رسائل سلفا من إسرئيل!!
عادل الباز
22 December, 2011
22 December, 2011
22/12/2011م
لا أعرف سببا للغضبة التي اعترت بعض الكتاب الصحفيين في أعقاب زيارة السيد سلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان لإسرائيل. من حق السيد سلفا أن ينشئ علاقاته مع من يشاء، فدولة جنوب السودان دولة ذات سيادة ومن حقها أن تراعي مصالحها مع إسرئيل أو مع الجن الأحمر نفسه!!. ولكن من حقنا على ضوء الشموع التي أضيئت أثناء الزيارة أن نرى الحقائق جيدا و لنتساءل عما تهدف إليه الزيارة والرسائل التي بعثت بها لمن يعنيهم الأمر.
من الحقائق التي تظهر للعلن لأول مرة بتصريح رسمي من دولة إسرئيل وعلى لسان رئيسها أن إسرئيل دعمت نضال شعب جنوب السودان في فترة الستينات بالسلاح والمال والدعم السياسي. هذه الحقائق معلومة وجرى تسريب كثير من أوجه الدعم ولكنها المرة الأولى التي تعترف فيها إسرئيل بتلك الحقيقة. ولكن ما أهمية ذلك؟ لأول مرة يتأكد الجميع أن استراتجية (شد وبتر) الأطراف التي أعلنها وزير الداخلية الإسرائيلي افي دختر قبل سنوات لم تكن لعباً، فقد عملت وتعمل الآن بأطراف السودان المختلفة. حين نشرنا محاضرة افي دختر بهذه الصحيفة شكك كثيرون في جدية ما تعلنه إسرئيل ومدى قدرتها على التنفيذ. الآن يتضح أن إسرائيل كانت تشتغل على بتر الجنوب منذ الستينات ومن كانوا يتساءلون عن من وراء الدعم المستمر للتمرد في الجنوب الآن حصلوا على الإجابة الكاملة.
توقيت الزيارة لم يكن عبثياً، حيث جاءت الزيارة في أعقاب زيارة مهمة قام بها السيد سلفا لدول إفريقية ترتبط بعلاقات تاريخية مع إسرئيل مما يشي بأن نصائح عدة قد تلقاها السيد سلفا من أصدقائة القادة الأفارقة الذين عرفوا بعلاقاتهم المتميزة مع إسرئيل. وجاءت الزيارة عقب زيارة السيد سلفا للولايات المتحدة الأمريكية. لا بد أن زعماء تلك الدول نصحوه أن الطريق لقلب الولايات المتحدة وجيبها يمر عبر إسرئيل.
الملاحظة المهمة هنا أن الدول التي زارها السيد سلفا لها علاقة بملف نهر النيل والصراع الذي يجري بين دول الحوض ومصر. من جهة أخرى معلوم أن السلاح الإفريقي في غالبيته يأتي من مصدرين هما: إسرائيل والصين. يمكننا إعادة رسم هذه الصورة كالآتي. إسرائيل لاعب أساسي في منظمومة دول حوض النيل وتحاول الآن استخدام ورقة المياه للإمساك بحلق مصر إذا ما جرت التطورات السياسية بما يهدد المصالح الإسرئلية وخاصة بعد أن أيقنت تل أبيب أن القاهرة لم تعد قاهرة حسني مبارك إنما قاهرة ينتظرها ميلاد جديد على يد قوى لم تخف مشاعرها العدائية تجاه الكيان الإسرئيلي وعبثيته. وبذا فزيارة كير تبعث بعدة رسائل لمن يعنيهم الأمر داخل السودان وفي الإقليم وداخل أمريكا نفسها.
سيفهم السودان الشمالي أن لإسرئيل أصدقاء قدامى ساهموا في إقامة دولة جنوب السودان ومستعدون للإسهام في بناء مستقبلها كما عبر شيمعون بيريز أمس الأول، وتغمز هذه بأن الجنوب لن يقاتل وحده في حالة إذا ما قررت حكومة الشمال خوض حرب ما في يوم ما ضد الجنوب. على دول الإقليم المجاور إدراك أن الجنوب الجديد له من كروت اللعب الضاغط ما لا يستهان بها. فالمياه كرت ضغط باتجاه مصر إذا ما قررت اتخاذ مواقف من الدولة الجديدة أو حتى دعم السودان القديم في صراعه مع الدولة الجديدة.
على إفريقيا عموما معرفة القدرات الاقتصادية التي يتمتع بها الجنوب من فوائض نفطية. فالآن تستفيد كل من يوغندا وكنييا تجاريا من نفط الجنوب وتستفيد أثوبيا من تدفق العمالة الأثيوبية على الجنوب كما تنتفع الدول المستثمرة في النفط ماليزيا والصين وغيرها من عائدات النفط. على الجميع أن يحسب حساباته السياسية في الإقليم أو خارجه بناء على مصالحه المرتبطة باستقرار الدولة في الجنوب.
تمتد رسائل الزيارة للداخل الأمريكي. فزيارة السيد كير حظيت برحيب اللوبي اليهودي بأمريكا التي تحرك مسبقا لإسقاط العقوبات المفروضة على دولة الجنوب كعربون صداقة سرعان ما ردها سلفا بزيارة لإسرئيل بحديث عن أرض الميعاد أسعد اليهود هناك. على الإدارة الأمريكية أن تفهم أن إسرئيل تبني صداقات داخل الحوش الأمريكي بل داخل الكنغرس الأمريكي ولذا فإن عليها أن تفكر مرتين قبل أن تطلق تصريحات مثل تصريحات ليمان الأخيرة.
إذا استلمت الجهات المعينة هذه الرسائل وفهمتها فإن زيارة كير تكون قد أدت أغراضها غض النظر ما ستجنيه دولة الجنوب من إسرئيل في مستقبلها القريب، فالهدف يتجاوز تل أبيب إلى عواصم أخرى معنية بالأمر.
عادل الباز