“ستات الشاي” أولى بالحديث عن أنفسهن ..!
بالرغم من تباين وجهات النظر حول قضية شارع الحوادث إلا أن من فوائدها أنها فتحت مسارات جدل مفيدة للغاية حول شريحة ستات الشاي، ويستحسن تعديل المصطلح إلى "أركان القهوة" أو "باعة الشاي" أو "المقاهي الشعبية"، حتى لا نظلم الرجال ونحرم نصف المجتمع من الدخول في مهنة شريفة ومحترمة، وربما يكون دخول الرجال سببا للقسمة والنصيب والزواج والتعدد، وبارك الله فيمن وفق بين راسين في الحلال
يوجد خلط شديد في موضوع ستات الشاي، وهنالك آراء إنطباعية كثيرة غير صحيحة ومنها أنهن يمثلن الشريحة الفقيرة والمسحوقة، وأن بقية المهن الأخرى أوفر مالا منهن، وهذا الوصف قد ينطبق على بعض "ستات الشاي" ولكن لا بد من الإنتباه إلى أن "بزنس الشاي" حسب الموقع وحسب السمعة والإستقرار، وهنالك "ستات شاي" يحققن دخلا كبيرا والحمد والشكر لله ويفوق بالتأكيد المعلمين والمحاضرين الجامعيين وحتى الأطباء خريجي جامعة الخرطوم في فترة ما قبل "العيادة"..!
بصورة متكررة هنالك تضارب وإنطباعات متناقضة حول هذه الشريحة، لو تلاحظون أنه في فترة سابقة كانت هنالك كتابات "ملفوحة" عن شبكات بيع خمور ومخدرات تتخذ من بعض مواقع بيع الشاي غطاء للتوزيع، وحتى لو ثبتت هذه المعلومات فالصحيح ان الشبكات تستغل أي شريحة وليس "ستات الشاي" فقط، وهذا الإستغلال الجزئي المحدود جدا، لا يعني سقوط شريحة بأكملها في جريمة محددة .. هذا تعميم مخل .. وإتهام جائر .. فالأولى دائما تحديد الشخص المتهم دون غيره..!
أيضا هنالك "إسطورة" تبناها البعض الذين يأنسون في أنفسهم "صفة النضال"، وهي أن ستات الشاي والطبقات المسحوقة هي وقود الثورة الشعبية، وذلك بسبب نظرية تراكم "الغبن الطبقي"، وهذا كان وهما كبيرا، لأن ستات الشاي لا يعدمن الوعي السياسي لتحديد خياراتهن السياسية دون "خم" بالجملة لصالح جهة واحدة ..!
أحد أصدقائي من "المناضلين" قال لي أن ست الشاي ناقشته ذات مرة وصححت له مفهومه، قالت له ... انتو دايرين كل مرة تعملوا لينا مشكلة وما نلقى ضل شجرة نقعد فيها، أنت زاتكم منو وما بتجونا إلا للسياسة ليه؟! قال لي هذه الشريحة التي كنا نظن أنها أقرب للخروج للشارع لقد أخطئنا فهما لأنها أصلا في الشارع وتعرفه أكثر مننا ..!
هنالك إحساس جميل للغاية بالبساطة والحرية عندما تجلس في "بنبر" وتحتسي القهوة، وتختار النكهة والزنجبيل ومستوى السكر، ويا ريت لو جاء "بتاع الورنيش" وملصت جزمتك و ورنشتها، وجاء صديقك في الشارع وناديته ... يا فلان تعال .. أقعد نوريك "الموضوع الخطير دا"، وأصلا لا يوجد موضوع، هذه مجرد فضفضة مؤقتة!
هذا الإحساس بالبساطة، لا يعني أن ست الشاي التي تجلس إليها فقيرة وحاقدة على السلطة أو أقرب للحزب الشيوعي أو الحركة "قطاع الشمال" بإعتبار إدعاء تمثيل المسحوقين والمهمشين؟! هل جاءت "ست الشاي" من كوكب آخر؟! أليست من المجتمع السوداني الذي يشمل كل هذه التشكيلات وربما زيادة؟! هل هي شريحة متنوعة أم "دوغما" أيدولوجية ... هذه مجرد إسطورة تقتات عليها نفسيات راديكالية وموتورة .. في حين أن قادتها يعيشون ويجدون دعما من دول رأسمالية مئة بالمئة ... روسيا الآن دولة رأسمالية ذات إقتصاد حر ... الحزب الشيوعي وناطشو اليسار يعيشون حتى الآن في الستينات!
حتى الذين يجلسون لتناول الشاي والقهوة هم أيضا من هذه التشكيلات السودانية وربما يكونوا موظفين وتجار وسماسرة وصحفيين وقوات نظامية ودعم سريع وكل شيء ... ما المانع؟!
الإحساس بالتحرر والبساطة و"الزهج والسخرية من الحكومة" لا يشكل أي تغيير سياسي وهو "مساحة حرية إجتماعية" يتمتع بها منسوبو الحكومة أنفسهم ... ولذلك الرهان على هذا الإحساس وتشكيل وهم بأن ستات الشاي والمجتمعات التي تتحلق حولها من الطبقة الفقيرة والمسحوقة و"المنتفضة" على النظام قراءة سياسية سطحية وفاشلة ولن تؤدي إلا لإحتجاجات "مجهضة ذاتيا" وتتسبب في سقوط خسائر وأرواح بريئة ..!
أنا أعتقد أن المتاجرة بموضوع ستات الشاي وصناعة أزمة كبيرة باسمهن عمل غير إنساني، يجب أن تنظم هذه الشريحة نفسها وتؤسس نقابة أو غرفة تجارية وتجتمع وتنتخب ست شاي او رجل شاي ... نريد مساواة جندر ويجب عدم ظلم الرجال، بالمناسبة في شارع النيل قريب من الكوبري في واحد اسمو "البصير" عندو شاي لبن بتاع عصاري ومغارب "مقنن وخطير" ..!
المهم ... هذه الشريحة يجب أن تتحدث هي عن نفسها ويجب ألا نتحدث بالإنابة عنها، ونصادر حقوقها في التعبير، هذه الشريحة تشكل جزء من تراثنا وثقافتنا وتعتبر متنفسها طبيعيا ومنتدى ثقافي دائم ... وتشبه القهاوي في مصر تمام ... يجب تقنين وجودها وتخصيص أماكن محترمة ومظللة ومسقوفة لها ... ويجب إنارة الشوارع من أجلها ليلا حتى تعمل في النور ويجتمع الناس حولها ... لا أن ندشن ضدها الغارات و"الكشات" بحجة العمل في الأماكن المظلمة!
.............................
makkimag@gmail.com
//////////////