رسائل طه لواشنطون … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
22 September, 2010

 


رسالة ذكيّة جداً بعث بها الأستاذ علي عثمان لواشنطون قبل أن ييمّم وجهه شطر نيويورك؛ حيث تجرى وقائع اللحظات الأخيرة بين الشريكين. حملت الرسالة كل الأسئلة التي تنتظر الإجابات هناك، بل هي مفتاح الزيارة نفسها، فبإجابة واشنطون على تلك التساؤلات، تحسم كثيراً من المواقف والقضايا. توقيت إرسال الرسالة كان مهماً، لجهة توفير الوقت المطلوب للمسئولين الأمريكان لإيجاد إجابات منطقية لتساؤلات مهمة تحملها هذه الشخصية الرفيعة لواشنطون.
 السؤال الأول الذي طرحه طه هو أن واشنطون تطلب من الحكومة حل مشلكة درافور وإجراء الاستفتاء في مواعيده، في نفس الوقت تتجاهل النتائج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المعقدة لانفصال الجنوب كيف؟». هذا السؤال يكاد يكشف استحالة الحديث عن التوصل لحل قضية معقدة كدارفور دون موارد، فإذا انفصل الجنوب فإن 80% من موارد الدولة ستختفي من الميزانية، فمّن يتحمّل تكاليف الحل في دارفور من تعويضات النازحين واللاجئين وحتى إعادتهم لقراهم، كيف سيتم ذلك في ظل عدم وجود موارد حقيقية؟ تطلب أمريكا إجراء الاستفتاء في ميعاده وتتجاهل كل المترتبات على نتائجه.. لا يعقل أن تطلب أمريكا من السودان أن يفعل كل الفعل الصحيح، ولا تنظر للضرر الذي يلحق به.
السؤال الأكثر حرجاً هو أنه في الوقت الذي تطلب فيه أمريكا كل ذلك، يقول طه « واشنطون لاتريد أن تسأل نفسها كيف نقدر على كل هذا؟ وهي تمارس سياسة لإضعاف الوطن، ولإضعاف رئيسه، الذي يملك قراريْ الحرب والسلام النهائيين». هذا السؤال إجابته مُلحّة لأنه مفتاحي.
 واشنطون لاتكتفي بدعم المتمردين، بل تذهب لإضعاف السودان. كيف؟ واشنطون تفرض مقاطعة على السودان منذ أن جاءت الإنقاذ وحتى الآن، وتزيد كل عام في عقوباتها عليه. واشنطون تضع السودان بلا مسوّغ في قائمة الإرهاب، رغم اعترافها بأن السودان من أكثر الدول تعاوناً في هذا الملف. واشنطون تفرض على البنوك الدولية محاصرة السودان، فلا تتوفر له إمكانية الاقتراض من أي صناديق التمويل الدولية، ويتعرض أي بنك يتعامل مع السودان لعقوبات أمريكية قاسية!! واشنطون واصلت حصارها الاقتصادي على السودان لحد منع اسبيرات الطائرات عنه، وحتى الدواء مُنع، ناهيك عن حصار السفير السوداني في كيلومترات محدودة، ممنوع تماماً من الحركة في واشنطون نفسها، أبعد من ذلك. يا ترى كيف يستجيب السودان في ظل هذه الأوضاع لمطلوبات واشنطون المستحيلة؟
وضع طه مشكلة أخرى في ثنايا قضايا مختلفة؛ قضية المحكمة الجنائية الدولية، وأطلق تساؤلاً أساسياً حول إضعاف السودان. فالبشير بحسب طه يملك قراريْ السلام والحرب، وشخصية بهذه الخطورة تسعى واشنطون لعزلها وإضعافها بدعم مسار قرارات المحكمة الجنائية، فكيف يمكن لأي تعاون أن يثمر سواء أكان في الاستفتاء، أو في أي قضية أخرى تحت سيوف هذا التهديد والابتزاز؟. تستبطن فكرة طه رسالة أخرى؛ وهي أن مطاردة الرئيس ليست عملاً ذكياً في هذه الآونة، فالمطلوب هو طي ملف الجنائية وعدم التلويح به، والحد الأدنى هو تجميده نهائيا في مجلس الأمن.
الرسالة النهائية لطه لساسة واشنطون إذا أردتم طي ملف دارفور وإجراء الاستفتاء في مواعيده، فعليكم بالتوقف عن إضعاف السودان بحزمة قرارات أولها رفع الحصار الاقتصادي والعقوبات، والامتناع عن دعم التوجهات الانفصالية، وطي ملف الجنائية. هذا ما بِيد طه، وهي أجندة الحكومة للمفاوضات في نيويورك. يا ترى كيف سيكون رد واشنطون على الثلاث مطالبات المهمة التي طرحها وسيطرحها طه أمام باراك أوباما وإدارته؟ سنرى من هنا ليوم السبت القادم إن شاء الله كيف يكون الرد الأمريكي.
أرفق طه مع طلباته خلف السطور تهديداً مبطناً لمَن يهمه الأمر حين قال: «المشكلة ليست السودان فقط.. ولكن المنطقة كلها، التي لا بد أن تتأثر إذا انقسم السودان). بمعنى آخر على الذين يدعمون توجهات الانفصاليين أن يستعدوا لانفجار منطقة بأكملها، وإذا ما حدثت تلك الفوضى ستصبح المنطقة جنّة للإرهابيين، وحينها لن يكون السودان وحده هو من يدفع ثمن فاتورة الانفصال، بل كثيرون داخل القارة، كما لن تكون أمريكا أو أوربا بعيدة عن المدّ الإرهابي الذي سيطال المنطقة. دولة واحدة فاشلة أقلقت منام أفريقيا والعالم؛ هي الصومال، ودولة أخرى تفشل وتجرّ معها أخريات للفشل، ستمثل تهديداً جديّاً لأمن العالم. فهل تسمعون؟
 

 

آراء