنسكب محتويات جمجمته على الارض الحجرية وبالرغم من ان كل المنازل قد حولت إلى مستشفيات وكل اسرة قد كان عندها مريضا لكي تعتني به الا ان دونانت يجمع كمية من المتطوعين والمتطوعات لتغيير الضمادات وإطعام الجرحى فكثير من الجرحى كانوا معرضين للموت جوعا وعطشا ولم يكن الأمر سهلا في الأول وسط الصراخ والضجيج والنتانه والغاذورات وكما زاد الحر وصراخ الجرحى وشكواهم من الحمل الذي تعرض له المتطوعين بل ان احد الظباط المتطوعين لم يحتمل الوضع وأصابته حالة من التقذذ فانسحب.
ونواصل ...
شوقى ...