رَبَاح.. تَرْمِي بشَرر … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
26 April, 2010

 

 

(1 -3)

لولا أن رباح الصادق رمتني بشرر لكنت قد أهديت لها الرواية البديعة (ترمي بشرر) للكاتب السعودي عبده خال التي فازت بجائزة البوكر هذا العام وعن جدارة. سأعرض لتلك الرواية قريباً، ولكن دعوني الآن أتفرغ  لشرر الأستاذة رباح. لنقل كلمة أولاً في حقها. لرباح استقامة فكرية وسياسية تندر عند المثقفين السودانيين والمثقفات، ولها قلم باذخ وعبارة سلسة الشيء الذي دعاني في كل مرة أتبوأ فيها هذا المقعد اللعين (رئيس التحرير) أسعى إليها في منزلها لاستكتابها ودون معرفة سابقة. وضعت رباح نفسها في موقع مرموق بين الكاتبات الصحفيات والكاتبين ليس لأنها بنت الإمام الصادق بل لأنها هي من هي صنعت مجدها بنفسها وهذا ما يدعونني لاحترامها دائماً، هذا غير محبة خاصة للإمام الصادق وآل بيته من زمن بعيد لعله منذ تعرفت على سيرة السيد عبد الرحمن وتلك قصة تطول.

 الآن ما أصل الحكاية؟ كتبتُ مقالاً أيام الجوطة الانتخابية بعنوان (المهزلة.. الضحك والنسيان) استنكرت فيه مهزلة الأحزاب ومواقفها العبثية ولعبها على عقول الناس، وهذا في عمودي (فيما أرى) وليس على كيفي يا رباح!!. سأستعرض هنا ما قلته تحديداً عن حزب الأمة حتى نؤسس لخلافنا مع رباح ولمن فاتهم الاستماع إليكم ما قلت: (السيد الإمام  الصادق كيف يمكن فهم مواقفه بعد شروطه الجديدة لخوض الانتخابات!! ثمانية شروط قبل أسبوع فقط من الاقتراع  يدرك هو وحزبه انه يستحيل الاستجابة لها وما جدوى المناورات في هذه الأوقات القاتلة؟. هل يمكن للمؤتمر الوطني أو المفوضية أن تدعم مالياً حزب الأمة في هذه الأيام؟ هل يمكن خلال أربعة أسابيع حل المفوضية واستبدالها وتأجيل الانتخابات وإعادة طبع بطاقات الاقتراع بملايين الدولارات وخارج السودان. هذا كله لا بد أن يجري في أربعة أسابيع!!. هل يصدق حزب الأمة نفسه إمكانية تحقيق هذه المطالبات؟ أليس هذا أفضل من مهزلة الشروط التى يعرف الإمام قبل غيره أن المؤتمر الوطني لن ينظر إليها).

 أضفتُ في نهاية المقال: (لمرشحي الرئاسة شروط لخوض الانتخابات وضمنهم مرشح حزب الأمة ولأحزاب جوبا شروط وضمنهم الأمة، ولحزب الأمة أخيراً اشتراطات تخصه وحده.!! تدي ربك العجب!!. إنهم يستخفون بعقولنا. يا جماعة والله الشعب أذكى مما تظنون. وليس ببغاء عقله في أذنيه).

ذاك ما قلته تحديداً في ما يخص حزب الأمة. الآن كيف فهمت رباح ما قلنا؟ كتبت تقول: (وقد علَّق على بعض ما كتبنا رئيس تحرير هذه الصحيفة في كتابة لا نتردد لحظة في وصفها بالمؤتمروطنجية السافرة والساخرة والمثيرة للسخرية المضادة، ففي عموده المقروء (على كيفي) كتب الأستاذ عادل الباز مستنكراً موقف الأحزاب المعلنة للمقاطعة ومستغرباً موقف حزب الأمة القومي متسائلاً هل هو جاد فيما ذكر؟ ومع أن للأستاذ عادل الباز مواقف مشرفة في فضح الفساد خاصة المتعلق بقطاع الاتصالات سارت بها الركبان برغم أنه (من الجماعة) أو كان منهم، إلا أنه أبى في مسألة الانتخابات إلا أن ينضم للمزاج الشمولي).

