سقط لفظ الجمع لمفردة ال(أنا) من قاموس الإنسانية، فكانت داعش الوجه الآخر للفكر المادي. بقلم: صديق محمد عثمان

 


 

 

في يوم تفجيرات لندن 7/7/2005 كنت مستقلا القطار نحو موقع عملي عندما تم إيقاف القطار في محطة بعيدة نسبيا من مركز المدينة وطلب منا مغادرة محطة القطار دون الإفصاح عن أسباب كثيرة.
بعد ذلك بقليل علمنا أن آخر الإنتحاريين وأصغرهم سنا حسيب حسين المولود في سبتمبر 1996 قد فجر نفسه في أحد البصات وقتل معه 13 شخصا.
حسيب حسين كان واحدا من أربعة شبان مسلمين فجروا أنفسهم ذلك الصباح في شبكة قطارات العاصمة البريطانية لندن ليقتلوا 52 شخصا.
الغريب في حادثة الشاب حسيب حسين هو أنه كان من المفترض أن يفجر نفسه في خط اقطارات الشمالي Northern Line ولكن الخط تم تعطيله ذلك الصباح، فما كان منه إلا أن إعتلى البص رقم 30 من محطة كنج كروس وعلى الرغم من أنه تأكد من أن أصدقائه الثلاثة الأخرين قد فجروا أنفسهم فهو لم يتراجع بل انتظر حتى دخل البص منطقة مكتظة جدا توجد بها عدد من الكليات الجامعية ومباني المجلس الطبي فوق أنها معبر أساسي بين غربي المدينة ومركزها.
فما الذي يدعو شاب في مقتبل عمره إلى هذا التصميم وقد اتته الفرصة ليتراجع؟
في غمرة طبول الحرب على الإرهاب لم يسأل أي شخص هذا السؤال، لم يقف المجتمع ليسأل نفسه لماذا يكرهنا هؤلاء الشباب كل هذا الكره رغم أنهم ترعوعوا وسط كل هذا الذي يعتبره البعض مباهج لا منتاهية؟
أدناه بعض عناوين الأخبار والمقالات في الصحف الإنجليزية خلال اليومين الماضيين:
مدير بنك أعاد مليون جنيه إسترليني عبارة عن (جزء) من حافزه علما بأن البنك الذي يديره المدير (المحفز) سجل خسارة للعام المنصرم تقدر ب 3,5 مليار جنيه إسترليني فقط لا غير، وأن هذا البنك من ضمن منظومة البنوك التي (أضطرت) الحكومة البريطانية للتدخل لإنقاذها من حافة الإفلاس بشراء أسهم فيه ولا تزال الحكومة تملك نسبة عالية من أسهمه.
•        RBS boss forgoes £1million bonus as bank racks up annual loss of £3.5billion.
•        
GRACE DENT <http://www.independent.co.uk/biography/grace-dent-8126028.html> 
•        If teenage girls want to join Isis in the face of all its atrocities, then they should leave and never return
•        Let's stop making excuses for these 'jihadi brides'

