رسالة إلى الرئيس … لماذا الآن؟!

 


 

 

 

زفرات حرى

 

 

eltayebmstf@yahoo.com

 

مع بدء العد التنازلي نحو موعد الانتخابات التي تجري بعد حوالي الشهر تزايدت حمى ما يُسمى بالمجتمع الدولي وتابعيه من دول الجوار التي لا تملك من أمر نفسها شيئاً وإنما هي مجرد تروس في ماكينة الدول الكبرى توظفها لتحقيق أجندتها وأهدافها ولعل كل ما يجري هذه الأيام في الشأن السوداني من تحركات دولية أو إقليمية لا يعدو أن يكون محاولات للتأثير على المشهد السياسي الذي ستحدث فيه تحوُّلات كبرى جرّاء ما تفضي إليه الانتخابات وتسعى كل الأطراف المعادية للسودان الشمالي لتحقيق أجندتها بعد أن قرأت خلال الأيام القليلة الماضية الساحة السياسية وأجرت الاستطلاعات والاستبيانات والدراسات التي بنت عليها تحركاتها وحددت مساراتها للتأثير على الأوضاع وفقاً للنتائج والخلاصات التي توصلت إليها.

 ولا يخالجني أدنى شك في أن مراكز الدراسات ترصد بشكل دقيق الحراك السياسي هذه الأيام وتعلم قوة كلٍّ من الأطراف التي ستخوض الانتخابات وهل الخواجات الذين يجوسون خلال ديارنا هذه الأيام تحت مسميات كثيرة إلا جواسيس أو مخبرون أو دارسون ينقلون مرئياتهم إلى صُناع القرار في أمريكا والعواصم الغربية بل وحتى إلى الدول الصديقة مثل الصين؟!

 أظن أن الجميع باتوا موقنين أن الفرق بين الرئيس البشير ومنافسيه كالفرق بين الثرى والثريا من حيث التأييد الجماهيري ولذلك نستطيع أن نفهم ما يجري في الساحة من تحركات على هذه الخلفية التي تتعارض مع أجندة الدول المعادية.

 من الجانب الآخر فإن هذه الأيام تعتبر الأخطر في تاريخ السودان السياسي منذ قيام الإنقاذ والتي ينبغي أن تُحسب فيها التصرفات بدقة متناهية وتُتّخذ فيها القرارات بحكمة تبعد عن سياسة حافة الهاوية التي لها أوان وحين أو أحيان أخرى.

 دعونا نبدأ بقمة الإيقاد التي دعا إليها الرئيس الكيني كيباكي ثم نعرج على مسرحية إدريس ديبي وخليل إبراهيم ثم الدور المصري.

 فقد اجتمع وفد من منظمة الإيقاد يرأسه وزير الخارجية الإثيوبي سيوم ميسفن وعضوية آخرين منهم وزير الخارجية الكيني... اجتمعوا بالرئيس البشير وقدموا له دعوة لحضور قمة الإيقاد التي تُعقد في نيروبي خصيصاً من أجل الأوضاع في السودان!!

 ربما فات على البعض السؤال المنطقي: لماذا الدعوة الآن قبل شهر من الانتخابات بعد صمت مطبق طوال السنوات الخمس الماضية منذ توقيع نيفاشا.. لماذا صمتوا دهراً ونطقوا كفراً بهذه الدعوة المريبة الآن تحديداً؟! لماذا لم ينتظروا ما تُسفر عنه الانتخابات التي ستحدد من يتولى زمام الأمور في السودان بعد شهر واحد أو يزيد قليلاً؟! لماذا لم يضعوا في الاعتبار أن البشير الذي وجهوا إليه الدعوة الآن قد يُخلي موقعه لرئيس آخر الأفضل أن ينتظروا ليتعاملوا معه هو بدلاً من رئيس منتهية ولايته أو لماذا لم ينتظروا البشير المفوَّض من شعبه لعدد من السنوات بدلاً من البشير الذي تنتهي ولايته بعد شهر واحد؟!