 رمتنا بشرر, إنها سخرية تستوجب سخرية مضادة! يا تُرى أين السخرية هنا؟ رباح تفرق جيداً بين السخرية والاستنكار, فاستنكار موقف حزب الأمة بناءً على حيثيات أوردتها لا يعني السخرية من موقفه. هذه بديهة، ولكن رباح تريد أن تُمسك بشيء بشرر!!. الغريب أن مواقف حزب الأمة  أثارت استنكار كثير من الكتاب من ذوي المزاج الديمقراطي لا الشمولي من أمثالنا. (راجع حيدر المكاشفي وفيصل محمد صالح). لقد استفزّ هؤلاء الكتاب وآخرون أن حزباً يعلنُ على لسان رئيسه أن (90) في المائة من شروطه قد تمت الموافقة عليها وغدا يعلن الحزب مقاطعة الانتخابات!! هل كان حزب الأمة يحلم بأن يستجيب المؤتمر الوطني أو (مفوضية اليابا) بأكثر من (90) في المائة من شروطه، وقد طالبت رباح بخوضها بثلاثة فقط (بثلاثة فقط خضها يا حزب الأمة). إذن لم تستوجب هذه المواقف المضطربة الاستنكار فأي المواقف تدعو للاستنكار؟ صحيح ان الحزب كان يخوض صراعاً صعباً بداخله بين جماعة المشاركة (الذين شاركوا الآن في أكثر من عشر دوائر قال رئيس الحزب إنه لن يسائلهم)، وبين جماعات المقاطعة، ولكن كان على الأقل أن يلتزم الحزب الصمت فيها حتى يحسم الصراع بداخله بدلاً عن هذه المهزلة التي خاض فيها. لا شك عندي أن حزب الأمة حزب مسؤول ومؤثر في الرأي العام، لذا استنكرنا اضطراب تصريحاته ومواقفه وشروطه العجيبة في اللحظات العصيبة ما يشي أن الحزب يستهتر بعقولنا، وهي تلك المهزلة التي استنكرناها ولا زلنا. نواصل.. الصباح والصباح رباح. وليبقَ ما بيننا.

 

(2-3)

رأيت بالأمس – يا هداك الله - كيف رمتنا رباح بشرر اتهاماتها  ومضت تدلق ماءً ساخناً على وجوهنا لتشويهها بخلط عجيب لا يفرق بين السخرية والاستنكار، وأرجعت اتهاماتنا لحزب الأمة لمزاجنا الشمولي!!.لا أعرف أين لي المزاج الشمولي، فكاتب هذا المقال طول حياته الصحفية لم يعمل موظفاً لدى نظام شمولي، لا في صُحُفِه ولا في دواوين حكومته.. كما أنني لم أؤدِ قسَم الولاء للاتحاد الاشتراكي ولا للمؤتمر الوطني، فمن أين لي اكتساب هذا المزاج  الشمولي؟.

كنا قد تساءلنا في مقالنا السابق عن جِدِّية حزب الأمة وهو يطرح ثمانية شروط للمشاركة في ظرف أسبوع وهو يعلم تمام العلم استحالة استجابة الأطراف المعنيَّة لتلك الشروط. قالت رباح (يعلم الأستاذ عادل الباز أن حزب الأمة على الأقل جاد وجاد جداً فيما يخص الانتخابات، وحينما زاره وفد حزب الأمة عشيَّة عملية التسجيل في محاولة لإشراك الصحف الوطنية في فضيلة التثقيف الانتخابي وتوعية المواطن بأهمية الانتخابات لم يخفِ إشادته بتلك الخطوة فحينها وجد الوفد الطائف للصحف أن أكثريتها كان بمثابة النائم الذي أوقظه حزب الأمة ليقول له إن هناك انتخابات مفصلية ستدور وإن التسجيل هام وهام جداً لتحقيق إرادة الشعب). هذا حقٌ بالفعل نهض حزب الأمة بهذا الدور وكنت أكثر الناس سعادة وإشادة بمبادرات حزب الأمة في الساحة السياسيَّة الوطنيَّة، وكنتُ بالفعل قد أشدتُ بسعي حزب الأمة لتوعية الناس بأهمية الانتخابات والتسجيل. لي ملاحظتان الأولى تتعلق بجدوى أنْ يسعى الحزب لإيقاظ النائمين وعندما تأتي الانتخابات ينام هو على الخط متدثراً بثمانية شروط استجيب لـ(90%) منها ولم يشارك الحزب؟

