رداً على فيصل محمد صالح (3) .. وهذا ما ينبغي أن يُقال لكم .. وتقولونه
عز الدين صغيرون
25 January, 2023
25 January, 2023
الوضع قبل الانقلاب كان مذرٍ وفي منتهى السوء، وكل المؤشرات كانت بوضوح تؤكد، بأن السلطة باتت خالصة في جيب العسكر، وأن الانقلاب (خلاص) تم، ولا ينقصه سوى إذاعة البيان. وقد كتبت حينها، وقبل أن تقع الفأس على الرأس، أزف الخبر (قبليا) في مقال تحت عنوان "هذا هو بيان الانقلاب رقم واحد !!" ، نشر بتاريخ: 17 كانون1/ديسمبر 2020. ولكن الطاقم المدني التنفيذي برئاسة حمدوك كان في شغل عن هذا الهراء الذي يهرف به الناس محذرين ومنذرين ليل نهار.
فكل خطوة يتخذها عسكر لجنة البشير الأمنية كانت تشير بوضوح وتؤكد تصميمهم الانفراد بالسلطة وإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل الثورة، وأن وثيقة الشراكة لا تعني أي شيء، مجرد ورقة يمكن طيها ورميها في أقرب سلة مهملات.
2
- وإلا، هل كان مقابلة نتنياهو في عنتبي والاتفاق مع دولةٍ عدوة، السودان ملتزمٌ في إطار عضويته بجامعة الدول العربية بمقاطعتها، من صلاحيات واختصاصات رئيس مجلس السيادة الدستورية منفرداً في وثيقة الشراكة ؟.
ألم يكن ذلك تمزيقاً صريحاً للوثيقة ؟
إذن لماذا التزم المدنيون في مجلس السيادة بالصمت ولم يتقدموا باستقالات جماعية احتجاجاً ؟.
- ألم يكن الضغط من مجلس السيادة، بتوصية من عضو السيادة "المدني!" صديق تاور لإقالة الدكتور أكرم علي التوم وزير الصحة والذي تم بالفعل، إجراء هزلي وغير دستوري، مزق الوثيقة إرباً ؟!.
ألم يبدو لهم على شيء من الغرابة يسعى أن أحد ابني "الحاضنة" لإقصاء الآخر بتضامن مع المكون العسكري ؟!!.
لماذا لم يتصدى رئيس الوزراء وطاقمه الوزاري حماية لحقهم المنصوص عليه دستورياً في الوثيقة ؟!.
- ماذا فعلت الحاضنة السياسية، ومدنيو مجلس السيادة، ورئيس الوزراء ومجلسه عندما أطلق عسكر لجنة البشير الأمنية ما أسميته في مقال حينها "نكتة طرد الفكي من السيادي" (1).
وذلك حين جاء في الخبر – نقلاً عن الجزيرة – بأن: "البرهان وحميدتي يرهنان احتواء الأزمة مع المدنيين بإبعاد محمد الفكي". ثم جاء في التفاصيل في منصات أخرى، نقلاً عن مصدر مسؤول، فضَّل عدم ذكر اسمه بأن: " بعض العسكريين يقولون ان هناك أعضاء في المكون المدني غير مرحب بهم في مجلس السيادة الانتقالي !!".
كانت تلك تجليات قمة المهزلة و "المسخرة" والازدراء بالثورة وحاضنتها ومجلس وزراءها وأعضاءها في السيادي ...
فأين كانت وثيقة المشاركة في كل ذلك ؟!!.
3
لذا حين يتحدث وزير الإعلام السابق الأستاذ فيصل محمد صالح عن تهاونه وتقصيره – بما يشبه التواطؤ– في كنس ساحة الاعلام وتفكيك مفاصل التمكين في مؤسساته، سواء بسبب فهمه المشوَّش لمفهوم حقوق الانسان المتحرك (وهذه نقطة قد نخوض فيها معه جدل كبير إذا شاء)، أو بسبب عيب في الوثيقة والبرنامج السياسي للحاضنة. وهو ليس وحده من عزى فشل السلطة المدنية بشقيها (الحاضن والتنفيذي) إلى فتوق الوثيقة المعابة، بل كثيراً ما يميل حمدوك نفسه إلى الإيحاء (تلميحاً)، بدور "الحاضنة" في فشله لإدارة الفترة الانتقالية.
ورغم ذلك استطاع المكون العسكري إحكام سيطرته وتنفيذ مخططه.
