سقوط الفاشر وتحدي الموقف من حكومة الدعم السريع الموازية
رشا عوض
26 May, 2024
26 May, 2024
رشا عوض
تشير التطورات الميدانية على الارض الى اقتراب سقوط مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور في ايدي قوات الدعم السريع، ولو تم ذلك فمعناه ان اقليم دارفور بالكامل اصبح تحت سيطرة “الدعم السريع”، منذ بداية المعارك العنيفة هناك تواترت الانباء عن مجازر بشعة بحق المدنيين وكوارث انسانية محزنة فالمدينة تحتضن معسكرات نازحي حروب سابقة فضلا عن الحرب الحالية وهناك قنابل فتن عرقية تنذر بان الكلفة الانسانية لسقوط المدينة ستكون مروعة. اما الوجه الاخر للمأساة فهو التحدي السياسي الكبير ممثلا في فكرة تشكيل حكومة امر واقع بقيادة الدعم السريع مركزها دارفور في مقابل حكومة الامر الواقع بقيادة الجيش في بورسودان اسوة بسناريوهات التقسيم والشرعيات المتوازية في كل من ليبيا واليمن، وهي سيناريوهات ضرب الوحدة الوطنية في مقتل، وتطبيقها في السودان سينقل الاوضاع برمتها الى نقطة اللاعودة من حالة الحرب في المدى المنظور، والذي يعزز المخاوف من هذا السيناريو هو الارتباط الوثيق بين الدعم السريع والامارات راعية السيناريوهات الشبيهة في محيطنا الاقليمي، وبكل اسف تعالت هذه النبرة في خطاب بعض الجهات الاهلية والمدنية ذات الصلة بالدعم السريع خصوصا مع تصاعد معركة الفاشر، فما هو موقف القوى السياسية الديمقراطية المناهضة للحرب من هذا السيناريو الذي يقرع الابواب بقوة؟ وهل في مقدورها فعل شيء؟
إن اوجب واجبات القوى الديمقراطية الان هي ضبط البوصلة الفكرية والسياسية والاخلاقية في الاتجاه الصحيح بمعيار المصالح الوطنية العليا.
باستقراء تجاربنا التاريخية وتجربة الحرب الدائرة حاليا يتضح بجلاء ان لا مصلحة للشعب السوداني في تقسيم الوطن بقوة السلاح، بل مصلحته في مشروع سلام يسكت قعقعة السلاح ويحرر السودانيين من ارهاب البندقية ليكونوا قادرين على الفصل في القضايا السياسية في فضاء مدني متحرر تماما من اكراهات السلاح واستبداد لوردات الحرب.
مثلما تصدت القوى الديمقراطية بقوة لنزع المشروعية السياسية من حكومة الامر الواقع في بورسودان باعتبارها سلطة انقلابية مفروضة بقوة السلاح ، يجب ان تتصدى بذات القوة والثبات لنزع المشروعية السياسية من أي حكومة يشكلها الدعم السريع في دارفور، لان الشعب السوداني بعد كل عذابات وويلات الحرب والخسائر الباهظة التي دفعها مكرها بسبب الصراع العسكري العسكري على السلطة يستحق ان ينتزع مصيره من العسكر الذين قتلوه وشردوه واذلوه وافقروه ودمروا وطنه وتعاملوا معه باقصى درجة من انعدام الحساسية والمسؤولية، لا يستحق هذا الشعب ان يكون مجرد غنيمة مقسومة بين الدعم السريع من جهة والجيش والكيزان من جهة! لا يستحق ان يُحكم عليه بالعيش تحت بوت احدهما وان يكون افق حياته محدودا بظل بنادقهما! وهو ظل من يحموم لا بارد ولا كريم!
نعم للاعتراف بالمظالم التاريخية التي عانى منها إقليم دارفور ممثلة في التهميش السياسي والاقتصادي والتنموي والثقافي والاستعلاء العنصري على اساس جهوي وعرقي، وجرائم الحرب والابادات الجماعية. ولكن طريق الخلاص من هذه المظالم هو طريق الخلاص الوطني من الاستبداد والفساد في كل السودان، هو طريق توطين نموذج ديمقراطي مستوفٍ لاركان الحكم الراشد من مشاركة عادلة وشفافية ومساءلة وسيادة حكم قانون، هو طريق مخاطبة مظالم الاقاليم المهمشة التي سحقتها الحروب الأهلية بمشروع جاد للعدالة الانتقالية ، وبمشروع سياسي قوامه الفيدرالية الحقيقية والتنمية المتوازنة والتمييز الايجابي للاقاليم المهمشة كعربون للوحدة الوطنية الطوعية، السودانيون سواء في الشمال والوسط او في دارفور او جنوب كردفان او جنوب النيل الازرق لن يعيدوا اكتشاف العجلة في ميادين النهوض وتغيير واقع التخلف الذي يكبلهم، ولا مجال للانعتاق من التخلف وما ارتبط به من مظالم مستوطنة الا ببناء علاقة عضوية بين أي مشروع للنهضة الوطنية بالديمقراطية وحقوق الانسان وقيم الحكم الراشد التي تمثل خلاصة التجربة الانسانية، اما المفاصلات العرقية والجهوية بالسلاح فلن تجلب الحرية والعدالة والتنمية لسكان الاقاليم المهمشة بل ستترك حياتهم على بؤسها وستتحكم فيهم بذات مناهج الحكم المعطوبة التي حكمهم بها المركز وكل التغيير الذي سيطرأ هو الانتماء العرقي والجهوي للمستبد الجديد! هذه هي خلاصة تجربتنا السودانية مع الاحتجاج المسلح جنوبا وشرقا وغربا!
