رسالة مني للوالد عليه رحمة الله
د. عبدالمنعم عبدالمحمود العربي
27 May, 2023
27 May, 2023
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي العزيز مولانا الطاهر
شكرًا على التيلفون الإخباري
شكراً وسعدت أنكم وجدتم فى بربر مني رسالة بريدية قديمة من الإمارات معنونة للوالد عليه رحمة الله ، لكنها بحرارتها وصمودها حية طيلة هذه السنين قد جددت في نفسي من على البعد الذكريات القديمة بل الحياة من جديد واليوم نحن مع وطننا الجريح نعيش مشاركين بمشاعرنا وأحاسيسنا ونموت مع من ماتوا "بلا سبب" فهم الشهداء
كانت هي رسالة للوالدين بعثتها العام 1983
وجدت وحيدة، لا تزال هانئة تنام في سكون عميق على رف دولاب ملابس الوالد، عليه رحمة الله ( توفى العام 1989)
هي تعني نعمة التواصل بين الإبن وأبيه وأمه والجدة وسلام يرسل إلي الجيران والصحاب وآخرين
كانت هي الشهادة على حسن ومتعة تواصل الإنسان مع الزمان والمكان
التواصل الحميم الذي يحمل بطاقات المحبة والأشواق
الحنين للأهل
للبيوت والساحات
لأشجار كانت من حولنا ولبعض الطيور فيها سكن كان وأعشاش لا تزال بقاياها في أماكنها، كنا نشعر بحضورها كأسر ومجتمع كانت تزور إقليمنا فى مواسم لا تتخطاها وكنا نستمتع بمؤانستها " وإن كانت لغتها غير" ونستمتع بموسيقي شقشقاتها وجمال ألوان ريشها
رسالتي تلك كانت محملة بذكريات وأشواق إلي الناس، إلي رائحة حيطان وتراب كلها كانت تتفاعل فرحة مع قدوم رشات البدايات الخريفية
رسالتي رغم أنها تحتفل اليوم بإكمال عامها الأربعين
فلا زالت هي كما كانت فلون أوراقها لم يتغير
لون حبرها لم يتغير
و العنوان لم يتغير تأريخيا "السودان - بربر القدواب، الوالد المحترم الشيخ عبدالمحمود حاج العربي، يجده بخير"، لكن مكتب البريد الذي حطت عليه الرسالة فى بربر قد تغير بل اليوم قد مات
رسالة كانت تحمل طابع بريد دولة الإمارات العربية المتحدة ( دولة كانت طفلة تحبو وكانت الخبرات السودانية المتعددة هي المشرفة والمسؤولة عن وضع اللبنات الأولى لتعميرها)
بعد بثلاث سنوات من إرسالها للسودان غادرت طوعاً الإمارات إلى غير رجعة طائراً مهاجراً الي أروبا
انشد وضعية أفضل
بحمد الله قد وفقني الله فى تحقيق كل ما أريد
والآن أحوالي كلها تقدم و إزدهار وانجازات مفيدة وذلك بفضل الله
الإمارات نفسها كلها قد تغير وضعها اليوم وصارت تواكب العالمية فى التطاول فى البنيان " تشوهت صورتها الجميلة التي كانت من غير رتوش ماكياج" وتمدد طرق حديثة ورقي فى كل شيء. بل بحكم التنافس من دولة صغيرة صارت تتطلع لتكون مملكة عظمى ( مثل بريطانيا الكانت قديما عظمى) لكن على حساب دول أخرى ُحكِمَ عليها الدونية بل التخلف والخراب بإستنزاف خيراتها وتبعية إنسانها العمياء للغير ( السودان منها بل للأسف على رأسها)
بيتنا العتيق فى بربر ظل كما هو يقاوم، جوهره لم يتغير
لكن ظهرت عليه تضاريس السنين العجاف طيلة خمس وثلاثين سنة انتهت اليوم "بتكملة الناقصة"أعني حرب لعينة أدت إلي سقوط الخرطوم وخراب كاسح عم الوطن . خراب الخرطوم يفوق مستوى خراب سوبا التاريخي
كان ذلك للأسف الشديد على يد جيشين وطنيين بقيادة جنرالين " رئيس ونائبه" وطنهم واحد
دينهم واحد، لون سحنتهم واحد، كانا يأكلان نفس الطعام على مائدة واحدة. سبحان الله
قسمهم كان لحفظ سلامة الوطن والمواطنين
قسم واحد على كتاب الله الواحد
اليوم على عكس كتاب الله أقسما على تدمير الوطن بأكمله
بالفعل قد دمر كل شيء