أما العنوانين الأخرين فهما لمقالين كتبتهما (سيدتان) بصحيفتي التيلغراف والإندبندنت للتعليق على هروب فتيات مسلمات من مدرسة ثانوية في لندن بغرض الإنضمام إلى داعش. وهما بإختصار غير مخل تقولان للفتيات ( في 60 داهية) !!
وهذا الأسبوع إنتقد تقرير للجنة الشئون الخارجية بالبرلمان البريطاني أداء وزارة الخارجية البريطانية خلال العام 2013-2014، حيث قال تقرير اللجنة أن الوزارة لم تحرز تقدما في إستيعاب كوادر من الأقليات البريطانية خاصة الكوادر المنحدرة من مناطق النزاعات والتي تجيد لغاتها، وقال التقرير أن الوزارة بدلا من إستيعاب كوادر من هذه المناطق خاصة الناطقين بالعربية والروسية اتجهت إلى تخفيض معيار إجادة اللغة.
وهذا الأسبوع أيضا كشفت فضيحة التسجيل الصحفي لوزيري الخارجية الأسبقين مالكوم ركيفنز وجاك سترو أن الأول وهو أسكتلندي من أصول يهودية عمل وزيرا للخارجية لمدة عامين فقط مع السيد جون ميجور خلال الاعوام 1995-1997 يتقاضى من البرلمان الذي يرأس لجنته للأمن والإستخبارات مبلغ 67 الف جنيه استرليني فقط وقد قال للصحفية التي قامت بالتسجيل السري له بأنه من غير المنطقي أن يطلب من شخص بمؤهلاته ومكانته أن يعيش على 67000 في العام، ولكن تكشف بعد ذلك أن السيد ريكفنز يتقاضى مرتبات رسمية من عضويته في إداراة شركات وأخرى يعمل مستشارا لها بلغت في جملتها 235000 استرليني في العام هذا عدا عن حوافز على مشاريع محددة ففي إحدى المرات تلقة مبلغ 60 الف من شركة ساعدها في الحصول على عقد ضمن الخدمات الصحية البريطانية.
والعام الماضي كشف تقرير لوزارة الداخلية أن برنامج حماية السيد توني بلير رئيس الوزراء الأسبق يكلف الوزارة 8 مليون استرليني في العام الواحد.
وقبل أعوام رفض صحفي بصحيفة الغارديان دفع رسوم رخصة البي بي سي والبالغة 13 جنيه شهريا بعد قامت البي بي سي مع يهودي يقدم برنامجا اسبوعيا عبارة عن سهرة مع ( المشاهير) على أن يتقاضى مرتبا سنويا يبلغ 6 مليون جنيه اسنرليني.
والعام قبل الماضي حاكمت محكمة بريطانية إثنين من المشردين (سرقا) طعاما من صناديق إعادة التصنيع الخاصة بإحدى المحلات، واشتكت الشركة التي تعرفت كاميرات مراقبتها على الرجلين بأن الطعام الموضع في هذه الحاويات تبيعه لشركات إعادة تدويره في كل أطعمة للحيوانات أو مخصبات للتربة أو غيرها من الصناعات التي تعتمد على الأطعمة الراجعة.
وفي نفس العام حاكمت محاكم عدد من الطلاب الذين شاركوا في تظاهرات وأحداث عنف أعقبت قتل الشرطة لشاب زعيم لعصابة مخدرات في ما بدا أنه خلافات بينه وبين جهات داخل جهاز الشرطة تشاركه تجارة المخدرات. وبينما كان الرأي العام سريعا في استنتاج أن جريمة قتل الشرطة للشاب لم تكن سوى تصفية جسدية، فإن بعض المحاكم أنزلت عقوبات قاسية جدا على بعض الطلاب وصلت حد الحكم سبعة أشهر على طالبة أخذت قارورة مياه من محل تجاري كان المتظاهرون قد اعتدوا عليه واشعلوا فيه النيران.
والعام الماضي تم بيع شقة في مبنى يقع في نمرة 1 هايد بارك وهو مبنى تملكه شركة إستثمار يديرها صندوق قطر السيادي، بيعت الشقة لمليادير روسي بملبغ (زهيد) لم يتجاوز 142 مليون جنيه إسترليني، فالشقة تطل على (سلون ستريت) ومحلات هارفي نيكولاس وهارودس وتطل بلكونتها على الهايد بارك ولديها مصعد كهربائي منفصل يتسع لسيارة (ميني) والتي يوجد لها مخدع ملحق بغرف الشقة في الطابق السادس، وغرفة جلوس الشقة مزودة بأحدث أنظمة الترفيه Entertainment من سينماء منزلية وأنظمة ومكتبة صوتية قابلة للتحديث لتكون compatible مع جميع أنظمة حفظ وتحميل الملفات الصوتية الحالية أو تلك التي قد يتم التوصل إليها مستقبلا.
اليوم قالت الأخبار أن المجلة الفرنسية شارلي آيبدو مهددة بالإصطراع الداخلي بسبب... تدفق أموال مبيعات عدد سباب الرسول الكريم (ص) ولم يقف أحد ليتدبر عبرة الأموال الملطخة بالدماء ليس دماء صحفي شارلي إيبدو فقط بل دماء الأخوين سعيد وشريف غواشي.