وبالتالي لا مجال لتسويق فكرة اقامة الدعم السريع لحكومة في دارفور على اساس خطاب نصرة المهمشين والانتصار على دولة 56 لان هذه الحكومة ببساطة لن تكون سوى ظل باهت لدولة 56 في نسختها الاكثر بشاعة وقبحا وهي دولة 1989 التي فيها تشكلت الثقافة السياسية للدعم السريع!!
الدعم السريع يستحيل ان ينجح في توحيد دارفور بتنوعها العرقي والقبلي والسياسي طوعا واختيارا بل سينقسم مجتمعها حول سلطته، وانتهاكاته المستمرة ستفاقم العداء له، والاستخبارات العسكرية لن تدخر جهدا في تأجيج الفتن القبلية والدفع نحو اقتتال اهلي داخل الاقليم.
طريق الخلاص الوطني كما ينبغي ان ترسمه قوى السلام والتحول الديمقراطي هو طريق نزع المشروعية السياسية عن الحرب وعن طرفيها وعن أي حكومة امر واقع تحت بندقيتهما في بورسودان او الفاشر.
قضية الوحدة الوطنية من امهات القضايا الاستراتيجية التي لا تقبل المساومة والمواقف الرمادية ولا بد من التصدي لكل ما يهددها بصرامة ووضوح رؤية.
ان ما نحتاجه فعلا هو بناء تصور للوحدة الوطنية الطوعية على اساس مشروع ديمقراطي فيدرالي ورؤية وطنية مستنيرة لرد الاعتبار للاقاليم المهمشة وتطبيب الوجدان الوطني الجريح، فهذا الوجدان رغم جراحه الغائرة ما زالت تكمن فيه بذور الوصال والوشائج التي نمت ونضجت على امتداد تاريخنا القديم والمعاصر.
تشير التطورات الميدانية على الارض الى اقتراب سقوط مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور في ايدي قوات الدعم السريع، ولو تم ذلك فمعناه ان اقليم دارفور بالكامل اصبح تحت سيطرة “الدعم السريع”، منذ بداية المعارك العنيفة هناك تواترت الانباء عن مجازر بشعة بحق المدنيين وكوارث انسانية محزنة فالمدينة تحتضن معسكرات نازحي حروب سابقة فضلا عن الحرب الحالية وهناك قنابل فتن عرقية تنذر بان الكلفة الانسانية لسقوط المدينة ستكون مروعة. اما الوجه الاخر للمأساة فهو التحدي السياسي الكبير ممثلا في فكرة تشكيل حكومة امر واقع بقيادة الدعم السريع مركزها دارفور في مقابل حكومة الامر الواقع بقيادة الجيش في بورسودان اسوة بسناريوهات التقسيم والشرعيات المتوازية في كل من ليبيا واليمن، وهي سيناريوهات ضرب الوحدة الوطنية في مقتل، وتطبيقها في السودان سينقل الاوضاع برمتها الى نقطة اللاعودة من حالة الحرب في المدى المنظور، والذي يعزز المخاوف من هذا السيناريو هو الارتباط الوثيق بين الدعم السريع والامارات راعية السيناريوهات الشبيهة في محيطنا الاقليمي، وبكل اسف تعالت هذه النبرة في خطاب بعض الجهات الاهلية والمدنية ذات الصلة بالدعم السريع خصوصا مع تصاعد معركة الفاشر، فما هو موقف القوى السياسية الديمقراطية المناهضة للحرب من هذا السيناريو الذي يقرع الابواب بقوة؟ وهل في مقدورها فعل شيء؟
إن اوجب واجبات القوى الديمقراطية الان هي ضبط البوصلة الفكرية والسياسية والاخلاقية في الاتجاه الصحيح بمعيار المصالح الوطنية العليا.
باستقراء تجاربنا التاريخية وتجربة الحرب الدائرة حاليا يتضح بجلاء ان لا مصلحة للشعب السوداني في تقسيم الوطن بقوة السلاح، بل مصلحته في مشروع سلام يسكت قعقعة السلاح ويحرر السودانيين من ارهاب البندقية ليكونوا قادرين على الفصل في القضايا السياسية في فضاء مدني متحرر تماما من اكراهات السلاح واستبداد لوردات الحرب.