لقد التف على الوثيقة الدستورية، وأعطى نفسه الحق في تجاوز سلطاته المنصوص عليها في الوثيقة، فصار – بضعفٍ من الحكومة والحاضنة – تنفيذياً وتشريعياً وسيادياً متربعاً على عرش السلطة وحده لا شريك له، يفعل ما يريد !.
4
لماذا نجحوا في تحقيق مخططهم وفشلتم، رغم تعادل كفتي ميزان القوة بينكما ؟!.
لا. بل إن كفتكم كانت هي الأرجح لو لم تخطؤوا حساب القوة بينكم وبين العسكر.
فهم يملكون قوة السلاح، وأنتم تملكون قوة الشعب والشارع.
الشعب يخوض معركة وجودية: أن يكون أو لا يكون.
بينما هم يخوضون معاركهم من أجل السلطة والمال. وسرعان ما يهربون من ساحة المعركة إذا ما أصبح وجودهم ذاته مهدداً.
فالشجاعة ساعة صبر، بينكم والانتصار.
وقد رأيتم ماذا فعل صبر الشعب وشجاعته التي "فرملت" عجلة مخطط الانقلاب عن التقدم والدوران.
5
لقد فشلتم لأنكم، ولخطاً في حساب تقدير قوتكم، انفصلتم عن القوة الحقيقة، قوة الشعب والشارع، متوهمين بأن سلطتكم التنفيذية بوجاهاتها الظاهرية الصورية تمنحكم القوة المكافئة.
لقد تساويتم مع العسكر في عريكما، بسبب افتقاركما الغطاء الشعبي الذي يمنحكما الشرعية الأخلاقية اللازمة.
ولكنهم تفوقوا عليكم بامتلاكهم سلاح الدولة وشرعية استخدامه.
انفردوا بكم، وقد أصبحتم فريسة سهلة، يشلها الخوف، وصور وحشية وقسوة وفظائع مجزرة فض الاعتصام تتراءى في مرآة ذاكرتكم وتطوف بخيالكم. وكانت الأستاذة عائشة موسى أشجعكم وأكثركم صدقاً واحتراماً لنفسها حين تقدمت باستقالتها من مجلس سيادي صوري زائف. وجودها فيه ديكوري في ظل سيطرة العسكر و "تنمرهم" على أعضاءه المدنيين.
6
لهذا، لا بسبب عيوب وثيقة الشراكة، فشلتم، وكلف فشلكم شعبنا المزيد من القتل والاغتصاب والتعذيب والاختفاء القسري والسجون.
فشلتم لأنكم اغتربتم عن شعبكم وتوقف نبض الشارع في شرايينكم.
وحسناً عدتم الآن عبر مبادرة يمكنها، في حال نجاحها، أن تحرك جمود الموقف خطوة، ومسار الثورة الآن، أكثر من أي وقت مضى في حاجة إليها. فقد وصلت زمرة العسكر إلى نهاية الطريق وارتطم رأسهم بالحائط. بينما قوى الثورة الحية ولجان مقاومته تواصل الهتاف والمسيرات ومعهما يتواصل النزيف والفقد، (راكبين راس) وليس في وارد زحفهم التوقف عن السير، فالنصر أو الشهادة.
وربما يمثل الاتفاق الإطاري بوابة الخروج من هذا النفق.
ولكي تنجح هذه المبادرة عودوا بها إلى الشارع، فبيده وحده نجاح المبادرة وفشلها. وهذا الإلحاح الذي تبذلونه والحرص الذي تبدونه لجبرين ومناوي للمشاركة، أجدى وأفيد أن تبذلونه لقوى الثورة الحية وشباب المقاومة, وهذا يمكنكم استخلاصه من الجولة السابقة في سباق الحرية هذا. أم أنكم في حاجة لهذا البيض الفاسد ؟.
هذه كروت محترقة. لقد فقدوا حواضنهم واحترام شعوبهم، بعد أن تبينت خيانتهم لقضاياها، واستبان فسادهم وضعف نفوسهم ووضاعة مطلبهم، هل الوسطاء يفرضونهم عليكم كشرط ؟.
إن كان ذلك فارفضوهم، واستغنوا عن دعم داعميهم، فهم إذن حصان طروادة لجهة عدوة، ومخلب قط وخميرة (عكلتة)، لا يراد بها خير لكم وللوطن وشعبه.
7
هذا ما ينبغي أن يقال لكم، وأن تعترفوا به أنتم لأنفسكم، لأنها تجربة، بقدر قسوتها، يمكن أن تُشكِّل قيمة مضافة في رصيد نضاكم الوطني المستقبلي. فالشعوب الحية لا تكسرها التجارب مهما بلغت قسوتها، وإنما تزيدها قوة وتمدها بالطاقة النضالية لإكمال ذاتها وتحقيق أحلامها.