انهارت البنية التحتية
صارت العاصمة أطلالا
وما عادت الديار ديارا
وخلت من الطيور والعصافير الأعشاش والأوكارا
وتفرقت الأسر أشتاتا أشتاتا
داخل وخارج الوطن كلهم مذهولين قلقين حيارا
والموت حصد الصغارا والكبارا
اليوم صارت دار أبي العتيقة رغم حالها الملاذ والملجأ الوحيد لأجيال من الأحفاد كثر ، لا تعرفهم ولا هم يعرفونها لكنها قد رحبت بهم أحسن ترحيب وكذلك رحبت بهم كل الجيرة والعشيرة فقد استقبلوهم بالدموع وبكل ترحيب ودعم لا مثيل له ، جزاهم الله أحسن الجزاء
هنيئا لك أبي وأمي ، يارب فى الفردوس أنتما بإذن الله ورحمته تنعمان فى أمان الله الذي لا تخيب ودائعه. فضلكم علينا لا يزال لا ينضب معينه، بركة علينا وصدقة جارية من خيرات أراض خصبة تركتموها اليوم تنعم أجيال وأجيال. الحمد والشكر لله
هنيئا لكم الراحلين من كل أهل السودان وكل الشهداء ، يامن تنعمون فى البرزخ ويا من تنعم أرواحكم فى التخوم البعيدة فرحة تدخل زمراً الجنان الفردوسية تجد فيها الأمن والأمان والرحمة والنعم الأبدية
اليوم أربعون سنة مرت هي عمر رسالتي ، كانت ولا تزال أسطر كلماتها تحمل جميل الأمنيات ومستقبل زاهر للكل وللوطن كان هو الحلم الكبير. ما كنت يومها أتوقع إطلاقاً أن سوداننا سيصل هذا المستوى المريع من الضياع والتفككك المستهدف وممنهج من قبل مافيا عالمية . اليوم للأسف تبخرت كل تلك الآمال والأماني بل كل شيء، وصار كل أهلي ومعارفي بلا وطن
بل جل السودانيين
آه منك يا زمن
وآه من ظلم من لا يخافك يا رب
آه من الخراب وظلم من لا يأبه إذا ضاع كل الوطن
للأسف عقوق الأبناء هو سبب كل الضياع
يارب السلام و سترك، أفرجها يا رب
واجب اليوم أن يتوحد كل السودانيون ويتوافقوا وبالحكمة ليحلوا مشكلة السودان بأنفسهم
عبدالمنعم
drabdelmoneim@gmail.com
شكرًا على التيلفون الإخباري
شكراً وسعدت أنكم وجدتم فى بربر مني رسالة بريدية قديمة من الإمارات معنونة للوالد عليه رحمة الله ، لكنها بحرارتها وصمودها حية طيلة هذه السنين قد جددت في نفسي من على البعد الذكريات القديمة بل الحياة من جديد واليوم نحن مع وطننا الجريح نعيش مشاركين بمشاعرنا وأحاسيسنا ونموت مع من ماتوا "بلا سبب" فهم الشهداء
كانت هي رسالة للوالدين بعثتها العام 1983
وجدت وحيدة، لا تزال هانئة تنام في سكون عميق على رف دولاب ملابس الوالد، عليه رحمة الله ( توفى العام 1989)
هي تعني نعمة التواصل بين الإبن وأبيه وأمه والجدة وسلام يرسل إلي الجيران والصحاب وآخرين
كانت هي الشهادة على حسن ومتعة تواصل الإنسان مع الزمان والمكان
التواصل الحميم الذي يحمل بطاقات المحبة والأشواق
الحنين للأهل
للبيوت والساحات
لأشجار كانت من حولنا ولبعض الطيور فيها سكن كان وأعشاش لا تزال بقاياها في أماكنها، كنا نشعر بحضورها كأسر ومجتمع كانت تزور إقليمنا فى مواسم لا تتخطاها وكنا نستمتع بمؤانستها " وإن كانت لغتها غير" ونستمتع بموسيقي شقشقاتها وجمال ألوان ريشها
رسالتي تلك كانت محملة بذكريات وأشواق إلي الناس، إلي رائحة حيطان وتراب كلها كانت تتفاعل فرحة مع قدوم رشات البدايات الخريفية
رسالتي رغم أنها تحتفل اليوم بإكمال عامها الأربعين
فلا زالت هي كما كانت فلون أوراقها لم يتغير
لون حبرها لم يتغير
و العنوان لم يتغير تأريخيا "السودان - بربر القدواب، الوالد المحترم الشيخ عبدالمحمود حاج العربي، يجده بخير"، لكن مكتب البريد الذي حطت عليه الرسالة فى بربر قد تغير بل اليوم قد مات
