رسالة الي الدكتور عبد الله حمدوك: الرايحة ما بتسمع الصايحة (2) 

 


 

حامد بشري
14 December, 2021

 

الخيارات الصعبة أما الوقوف بجانب الشعب أو قبول شراكة البرهان/حميدتي أو الاستقالة

السؤال الذي حير الكل ولا أحد يملك له أجابة .

من أين لحمدوك هذه الثقة المفرطه في البرهان وحميدتي بل في مجمل المؤسسة العسكرية حتي يوقع معهم أتفاق (سياسي أو أطارئ) ؟ مع العلم بأنهم نقضوا العهد ومزقوا الوثيقة الدستورية التي وقعوا عليها أمام حشد دولي وأقليمي ، فما بالك بميثاق سياسي شهوده الأساسين هم فلول النظام السابق. هذا بالإضافة الي التجارب الثرة التي تمتد من التشيلي والأرجنتين غرباً مروراً بباكستان وصولاً الي الفلبين وأندونيسيا ، التي تؤكد وتبرهن نقض الجنرالات للمواثيق والعهود التي يتوافقوا عليها مع المدنيين. القارة الأفريقية كان لها القدح المعلي في تسلط العسكر واستيلائهم بقوة السلاح علي الحكم . ما يسمي ب (الأتفاق الأطارئ) تم التوقيع عليه في ظرف كان وما زال الشارع مرجلاً يغلي وهتافه يصل الي عنان السماء

ما تدي قفاك للعسكر .... العسكر ما حيصونك

أدي قفاك للشارع ....الشارع ما حيخونك

وعلي الرغم من تعدد لقاءات رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك أمام القنوات التلفزيونية سواء محلية أو عالمية بعد أطلاق سراحه من الحبس ، الأ أنه وبكل أسف لم يسمح وقته بالذهاب الي سراديق العزاء التي ملأت أحياء العاصمة بالشهداء الذين دافعوا حتي الرمق الأخير من دمهم عن رمزهم في الحكومة المدنية الدكتور عبدالله حمدوك حينما زلزلة هتافاتهم الأرض منادية بأطلاق سراحه من محبسه. أهازيجهم رددها الاطفال والكنداكات والشفوت وحتي في أماكن العبادة موجهين له خط السير الذي يجب علي قائد الثورة أتباعه :

برهان مالو برهان وسخان الجابوه منو جابوه الكيزان

ومن وراء المحيطات كانت الدكتورة مروة بابكر تنشد أشعارها .

يا البرهان والله ما تحكمنا

والله ما تحكمنا والله ما تحكمنا

لو شقيت سماء وهديت يا حميدتي الجبال

والله ما يسقط حسابك بالزمن

لا أنت لا الخطط معاك لا العسكر الخانوا الوطن

كباشي ينكر للجميع

برهان بيشكر في الجهاز والشرطة والدعم السريع

لكن خلاص الشارع أتعبأ أنفجر ورجعنا للعهد القديم خط النضال المستقيم

مليون ترس وليذهب المجلس وناسو للجحيم

زمن التفاوض أنتهي وزمن المواكب قد حضر

كان الأجدر والأنفع لحمدوك أن يذهب لمؤساة أمهات وآباء الشهداء قبل الأنخراط في أجتماعات لا طائل منها مع القاتل البرهان في وقت لا زالت فيه دماء الشهداء تنزف علي تراب الوطن . لم تقف المأساة في جانبها الأنساني بعدم زيارة أسر الشهداء والترحم علي أرواحهم والذي يمثل خرقاً للأعراف السودانية ، بل أمتدت الي أبعد من ذلك بعدم زيارة أعضاء مجلس وزرائه الذين تمت أهانتهم بالأعتقال اللأنساني . جري الأعتقال لبعضهم وهم معصوبي العينين تحت تهديد السلاح قبل أن يتم حبسهم أنفرادياً وبينهم سيدة، والي ولاية نهر النيل الدكتورة آمنة أحمد المكي . لم يغترفوا ذنباً سوي أنهم كانوا من ضمن طاقم حمدوك الوزاري وشرعوا في تنفيذ شعارات الثورة حرية ، سلام وعدالة بجدية أشعلت الغضب في اللجنة الأمنية للنظام السابق/الحاضر والمجلس العسكري . هذا المسلك الذي يصعب فهمه من قبل الدكتور عبدالله حمدوك يوضح أن هنالك خطأ ما تم أرتكابه في غرف مغلقة أثناء المفاوضات التي أنجزت هذا الأتفاق المعيب . أولها غياب تام للذين تم علي أيديهم ودمائهم أنجاز ثورة ديسمبر 2018 . أما الخطأ الأكبر في رأي فأن حمدوك لم يستوعب التغيير الذي أحدثته ثورة ديسمبر في الشارع السوداني ومرد ذلك لغيابه الفعلي عن تطور الحركة السياسية السودانية التي أسقطت النظام البائد . وهذا درس أضافي للثورة السودانية في كيفية وأسس أختيار قادتها الذين يجب أن يتوفر لديهم الحد الأدني في مقارعة البطش والديكتاتوريات بأشكالها المختلفة . وكما في الأثر لكل مقام مقال ولكل زمان رجال.