مصادر وهوامش
(1) تعليقاً على نكتة طرد الفكي من السيادي !!، صحيفة سودانايل الرقمية، بتاريخ 6 أكتوبر, 2021.
izzeddin9@gmail.com
///////////////////////////
فكل خطوة يتخذها عسكر لجنة البشير الأمنية كانت تشير بوضوح وتؤكد تصميمهم الانفراد بالسلطة وإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل الثورة، وأن وثيقة الشراكة لا تعني أي شيء، مجرد ورقة يمكن طيها ورميها في أقرب سلة مهملات.
2
- وإلا، هل كان مقابلة نتنياهو في عنتبي والاتفاق مع دولةٍ عدوة، السودان ملتزمٌ في إطار عضويته بجامعة الدول العربية بمقاطعتها، من صلاحيات واختصاصات رئيس مجلس السيادة الدستورية منفرداً في وثيقة الشراكة ؟.
ألم يكن ذلك تمزيقاً صريحاً للوثيقة ؟
إذن لماذا التزم المدنيون في مجلس السيادة بالصمت ولم يتقدموا باستقالات جماعية احتجاجاً ؟.
- ألم يكن الضغط من مجلس السيادة، بتوصية من عضو السيادة "المدني!" صديق تاور لإقالة الدكتور أكرم علي التوم وزير الصحة والذي تم بالفعل، إجراء هزلي وغير دستوري، مزق الوثيقة إرباً ؟!.
ألم يبدو لهم على شيء من الغرابة يسعى أن أحد ابني "الحاضنة" لإقصاء الآخر بتضامن مع المكون العسكري ؟!!.
لماذا لم يتصدى رئيس الوزراء وطاقمه الوزاري حماية لحقهم المنصوص عليه دستورياً في الوثيقة ؟!.
- ماذا فعلت الحاضنة السياسية، ومدنيو مجلس السيادة، ورئيس الوزراء ومجلسه عندما أطلق عسكر لجنة البشير الأمنية ما أسميته في مقال حينها "نكتة طرد الفكي من السيادي" (1).
وذلك حين جاء في الخبر – نقلاً عن الجزيرة – بأن: "البرهان وحميدتي يرهنان احتواء الأزمة مع المدنيين بإبعاد محمد الفكي". ثم جاء في التفاصيل في منصات أخرى، نقلاً عن مصدر مسؤول، فضَّل عدم ذكر اسمه بأن: " بعض العسكريين يقولون ان هناك أعضاء في المكون المدني غير مرحب بهم في مجلس السيادة الانتقالي !!".
كانت تلك تجليات قمة المهزلة و "المسخرة" والازدراء بالثورة وحاضنتها ومجلس وزراءها وأعضاءها في السيادي ...
فأين كانت وثيقة المشاركة في كل ذلك ؟!!.
3
لذا حين يتحدث وزير الإعلام السابق الأستاذ فيصل محمد صالح عن تهاونه وتقصيره – بما يشبه التواطؤ– في كنس ساحة الاعلام وتفكيك مفاصل التمكين في مؤسساته، سواء بسبب فهمه المشوَّش لمفهوم حقوق الانسان المتحرك (وهذه نقطة قد نخوض فيها معه جدل كبير إذا شاء)، أو بسبب عيب في الوثيقة والبرنامج السياسي للحاضنة. وهو ليس وحده من عزى فشل السلطة المدنية بشقيها (الحاضن والتنفيذي) إلى فتوق الوثيقة المعابة، بل كثيراً ما يميل حمدوك نفسه إلى الإيحاء (تلميحاً)، بدور "الحاضنة" في فشله لإدارة الفترة الانتقالية.
ورغم ذلك استطاع المكون العسكري إحكام سيطرته وتنفيذ مخططه.
لقد التف على الوثيقة الدستورية، وأعطى نفسه الحق في تجاوز سلطاته المنصوص عليها في الوثيقة، فصار – بضعفٍ من الحكومة والحاضنة – تنفيذياً وتشريعياً وسيادياً متربعاً على عرش السلطة وحده لا شريك له، يفعل ما يريد !.
4
لماذا نجحوا في تحقيق مخططهم وفشلتم، رغم تعادل كفتي ميزان القوة بينكما ؟!.