ثانياً ما تقتضيه الأمانة من رباح أن تذكر وهي تعلم أن هذه الصحيفة التي زارتها لم تكن من النائمين إذ كانت تستعد منذ شهور للانتخابات فبعثت بخمسة من كوادرها القيادية لبيروت لتغطية الانتخابات اللبنانية ولاكتساب الخبرات اللازمة أملاً في تقديم خدمة متميزة للقارئ في الانتخابات السودانية. هذا السعي آتى ثماره فاستطاع كادر هذه الصحيفة تغطية الانتخابات بشكل مهني مبدع وخلاَّق ومتوازن. تعلم رباح أن هذه الصحيفة نهضت بحملة إعلانية لدفع الناس للتسجيل حين كانوا نياماً بالفعل إيماناً منها بضرورة الإسهام في الساحة الوطنية دون حساب لربح وخسارة. طافت كوادر الصحيفة كافة أرجاء السودان شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً لتغطية فعاليات الأحزاب كافة دون أن تعرف الانحياز لحزب أو حكومة. على العموم لم تكن هذه الصحيفة نائمة تنتظر طواف وفد حزب الأمة لإيقاظها.

بالتخليط العجيب الذي مارسته رباح في مقالها بين موقفنا المستقل وموقف المفوضية، أعطت الإحساس كأننا ندافع عن مواقف المفوضية وبلاويها.. ومضت تفنِّد اتهاماتها المتطاولة للمفوضية وكأننا نحن من حملنا راية الدفاع عنها. ما كنا ننبه له ونستنكره هو عدم جدية الأحزاب فيما تطرحه، اشتراطات تمضي بها للمفوضية وتارة الى رئاسة الدولة ثم إلى مجلس الرئاسة ثم أخيراً يأتي حزب الأمة منفرداً بشروطه الثمانية. هذا العبث هو موضع استنكارنا ولم ندافع عن مواقف المفوضية وكوارثها.

أغرب ما ذكرته رباح في مقالها عن المذكرة حين قالت إن حزب الأمة طالب بالاستجابة لشروطها وليس التنفيذ ظرف الأسبوع!! إذا تبقى من الزمن المتاح للانتخابات أسبوعا فكيف تتم الاستجابة لشروطها ولا يتم التنفيذ!! هل تقصد رباح أن تتم الاستجابة للشروط ويترك التنفيذ لما بعد الانتخابات؟ هذا ما لا يقول به عاقل. هذه الشروط لم تكن أموالاً أو مليارات يستلم بعضها الحزب قبل الانتخابات والمتبقي بعد نهاياتها. لا لا كانت هذه حزمة واحدة تنفذ قبل عملية الانتخابات.

تطالبنا رباح أن ننظر لمواقفها بشكل مستقل فنفرق بين ما تكتب وبين منشورات الحزب ومواقفه. يا سلام... ومنذ متى كان ذلك؟ مرات قليلة تلك التي شهدنا فيها مواقف متباينة لرباح ككاتبة مع رباح المنتمية لحزب الأمة. دفاع رباح وتصديها لكل كلمة في الصحافة السودانية بشأن حزب الأمة لا يخطئه المراقبون ومن حقها أن تفعل. رباح هي كاتبة الحزب الأولى وأظنها الوحيدة التي تتصدى للدفاع عن مواقف الحزب وخطه السياسي بشكل أصبح من العسير الفصل بين كتاباتها وبيانات الحزب ومشنوراته الصحفية التي يبعثها لنا بانتظام الهميم الأستاذ محمد زكي كتَّر الله خيرو.

 

(3 -3)

لا زلنا مع شرر رباح. إليكم أخير هذه الرمية. قالت رباح: (وقد علَّق على بعض ما كتبنا: رئيس تحرير هذه الصحيفة في كتابة لا نتردد لحظة في وصفها بالمؤتمروطنجية السافرة والساخرة والمثيرة للسخرية المضادة). ما يهمني من الرمية قصة (مؤتمروطنجية). مما يؤسف له أن حزباً كحزب الأمة عانى من الاتهامات طويلاً ومن جهات كثيرة يسعى الآن لتوزيعها على الصحفيين والكتاب مجانا. أحزابنا الكبيرة والصغيرة هي في حالة بحث دائم عن تصنيف تريح به نفسها من إعمال عقلها فيما نطرحه من آراء وحجج منطقية بعيداً عن أي انتماء. كأنها تستكثر على الصحفيين أن يكونوا أنفسهم معبرين عن ذواتهم وليسوا أبواقاً حزبية.