كما سبق ذكره تابعت لقاءات رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك مع بعض القنوات التلفزيونية ( الجزيرة الأنجليزية ، العربية ، وأخيراً سودان 24 ) الشاهد في كل هذه المقابلات تعويله وثقته المفرطة والغير مبررة في المكون العسكري بالرغم من أنه أول المتضررين منه . تضرر منه قبل أنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر حيث عارض المكون العسكري كل سياساته الرامية الي السلام ووقف الحرب والتحول المدني الديمقراطي وأصلاح الأقتصاد وتحسين معاش الناس . أما علي المستوي الخاص فالمكون العسكري سجل أول أعتراف ضمني بعدم قبول حمدوك ونفذ أنقلاب ضده وزج به في الحبس ، ضارباً عرض الحائط بالوثيقة الدستورية وبالأعراف الدولية كما أرغمه علي توقيع أتفاق سياسي بموجبه تؤول جزء من صلاحيات الجهاز التنفيذي لمجلس السيادة الذي يرأسه سيئ الذكر البرهان ، حيث بدأ فعلياً في ممارسة السلطات التنفيذية بتعيين رئيس الجهاز القضائي وتجميد لجنة التمكين وبعض قراراتها السابقة وسار في أتجاه أحلال الخدمة المدنية بكوادر المؤتمر الوطني الذي تم حله . تحت قيادة البرهان/حمدوك لن يتحقق ما كان يرمي اليه رئيس الوزراء كما لا توجد شراكة نموذجية مع العسكر سواء كانت علي المستوي النظري أو العملي الأ في ذهنية حمدوك ومثالياته التي تعيق مسيرة الثورة . (المتغطي بالعسكر عريان ).

في المقام الأول لن يتم وقف نزيف الدم السوداني الذي هو عزيز علينا وعلي حمدوك ، بدليل أن نفس الزول الذي قام بفض الأعتصام لا يزال آمناً بعد مضي ما يقارب الثلاثة أعوام وهو نفس الزول الذي وقع معه حمدوك (أتفاق سياسي) . أما في موضوع السلام : فلا حديث عن محاكمات مرتكبي مجازر دارفور وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية والنظر في العدالة الأنتقالية بجدية بما يضمن تحقيق التعايش السلمي . كل هذه لم تتحرك قيد أنملة خلال السنوات الماضية من عمر الفترة الأنتقالية . يزيد المأساة أستفحالاً ما يجري حالياً في شمال وغرب دارفور بالجنينة وجبل مون وكرنيك حيث وصل عدد القتلي الي ما يفوق المائة وثلاثين وعدد الجرحي الذين يتعثر أنقاذهم يفوق هذا العدد كما ورد في تقرير لجنة الأطباء. هذا نذير بأن الأوضاع قابلة للإنفجار مجدداً وبأشرس من ذي قبل أذا لم يتم نزع السلاح الموجود فإن الأقليم في طريقه الي التحول فيما يشبه سوريا و العراق ، أو ليبيا التي تجاور دارفور. أصابع الأتهام فيما حدث تشير الي قوات الجنجويد والمليشيات والسلاح الذي أصبح في متناول الكل .. أولي الخطوات لإيقاف نزيف الدم يتم بتسليم المتهمين والمطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية وهذا بالطبع لا يتماشي مع رغبات البرهان / حميدتي . الأمل أصبح معقود علي محاكمة كوشيب التي لا محالة آتية بكل من تلوثت آياديه بدماء الأبرياء . أما فيما يخص المكتسبات الأقتصادية التي دفعت حمدوك للتوقيع علي الميثاق الأطارئ فهي في جوهرها مبنية علي التحول المدني الديمقراطي الذي أصبح بعد خرق دستور الفترة الأنتقالية علي علاته من قبل المكون العسكري في كف عفريت . مجهودات حمدوك التي أفضت الي رفع العقوبات وأزالة أسم السودان وأعفاء جزء مقدر من الديون لا ينكرها الأ مكابر والفضل يرجع لمجهوداته وأقناعه المجتمع الدولي بالشروع في بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الأنسان أما بعد الأنقلاب فبدأت المؤسسات المالية في الأحجام والتراجع عما التزمت به .