واليوم قال الأستاذ المشرف السابق على الشاب محمد الأموازي أنه لا يكاد يصدق أن ذلك الشاب الهادي الخجول هو نفسه الجهادي (جون) الذي يظهر في أشرطة داعش مستلا سكينه في وجه الغرب، وعبر أحد أصدقاؤه ( He was the sweetest guy).
وقبل سنوات زار الشاب أنور العولقي مدينة لندن ومكث فيها قرابة العام يطوف بين مساجدها ويغشى ساحات جامعاتها فترك أثرا لا يمكن نكرانه، فجأة تحول أعداد من شباب المهاجرين الصوماليين من تجارة المخدرات والتسكع امام الأندية الليلية إلى إهتمامات بالقضية الفلسطينية. وقد استمعت إلى العولقي كفاحا أكثر من مرة في خطب الجمعة في مساجد مختلفة بالعاصمة البريطانية فوجدت شابا متحدثا لبقا جدا متمكنا من لغته في لهجة أمريكية فخيمة.
والسيرة التي تجري على هؤلاء الشباب واحدة فجميعهم راقبتهم أجهزة الإستخبارات وجميعهم خضع ( للتحقيق) في سجون إستثنائية لا تخضع للإجراءات الجنائية المتبعة، وجميع كشف عن أن أجهزة الإستخبارات راودته عن فكرته.
وهي سيرة تكاد تطابق سيرة الشاب السعودي الوسيم الذي ركل حياة الجاه والرفاه وحمل بندقيته ويمم شطر بيشاور ثم عاد يجوب سهوب المملكة العربية السعودية يبشر بحياة وراء جبال الذهب الأسود التي كادت حمم براكينها تطمر كل قيمة جميلة عهدتها هذه البقاع. فلما إنتهت حرب افغانستان كان قد تحول إلى أسطورة تخشاها الأنظمة فاجتمعت على محاصرته ومضايقته وإلجائه إلى أضيق السبل فلم يكن من بد من أن يتحسس بندقيته التي الفها والفته فلم تخذله يوما ولا خانته.
نعم هناك أزمة عميقة في الفكر الإسلامي ... ولكن ليس لأن هذا الفكر يتصادم مع الفكر الغربي المادي بل على العكس فأزمة الفكر الإسلامي هي أنه تنصل عن كل معاييره وخرج ينافس الفكر الغربي تطرفا ومادية.
نعم هناك أزمة عميقة للفكر الإسلامي والعالم الإسلامي ليس أدل عليها من أن هذا العالم الآن يكاد يعدم المساهمة في أي شئ إنساني، حتى وباء الإيبولا الأخير الذي حصد ألاف الأرواح غابت عنه أي مساهمة لرابطة العالم الإسلامي أو جامعة الدول العربية أو أي من مؤسسات ومنظمات العالمين الإسلامي والعربي، وغني عن القول عن أن هذا العالم وقف يتفرج على مأساة دارفور لأكثر من عشر سنوات.
هذا على المستوى الرسمي أما على المستوى الشعبي فقد كان الراحل الشيخ عبدالرحمن السميط آخر أفراد الجيل الذي تجاوز حياة الرفاه وال ( أنا) وحمل بعض مفاهيم العمل الإسلامي إلى مجاهل أفريقيا.
إن أبلغ تعبير عن أزمة العالم الإسلامي أنه في الوقت الذي تقوم فيه هجمة شرسة على مظاهر ومحاولات الصحوة الإسلامية، أعلن أحد وزراء الدولة بوزارة الخارجية البريطانية واسمه توبياس اليوود وهو الوزير المسئول عن الشرق وشمال أفريقيا بالوزارة أن بريطانيا تخطط لأن تكون من اهم مراكز التمويل الملتزم ب ( الشريعة الإسلامية) هكذا!!
Britain to lead the world in Islamic finance
http://www.telegraph.co.uk/finance/newsbysector/banksandfinance
/11435465/Britain-to-lead-the-world-in-Islamic-finance.html <http://www.telegraph.co.uk/finance/newsbysector/banksandfinance
/11435465/Britain-to-lead-the-world-in-Islamic-finance.html> 
تمنع الشريعة في بلدانها ويعاد تصنيعها في لندن على أيدي صبية مؤهلهم الوحيد أنهم ينحدرون من السلالة التي تملك تلت مقاعد البرلمان البريطاني وأكثر من نصف مناصب وزارة الخارجية البريطانية وأغلبية مطلقة من وظائف البي البي سي المؤسسة الإعلامية الممولة من ضرائب المواطنين. بعد 11 سبتمبر أغلقت جميع مؤسسات الطوعي في العالم الإسلامي ومكنت جميع حكومات العالم الإسلامي وكالات الإستخبارات الغربية من أنظمة المصارف وليس فقط حسابات الأفراد والمؤسسات.
التسويات الإصلاحية ( الديمقراطية) التي وجدتها الأنظمة الإقطاعية الغربية نفسها مجبرة على التعايش معها خلال القرن الماضي مكنت هذه الفئات الإقطاعية من إمتصاص الثورات المستمرة على سيطرتها المطلقة وآخرها الثورة الفرنسية، ولم تواجه معارضة إلا من الفكر الشيوعي الإشتراكي الذي إنفعل بالفروقات الفاحشة في الرفاه المادي واتخذ موقفا متطرفا منه وحاول فرض مساواة مصنوعة وفي سبيل ذلك أضطر إلى محاربة كل منافذ الحرية التي قد تدخل منها هذه الفروقات ولكنه من حيث لا يدري كان قد أضطر الشعوب إلى المفاضلة بينه وبين النظام الرأسمالي ذي الفروقات الفاحشة ولكن مستوى لا بأس به من الحرية الفردية فكان أن إختارت الشعوب حرياتها على الرفاه المفروض والذي لم يتحقق له نموذج واحد يغري هذه الشعوب.