لا. بل إن كفتكم كانت هي الأرجح لو لم تخطؤوا حساب القوة بينكم وبين العسكر.
فهم يملكون قوة السلاح، وأنتم تملكون قوة الشعب والشارع.
الشعب يخوض معركة وجودية: أن يكون أو لا يكون.
بينما هم يخوضون معاركهم من أجل السلطة والمال. وسرعان ما يهربون من ساحة المعركة إذا ما أصبح وجودهم ذاته مهدداً.
فالشجاعة ساعة صبر، بينكم والانتصار.
وقد رأيتم ماذا فعل صبر الشعب وشجاعته التي "فرملت" عجلة مخطط الانقلاب عن التقدم والدوران.
5
لقد فشلتم لأنكم، ولخطاً في حساب تقدير قوتكم، انفصلتم عن القوة الحقيقة، قوة الشعب والشارع، متوهمين بأن سلطتكم التنفيذية بوجاهاتها الظاهرية الصورية تمنحكم القوة المكافئة.
لقد تساويتم مع العسكر في عريكما، بسبب افتقاركما الغطاء الشعبي الذي يمنحكما الشرعية الأخلاقية اللازمة.
ولكنهم تفوقوا عليكم بامتلاكهم سلاح الدولة وشرعية استخدامه.
انفردوا بكم، وقد أصبحتم فريسة سهلة، يشلها الخوف، وصور وحشية وقسوة وفظائع مجزرة فض الاعتصام تتراءى في مرآة ذاكرتكم وتطوف بخيالكم. وكانت الأستاذة عائشة موسى أشجعكم وأكثركم صدقاً واحتراماً لنفسها حين تقدمت باستقالتها من مجلس سيادي صوري زائف. وجودها فيه ديكوري في ظل سيطرة العسكر و "تنمرهم" على أعضاءه المدنيين.
6
لهذا، لا بسبب عيوب وثيقة الشراكة، فشلتم، وكلف فشلكم شعبنا المزيد من القتل والاغتصاب والتعذيب والاختفاء القسري والسجون.
فشلتم لأنكم اغتربتم عن شعبكم وتوقف نبض الشارع في شرايينكم.
وحسناً عدتم الآن عبر مبادرة يمكنها، في حال نجاحها، أن تحرك جمود الموقف خطوة، ومسار الثورة الآن، أكثر من أي وقت مضى في حاجة إليها. فقد وصلت زمرة العسكر إلى نهاية الطريق وارتطم رأسهم بالحائط. بينما قوى الثورة الحية ولجان مقاومته تواصل الهتاف والمسيرات ومعهما يتواصل النزيف والفقد، (راكبين راس) وليس في وارد زحفهم التوقف عن السير، فالنصر أو الشهادة.
وربما يمثل الاتفاق الإطاري بوابة الخروج من هذا النفق.
ولكي تنجح هذه المبادرة عودوا بها إلى الشارع، فبيده وحده نجاح المبادرة وفشلها. وهذا الإلحاح الذي تبذلونه والحرص الذي تبدونه لجبرين ومناوي للمشاركة، أجدى وأفيد أن تبذلونه لقوى الثورة الحية وشباب المقاومة, وهذا يمكنكم استخلاصه من الجولة السابقة في سباق الحرية هذا. أم أنكم في حاجة لهذا البيض الفاسد ؟.
هذه كروت محترقة. لقد فقدوا حواضنهم واحترام شعوبهم، بعد أن تبينت خيانتهم لقضاياها، واستبان فسادهم وضعف نفوسهم ووضاعة مطلبهم، هل الوسطاء يفرضونهم عليكم كشرط ؟.
إن كان ذلك فارفضوهم، واستغنوا عن دعم داعميهم، فهم إذن حصان طروادة لجهة عدوة، ومخلب قط وخميرة (عكلتة)، لا يراد بها خير لكم وللوطن وشعبه.
7
هذا ما ينبغي أن يقال لكم، وأن تعترفوا به أنتم لأنفسكم، لأنها تجربة، بقدر قسوتها، يمكن أن تُشكِّل قيمة مضافة في رصيد نضاكم الوطني المستقبلي. فالشعوب الحية لا تكسرها التجارب مهما بلغت قسوتها، وإنما تزيدها قوة وتمدها بالطاقة النضالية لإكمال ذاتها وتحقيق أحلامها.
مصادر وهوامش
(1) تعليقاً على نكتة طرد الفكي من السيادي !!، صحيفة سودانايل الرقمية، بتاريخ 6 أكتوبر, 2021.
izzeddin9@gmail.com
///////////////////////////