موضوع الأنتخابات الذي يرمي اليه حمدوك أن يكون نهاية الفترة الأنتقالية ، يجب أن لا تغيب عنا بعض الحقائق حوله . المؤتمر الوطني المحلول أسماً والموجود فعلاً لا زال بيده المال والأمن كما له باع طويل في تزوير الأنتخابات أضافة للحركات المسلحة التي رأينا ما تصبوا اليه في أتفاقية جوبا حول المناصب والأتجار بأسم النازحين أضافة الي دخول مليشيات حميدتي بماله وجيوشه حلبة الصراع والأهم من ذلك لا زال جرح الوطن ينزف كل هذه الأسباب كافية لان تجعل من الأنتخابات التي ستجري بعد عام ونصف كما يكرر السيد رئيس الوزراء أنتصاراً وتتويجاً وتقنيناً لاعادة سلطة الأسلاميين الي أسوء مما كانت عليه وحينها ستدخل البلاد في حرب حقيقية يصعب التكهن بمآلاتها وسينعل التاريخ والشعب حمدوك وهذا مصير لا أتمناه أو أرضاه له .

أما الأسباب التي دعت البرهان للأنقلاب علي السلطة الشرعية رغم رفض الشارع  فهي واضحة للعيان ويعلم بها الغاشي والداني منها تورطه في مجزرة فض أعتصام القيادة وأشتراكه الفعلي في مجازر دارفور (أنا رب الفور) ، وعدم رغبته في تسليم رئاسة مجلس السيادة للمكون المدني ، مع أستيلائه علي جزء مقدر من أموال منظومة الصناعات الدفاعية . تواترت معلومات من مصادر مختلفة تفيد بأن لجنة ازالة التمكين بنهاية أغسطس أو بداية سبتمبر، قد وضعت يدها علي وثائق تفيد باستمرار تورط المكون العسكري بمجلس السيادة - يقرأ اللجنة الامنية لعمر البشير - في الفساد و الإفساد و النهب و السلب و تهريب ثروات البلاد حتي بعد الإطاحة بالنظام البائد بثلاث سنوات!! أضافة علي موافقته علي الأرتزاق من الجنود السودانيين الذين يحاربون بالوكالة في اليمن وأعادة ما صادرته لجنة أزالة التمكين وتمكين عناصر المؤتمر الوطني والشعبي في الخدمة المدنية وخاصة في أجهزتها القانونية والتشريعية .

كيف لحمدوك الذي عمل مع البرهان لثلاثة سنوات عدم درايه بهذا الشريك الذي (ورطه) في أتفاق سياسي أولي نتائجه كانت رفض الشارع له . ولأول مره يخرج الشارع في مظاهرات تهتف بسقوط حمدوك الذي كان يمثل أيقونة للثورة حتي تاريخ توقيع ما أتفق علي تسميته (الأتفاق السياسي) . أخشي أن تكون الخطوة القادمة للشريك الذي يؤول عليه حمدوك توريطه في جرائم حرب بالصمت عن ما فعله ويفعله البرهان /حميدتي في قمع المظاهرات السلمية وأحراق دارفور. تجاه هذا الوضع أصبحت خيارات السيد عبدالله حمدوك واضحة أما الوقوف بجانب الشعب أو قبول شراكة البرهان/حميدتي أو الأستقالة .

بغض النظر عن كل ما حدث وسيحدث لا زال الشارع متمسكاً باللآت الثلاثة وعما قريب سيتم أرساء قواعد الحكم المدني الديمقراطي علي الدماء الطاهرة ، دماء الجيل الراكب رأسو والكنداكات التي روت وما زالت تروي أرض السودان .

الثورة مستمرة

والردة مستحيلة


12 ديسمبر 2021

حامد بشري


hamedbushra6@gmail.com

 

آراء