مثلما تصدت القوى الديمقراطية بقوة لنزع المشروعية السياسية من حكومة الامر الواقع في بورسودان باعتبارها سلطة انقلابية مفروضة بقوة السلاح ، يجب ان تتصدى بذات القوة والثبات لنزع المشروعية السياسية من أي حكومة يشكلها الدعم السريع في دارفور، لان الشعب السوداني بعد كل عذابات وويلات الحرب والخسائر الباهظة التي دفعها مكرها بسبب الصراع العسكري العسكري على السلطة يستحق ان ينتزع مصيره من العسكر الذين قتلوه وشردوه واذلوه وافقروه ودمروا وطنه وتعاملوا معه باقصى درجة من انعدام الحساسية والمسؤولية، لا يستحق هذا الشعب ان يكون مجرد غنيمة مقسومة بين الدعم السريع من جهة والجيش والكيزان من جهة! لا يستحق ان يُحكم عليه بالعيش تحت بوت احدهما وان يكون افق حياته محدودا بظل بنادقهما! وهو ظل من يحموم لا بارد ولا كريم!
نعم للاعتراف بالمظالم التاريخية التي عانى منها إقليم دارفور ممثلة في التهميش السياسي والاقتصادي والتنموي والثقافي والاستعلاء العنصري على اساس جهوي وعرقي، وجرائم الحرب والابادات الجماعية. ولكن طريق الخلاص من هذه المظالم هو طريق الخلاص الوطني من الاستبداد والفساد في كل السودان، هو طريق توطين نموذج ديمقراطي مستوفٍ لاركان الحكم الراشد من مشاركة عادلة وشفافية ومساءلة وسيادة حكم قانون، هو طريق مخاطبة مظالم الاقاليم المهمشة التي سحقتها الحروب الأهلية بمشروع جاد للعدالة الانتقالية ، وبمشروع سياسي قوامه الفيدرالية الحقيقية والتنمية المتوازنة والتمييز الايجابي للاقاليم المهمشة كعربون للوحدة الوطنية الطوعية، السودانيون سواء في الشمال والوسط او في دارفور او جنوب كردفان او جنوب النيل الازرق لن يعيدوا اكتشاف العجلة في ميادين النهوض وتغيير واقع التخلف الذي يكبلهم، ولا مجال للانعتاق من التخلف وما ارتبط به من مظالم مستوطنة الا ببناء علاقة عضوية بين أي مشروع للنهضة الوطنية بالديمقراطية وحقوق الانسان وقيم الحكم الراشد التي تمثل خلاصة التجربة الانسانية، اما المفاصلات العرقية والجهوية بالسلاح فلن تجلب الحرية والعدالة والتنمية لسكان الاقاليم المهمشة بل ستترك حياتهم على بؤسها وستتحكم فيهم بذات مناهج الحكم المعطوبة التي حكمهم بها المركز وكل التغيير الذي سيطرأ هو الانتماء العرقي والجهوي للمستبد الجديد! هذه هي خلاصة تجربتنا السودانية مع الاحتجاج المسلح جنوبا وشرقا وغربا!
وبالتالي لا مجال لتسويق فكرة اقامة الدعم السريع لحكومة في دارفور على اساس خطاب نصرة المهمشين والانتصار على دولة 56 لان هذه الحكومة ببساطة لن تكون سوى ظل باهت لدولة 56 في نسختها الاكثر بشاعة وقبحا وهي دولة 1989 التي فيها تشكلت الثقافة السياسية للدعم السريع!!
الدعم السريع يستحيل ان ينجح في توحيد دارفور بتنوعها العرقي والقبلي والسياسي طوعا واختيارا بل سينقسم مجتمعها حول سلطته، وانتهاكاته المستمرة ستفاقم العداء له، والاستخبارات العسكرية لن تدخر جهدا في تأجيج الفتن القبلية والدفع نحو اقتتال اهلي داخل الاقليم.
طريق الخلاص الوطني كما ينبغي ان ترسمه قوى السلام والتحول الديمقراطي هو طريق نزع المشروعية السياسية عن الحرب وعن طرفيها وعن أي حكومة امر واقع تحت بندقيتهما في بورسودان او الفاشر.
قضية الوحدة الوطنية من امهات القضايا الاستراتيجية التي لا تقبل المساومة والمواقف الرمادية ولا بد من التصدي لكل ما يهددها بصرامة ووضوح رؤية.
ان ما نحتاجه فعلا هو بناء تصور للوحدة الوطنية الطوعية على اساس مشروع ديمقراطي فيدرالي ورؤية وطنية مستنيرة لرد الاعتبار للاقاليم المهمشة وتطبيب الوجدان الوطني الجريح، فهذا الوجدان رغم جراحه الغائرة ما زالت تكمن فيه بذور الوصال والوشائج التي نمت ونضجت على امتداد تاريخنا القديم والمعاصر.