 إذن فإن في الأمر سرًا لا يحتاج الكشف عنه إلى عبقرية أو درس عصر؟!

 لقد حركوا بيادقهم من دول الإيقاد حتى يفعلوا شيئاً يحول بين الرئيس والانتخابات التي أيقنوا الآن أنه سيفوز بها الأمر الذي يُحرج الغرب وعميله أوكامبو ويكشف أن الرجل الذي يستهدفونه ويتهمونه بأبشع التهم هو الذي يملك قلب شعبه ولا سبيل إلى إحباط ذلك إلا باستخدام الجنائية والاعتقال أو خيار الضغط لتأجيل الانتخابات مما يعطي المتآمرين فرصة ووقتاً إضافياً للتحرك!!

 وفجأة وبدون أدنى مقدمات يعلن إدريس ديبي عن زيارة للخرطوم لحل أزمة دارفور ثم يعقب ذلك قمة في الدوحة توقِّع الحكومة خلالها اتفاقاً إطارياً مع حركة العدل والمساواة وتحتفل الخرطوم بالاتفاق بصورة لا تختلف كثيراً عن فرحتها باتفاق نيفاشا وأبوجا بالرغم من أنه إطاري!!

 ما الهدف ياتُرى؟! إنه تأجيل الانتخابات التي باتت قاب قوسين أو أدنى!!

 هل أفرطنا في التفاؤل حين احتفلنا بالاتفاق الذي أخذ يتعثر في أولى محطات التفاوض؟! بل وهل صدق ديبي من قبل حتى عندما عاهد البشير داخل الكعبة المشرفة؟!

 إن على الحكومة أن تحسب تحركاتها بدقة هذه الأيام وأن تبعد عن المغامرة وتضع نصب عينيها هدفاً واحداً هو الانتخابات التي ينبغي أن تكون خطاً أحمر لا يجوز التفاوض حوله أو التنازل مهما تكاثرت الضغوط ومهما كانت الإغراءات ولا ثمن يعدل قيام الانتخابات في موعدها خاصة الرئاسية ولا يوجد سبب يجعل الحكومة تضع الخامس عشر من مارس الحالي موعداً نهائياً للتوقيع مع خليل إبراهيم ويمكن التوقيع بعد الانتخابات.

 أما أسفار الرئيس فهي الوسيلة الأخرى التي يمكن أن يحقق بها هؤلاء مخططاتهم لإبعاد الرئيس عن الفوز بالرئاسة فهلاّ توقف الرئيس عن أسفاره خارج البلاد وتوقع أسوأ الاحتمالات؟! ثم بربكم هل من سبب يدعو إلى دعوة الرئيس البشير إلى كينيا الموقعة على ميثاق روما والتي تمرِّر الأسلحة عبر ميناء مومبسا إلى الحركة الشعبية نكاية في الشمال وحكومته وقواته المسلحة؟!

 ثمت نقطة أخيرة ينبغي أن توضع في الاعتبار وهي أن يكثف الرئيس من الإجراءات الأمنية خلال زياراته الكثيرة هذه الأيام لولايات السودان بما في ذلك الجنوب في إطار حملته الانتخابية وليتخلَّ عن أسلوب مخاطبة الجماهير من على منصة أو ظهر عربة مكشوفة.

 على الرئيس أن يعلم أننا لا ندعو إلى اتخاذ هذه التدابير إشفاقاً على حياته بقدر ما يهمنا سلامة هذه البلاد التي ستغرق في الفوضى إن هو غادر الساحة فهو الضامن الأكبر بعد الله تعالى لأمنها وسلامها واستقرارها في ظل وجود أعداء الخارج المتربصين بنا الدوائر وأعداء الداخل من الحركة الشعبية وحلفائها الذين يسعون إلى إحراق السودان الشمالي وجرِّه إلى حرب لا تُبقي ولا تذر وخراب كبير تدفعهم إليه أحقاد دفينة ومخططات شريرة.

 ألا حمى الله السودان الشمالي مما يُضمرون.

 

آراء