ما يحدث الآن هو أن هذه القطاعات المتمكنة من أنظمة الحكم في البلدان الغربية تستخدم كل الرفاه والتقدم الذي توصلت إليه الإنسانية لتعضيد سلطتها ومكانتها حتى يكاد يخيل إليك أنه ما من إقتراع تكنلوجي حديث إلا ووجدت له إستخدام عسكري إن لم يكن أصلا قد تم تطويره في معامل المؤسسات العسكرية التي تحرس هذه الأنظمة حتى الإنترنت الذي جعل العالم قرية وكان يمكن أن يكون الوسيلة الأهم في تقريب الشعوب ثقافيا وإجتماعيا بل وإقتصاديا وبالتالي إزالة الفوارق والإختلافات لولا أنه تحول إلى وسيلة للتجسس وجمع المعلومات الشخصية عن الأفراد على النحو الذي أزعج الشباب الذين تمردوا على هذه الأفعال من أمثال جوليان أسيانغ وإداورد أسنودن وبرادلي ماننغ ، ويكفي متابعة الهجمة الشرسة التي يتعرض لها هولاء الشباب لندرك أن الأمر لا علاقة له بانور العولقي أو الأخوين غواشي أو محمد الأموازى، فجوليان أسيانغ وجدوا له قضية إغتصاب قديمة أما برادلي ماننغ فهو (المثلي) الوحيد الذي تعج صفحات الصحف بتفاصيل حياته الجنسية الخاصة جدا بينما المثليين (على قفا من يشيل) من قمة الوزارات إلى أدنى مستويات المجتمع، أما إداورد اسنودن فالراجح أن تتم تصفيته جسديا طالما عجزت هذه القوى حتى الآن عن إكتشاف مادة في سجله الشخصي تعينها على تلهية الناس عن موضوع ما قام به من كشف. 
الذي يتابع تصريحات المسؤلين البريطانيين بعد الكشف عن هوية الشاب محمد الأموازي يدرك أن النادي الإقطاعي لا يرى سوى استخدام موارد الإنسانية في سحق كل مخالف لنمط الحياة التي تمت إليها الإشارة سابقا، فقد خرج رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مدافعا بشدة عن الإستخبارات البريطانية في وجه (فرية) أن سوء معاملتها لمحمد الأموازي لعبت دورا في تطرفه كما قالت منظمة (القفص) Cage ، أما حاكم مدينة لندن السيد بوريس جونسون ( وهو صحفي سابق كان قد سرق غليون من بيت صدام حسين أثناء تغطيته للحرب على العراق ولم يرجعه إلا تحت تهديد زميل له بفضح امره)، فقد قال بأنه يدعم عودة وزارة الداخلية لإستخدام أوامر التقييد التي تقيد حركة من تشتبه الوزارة فيهم دون أن يكون عندها الدليل الذي تقدمه في محكمة قانونية ضدهم!!      
طبعا هذا لا ينفي أزمة الفكر الإسلامي بل إن مجرد حقيقة أن جميع هؤلاء الشباب المسلمين الذين تمردوا على السيطرة المطلقة للإقطاع نشأوا وترعوعوا في مجتمعاته كما حدث مع كارل ماركس الذي صدمته بريطانيا التي صدمت محمد الأموازي هذه الحقيقة في حد ذاتها تلقي الضوء الكثيف على أزمة الفكر الإسلامي.
ليس أبلغ تعبير على أزمة الفكر الإسلامي أن أنظمة تم إنتاجها بالكامل في معامل الإقطاع العالمي لم تقبل بحركة الأخوان عضوا كامل العضوية معها في النادي الإقطاعي رغم من أن هذه الحركة ظلت ولسنوات طويلة سكرتيرا للنادي.
إن الهدف من دفع هؤلاء الشباب إلى التطرف هو مصادرة الامل حتى لا يتمكن الفكر الإسلامي من انتاج بديل يفتح بابا للشعوب التي ترزح تحت كلكل النظام الرأسمالي الإقطاعي الفاحش، وفي الهجمة الحالية خير كثير للفكر الإسلامي ليس أدناه أنها ستفسخ زواج المتعة القائم بينه وبين هذا الرأسمالية العالمية، وإذا أدرك الفكر الإسلامي أهداف هذه الهجمة فلن يقع في فخ التخيير بين التحول إلى التطرف أو تحويل زواج متعته بالرأسمالية إلى زواج دائم فثمة طريق ثالث مجرب إستطاع خلال عقد واحد من الزمان إخراج بلال بن رباح من تحت صخرة أمية بن خلف ومكنه من الجلوس فوق صدر أمية، وأخرج سلمان الفارسي من حظائر الطائف إلى سعة التخطيط العسكري الحصيف، وكف سيف ابا ذر الغفاري عن صدور كانزي الذهب والفضة وأرسله لتحرير قرى محصنة بالجهل. 

siddig93@hotmail.com
/////////

 

آراء