تصفُ رباح ما كتبنا بأنها كتابة (مؤتمروطنجية) لإصابة ثلاثة أهداف باتهام واحد (مؤتمروطجنية). الأول هو التشكيك في الكاتب واتهامه في حياديته في المسألة المطروحة لنزع تأثير ما أفاد به من آراء. الثاني يُخيَّل لي أن قمة (الشتيمة) عند رباح وصف الكتابة بأنها مؤتمروطنجية!! الثالث أنها تسعى من خلاله لإلباسنا كل الاتهامات التي تدمغ بها المؤتمر الوطني بيسر.

للأسف هذه الأفكار بائرة وبالية ولن تجد لها مشترٍ في سوق الصحافة الآن وبين قرائها الأذكياء. نزاهة الكاتب وحياديته ليس صكاً بخزائن الأحزاب تمنحه من تشاء وتحرم من تشاء وقت ما تشاء. القارئ يدركُ عبر تجارب طويلة ومواقف مختبرة ما إذا كان هذا الكاتب أو ذاك مخادعاً أم نزيها. لا يمكن الضحك على القارئ في كل الأوقات وهو ليس بحاجة لدليل ومرشد لنعت كتابة ما. الأوفق هو مناقشة أطروحات الكاتب وأفكاره لا صك الأوصاف لنوعية كتاباته. وليس مفيداً ما تطرحه رباح من وصف للكتابة بأنها كتابة مؤتمروطجنية أو أنصارية أو شيوعية. هذا النوع من التصنيف سهل إذ بإمكاني وصف كتابات رباح بأنها طائفية منغلقة وبلا أفق، ولكن ماذا يفيد ذلك؟ هل هو تقييم لعطاء رباح الفكري وجهدها السياسي المشهود. بالطبع لا.

كتابة مؤتمروطنجية!! تعني أنها كتابة رديئة ومنحازة.. نترك التقييم للقارئ. تهدفُ تلك النعوت فيما تهدف (شيطنة) المؤتمر الوطني والتخويف من الاقتراب منه. وهي فكرة بائخة وبائرة لا يمكن أن تمرر على أمثالنا. فالمؤتمر الوطني حزب وطني جدير بالاحترام، لي فيه أصدقاء وأحباء وهم بحق صادقون ومثقفون ومحبون لهذا الوطن وهو حزب من الأحزاب سوءته من سوءتها وفساده من فسادها ويشترك معها بامتياز في ضيقه بالآخر. لا تخيفنا التصنيفات ولن تزحزحنا من موقفنا المهني المستقل.

  تحضرني هنا مقولة سامقة لأستاذنا الدكتور عبد الله علي إبراهيم حين بدأ القوم يتساءلون في الأسافير عن من هو عادل الباز؟ وكان ذلك إبان حملتنا على فساد الاتصالات، فقال لهم دكتور عبد الله ليس مهماً من هو عادل الباز إنما المهم ماذا يفعل.

الأستاذة رباح لا تعرف معنى للنقد من موقع مستقل فلا بد أن تكون منتمياً ذا أجندة أو أنك من الجماعة أو كنت منهم!!. يا تُرى كيف لصحفي مستقلٍ ممارسة مهنته كاتباً وصحفياً دون أن تحصده سهام الاتهامات ومن من؟ مما كنا ولا زلنا نثق في رجاحة عقولهم. قبل فترة التقاني سياسي كبير قائلاً والله يا عادل ما قادرين نفهمك؟ قلت لأنني صحفي وصعب على الحزبيين أن يفهموا معنى ذلك. الأحزاب لا تفهم معنى أن تكون صحفياً مستقلا، ويضيق صدرها بهم لأنها تبحث عن  تُبَّعٍ مطبلين لأجندتها ولا ترغب في سماع لحن إلا من تنغيمها. لا يهمني كصحافي مستقل ما إذا تطابقت آرائي مع حزب الأمة أو المؤتمر الوطني أو حزب مولانا إذا كان له رأي في شيء!!. فلست معنياً بخطوط الأحزاب السياسية ولا أنا بتابعٍ لبرامجها ولست أعمى لا أبصر مثلهم!!.

 

آراء