رسالة كانت تحمل طابع بريد دولة الإمارات العربية المتحدة ( دولة كانت طفلة تحبو وكانت الخبرات السودانية المتعددة هي المشرفة والمسؤولة عن وضع اللبنات الأولى لتعميرها)
بعد بثلاث سنوات من إرسالها للسودان غادرت طوعاً الإمارات إلى غير رجعة طائراً مهاجراً الي أروبا
انشد وضعية أفضل
بحمد الله قد وفقني الله فى تحقيق كل ما أريد
والآن أحوالي كلها تقدم و إزدهار وانجازات مفيدة وذلك بفضل الله
الإمارات نفسها كلها قد تغير وضعها اليوم وصارت تواكب العالمية فى التطاول فى البنيان " تشوهت صورتها الجميلة التي كانت من غير رتوش ماكياج" وتمدد طرق حديثة ورقي فى كل شيء. بل بحكم التنافس من دولة صغيرة صارت تتطلع لتكون مملكة عظمى ( مثل بريطانيا الكانت قديما عظمى) لكن على حساب دول أخرى ُحكِمَ عليها الدونية بل التخلف والخراب بإستنزاف خيراتها وتبعية إنسانها العمياء للغير ( السودان منها بل للأسف على رأسها)
بيتنا العتيق فى بربر ظل كما هو يقاوم، جوهره لم يتغير
لكن ظهرت عليه تضاريس السنين العجاف طيلة خمس وثلاثين سنة انتهت اليوم "بتكملة الناقصة"أعني حرب لعينة أدت إلي سقوط الخرطوم وخراب كاسح عم الوطن . خراب الخرطوم يفوق مستوى خراب سوبا التاريخي
كان ذلك للأسف الشديد على يد جيشين وطنيين بقيادة جنرالين " رئيس ونائبه" وطنهم واحد
دينهم واحد، لون سحنتهم واحد، كانا يأكلان نفس الطعام على مائدة واحدة. سبحان الله
قسمهم كان لحفظ سلامة الوطن والمواطنين
قسم واحد على كتاب الله الواحد
اليوم على عكس كتاب الله أقسما على تدمير الوطن بأكمله
بالفعل قد دمر كل شيء
انهارت البنية التحتية
صارت العاصمة أطلالا
وما عادت الديار ديارا
وخلت من الطيور والعصافير الأعشاش والأوكارا
وتفرقت الأسر أشتاتا أشتاتا
داخل وخارج الوطن كلهم مذهولين قلقين حيارا
والموت حصد الصغارا والكبارا
اليوم صارت دار أبي العتيقة رغم حالها الملاذ والملجأ الوحيد لأجيال من الأحفاد كثر ، لا تعرفهم ولا هم يعرفونها لكنها قد رحبت بهم أحسن ترحيب وكذلك رحبت بهم كل الجيرة والعشيرة فقد استقبلوهم بالدموع وبكل ترحيب ودعم لا مثيل له ، جزاهم الله أحسن الجزاء
هنيئا لك أبي وأمي ، يارب فى الفردوس أنتما بإذن الله ورحمته تنعمان فى أمان الله الذي لا تخيب ودائعه. فضلكم علينا لا يزال لا ينضب معينه، بركة علينا وصدقة جارية من خيرات أراض خصبة تركتموها اليوم تنعم أجيال وأجيال. الحمد والشكر لله
هنيئا لكم الراحلين من كل أهل السودان وكل الشهداء ، يامن تنعمون فى البرزخ ويا من تنعم أرواحكم فى التخوم البعيدة فرحة تدخل زمراً الجنان الفردوسية تجد فيها الأمن والأمان والرحمة والنعم الأبدية
اليوم أربعون سنة مرت هي عمر رسالتي ، كانت ولا تزال أسطر كلماتها تحمل جميل الأمنيات ومستقبل زاهر للكل وللوطن كان هو الحلم الكبير. ما كنت يومها أتوقع إطلاقاً أن سوداننا سيصل هذا المستوى المريع من الضياع والتفككك المستهدف وممنهج من قبل مافيا عالمية . اليوم للأسف تبخرت كل تلك الآمال والأماني بل كل شيء، وصار كل أهلي ومعارفي بلا وطن
بل جل السودانيين
آه منك يا زمن
وآه من ظلم من لا يخافك يا رب
آه من الخراب وظلم من لا يأبه إذا ضاع كل الوطن
للأسف عقوق الأبناء هو سبب كل الضياع
يارب السلام و سترك، أفرجها يا رب
واجب اليوم أن يتوحد كل السودانيون ويتوافقوا وبالحكمة ليحلوا مشكلة السودان بأنفسهم
عبدالمنعم
drabdelmoneim@gmail.com